سواد

الأحد 2015/11/01
تخطيط: إبراهيم الصلحي

كنت عاطلاً، أخرج صباحاً من بيتي وأسير وحيداً، لا أدري إلى أين، أجلس في أيّ مقهى يصادفني، لا أستقر طويلاً، لم تعد لي ألفة مع الأمكنة، سرعان ما أغادر كأني على موعدٍ أو كأنني أهرب من قدر غريب يلاحقني، اكتشفت أنني بلا أصدقاء، أعرف الكثير من الأشخاص ولكن بشكلٍ عابر، أصدقائي الحقيقيون سافروا أو اختفوا أو قتلوا في الحروب المتتالية، في أحد أيام تسكعي التقيت شاباً كنت أعرفه منذ سنوات، كان طويلاً ونحيفاً ويضع على عينيه نظارة قاتمة، أشرت له حين رأيته على الرصيف الآخر من الشارع، نظر إلى وجهي وتظاهر بعدم معرفتي، قلت له: أنا فلان وكنا نعمل معاً قبل سنوات، لم يفسح لي المجال لكي أسترسل، قال إنه يتذكر ملامحي ولكني تغيّرت ثم اعتذر لأن وقته ضيِّق، وضع في يدي بطاقة عليها عنوان مكتبه وأضاف وهو يبتعد: لن تبذل مجهوداً للوصول إلى هناك، اسأل فقط عن العمارة السوداء، هكذا يسمونها، لا تستغرب، ستعرف السبب حين تأتي، ستصل إلى هناك عاجلاً أم آجلا‭.‬

بعد أيام كنت أتسكع كعادتي، سرت في شوارع لا أدري إلى أين تؤدي، شارع ينتهي إلى شارع أو يبدأ منه أو يتقاطع معه، ماذا يهم؟ إنها متاهة كل يوم‭.‬ وجدت نفسي فجأة في شارع عريض لم يسبق لي الوصول إليه، على جانبيه عمارات عالية، قررت أن أجلس قليلاً لأرتاح، أقنعت نفسي أنني متعب وبحاجة إلى قدح ماء برغم أن الساعة لم تكن تتجاوز العاشرة، نظرت إلى الجانب الآخر من الشارع، رأيت واجهة عمارة سوداء، باب العمارة وجدرانها وشبابيكها وشرفاتها ومصابيحها كلها باللون الأسود، تشبه نبتة عملاقة ذابلة، تولّد سوادها من موت أو أفول أو انحسار لون آخر لا من طلاء خارجي، على الجانب الأيسر من العمارة رأيت ركاماً لعمارة مهدمة، عرفت فيما بعد أنها انهارت بسبب قنبلة وضعت في سردابها قبل أسابيع‭.‬ قلت لنفسي: لعلها العمارة السوداء التي قال صديقي أنني سأصل إليها، لم يكن هناك مارة كثيرون في الشارع، لم أعرف لماذا، ربما كان اليوم هو الجمعة، لم أعد أهتم بتسلسل الأيام، تبدو متشابهة بالنسبة لي، لا توحي إلا بالكآبة والضجر‭.‬ عبرت الشارع وطرقت باب العمارة، لم يرد أحد، كان موارباً فدفعته ودخلت، سرت في ممر مظلم، رأيت في نهايته مصعداً وغرفتين فارغتين متقابلتين، على الجانب الأيسر رأيت سلماً والى جانبه أريكة خشبية فوقها فانوس ودفتر وجرة ماء زجاجية، سمعت أصوات خطى في الطابق الأعلى، انتظرت أن يهبط أحد ما ولكن ذلك لم يحدث، قلت لنفسي: لماذا لا أصعد إلى هناك؟ قد أجد من أسأله، بدا السلم أطول مما اعتدته، كان مظلماً ورطباً وتخيلت أصوات كائنات غامضة تصعد معي، لم أرَ غرفاً في الطابق الثاني، رأيت رواقاً ينتهي ببابٍ تغطيه ستارة من قماشٍ أخضر، سرت مع كائناتي المتخيلة نحو الباب، أزحت الستارة فرأيت في ضوء مصباح شحيح منظراً لا يمكن نسيانه، رأيت نساءً يضطجعن على بسط ملونة وقرب رأس كل واحدةٍ منهن صينية فيها طعام وإبريق مزخرف وكأس معدني، كنَّ بملابس تظهر مفاتنهن، وضعياتهن مختلفة كأن رساماً هيأ لهن تلك الوضعيات ثم جلس ليتأمل أجسادهن أو ليرسم تخطيطات لها‭.‬ استغرق وقوفي هناك دقيقة أو أكثر، تفحصت بعينين مبهورتين تفاصيل المشهد الذي يشبه لوحة رسمها مستشرق أوروبي من القرن التاسع عشر ثم أسدلت الستارة وعدت منتشياً إلى الطابق الأرضي، قلت لنفسي: يكفي هذا، ربما تستيقظ إحدى النساء وتصرخ في وجهي أو قد يظهر شخص ويسألني ماذا أفعل هناك‭.‬ رأيت حين هبطت السلَّم رجلاً يجلس على الأريكة الخشبية، كان يدوِّن شيئاً ما في الدفتر الذي رأيته قبل قليل، رفع رأسه ونظر إليّ ولكن ذهنه كان في مكانٍ آخر، شربت جرعة من جرة الماء وأعدتها إلى مكانها ثم سألته عن صديقي، وصفت له ملامحه، قلت له أنه نحيف وطويل، يقترب عمره من الثلاثين، فكَّر للحظة وقال: لا أحد بهذا الأوصاف يسكن هنا، ربما كان يقيم في العمارة الأخرى ومات حين انهارت، يأتي أحدهم بين حين وآخر ليسأل عن شخص ما، لا يعرف اسمه ولا عنوانه، مجرد أوصاف عابرة، وأضاف وهو يبتسم: أموات يسألون عن أموات، أخرجت البطاقة الصفراء وأشرت إلى العنوان والاسم المشطوب فيها، قوَّس حاجبيه وهو ينظر إليها وقال: آسف لا أجيد القراءة، نظرت إلى الدفتر الذي كان يكتب فيه، رأيت خطوطاً ورموزاً وأرقاماً وبصمات أصابع ورؤوس حيوانات تؤلِّف ما يشبه خريطة، أفسح لي مكاناً وقال: اجلس قليلاً إذا أردت، جلست، ظلَّ هو صامتاً، يتصفح دفتره، سألني: ماذا كنت أفعل في الطابق الأعلى؟ قلت: كنت أبحث عن أحد ما لأسأله عن صديقي‭.‬

نهض وسار نحو الغرفة التي تقع اليمين، سألني: أتريد شاياً؟ أومأت بالإيجاب، دخل وأغلق الباب، ساد الصمت لدقائق، حين عاد كان شاحباً، بعينين حمراوين، يغطّي العرق وجهه ورقبته وقميصه‭.‬ قال إنه لم يجد شاياً، ليس لديه سوى الماء‭.‬ سألته بعد قليل عن سبب تسمية هذه العمارة بالسوداء فقال: حدث ذلك بعد تفجير العمارة المجاورة، تحوّلت تدريجياً إلى السواد، شحب الطلاء في كل جزء ثم صار أسود كالقير، ألا يعني ذلك أن لكل بناية روحاً وأن كل مسكن هو كائن بشكل من الأشكال؟ قلت: ربما، الأشياء التي يتم البناء منها مأخوذة من الطبيعة، أحجار وتراب وصخور وماء ومعادن، لا شيء يأتي من لا شيء، ابتسم ونظر إليّ بارتياح وقال: هل تعرف ماذا أُدونُ في دفتري؟ هززت رأسي بلا فقال: هي قصائد رثاء لأشخاص كانوا يقيمون هنا وقد رحلوا أو ماتوا، سألته هل لديه قصائد عن الذين ماتوا في انهيار العمارة المجاورة، ردَّ أنه لم يعرف أيّاً منهم ولكنه كتب مقطوعة صغيرة في رثاء العمارة نفسها، سكت لدقائق، خربش بعض الرسوم بقلم رصاص، نظر إليها بلا ارتياح ثم شطبها وظلَّ يحدق في السقف كأنه يفكر، نهضت وقلت: سأذهب، وضع دفتره جانباً وسألني: إلى أين؟ قلت: لا أدري، ليس لديَّ مكان أذهب إليه، قال لي: اجلس إذن، بإمكانك أن تبقى هنا، أعني أن تأتي كل يوم، لن تقوم بعملٍ محدد ولن تتقاضى أجراً، تعال في الوقت الذي يناسبك واذهب متى أردت‭.‬

سأكلفك من حينٍ لآخر ببعض المهام الصغيرة، ستجلس إلى جانبي، سنأكل معاً ونشرب الشاي وسأقرأ لك قصائدي، وافقت بلا تردد ولكني استأذنت بعد أقل من ساعة وخرجت، شعرت بالضجر واللاجدوى من وجودي إلى جانب “درويش” وهذا هو اسمه، ظلَّ صامتاً، ينظر إلى السقف أو يغيب في الغرفة لدقائق ثم يعود متعرقاً، شفتاه ترتجفان وعيناه حمراوان، استعدت وأنا في فراشي صور النساء المستلقيات على الأرض في قاعة الطابق الثاني، تخيّلت جسد كل واحدة منهن، لون الثوب الذي ترتديه، ما يظهر من فخذيها أو نهديها، أين كانت تضع يدها أو كيف تناثر شعرها فوق وسادتها، تخيّلتهن مثل كائنات أثيرية في قاعة ذات أروقة لا نهائية، يركضن متسربلات بأردية شفافة تتغير ألوانها باستمرار، أركض خلفهن محاولاً الإمساك بأطيافهن ولكني أمسك بالفراغ، في الصباح عدت ثانية إلى العمارة السوداء، وجدت درويشاً في مكانه على الأريكة الخشبية، ردَّ على تحيتي ببرود ونظر إليّ كأنه لا يعرفني، سألني هل جئت بطعام معي، قلت: لا، أعطاني نقوداً وقال: اذهب واجلب لنا ما نأكله، كانت النقود قليلة، أضفت لها من جيبي واشتريت رغيفين وعنباً، لم أنقطع طوال الوقت عن التفكير في الأجساد الساحرة في الطابق الثاني، حين عدت لم أجده، كانت الغرفة التي يذهب إليها مغلقة وقد أسدلت الستارة على نافذتها، طرقت الباب فلم يرد، جلست على الأريكة بانتظاره، انقضى نصف ساعة دون أن يظهر، قلت ربما ذهب إلى الطابق الثاني ولا بد أن البحث عنه سيكون عذراً مقبولاً لكي أصعد إلى هناك‭.‬

بعد لحظات كنت في الممر الذي قادني بالأمس إلى قاعة الأحلام، الظلمة حالكة، اصطدمت ببابٍ حديدي، مددت يدي، اكتشفت وجود قفل كبير في منتصفه، وضعت أذني على الباب وأصغيت، سمعت تنهدات وضحكات وصرخات وأنيناً وشتائم كما سمعت وقع مطارق وغناءً وصهيل خيول وعواء كلاب وصرير عجلات، لم تكن الأصوات واضحة ولا متصلة ولا مستقرة، كأنها تأتي من نفق تحت الأرض فيه آلاف الأشخاص يتحدثون في الوقت نفسه ويغنون ويدفعون عربات حديدية في كل الاتجاهات، تتبعهم كلابهم وخيولهم، عدت إلى الطابق الأرضي وأنا حزين، كان درويش يأكل، لم أأكل معه مع أني كنت جائعاً، ذهب إلى الغرفة حين انتهى ليصنع شاياً ولكنه غاب طويلاً وعاد بجرة ماء فقط، ظلَّ يدخِّن ويتجشأ ثم وضع دفتره عند حافة الأريكة وتمدد ونام، حتى تلك اللحظة لم أكن قد رأيت أيّاً من ساكني العمارة، اعتقدت أنها مهجورة، سمعت فجأة وقع خطى على السلم، تردَّد للحظات ثم تلاشى، سألت نفسي: ولكن كيف سيجتاز نزلاء الطوابق العليا الباب الحديدي؟

رأيت امرأة عجوزا تهبط السلَّم بأناة، توقفت حين أصبحت في الممر، نظرت إلى “درويش” النائم ونظرت إليّ ثم ابتسمت وخرجت، بدأ شخيره يتصاعد، أدركت أنها فرصتي للدخول إلى الغرفة التي يختفي فيها لأبحث عن سرِّ اختفائه، سرت على رؤوس أصابعي، فتحت باب الغرفة ودخلت، رأيت صندوقاً ومقعداً مقلوباً ودولاباً، ترى ما الذي يفعله هو هنا؟ لماذا يعود مضطرباً؟ فتحت الدولاب، كان فارغاً، وجدت كوةً صغيرةً في الحائط، نظرت منها، لا شيء سوى الظلام، فركت عينيَّ وانتظرت، بعد لحظات سمعت ما يشبه خرير ماء وتنهدات وشممت عطوراً أنثوية، نظرت ثانية، كانت القاعة نفسها التي رأيتها من قبل، أضيف لها حوض يتصاعد البخار منه في الوسط، لعلي لم ألاحظه في المرة السابقة، لا أبواب للقاعة ولا نوافذ، وجوه النساء فيها متشابهة، أعينهن مغمضة وخصلات شعرهن مبعثرة على الوسائد، سمعت صوتاً، ربما استيقظ درويش، أغلقت الدولاب وخرجت، حين جلست على الأريكة فتح عينيه وسألني عن الساعة ثم نام، في اليوم التالي تسللت إلى الغرفة مرةً أخرى، فتحت الكوة فلم أبصر للحظات سوى الظلام ولكنه بدأ ينحسر تدريجياً، ظهر سرير عريض من خشب أسود، لا أحد فوقه، تغطيه ملاءات وردية، الغرفة أصغر من التي رأيتها بالأمس، بلا باب ولا نوافذ أيضاً، جدرانها مغطاة بصور بحجم واحد لنساء عجائز، على الأرض سجادة صغيرة وفوقها صحون طعام وكتاب مفتوح وتمثال لطيرٍ من الخشب، ظلَّت المشاهد التي أراها من الكوة تتغير في الأيام اللاحقة، كنت أقف أمامها بضع لحظات، يذهب “درويش” إلى المرحاض أو ليتنفس هواءً نقياً في الخارج فأقفز لأفتح الخزانة وأحاول اختراق الظلام، أبصر صوراً غامضة أو لا أبصر شيئاً، وعند سماعي لأيّ صوتٍ أو لتخيّلي ذلك أركض بخوفٍ لأجلس ثانية على الأريكة، أحاول أن أبدو مسترخياً، أتثاءب أو أدندن بلحن أو أرتشف جرعة ماء وأردُّ بمنتهى الهدوء على أسئلة “درويش” أو أنفذ ما يريد، لم يحدث أن أخطأت أو تباطأت بالعودة إلى مكاني، اعتقدت لوقت ما أنه يتواطأ معي، يتظاهر بالنوم ليدعني أدخل إلى الغرفة، يتلذذ بمشاركتي له في سره، اعتقدت أيضاً أنه يعد لي فخاً، يتظاهر بالنوم لكي يقبض عليّ متلبساً، متعتي كانت تمتزج بالخوف والإحساس بالخطيئة، أتنفس بعمق حين أعود إلى مكاني كأني خرجت من كابوس، لا أتذكر الآن كل المشاهد التي رأيتها من الكوة، لم يتكرر أيّ منها، بعضها مرَّ سريعاً، بعضها الآخر تألَّف من صورٍ غائمة واختلطت صور من بعضها بصورٍ في خيالي أو ذاكرتي ولم يعد باستطاعتي استعادتها كما رأيتها ولا استعادة صوري الحقيقية، أتذكر الآن من تلك المشاهد: غرفة إعدام مضاءة بضوء بنفسجي يتدلى من سقفها جسد امرأة بثياب النوم، قاعة مكتبة يجلس شيوخ بلحى حمراء في ظلال خزاناتها العملاقة وفي أيديهم كؤوس نبيذ، متجر دمى أطفال، متجر معاطف جلدية علقت على جدرانه رؤوس ذئاب ودببة وأيائل، رجال في ما يشبه زنزانة ينحتون تماثيل متشابهة من الخشب، مستودع للبنادق، قاعة في متحف على أرضها ألواح طينية، مرحاض عمومي بلا مصابيح، مطبخ في وسطه مائدة عليها سمكة لها رأس بشري، قفص فيه نمر مرقط، قفص فيه ثلاثة طواويس، ملاكم ملقى على الأرض، رواق طويل على جدرانه مرايا لا تعكس شيئاً، غرفة في مشرحة مليئة بالجثث، سرداب فيه هيكل عظمية، سرداب آخر فيه رجال يقطّعون أشلاء بشرية، الدم يلطّخ الجدران من حولهم، زنزانة يتردد فيها بكاء نساء يُضربن بالسياط، رجل يطلق النار من بندقية آلية نحو أشخاص مقيدين ثم يطلق رصاصة في فمه، رجلان يغتصبان فتاة ثم يطعنها أحدهما وهو يضحك بجنون، غرفة فيها جثث محترقة وبقايا انفجار، كانت المشاهد تزداد بشاعة ودموية في كل يوم وتختلط مع المشاهد الحقيقية التي أعيشها، رأيت في إحدى المرات مشهداً لرجال يحملون توابيت ويمرّون بين جدران وأقواس حجرية، حين خرجت من الغرفة لم يكن درويش في مكانه برغم أني سمعت صوته، سأبحث عنه في الخارج، السماء ملبّدة بالغيوم وثمّة توابيت لا نهاية لها يحملها رجال مقنعون تمر في الشارع، تتبعها نساء بملابس بيضاء يحملن شموعاً وأطفال يحملون زهوراً وأغصان آس، لم أعد قادراً على التنفس، كان الهواء ثقيلاً ولزجاً، عدت إلى الداخل، جلست على الأريكة وشربت قدحاً من الماء، دخل “درويش” بعد برهة ولحق به رجلان يحملان تابوتاً، كانا متشابهين ويرتديان الملابس نفسها ثم دخل رجال آخرون ونساء أخريات، بدا لي أنني أرى مشهداً سبق لي رؤيته من قبل، أعرف تفاصيله كلها، ماذا حدث فيه وماذا سيحدث‭.‬

استغرق المشهد بضع لحظات، سمعت وقع أقدام الرجال والنساء وهي تتلاحق على السلَّم وترددت الهمهمات والتنهدات في الطوابق العليا ثم ساد الصمت، طلب مني هو أن أجلس إلى جانبه، ظلَّ ينظر إلى وجهي، رأيت ابتسامة ملغزة على فمه، خمّنت أنه يريد أن يقول شيئاً ما، بدأ يكوِّن ما يشبه الفراشات بدخان سيجارته ويطلقها نحو السقف ثم أخرج علبة معدنية من تحت الأريكة وفتحها، كان فيها قصاصات ورقية وقصبة وقنينة حبر، طلب مني أن أُدوِّن أرقاماً وكلمات فوق القصاصات، أنقلها من ورقة اقتطعها من دفتره، لم تكن الأرقام متسلسلة ولا الكلمات مفهومة، لم تفارق الابتسامة الملغزة شفتيه، أشعل سيجارة ثانية وقال إنه يعرف كل شيء، دخولي المتكرر إلى الغرفة، وقوفي أمام الكوة، مشاهدتي لما يجري عبرها، تركني أفعل ما أراد هو، لماذا؟ لأنه أراد أن أشترك معه في أحلامه، لكي لا تتلاشى تلك الأحلام، بعض الأحلام لا بد أن يراها اثنان، حتى الكوابيس من الممكن لشخصين أن يستيقظا منها بفزع، لا شيء في الوجود أكثر سحراً وغرابة من تلك الأخيلة، لم لا يكون بإمكاننا أن نشارك آخرين بأسرارها؟

ذهب إلى الغرفة وأخرج من الخزانة دفتراً يشبه الدفتر الذي أراه معه دائماً، طلب مني أن أقرأ ما فيه، قرأت تفاصيل تصف ما رأيته من قبل، ارتبكت، أردت أن أتكلم فلم أستطع، ضحك هو وقال: أتدري؟ لا وجود للكوة ولا وجود لما خلفها، ألم تلاحظ أن هذا الجدار يقع بمحاذاة البناية المنهارة؟ لم تكن تشاهد سوى خيالاتي وأحلامي وكوابيسي، كنت أجهد جسدي وعقلي في صناعتها لك، ما الإنسان سوى آلة لصناعة الأحلام، تشبع جوّ الغرفة بها فانتقلت إليك، إلى عقلك، أصبحت أحلامنا متشابهة، ليس دائماً بل فقط عندما تدخل إلى هناك، تتنفس ما رأيته وما فكرت به أنا من قبل، كنت أجلس هنا وأحلم ثم أُدوِّن أحلامي في هذا الدفتر وأطلقها في فضاء الغرفة، أكتب قصائد عن تلك الأحلام، قصائدي هي الرغوة التي تتبقى في كأس الرؤى، أتواطأ معك لكي ترى ما رأيت، انتزع عيني من محجريهما لكي ترى أنت بهما، ألا ترى أن لديّ عينين زجاجيتين بالإمكان خلعهما، رفع يده إلى عينيه كأنه يحاول انتزاعهما، ثم بدأ يضحك وهو يتقدمني إلى الخارج ويردد: أنا أمزح معك، أنا أمزح معك، لا تصدق كل ما أقول، جلس على الأريكة ووضع الدفتر إلى جانبه، بعد قليل أغمض عينيه وبدا كأنه نام فخرجت.‬

أنجزت ليلاً كتابة الرموز والأرقام التي أعطاها لي، أضفت ظلالاً ملونة للحروف ورسمت إطارات زخرفية حولها، لاحظت حين انتهيت أن خطوطي تطوّرت بشكل معقول من القصاصة الأولى إلى الأخيرة، وضعتها أمامه في اليوم التالي، تصفّحها على عجل، اكتفى بالهمهمة وظل يدخّن ثم أعطاني مطرقة وعلبة مسامير وخريطة توضّح على أيّ الأبواب سألصق القصاصات، كيف سأنتقل من طابق إلى طابق حتى دون استخدام السلم، كيف سأفتح الأبواب المغلقة، أين تقع المصابيح والنوافذ، خريطة متشابكة وغامضة، قال إن غموضها سينجلي حين أبدأ بالقصاصة الأولى، إنها خريطة دائرية ستعود بك إلى الطابق الأرضي حيث نجلس الآن دون أن تشعر، جرِّبها وستكتشف ما فيها من سحر، صعدت إلى الطابق الثاني، رأيت الباب الحديدي الذي يؤدي إلى جنة أحلامي مغلقاً، توقفت أمامه قليلاً، سمعت ما سمعته من قبل: أنين وتنهدات وتأوهات، سمعت أيضاً خطوات تقترب، سرعان ما تلاشت، ربما هي أوهام وتخيّلات لا غير، علّقت أربع قصاصات على أبواب الغرف الأخرى والتي لم أرها من قبل، هل كانت تختفي في الظلام؟ بدت مهجورة وفارغة وكان رنين المطرقة يتردد عالياً بين جدرانها، على السلم المؤدي إلى الطابق الثالث سمعت أصوات أطفال يختلط فيها الضحك والبكاء، كان الطابق مظلماً، ضغطت على زر النور القريب فتوهّج مصباح كبير، الممر ضيق وطويل، جدرانه مصبوغة بلون رمادي، أبواب الغرف من الخشب ومرصعة بمسامير حديدية أشبه بأبواب البيوت القديمة، أخرجت خريطة “درويش” أمام الباب الأول وبدأت أبحث بين القصاصات عن الرقم المطلوب، قبل أن أجده فُتح الباب وظهر رجل يتوكأ على عصا، سألني هل أنا الطبيب الذي ينتظره، قلت: لا، أنا أعمل مع بواب العمارة، جئت لكي ألصق قصاصة جديدة على الباب، نظر إليَّ بحزن، بشرته شاحبة أقرب إلى البياض وعيناه كبيرتان ومنطفئتان، حاولت مواساته ولكنه استدار ومضى الى الداخل، عاد بعد برهة وفي يده باقة زهور ورقية، قال: خذ، هذه لك، عسى أن تتذكرني، انطفأ الضوء للحظات، سرت بحذر في الممر، انفتح باب الغرفة التالية، رأيت في الضوء المتسرب من داخلها وجه امرأة، سألتني: هل أنت مصلح الأقفال الذي طلبت حضوره؟ قلت لا، ظلّت تنظر إليّ وأنا أعلّق القصاصة على الباب، تذكّرت وجه العجوز التي رأيتها تهبط السلم قبل أيام، لعلها هي أو أخت لها أكبر سناً، الباب الثالث في الممر كان موارباً، ضوء أحمر ضئيل ينبعث من الداخل وينعكس على الحائط المقابل مثل خيط من الدم، طرقت الباب فلم يرد أحد، دفعته ودخلت، رأيت شمعداناً على الأرض في وسط الغرفة وإلى جانبه فونغراف ذو بوق واسع يصدر عنه صوت رجل يدندن مع العود، تلاشى الصوت تدريجياً وحل محله صوت امرأة تبكي، رأيت سهماً مرسوماً بالطباشير على الأرض يشير إلى باب في الجهة الأخرى فاتجهت نحوه، وجدت نفسي في قاعة واسعة علِّقت على جدرانها صور بحجم واحد، تجسّد ما رأيته من أحلام في غرفة الطابق الأرضي، صورة أيقونية واحدة من كل حلم، تلخصه أو تذكّر به، أحلام “درويش” الشبيهة بالمصائد والتي كنت أتعثر بها ثم أضيع في ظلماتها، ظهر شخص في نهاية القاعة واقترب بخطوات بطيئة، كان صديقي الذي دلّني على العمارة السوداء، قال إنه كان بانتظاري ليريني الصور ثم سألني: هل أعجبتك؟ قلت: رأيتها من قبل، لست وحدي، رآها معي “درويش”، ابتسم وسألني: هل هناك “درويش” آخر غيرك؟ قلت “درويش” بواب العمارة، شبه المجنون، الذي يقرض أشعاراً بلغةٍ لا يفهمها أحد، قال: ولكنك أنت “درويش”، بقيت صامتاً للحظات، أنظر إلى وجهه، شفتاه ترتعشان وفي عينيه بريق غريب، تذكرت أن أسمي درويش أيضاً، لماذا لم أتذكر ذلك طوال الوقت؟ ولكن ما الذي يعنيه الاسم الآن؟ فتح هو باباً وخرج ولحقت به، وجدت نفسي في ممر آخر، رأيت توابيت على امتداده ورجالاً ونساءً يجلسون بصمت قربها، أخرجت الخريطة وبحثت عن موقع الممر، اكتشفت أنه في الطابق الخامس، هل وصلت إلى هناك أم أنني أتخيَّل؟


تخطيط: إبراهيم الصلحي

سرت بين التوابيت وعلَّقت قصاصاتي على الأبواب المغلقة، استخدمت المطرقة بحذر ولكن صدى الضربات كان يرتد صاخباً، فتح الباب الأخير في الممر وخرج شاب بلحية طويلة وثياب بالية، سألني: ماذا تريد؟ هل أنت شرطي؟ قلت: لا، أنا أعملُ مع البوّاب وجئت لأعلق هذه القصاصة على بابك، نظر إلى القصاصة ثم إلى وجهي وقال: لِمَ لا تدخل لوقت قصير؟ لديّ رغبة في الكلام، لم أتحدث مع أحد منذ شهور، نسيت الكثير من الكلمات، غرفتي بلا نوافذ، أرسم أشخاصاً على الجدران وأتحدث معهم ثم أمحوهم وأرسم آخرين، دخلت، رأيت ثياباً على الأرض ومائدة فوقها موقد نفطي وصحون وأجساد رجال ونساء بلا وجوه مرسومة على الحائط، قال إنه يسكن في هذه العمارة منذ سنوات، هرب من الجيش وتنقّل بين أماكن مختلفة ثم جاء إلى هنا متنكراً، زوَّده أحد أصدقائه بأوراق عامل مصري ميّت، هذه العمارة كانت فندقاً سكنه المصريون في الثمانينات، كانوا يتشابهون في وجوههم وجلابيبهم، يخرجون معاً ويعودون معاً، في كل غرفة عشرة رجال أو أكثر، يتحدثون كثيراً وينامون في وقت واحد وسط جحيم من الدخان تتركه سجائرهم التي يدخنونها بإفراط، ظلَّ ضائعاً بينهم مثل ورقة في دفتر كبير، يأكل معهم ويلبس ملابسهم ويرطن بما تعلمه من شتائمهم، وحتى حين تواصلت غارات الطائرات الأميركية على بغداد مطلع عام 1991 ظلوا يصعدون ويهبطون السلالم بلا خوف وينامون كالتماثيل، بينما تهتز الجدران بسبب الانفجارات المتتالية وتتسرب إلى الغرف رائحة الموت والدخان، ولكنهم بعد الحرب بدؤوا بالتلاشي، لم يعد ثمة صخب في غرفهم ولا زحام في الممرات، صمد اثنان لبضعة شهور ولكنهما اختفيا أيضاً، لا أدري متى، كأنني كنت في حلم، كانا يأتيان لغرفتي لنتحدث، نتشاتم ونضحك وندخِّن حتى منتصف الليل، بعدهما لم يطرق أحد بابي حتى جئت أنت، قل لي لماذا جئت؟ أنا أنسى بسرعة، أتدري؟
ظل شعوري بكوني هارباً يلاحقني باستمرار، لا أريد مغادرة العالم الذي صنعته بنفسي، أتلذذ بالتخفي، أجد متعتي في أن أكون مطارداً، أن يتابعني أحد ما، أن أشعر بالخوف طوال الوقت، هل تصدق ما أقول؟ لم أجبه، خرجت، رأيت كلباً خلف الباب الموارب للغرفة التالية، لم يتحرك حين دخلت، لونه أسود وله أذنان كبيرتان متدليتان، في الغرفة قفص حديدي فيه رجل عارٍ ينام على الأرض، قرب رأسه رغيف خبز وقنينة فارغة، اقتربت بحذر من القفص، حاولت إيقاظ الرجل ولكنه لم يرد، كان ينام في وضع جنيني ويداه تحت رأسه، ترى هل أخرج هو الكلب من القفص ونام بدلاً عنه؟ أم أنه محتجز هناك وقد ترك الكلب لحراسته؟ خرجت، جلست لدقائق على مقعد في الممر، شعرت بالتعب وبحاجة إلى قدح ماء، ربما سأطلبه من أيّ نزيل يفتح بابه، كانت النوافذ مفتوحة في الطابق التالي، الشمس ساطعة والريح قوية وباردة، رأيت طيوراً كثيرة في الممر، تدخل وتخرج من خلال النوافذ ثم تحلق عالياً، الأرض تبدو بعيدة، العمارات والبيوت والسيارات والشوارع بالكاد تظهر أما موضع العمارة المنهارة فكان أشبه بنقطة سوداء في الأسفل، مرت غيمة رمادية وتسرب هواؤها الرطب إلى الداخل، لها رائحة تشبه رائحة القهوة، تخيّلت وأنا أغوص في تلك الغيمة أن العمارة تهتز وأنها ستنهار فجأة وستتناثر أحجارها ونوافذها وأبوابها وأجساد البشر فيها إلى كل الجهات، ربما سأتلاشى قبل أن أصل إلى الأرض أو ربما سيختفي جسدي تحت الأنقاض، لن يعثر عليَّ أحد، وماذا يهم؟
علقت قصاصتين فبقيت لديّ واحدة، رأيت على الباب الأخير قصاصة تشبه قصاصتي، ترى من علقها؟ كتب الرقم فوقها بخطٍ يشبه خطي، فتح الباب وظهر رجل أحدب له رأس أصلع كبير، طلب مني أن أدخل، الغرفة واسعة ونظيفة، على جدرانها لوحات وصور أشخاص وفي جانب منها منصة خشبية فوقها مقاعد وآلات موسيقية، في الوسط مائدة دائرية تحيط بها ثلاثة مقاعد، على أحدها تجلس فتاة بملابس سوداء، ابتسمت حين رأتني أقف حائراً وأشارت لي أن أجلس، جلست إلى جانبها وبقيت أحدق في وجهها، عاد الأحدب وهو يحمل صينية فيها أكواب وبراد شاي، جلس على المقعد الآخر، صب الشاي في الأكواب ببطء، بقينا صامتين للحظات ثم قلت: هل تقيمان هنا أم تصعدان وتهبطان السلالم كل يوم؟ لا بد أنكما تبذلان جهداً كبيراً، لم أصدق حين نظرت من النافذة كم نحن بعيدون عن الأرض، ابتسمت الفتاة وقالت: ما الذي تتحدث عنه؟ نحن في الطابق الثاني فقط، تستطيع أن تنظر من النافذة لتتأكد، قلت: ولكني حين نظرت لم أبصر شيئاً، كل ما رأيته كان غامضاً وبعيداً، صور مشوشة اختلطت بالغيوم التي تدخل من نوافذ الممر، هل تعرفين أن للغيوم رائحة القهوة؟
أمسكت الفتاة بيدي وقالت: تعال إذن وانظر، أخذتني إلى النافذة رأيت بناية قديمة ذات طابقين، قالت الفتاة أنها مدرسة للبنات، إلى جوارها رأيت بيوتاً وحديقة وشارعاً مكتظاً بالمارة والسيارات وسوقاً فيه دكاكين كثيرة، سألتني الفتاة: ما هو رأيك الآن؟ قلت بحزن: لا رأي لي، قالت: أنت يا درويش تحلم كثيراً، هذه ليست المرة الأولى التي تخلط فيها بين الواقع والخيال، سألتها: هل تعرفيني من قبل؟ قالت: كيف لا أعرفك، ألست بواب العمارة الذي يروي لي نكاتاً ويغازلني بأشعاره كل يوم، خذ هذا دفترك الذي أعطيته لي بالأمس، كان الدفتر الذي رأيته مع درويش، دفتر أحلامه المجعد، قلت: هناك شخص آخر اسمه درويش هو البواب ولديه دفتر مثل هذا، قالت: لا أعرف أحداً غيرك بهذا الاسم وقد قلت لي ما يشبه هذا الكلام قبل أيام، قلتَ إن جلوسك وحيداً قرب الباب جعلك تظن أن لك مثيلاً، تتحدث معه دائماً وتروي له ما تكتبه من قصص غريبة وأشعار، تراه في أحلامك بل وتشاركه ما تراه في تلك الأحلام، قلت لعلها تجربة فريدة أن تجعل شخصاً آخر يرى ما تراه وتتخيله، لا أن ترويه له حسب، بعض ما قلته لي مدوَّن في هذا الدفتر، سأقرأ لك سطوراً مما كتبت، فتحت الدفتر وبدأت تقرأ، أصغيت لنبرات صوتها دون أن أفهم ما تقول، حين انتهت قالت لي: انظر إلى الصفحة الأولى، ألا تتذكر العنوان الذي اقترحته عليك: الإنسان آلة لصناعة الأحلام، لقد رفضته حين اقترحته عليك ولا أدري ما هو رأيك به الآن؟ قلت: لا رأي لي، أتذكر أن درويش الآخر صاغ لي ذلك العنوان، ليس لي سوى أن أنظر إلى جمالك الآن، أحاول امتلاكه ولو لثوان، تكلّمي، قولي ما تشائين، سأصغي لإيقاع صوتك لا لمعنى كلماتك، إنها لا تهمّني، لم يعد يعنيني أن أكون أنا أو غيري، لا يهم أيضاً من هو درويش، عدنا إلى المائدة، تصفحت الدفتر مرة أخرى، وجدت صوراً ورسوماً تشبه ما رأيته من قبل إضافة إلى المقاطع المكتوبة التي تروي ما حدث، أما على الصفحة الأولى وتحت العنوان الذي كتبته الفتاة قرأت عنواناً فرعياً: قصة رجل عاطل يبحث عن نهاية لحلم طويل، ثم عنواناً آخر بقلم أحمر: خريطة درويش، محاولة لتدوين الأحلام والكوابيس، احتسينا أكواب الشاي ثم جاء الأحدب أكثر من مرة بكؤوس شراب أخرى، كنت أشرب وأضحك، أصغي لما تقوله الفتاة وأرد على أسئلتها، أقترب للحظات من الثمالة ثم أستيقظ لأكتشف وجودي في العالم الواقعي، ترنحت في أحلام طويلة متداخلة، كنت قد رأيتها وعشتها من قبل، رأيت على الجدار المقابل في إحدى لحظات صحوي لوحة كبيرة مرسومة بأسلوب رسام مستشرق من القرن التاسع عشر، تصوِّر مشهد النساء النائمات اللواتي رأيتهن حين جئت للعمارة في المرة الأولى، رأيت الفتاة التي تجالسني بينهن، كان جسدها ذا لونٍ وردي، أكثر سطوعاً والتماعاً من الأجساد الأخرى، بدأت تغني وجلب الرجل عوداً وبدأ يعزف عليه، لم أشعر بمثل تلك السعادة من قبل ولا بمثل هذا الانفصال عن كل ما يحيط بي، لم أعرف أين أنا بالتحديد، رأيت نفسي في أماكن كثيرة، كنت أمضي ومعي خريطتي وقصاصاتي، أدقُّ المسامير على الأبواب، أقرض أشعاراً وأُدونها في دفتري، إلى متى سأستمر في هذا الحلم؟ هل له نهاية؟ ألن يصرخ أحد قرب سريري فأستيقظ؟
بوق تنبيه، صوت انفجار، نحيب امرأة ثكلى، بكاء طفل، أنين كائن معذب، هل سأظل أترنح في متاهة العمارة السوداء؟ صاعداً ونازلاً مع مخلوقات غريبة، تظهر وتختفي فجأة، هل سأظل معلقاً هنا بيدين رخوتين في نافذة مفتوحة على ارتفاع شاهق؟ تصفع وجهي الريح وتحيط بي الغيوم، أين أنت يا درويش، يا سميّي وشبيهي؟ اختفت الفتاة واختفى الأحدب وتلاشى صوت الموسيقى، ليس هناك في الأسفل، فوق الأرض البعيدة القاتمة سوى صدى انفجارات وخرائب وحرائق ودخان وجثث ودم يلطخ كل شيء، لم أعد أرى سوى سواد‭.‬
مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.