عام على ولادة مجلة “الجديد”

الثلاثاء 2015/12/01
لوحة: محمد خياطة

ها قد مضى عام على ولادة مجلة “الجديد” منبرا للكتابة الجديدة ومنصة للفكر الحر، كما أرادت لها خطتها الطموحة، وكما تطلعت إليه نخبة الأقلام العربية التي التفت من حول المجلة، وصارت، اليوم، فريقها الأدبي وجماعتها الفكرية المغامرة.

ينبئنا تاريخ صناعة المجلات في الثقافة العربية، وتبرهن على ذلك مجلتنا الوليدة، أن تأسيس منبر أدبي فكري طموح ومغامر ليس بالمهمة السهلة أبداً، وأن الطريق لم تكن مرة مفروشة بالورود، ولكنها حافلة بالأشواك محفوفة بالمخاطر، في ظلِّ ثقافة عربية لطالما تحكّمت بها نزعات وميول أبوية أعاقت تفتّح أزهارها الجديدة، وشوّشت عليها ظواهر تيه فكري أظلمت معها الأفكار وأعتمت الدروب، وعرفت تطلّعات وليدة خذلها القريب والبعيد، فباتت ثقافة مصدومة عرضة للتفكك والتهاوي في أمّة تعصف بها الوقائع، وتعجز، رغم رصيدها من التجارب، عن حلّ ألغاز حاضرها، ناهيك عن تفكيك أسئلة هذا الحاضر، أو استشراف المستقبل.

إن نظرة على أعداد السّنة الأولى من “الجديد” وما ذخرت به من كتابات أدبية وفكرية، كفيلة بأن تجيب عن السؤال حول مدى التزام المجلة بخطتها المرسومة لها، والتي عبّر عنها بيانها التأسيسي بوصفها مجلة للأدب الحديث والأفكار الحديثة.

***

مع انطلاقة المجلة قلنا إن “الجديد” تهدف إلى أن تكون منبراً أدبيا يحض المثقفين العرب على “استئناف المغامرة الفكرية والجمالية الخلاّقة التي بدأتها الثقافة العربية في أبهى لحظاتها، وأكثرها عصفاً فكرياً ونزوعاً جمالياً نحو التجديد والابتكار” ورأينا أن ذلك يمكن أن يتحقق لـ”الجديد” “من خلال احتضان الكتابة الجديدة والتسليم بحرية الكاتب وجرأتها وابتكاريّتها، والتفكير النقدي، وحوار الأفكار”.

وهكذا ظهرت المجلة إلى النور “لتُلمّ بالجديد المغامر والمبتكر، أدباً وفكراً، وتكون منبره”.

راهنت “الجديد” على الأقلام الجديدة فأفردت لها صفحاتها لتعبر عن خيالها الأدبي وقلقها الروحي وتطلّعاتها الفكرية، فلم يخل عدد من أسماء أدبية عربية، مشرقا ومغرباً، تكتب للمرة الأولى في جوار أسماء راسخة في دنيا الأدب والفكر، دستورها وديدنها ومعيارها جودة الأدب وابتكاريّته وصفاء الفكر وانتماؤه إلى المستقبل، وهو ما يترجم إيماننا بحرية الكاتب، والتزامه الأخلاقي بالقطع مع الأفكار الظلامية وإيمانه بسنن التطور، والفكر النقدي، وجدل الأفكار، والحق بالاختلاف، والحوار الخلاق داخل الثقافة العربية، وبين البشر في ثقافاتهم المتعددة.

***

حاولت “الجديد” على مدار عامها الأول، ومع كل عدد من أعدادها، تمكين المفكرين والمثقفين العرب من خوض نقاش فكري حرّ يتعلق بجملة من القضايا التي تشغلهم، وأتاحت صفحاتها لفتح ملفات شائكة تجنب العديد من المنابر الثقافية العربية الاقتراب منها، وحضّت حملة الأقلام العرب على خوض سجال فكري مفتوح، من منظور نقدي، حول الثورات والانتفاضات، ووضع المرأة في المجتمع وداخل الثقافة، وثقافة النخب وثقافة الناس، وقضايا الدين والعنف الأصولي، وغيرها ممّا شغل الثقافة والاجتماع في اللحظة العربية الحاضرة.

***

من جهة أخرى، سعت “الجديد” إلى لعب دورها في تجاوز عثرات التواصل الفكري بين المشرق والمغرب، فاستقطبت الكتاب من كلتا الجغرافيتين سواء بسواء، فاغتنت صفحاتها بأدب وفكر من هنا وهناك، وعملت المجلة بدأب منظور على فتح باب الحوار الفكري بين الفكر العربي وبعض أصوات الفكر الغربي فذهبت مباشرة إلى تلك الأصوات فحاورتها في بلدانها، وأفردت صفحات سجالية بين مفكرين عرباً وفلاسفة غربيين، من دون وسيط أو مترجمين بينهم وبين قارئ العربية.

وفي هذا السياق استضافت المجلة حوارات فكرية وأدبية ثرية وجريئة تناولت قضايا الكتابة والسلطة والعنف والحداثة والأصولية والدين، وغيرها ممّا شغل ويشغل المنظومات الفكرية العربية والغربية على مفصل العلاقة بين الشرق والغرب، وبين العرب والعالم، مبتعدين في مسعانا، قدر المستطاع، عن الكليشيهات التي سادت النقاش في العقود الماضية بين الجانبين لا سيما في ظلّ مقولات “الصراع الحضاري” و”أولويات الاستشراق” وما شابه أو دانى ذلك. فتجمّعت للقارئ العربي حصيلة فكرية طيبة شارك فيها مفكرون وأدباء بارزون من أمثال: طيب تيزيني، جاد الكريم الجباعي، مراد وهبة، عزيز العظمة، ميشال أونفري، سلمى الخضراء الجيوسي، موريس برخر، إلياس خوري، عادل السيوي، إيرينا بوكوفا، صلاح فائق، أندريه سالفيني، نعومي شهاب، بروس لورنس، مارتن لانغفورد، لن دن، وغيرهم.

***

في عامها المنصرم أصدرت المجلة عددين خاصين، واحد أفردته للقصة القصيرة العربية تحت عنوان “العرب يكتبون القصص” ضمّ نصوصا لمئة كاتبة وكاتبٍ من 15 بلدا عربياً، والثاني كرّسته للشعر العربي الحديث وظواهره الأجد تحت عنوان “هل غادر الشعراء” وضمّ قصائد ومقالات وشهادات شارك فيه 100 شاعرة وشاعر من العالم العربي.

وفي أعدادها المتعاقبة نشرت المجلة مقالات ودراسات وآراء فكرية وأدبية لعشرات الكاتبات والكتّاب العرب. وقرأنا نصوصا وكتابات لنخبة ممتازة من ألمع الأسماء التي أثرت الحياة الثقافية العربية، مشرقا ومغرباً، تنتمي إلى مشارب ومرجعيات مختلفة لا يمكننا حصرها في تيّار أو جماعة أو أفق فكري أو أدبي واحد، ولكن تنوّعها وتعدّدها واختلافها يترجم في تجاوره على صفحات “الجديد” فكرة المجلة الجامعة المتطلّعة إلى تكريس فكر الاختلاف، وإتاحة مناخ تتفاعل فيه عناصر هذا الاختلاف، فكراً وجمالاً، داخل الثقافة. فقرأنا لأسماء لامعة في دنيا الثقافة العربية: صادق جلال العظم، فتحي المسكيني، خلدون الشمعة، عبدالرحمن بسيسو، محمد خضير، إبراهيم الجبين، أحمد برقاوي، مرزاق بقطاش، إبراهيم الحيدري، عاصم الباشا، ريتا عوض، نبيل المالح، محمود شقير، جورج صبرة، محمود الريماوي، إلياس فركوح، وارد بدر السالم، أزراج عمر، بدر الدين عرودكي، زهير أبو شايب، زاهر الجيزاني، خطار أبو دياب، سعد القرش، فاضل السباعي، تحسين الخطيب، منتصر القفاش، ميسلون هادي، هيثم حسين، سلامة كيلة، وجدي الأهدل، أبو بكر العيادي، محمد الدميني، لطفية الدليمي، مفيد نجم، يوسف بزي، خالد النجار، فاروق يوسف، خزعل الماجدي، عبدالله صخي، إبراهيم الحسين، خالد أبو خالد، بلال خبيز، هيثم حسين، عواد علي، رشيد الخيون، تيسير خلف، أحمد الخميسي، أحمد السعيد نجم، جمعة اللامي، غسان جباعي، إبراهيم صمويل.

ما سلف من أسماء ليس قائمة حصرية بكل من نشر على صفحات “الجديد” خلال العام الماضي، ولكنها نخبة من عدد أكبر بكثير من الأسماء التي استقطبتها المجلة، والتي نعتز بها جميعاً، ونعتبرها، مجتمعة، بعضاً من نار الشعلة التي توهج حاضر الثقافة العربية اليوم.

***

لا بد لي، قبل أن أختم هذه الكلمة، من أن أوجه تحية خاصة للفنانين التشكيليين الذين أغنوا برسومهم وتخطيطاتهم الفضاء البصري للمجلة، وصنعوا لحظتها الجمالية، وأخص بالذكر هنا: يوسف عبدلكي، عاصم الباشا، بهرام حاجو، حسين جمعان، صفوان داحول، إبراهيم الصلحي، أمل بشير، مروان قصاب باشي، فيصل لعيبي، موفق قات، بشار العيسى، محمد عبدالرسول، عبدالباسط الخاتم، عادل السيوي، فاطمة برزنجي، نهاد الترك، جمال الجراح، ألفريد طرزي، أسامة بعلبكي، تغريد درغوث، رؤوف رفاعي، تمام عزام، حسام بلان، همام السيد أسامة دياب، رندة مداح.

علما أن العلاقة بين الكتابة والرسوم والصور في المجلة هي علاقة تجاورية تفاعلية تتيح للعمل الفني أن يحضر مستقلا، ولا يكون بالتالي ملحقا بالكتابة بغرض التزيين.

***

وقبل أن أختم هذه الكلمة أنوّه بالجهود الطيبة التي بذلتها الهيئة الاستشارية للمجلة ممثلة في الأساتذة خلدون الشمعة، أحمد برقاوي، عبدالرحمن بسيسو، أزراج عمر، خطار أبو دياب، أبو بكر العيادي، رشيد الخيون، إبراهيم الجبين، تحسين الخطيب، مفيد نجم. لقد دأبوا، كل بطريقته المميزة وإمكاناته الخاصة، انطلاقاً من مكانته داخل الثقافة العربية، ومن الجغرافيا التي يقيم فيها، على التواصل الدوري مع قلم التحرير لاقتراح الملفات والموضوعات وإبداء الملاحظات الضرورية والقيّمة، فكانوا العصبة المؤمنة بالفكرة والحريصة عليها، والمبشرة بها في الأوساط الثقافية العربية.

أما راعي هذا المشروع ومؤسسه العزيز هيثم الزبيدي، فله بالتأكيد الحصة الأكبر من تقدير “الجديد” لمثقف شغوف بالمعرفة، آمن بأهمية هذا المنبر ودوره التنويري الخطير في لحظة عربية غير مسبوقة المخاطر والمفاجآت. فلولا شغفه بالمعرفة وإيمانه العميق بالفكرة ودورها المؤثر في الوعي لما أمكن لهذه المجلة أن تشهد النور.

***

بدأنا بإصدار ورقي، واليوم لدينا موقع على الإنترنت يحتوي على مجمل ما نشر وينشر في المجلة دوريا. وهو متاح للمتصفحين من دون عقبات التسجيل وما شابه. ويمكن للقارئ أن يحمّل بيسر النص الذي يرغب في تحميله.

ما سلف، أخيرا، ليس جردة حساب، فمازال الوقت باكرا للقيام بشيء كهذا، إنها وقفة خاطفة مع ملامح عام مضى من عمر المجلة.

لندن في ديسمبر/كانون الأول 2015

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.