الرواية كتابة بالجمر

الجمعة 2016/04/01
رسمة: إبراهيم الصلحي

في خضم تسارع الأحداث، وتزايد سيل شلالات الدّم، في العالم العربي، والعالم بأسره، لا أحد منّا يتوهم بأنه بعيد عن دائرة النار هذه، غير أن القلب دائما مع المنصهرين في بؤرة أتون القتل والدّم هذا، حيث يكون الحديث عن سوريا، واليمن، والعراق، وتأتي بعدها الأمكنة الأخرى، لكننا في اشتعالات الحدث، نحن بعضه، ونحترق، إن كان بالقرب الجغرافي، أو بالتواصل والإطلاع والمتابعة عبر الفضائيات ووسائط الاتصال الحديثة، جريان الدّم مشترك، والعالم صار أحط مراتبه، بتخلّيه عن إنسانيته، بل حتى الدين الذي هو شرائع أول مبادئها حقن الدّماء وكرامة الإنسان، هو في هذا الصراع صار مقصلة تفرّق ولا تجمع، تتماهى مع التوحش، ولا تتهادى من الإنسان وكرامة الروح، وهو جزء من الماكنة السّياسية، في حالة تشابك، أبعد بكثر عن ميكافيلية “الغاية تبرر الوسيلة”، فالغاية والوسيلة، هنا، باتت مستنقعات دماء.

وحين تأتي الكتابة في مناخ الدّم هذا، تكون مسؤولية الكاتب كبيرة، إننا أمام عاصفة الموت والجراح والأسر ومصادرة الأوطان، تتشكل الأحرف مخضّبة بالدّم، ولكنها تقاوم لتبث روح الأمل تارة، وكشف حجم المؤامرة تارة أخرى، فوظيفة الكتابة ليست نقل الحالة فقط، إنها تعبّر عنها، وتحاول اجتراح سبل للنهوض وشدّ أزر تلك النفوس المتعبة، والأوطان المرهقة من حجم الاستهداف لها، لتجزئتها، وتشتيت أهلها، واستنزاف مقدراتها.

الكتابة معركة أخرى، ولكن بأدوات أكثر ما يحكمها الأفق الأوسع، والابتعاد عن انغلاق الدين، والمتاجرة به، مع دأب للخروج من مأزق انتهازية السياسة، وقذارة لعبتها.

سيكون أن أيّ رواية نكتبها لن تجسد هذه الحالة من الدّماء.. والأكثر بؤسًا، وجرحًا، أن أماكن الموت، والغياب، والخراب، كلها عزيزة علينا، قريبة من القلب، كنّا نحلم بها تجسيدًا لحلم تمنيناه، لنلحق بالركب حولنا، صار الحلم جرحًا، وصرنا نكتب الأمنيات، ونداري الجراح، أملًا في قادم مختلف.. الرّواية تجسيد لحلم آت، الرّواية تشخيص لواقع مهيض الجناح.. الرّواية كتابة بالجمر في خضم ما هو كائن، وفجيعة الحلم، وانتكاسة البناء الذي ترقّبناه فردوسًا حضاريًا آتيا، غير أنه يتجسد في كل الأمكنة جحيمًا، تحت مظلة الدين المزيف، والسياسة البغيضة. نكتب لنكون ما هو في البال من تغيير لكل ما هو متجسد الآن جريمة كبرى لا تصنيف لها، إلا أنها شرخ في الإنسانيّة، لم يتصوره الخيال، شرخ ما مثله شرخ.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.