انقراض

الجمعة 2016/01/01
تخطيط: إبراهيم الصلحي

ينزوي بجريدته في مقهى المدينة، يتصفّحها بشوق وقلق، ثمّ يمدّد رجليه الطويلتين بين قوائم الطاولة التي لم تكن مناسبة لهيكله، أزعجه عدم الانسجام، يشعر بمضايقة، وهو يمصّ سيجارته بغضب، لثالث مرّة يحاول رفسها في المطفأة، لكن لا زال بها بعض المصّات الجميلة كما كان يتحدّث في وصفها عندما يجتمع بأصدقائه ويروي لهم مغامراته في المقهى، فيتركها بين أصابعه الثلاثة تلهو بها، يمسكها كما لو أنّه يخشى فرارها ولا يريدها أن تنتهي، يعذّبها بأصابعه فتزيد من عذابه، كانت لذّتها تتضاءل ووهجها يغيب في زحمة الأبخرة المكوّمة على الرّؤوس في بهو المقهى الضيّق، وحركة الوافدين مستمرة، من حين لآخر تلطمه أيدٍ عابثة وتدافع الأجساد المكتظة الباحثة عن كراس بجواره أو قريبة منه، لكنّها تبتعد عنه كالفارّة من رائحة بالوعة صرف المياه، فتزيد من غضبه، توقفت الحركة وواصل قراءة خبر اليوم الذي لم يكن مناسبا هذا الصّباح أيضا، يعود الضّجيج بعد هدوء نسبي ويتراكم شيئا فشيئا، لحظتها شيء ما قرض نفسه من الجريدة، يسحب رجليه بسرعة ثمّ يطوي جريدته في حنق، يطفئ بشدّة ما بقي من سيجارته حتى كوته، صرخ ثمّ لعنها وهو ينفث ما بقي في صدره من آخر مصّة، ربّت النادل على كتفه حينما همّ بالمغادرة: ادفع ثمن ما قلت، عفوا ما شربت، وضع كلتا يديه في جيبي سرواله مفتعلا البحث عن النقود وهو يدرك أنهما مثقوبان منذ طردته الشّركة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.