ذئب‭ ‬يحرس‭ ‬خرافي

الثلاثاء 2016/03/01
تخطيط: حسين جمعان

فُرَصٌ‭ ‬للنَّجَاةِ

كانَ‭ ‬الانْفِجَارُ‭ ‬الأعْظَمُ،‭ ‬ولَمْ‭ ‬نَمُتْ

تِلْكَ‭ ‬كَانَتْ‭ ‬فُرْصَتُنَا‭ ‬الأُولَى‭ ‬للنَّجَاة

النَّجَاةُ‭ ‬حَبْلٌ‭ ‬مَدِيدُ‭ ‬وَسَمِيكٌ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬ضِفَّتَيْن،‭ ‬نَدْفَعُ‭ ‬أَجْسَادَنَا‭ ‬فِيهِ‭ ‬وَلاَ‭ ‬نَصِلُ‭ ‬إِلَى‭ ‬الضِفَّة‭ ‬الأُخْرَى‭.‬

جُمُوعٌ‭ ‬تَسُوقُنَا‭ ‬نَحْوَ‭ ‬المُنْحَدَرَاتِ‭ ‬التِي‭ ‬سَالَ‭ ‬حَلِيبُ‭ ‬أُمَّهَاتِنَا‭ ‬مِنْهَا‭ ‬وَلَمْ‭ ‬نَعُدْ‭ ‬نَذْكُرُ‭ ‬مَذَاقَهُ،‭ ‬نَحْوَ‭ ‬الصُّخُورِ‭ ‬التِي‭ ‬دَقَّتْ‭ ‬لُغَتَنَا‭ ‬بِالمَطَارِقِ‭ ‬وَعَلَّقَتْهَا‭ ‬نَجْمَةً‭ ‬عَلَى‭ ‬كَتِفِ‭ ‬الكُولُونِيل،‭ ‬نَحْوَ‭ ‬مُعَسْكَرَاتٍ‭ ‬نَتَدَرَّبُ‭ ‬فِيهَا‭ ‬عَلَى‭ ‬إنْجَابِ‭ ‬أَطْفَالٍ‭ ‬مَنْزُوعِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬غَرِيزَةِ‭ ‬البَقَاء‭. ‬لَمْ‭ ‬نَكُنْ‭ ‬فُضُولِيِّينَ‭ ‬لنَتَعَلّمَ‭ ‬تَسَلُّقِ‭ ‬الحِبَال‭. ‬وَالجُمُوعُ‭ ‬تَقْطَعُهَا‭ ‬كَمَشِيمَة‭.‬

سَقَطَتْ‭ ‬أحْلاَمُ‭ ‬آدَمَ‭ ‬وَانْطَفَأَتْ‭ ‬كَنَيْزَكٍ‭ ‬فِي‭ ‬الحُقُول

هَايْ‭ ‬هِيَ‭ ‬تَصِيرُ‭ ‬بَذَارًا‭ ‬لأَحْلاَمِنَا،‭ ‬وَفُرَصًا‭ ‬مُحْتَشِدَةً‭ ‬للنَّجَاة

حَلُمَ‭ ‬بِمَقْعَدٍ‭ ‬آمِنٍ‭ ‬صَنَعَهُ‭ ‬نَجَّارٌ‭ ‬أَرْمَنِيٌّ‭ ‬فِي‭ ‬سَهْلِ‭ ‬الغَابِ

بِمِنْدِيلٍ‭ ‬غَزَلَتْهُ‭ ‬الجَدّاتُ‭ ‬وَعَلَّقْنَهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬شَجَرَةِ‭ ‬الحَظِّ

بِقَارِبٍ‭ ‬نَسِيَهُ‭ ‬جُنُودٌ‭ ‬سَلُوقِيُّونَ‭ ‬بَعْدَ‭ ‬المَعْرَكَةِ

وَيَصْلُحُ‭ ‬الآنَ‭ ‬لِصُورَةٍ‭ ‬جَمِيلَةٍ‭ ‬لِعَاشِقَيْنِ

عَشَّابُو‭ ‬اللَّيْلِ،‭ ‬بِمَعَاوِلِهِمْ‭ ‬يَقْتَلِعُونَ‭ ‬البُذُورَ‭ ‬وَيَتِّهِمُونَ‭ ‬صِغَارَ‭ ‬الضِّبَاعِ

قَبْلَ‭ ‬أَنْ‭ ‬تَطْرُقَ‭ ‬الحَرْبُ‭ ‬أَبْوَابَ‭ ‬مَطَابِخِنَا

كَانَتْ‭ ‬فُرْصَتُنَا‭ ‬الأَخِيرَةُ‭ ‬للنَّجَاةِ

كُنَّا‭ ‬سَنَنْجُو مِنْ‭ ‬التَّارِيخِ‭ ‬الذِي‭ ‬أَصْبَحَ‭ ‬تَاجِرًا‭ ‬أَنِيقًا‭ ‬وَأَمِينًا‭ ‬لِمَعَارِضِ‭ ‬الجُلُودِ،‭ ‬جُلُودُنَا‭ ‬عُمْلَةٌ‭ ‬صَعْبَةٌ،‭ ‬أُنُوفُنَا‭ ‬المُدَبَّبَةُ‭ ‬تُثِيرُ‭ ‬الشَّهِيَّة،‭ ‬طَرِيقَةُ‭ ‬حَدِيثِنَا‭ ‬عَن‭ ‬الحُبِّ‭ ‬تُحَفِّزُ‭ ‬الأَدِرْيَنَالِين‭ ‬لَدَى‭ ‬بَاحِثِي‭ ‬عِلْمِ‭ ‬الإِنْسَان‭.‬

كُنَّا‭ ‬سَنَنْجُو‭ ‬مِنْ‭ ‬مُدُنِنَا‭ ‬ذَاتِ‭ ‬الأَعْنَاقِ‭ ‬الطَّوِيلَةِ‭. ‬حَسِبْنَاهَا‭ ‬تُنَادِي‭ ‬المَلَذَّاتِ‭ ‬فِي‭ ‬الطُّرُقِ،‭ ‬وَلَمْ‭ ‬نَسْمَعْ‭ ‬صَوْتَهَا‭ ‬وَهْيَ‭ ‬تُهَدْهِدُناَ‭ ‬فِي‭ ‬الأَسِرَّةِ‭. ‬المَعَادِنُ‭ ‬الثَّقِيلَةُ‭ ‬تَعْوِي‭. ‬الأَزِيزُ‭ ‬يَتَعَاظَمُ‭ ‬كَالبَكْتِيرِيَا،‭ ‬وَالعَازِفُونَ‭ ‬يَصْعَدُونَ‭ ‬بِطُبُولِ‭ ‬الحَرِبِ‭ ‬إِلَى‭ ‬المَسَارِحِ‭.‬

كُنَّا‭ ‬سَنَنْجُو‭ ‬لَوْ‭ ‬أَنَّ‭ ‬الانْفِجَارَ‭ ‬العَظِيمَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يُخَلِّفْ‭ ‬الكَائِنَاتِ‭ ‬ذَاتِ‭ ‬الخَلِيَّةِ‭ ‬الوَاحِدَةِ،‭ ‬لَوْ‭ ‬أَنَّهَا‭ ‬لَمْ‭ ‬تَتَكَاثَرْ،‭ ‬لَوْ‭ ‬أَنَّهَا‭ ‬لَمْ‭ ‬تُصْبِحْ‭ ‬نَحْنُ‭.‬

كِدْنَا‭ ‬نَنْجُو

لَكِنَّ‭ ‬مَطَابِخَنَا‭ ‬مُعْتِمَةٌ

طَعَامُنَا‭ ‬بَارِدٌ

وَالضِّبَاعُ‭ ‬جَائِعَةٌ‭.‬

قمر‭ ‬فوق‭ ‬حيفا

كلما‭ ‬اكتمل‭ ‬قمر‭ ‬فوق‭ ‬حيفا‭ ‬عوت‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬أغانيك

المدينة‭ ‬مستوحشة،‭ ‬تجرّني‭ ‬بعربة‭ ‬الوقت‭ ‬دون‭ ‬رحمة،‭ ‬وتكشّر‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬كلّما‭ ‬مددت‭ ‬قدماي‭ ‬على‭ ‬أريكتي‭. ‬وأنا،‭ ‬بطاعة‭ ‬قصوى،‭ ‬ألمّع‭ ‬كل‭ ‬صباحٍ‭ ‬عجلات‭ ‬العربة‭. ‬تجرّني‭ ‬وترمي‭ ‬برغباتي‭ ‬التي‭ ‬أجلّتها‭ ‬إلى‭ ‬جنباتها،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قلت‭ ‬لها‭: ‬“لا‭ ‬عليك،‭ ‬سيصعد‭ ‬بنا‭ ‬ذئب‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬الجبل،‭ ‬هناك‭ ‬سنمدّد‭ ‬أقدامنا‭ ‬فوق‭ ‬القمر‭ ‬كيفما‭ ‬نشاء”‭.‬

الأصدقاء‭ ‬يجلسون‭ ‬برفقة‭ ‬كوابيسهم‭ ‬ويدعونني‭ ‬لاحتساء‭ ‬القهوة‭ ‬معها،‭ ‬تعويضًا‭ ‬عن‭ ‬قتلي‭ ‬فيها‭. ‬اليوم‭ ‬سأهدّدهم‭ ‬بالذئب‭ ‬الذي‭ ‬سيأخذ‭ ‬بثأري‭ ‬متربّصًا‭ ‬عند‭ ‬أوّل‭ ‬الحلم،‭ ‬حين‭ ‬سأتفرج‭ ‬عليهم‭ ‬وأنا‭ ‬أرضع‭ ‬حليب‭ ‬أمي‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬يردم‭ ‬الجرح‭ ‬ويفسد‭ ‬حمرة‭ ‬الدم‭.‬

نسورٌ‭ ‬ضخمة‭ ‬تبيض‭ ‬على‭ ‬شباكي،‭ ‬صغارها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتعلّم‭ ‬الطيران‭ ‬بعد‭ ‬تتغذّى‭ ‬على‭ ‬ذاكرتي‭. ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أذكر‮ ‬‭ ‬شكل‭ ‬الفرح‭ ‬الذي‭ ‬ربّيته‭ ‬فوق‭ ‬كتفي،‭ ‬وكان‭ ‬يتتبع‭ ‬من‭ ‬ورائي‭ ‬ألفاظ‭ ‬الحبّ‭ ‬التي‭ ‬ردّدتها‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭. ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أذكر‭ ‬أغاني‭ ‬فيروز‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سكنت‭ ‬الصغار‭ ‬حنجرتها‭ ‬ونمى‭ ‬ريشها‭ ‬فيها‭. ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أذكر‭ ‬اسمي،‭ ‬توقّف‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬مناداته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحوّلت‭ ‬حروفه‭ ‬إلى‭ ‬خراف‭ ‬ترعى‭ ‬جبالاً‭ ‬بعيدة‭. ‬حدّقت‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬زجاج‭ ‬الشبّاك‭ ‬لألمح‭ ‬طيف‭ ‬ذئب‭ ‬يحرس‭ ‬خرافي‭ ‬ويعيد‭ ‬اسمي‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة‭.‬

سقط‭ ‬في‭ ‬رحمي،‭ ‬ذاك‭ ‬القمر‭ ‬الذي‭ ‬اكتمل‭ ‬فوق‭ ‬حيفا

لم‭ ‬تعد‭ ‬تعوي‭ ‬أغانيك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدتْ‭ ‬أظفارها‭ ‬وخطفتها‭ ‬العربات

بعد‭ ‬أن‭ ‬شرّح‭ ‬أصدقائي‭ ‬نوتاتها‭ ‬في‭ ‬أحلامهم‭ ‬وأطعموها‭ ‬لصغار‭ ‬النسور

والذئب‭ ‬الذي‭ ‬سألده‭ ‬الليلة

سيحرس‭ ‬الخراف‭ ‬من‭ ‬وعورة‭ ‬الجبل.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.