عندما‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬القبو

الأربعاء 2016/06/01
لوحة: ربيع كيوان

(يوسف‭: ‬شاب‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬الثلاثينات‭ ‬من‭ ‬عمره‭.. ‬طويل،‭ ‬نحيل،‭ ‬شاحب،‭ ‬شعره‭ ‬منسدل‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عشوائي،‭ ‬بلحية‭ ‬غير‭ ‬مشذبة)‭.‬

(خشبة‭ ‬المسرح‭: ‬غرفة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المسرح‭ ‬جدار‭ ‬بألوان‭ ‬باهتة،‭ ‬تساقط‭ ‬الطلاء‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مواقع،‭ ‬لتتشكل‭ ‬عليه‭ ‬بقع‭ ‬كبيرة‭ ‬وداكنة‭ ‬فوضوية‭ ‬الشكل‭ ‬وغريبة،‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬أشباحٌ‭ ‬ملتصقة‭ ‬عليه،‭ ‬بينها‭.. ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الجدار،‭ ‬يوجد‭ ‬ساعة‭ ‬ضخمة‭ ‬قديمة‭ ‬معلقة،‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬نوسان‭ ‬البندول‭ ‬أسفلها،‭ ‬تكّاتُ‭ ‬عقرب‭ ‬الثواني‭ ‬مسموعة‭ ‬دائماً‭ ‬بشكلٍ‭ ‬واضح،‭ ‬على‭ ‬يسار‭ ‬الساعة‭ ‬توجد‭ ‬لوحة‭ ‬لرجلٍ‭ ‬مبتسم‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬بثياب‭ ‬أنيقة‭.‬

تحت‭ ‬الساعة‭ ‬توجد‭ ‬أريكة‭ ‬قماشها‭ ‬متهرئ،‭ ‬عليها‭ ‬وسائد‭ ‬متسخة‭ ‬وغطاء‭ ‬متواضع،‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الأريكة‭ ‬توجد‭ ‬طاولة‭ ‬على‭ ‬سطحها‭ ‬فوضى‭ ‬هائلة‭ ‬للأشياء،‭ ‬قناني‭: ‬بعضها‭ ‬فارغ‭ ‬وبعضها‭ ‬ممتلئ،‭ ‬كؤوس‭ ‬وفناجين‭ ‬ملوثة‭ ‬ببقايا‭ ‬نبيذ‭ ‬وقهوة،‭ ‬صحون‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الأطعمة‭ ‬المتعفنة،‭ ‬أرغفة‭ ‬خبز،‭ ‬أوراق‭ ‬وقلم،‭ ‬صحن‭ ‬سجائر‭ ‬وعلب‭ ‬سجائر،‭ ‬صورة‭ ‬صغيرة‭ ‬للأم،‭ ‬حبل‭ ‬قصير،‭ ‬كتاب‭.‬

بين‭ ‬ازدحام‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬يوجد‭ ‬قفص‭ ‬داخله‭ ‬قطّ‭ ‬مسجون،‭ ‬متوسط‭ ‬الحجم،‭ ‬ليس‭ ‬كبيراً‭ ‬ولا‭ ‬صغيراً‭.‬

على‭ ‬يمين‭ ‬الطاولة‭ ‬يوجد‭ ‬كرسيان،‭ ‬أحدهما‭ ‬ملقىً‭ ‬أرضاً‭.‬

في‭ ‬المقدمة،‭ ‬بجانب‭ ‬حافة‭ ‬المنصة‭ ‬يوجد‭ ‬تمثال‭ ‬حجري‭ ‬نصفي‭ ‬لامرأة‭ ‬عارية‭ ‬من‭ ‬الوجه‭ ‬حتى‭ ‬سرة‭ ‬البطن‭ ‬دون‭ ‬ذراعين،‭ ‬وبنهدين‭ ‬مكسورين‭ ‬حول‭ ‬الحلمتين،‭ ‬فتبدو‭ ‬بنهدين‭ ‬مشوهين،‭ ‬رأسها‭ ‬مائلٌ‭ ‬إلى‭ ‬كتفها‭.‬

على‭ ‬يسار‭ ‬الخشبة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الزاوية‭ ‬البعيدة‭ ‬طاولة‭ ‬ثانية‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬الأولى‭ ‬عليها‭ ‬أدوات‭ ‬نحت‭ ‬فوقها‭ ‬غبارٌ‭ ‬كثيف‭.‬

أرضية‭ ‬الغرفة‭ ‬مليئة‭ ‬بالأوساخ‭ ‬المتناثرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وفي‭ ‬المنتصف‭ ‬يوجد‭ ‬حجر)‭.‬

‮ ‬

تبدأ‭ ‬المسرحية‭ ‬بخمسة‭ ‬مشاهد‭ ‬سريعة‭ ‬متتالية،‭ ‬تحددها‭ ‬الإضاءات‭ ‬والإطفاءات‭ ‬المتعاقبة‭.‬

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬1‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬السابعة‭ ‬تماماً،‭ ‬يخرج‭ ‬عصفورٌ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬أعلى‭ ‬الساعة،‭ ‬يزقزق‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬يرجع‭.‬

يوسف‭ ‬واقف‭ ‬منتصف‭ ‬الغرفة‭ ‬بثيابه‭ ‬الرثة،‭ ‬يبدو‭ ‬متعباً،‭ ‬يعبُّ‭ ‬من‭ ‬سيجارته‭ ‬ويتأمّلُ‭ ‬الفراغ‭ ‬أمامه‭ ‬بصمت‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬2‭:‬

عقاربُ‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الثامنة‭ ‬تماماً،‭ ‬يخرج‭ ‬عصفورٌ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬أعلى‭ ‬الساعة،‭ ‬يزقزق‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬يرجع‭.‬

يوسف‭ ‬على‭ ‬الأريكة،‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬ويعبُّ‭ ‬منها،‭ ‬يلتقط‭ ‬كأس‭ ‬نبيذ‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الطاولة‭ ‬ويشرب،‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يزفر‭ ‬الدخان‭ ‬بحنقٍ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفتيه‭ ‬عالياً‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬3‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬التاسعة‭ ‬تماماً،‭ ‬يخرج‭ ‬عصفورٌ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬أعلى‭ ‬الساعة،‭ ‬يزقزق‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬يرجع‭.‬

يوسف‭ ‬أمام‭ ‬الساعة،‭ ‬يتصاعد‭ ‬منه‭ ‬الدخان،‭ ‬يتأمل‭ ‬العقارب‭ ‬ثمَّ‭ ‬يبدأ‭ ‬جسده‭ ‬بالنوسان‭ ‬مع‭ ‬البندول‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬تكّات‭ ‬عقرب‭ ‬الثواني‭. ‬

/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬4‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬العاشرة‭ ‬تماماً،‭ ‬يخرج‭ ‬عصفورٌ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬أعلى‭ ‬الساعة،‭ ‬يزقزق‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬يرجع‭. ‬‮ ‬

يوسف‭ ‬مُنحَنٍ‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬وقد‭ ‬اتّكأ‭ ‬عليها‭ ‬بكفّيه،‭ ‬سيجارتُه‭ ‬تتدلّى‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬فمه‭ ‬بلا‭ ‬مبالاة،‭ ‬يتأمل‭ ‬القطّ‭ ‬المسجون‭ ‬في‭ ‬القفص،‭ ‬ثمَّ‭ ‬ينفث‭ ‬عليه‭ ‬دخانه‭ ‬وهو‭ ‬يضحك‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬5‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬تماماً،‭ ‬يخرج‭ ‬عصفورٌ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬أعلى‭ ‬الساعة،‭ ‬يزقزق‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬يرجع‭.‬

يوسف‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬المسرح‭ ‬متربعاً‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬جانب‭ ‬التمثال‭ ‬النصفي‭ ‬للمرأة،‭ ‬يتأملها‭ ‬بحزن‭.. ‬يأخذ‭ ‬السيجارة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفتيه‭.‬

يوسف‭:‬‮ ‬آآآآه‭.. ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬أستطيع‭ ‬أخذك‭ ‬إلى‭ ‬أريكتي‭..‬

/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭.‬

(يوسف‭ ‬على‭ ‬الأريكة،‭ ‬يرفع‭ ‬وجهه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كفيه،‭ ‬يطفئ‭ ‬سيجارته‭ ‬بنزق‭ ‬وهو‭ ‬يتأفف‭ ‬بصحن‭ ‬السجائر،‭ ‬يأخذ‭ ‬القنينة‭ ‬ويسكب‭ ‬كأساً‭ ‬آخر،‭ ‬يشرب،‭ ‬يمسح‭ ‬بكفه‭ ‬على‭ ‬شفتيه)

يوسف‭: ‬(يتنهّد)‮ ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬أمي؟‭.. ‬لقد‭ ‬تأخرت‭ ‬كثيراً‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هنالك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والسجائر‭ ‬هنا،‭ ‬أرجوك‭.. ‬تعالي،‭ ‬اشتقتُ‭ ‬لكِ‭ ‬ولصوتكِ‭ ‬وأدعيتك،‭ ‬أرجوكِ‭ ‬تعالي‭ ‬ومعكِ‭ ‬المذياع‭ ‬كما‭ ‬أوصيتكِ‭ ‬في‭ ‬زيارتك‭ ‬الأخيرة‮ ‬(يتنهد‭ ‬مجدداً)‮ ‬أكاد‭ ‬أختنق‭.. ‬أمعقولٌ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قذيفة‭ ‬مجنونة‭ ‬قد‭ ‬سقطتْ‭ ‬على‭ ‬بيتنا‭ ‬وقتلتْ‭ ‬أمي؟‮ ‬(يتوتر‭ ‬وتتشنج‭ ‬أطرافه)‮ ‬لا‭.. ‬لا،‭ ‬أمي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المجنونة،‭ ‬وسوف‭ ‬تأتي‭ ‬قريباً‭ ‬لزيارتي‭ ‬كعادتها‭ ‬ومعها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والسجائر‭ ‬والمذياع‭ ‬والأدعية‭ ‬الجميلة‭ ‬والابتسامات‭.. ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬تأخرتْ‭ ‬هذه‭ ‬المرة؟‮ ‬(يدسّ‭ ‬أصابعه‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬الكثيف‭ ‬ليحكّ‭ ‬رأسه)‮ ‬في‭ ‬السّابق‭ ‬أتذكّر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أشرب‭ ‬تقريباً‭ ‬ثلاث‭ ‬قناني‭ ‬نبيذ‭ ‬وأدخّن‭ ‬تسع‭ ‬علب‭ ‬سجائر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أظنّ‭ ‬بين‭ ‬زيارتين‭ ‬لها،‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬شربتُ‭ ‬أكثر‭ ‬ودخنتُ‭ ‬أكثر‭ ‬ولم‭ ‬تأتِ‭.. ‬أرجوك،‭ ‬كوني‭ ‬بخير‭ ‬يا‭ ‬أمي‮ ‬(ينهض‭ ‬ويمشي‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬نفسه)‮ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬البشع،‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬النهار‭ ‬من‭ ‬الليل،‭ ‬ولا‭ ‬الجمعة‭ ‬من‭ ‬السبت‭ ‬من‭ ‬الأحد،‭ ‬الأيام‭ ‬المقدسة‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬الكريه‭ ‬تفقد‭ ‬الأيام‭ ‬أسماءها‭ ‬وتفقد‭ ‬قدسيّتها‮ ‬(ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الساعة)‮ ‬إنها‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة،‭ ‬لكن‭ ‬صباحاً‭ ‬أم‭ ‬مساءً؟‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭.. ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬اليوم‭ ‬صباحاً‭ ‬ومتى‭ ‬يكون‭ ‬مساءً‭ ‬لا‭ ‬أعرف،‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬هذا‭ ‬أننا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭.. ‬أشعر‭ ‬بالبرد‮ ‬(يصل‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة)‮ ‬لا‭ ‬تلُمْني‭ ‬أيها‭ ‬الحقير،‭ ‬الحربُ‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أجبرتني‭ ‬على‭ ‬الهروب‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القبو،‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬حربي‭.. ‬مؤلمٌ‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬في‭ ‬حربٍ‭ ‬ليستْ‭ ‬حربك،‭ ‬أخذوا‭ ‬أخي‭ ‬ليصير‭ ‬جندياً‭ ‬غصباً‭ ‬عنه‭ ‬وعنّا،‭ ‬ثمَّ‭ ‬انقطعتْ‭ ‬أخباره‭ ‬نهائياً‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬لم‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أقنعْ‭ ‬أمّي‭ ‬بمقتله‭.. ‬أنا‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬قتل‮ ‬(بغضب)‮ ‬عليك‭ ‬اللعنة،‭ ‬تختبئ‭ ‬داخل‭ ‬لوحة‭ ‬مثل‭ ‬فأرِ‭ ‬وسخ‭ ‬وتسخر‭ ‬منّي‭ ‬ومن‭ ‬هروبي‭.. ‬لو‭ ‬أنكَ‭ ‬مكاني‭ ‬لهربتَ‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬قبوٍ‭ ‬يصادفك،‭ ‬اللعنة‭ ‬عليك‭ ‬وعلى‭ ‬قبوك‭ ‬هذا‭ ‬أيها‭ ‬النحاتُ‭ ‬الفاشل‮ ‬(يشير‭ ‬بيده‭ ‬إلى‭ ‬تمثال‭ ‬المرأة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستدير‭ ‬إليها)‮ ‬روح‭ ‬مشوّهة‭ ‬كروحك‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬ينحتُ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬المشوّهة،‭ ‬ما‭ ‬أبشعكَ‭ ‬وأبشعها‭.. ‬أكيدٌ‭ ‬أنكَ‭ ‬استطعتَ‭ ‬أن‭ ‬تهرب‭ ‬مثل‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.. ‬والآن‭ ‬تتمشّى‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدنٍ‭ ‬بعيدة‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬تبتسم‭ ‬ببلاهة‭ ‬للبشر‭ ‬وترمي‭ ‬بنصائحك‭ ‬عليّ‭ ‬هنا‮ ‬(يبصق‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬رجلِ‭ ‬اللوحة‭ ‬ويصرخ‭ ‬بغضب)‮ ‬اصمتْ،‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬إليَّ‭ ‬هكذا‭ ‬أيها‭ ‬الوضيع،‭ ‬أنا‭ ‬لستُ‭ ‬جباناً‭.. ‬إنها‭ ‬ليستْ‭ ‬حربنا،‭ ‬أنتَ‭ ‬الجبان،‭ ‬أنتَ‭ ‬الجبان،‭ ‬أنتَ‭ ‬الجبان‭.. ‬اللعنة‭ ‬على‭ ‬ابتسامتك‭ ‬البشعة‮ ‬(بغضبٍ‭ ‬يدسُّ‭ ‬سيجارته‭ ‬في‭ ‬ابتسامة‭ ‬الرجل‭ ‬ليطفئها‭ ‬ثمَّ‭ ‬يبتعد)‮ ‬كلّ‭ ‬الأشياء‭ ‬البشعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬بكفّ،‭ ‬وابتسامة‭ ‬هذا‭ ‬الحقير‭ ‬بكفّ،‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أحتملها‭.. ‬ابتسامته‭ ‬كارثة‭ ‬مثل‭ ‬قذيفة‮ ‬(يلتقط‭ ‬سيجارة‭ ‬أخرى‭ ‬بنزق‭ ‬عن‭ ‬الطاولة،‭ ‬يشعلها‭ ‬ويعبُّ‭ ‬منها)‮ ‬اللعنة‭ ‬على‭ ‬الحرب،‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬قاسية‮ ‬(ينحني‭ ‬على‭ ‬القط‭ ‬المسجون‭ ‬في‭ ‬القفص)‮ ‬كانت‭ ‬لديّ‭ ‬حياة‭ ‬جميلة‭ ‬أيها‭ ‬القط‭ ‬التعيس،‭ ‬كنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الرائعين‭.. ‬نذهب‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬ونسهر‭ ‬ونلهو‭ ‬ونشرب،‭ ‬نطارد‭ ‬الفتيات‭ ‬الجميلات‭ ‬ونتغزل‭ ‬بهن‮ ‬(يصمت‭ ‬قليلاً)‮ ‬أين‭ ‬هم‭ ‬الآن؟‭ ‬هل‭ ‬نجوا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أم‭ ‬قتلوا؟‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬قبورٍ‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬بعيدة‭ ‬أم‭ ‬مثلي‭ ‬في‭ ‬أقبية‭ ‬بشعة؟‮ ‬(يتنهد‭.. ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬الطاولة،‭ ‬يصرخ)‮ ‬أريد‭ ‬مذياعاً‭.. ‬أريد‭ ‬موسيقى‭.. ‬لقد‭ ‬اشتقتُ‭ ‬للموسيقى‮ ‬(بحزن)‮ ‬هل‭ ‬اشتاقت‭ ‬الموسيقى‭ ‬لي؟‮ ‬(يعبُّ‭ ‬من‭ ‬سيجارته)‮ ‬الموسيقى‭ ‬الوحيدة‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬تكّات‭ ‬هذه‭ ‬الساعة‭ ‬العتيقة‭.. ‬آآآآه،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرقص،‭ ‬اشتاقَ‭ ‬جسدي‭ ‬للرقص‮ ‬(يبدأ‭ ‬جسده‭ ‬بالتمايل‭ ‬ليرقص‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عفوي‭ ‬وهو‭ ‬يدندن‭ ‬بلحنِ‭ ‬أغنيةٍ‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬كلماتها‭ ‬كثيراً)‮ ‬تيرارااا‭ ‬تيرارااا‮ ‬(يتوقف)‮ ‬سوف‭ ‬ألهو‭ ‬قليلاً،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‮ ‬(يضحك،‭ ‬يسرع‭ ‬إلى‭ ‬الحجر‭ ‬يرفع‭ ‬ساقه‭ ‬اليسرى‭ ‬ويبدأ‭ ‬بالقفز‭ ‬وهو‭ ‬يركل‭ ‬الحجر،‭ ‬ليلعب‭ ‬لعبة‭ ‬الحجل‭ ‬وكأنّه‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬شيئاً‭ ‬ما،‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬قفزات‭ ‬يقف‭ ‬فجأة‭ ‬وتختفي‭ ‬ابتسامته‭ ‬وكأنه‭ ‬قد‭ ‬استيقظ)‮ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬هنا‭ ‬وهم،‭ ‬وهمٌ‭ ‬كبير‭.. ‬أنقذيني‭ ‬يا‭ ‬أمّي،‭ ‬سوف‭ ‬أموت‭.. ‬تعبتُ،‭ ‬تعبتُ‭ ‬كثيراً‭.. ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬هنا‭ ‬وهم،‭ ‬الحرب‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الأسفل‭ ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬الأعلى‮ ‬(يهتز‭ ‬القبو‭ ‬بسبب‭ ‬انفجارات‭ ‬قويّة‭ ‬في‭ ‬الأعلى،‭ ‬يسرع‭ ‬يوسف‭ ‬ليجلس‭ ‬بخوف‭ ‬أسفل‭ ‬الطاولة)‮ ‬القذائف‭ ‬التهمتْ‭ ‬بشراهة‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬كلّ‭ ‬الأبنية‭ ‬هنا‭ ‬ولم‭ ‬تشبع‭ ‬بعد،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينجو‭ ‬منها‭ ‬الآن‭ ‬سوى‭ ‬الموتى‭ ‬ورجل‭ ‬أبلهٌ‭ ‬يبتسم‭ ‬في‭ ‬لوحة،‭ ‬وقطٌّ‭ ‬تعيسٌ‭ ‬مسجون‭ ‬في‭ ‬قفص،‭ ‬وامرأةٌ‭ ‬بنهدين‭ ‬مشوهين،‭ ‬وأنا‮ ‬(يغصّ‭.. ‬يعبّ‭ ‬من‭ ‬سيجارته،‭ ‬تداهمه‭ ‬نوبةُ‭ ‬سعال‭ ‬حادة،‭ ‬يطلع‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬ويشرب‭ ‬قليلاً)‮ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬بسيجارة‭ ‬أيها‭ ‬القط؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تدخّن؟‭ ‬أنت‭ ‬لست‭ ‬صغيراً‭ ‬ووالدك‭ ‬لن‭ ‬يشاهدك‭ ‬وأنتَ‭ ‬تدخّن،‭ ‬هيّا‭ ‬دخّن‭.. ‬لا‭ ‬تريد‮ ‬(يضحك‭.. ‬ويبدأ‭ ‬بجنون‭ ‬ببث‭ ‬دخان‭ ‬سيجارته‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفتيه‭ ‬على‭ ‬القفص‭ ‬ليعذّب‭ ‬القط‭ ‬وهو‭ ‬يعبّ‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬سريع)‮ ‬استمتع‭ ‬بهذا‭ ‬الضباب‭ ‬أيها‭ ‬التعيس‭.. ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الحرب،‭ ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬جسر‭ ‬لندن،‭ ‬استمتع‭ ‬بضبابها‮ ‬(تختفي‭ ‬ضحكاته،‭ ‬يحدث‭ ‬القط‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جدّي)‮ ‬أتريد‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القفص‭ ‬أيها‭ ‬التعيس؟‭ ‬لنعقد‭ ‬اتفاقية‭ ‬مع‭ ‬بعضنا،‭ ‬إن‭ ‬استطعت‭ ‬أنا‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبو،‭ ‬سوف‭ ‬أخرجك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القفص،‭ ‬يصيرُ‭ ‬العالم‭ ‬العلوي‭ ‬ملكي‭ ‬ويصير‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬كلّه‭ ‬ملك،‭ ‬وتصبح‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬المشوّهة‭ ‬حبيبتك‭.. ‬لكن‭ ‬طالما‭ ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬لن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القفص‭ ‬أبداً،‭ ‬يا‭ ‬غبيّ‭ ‬أنت‭ ‬طاردتْني‭ ‬وأنا‭ ‬أركض‭ ‬بين‭ ‬الشوارع‭ ‬المدمّرة‭ ‬إلى‭ ‬هنا،‭ ‬أجمل‭ ‬شيء‭ ‬فعلته‭ ‬منذ‭ ‬التجأت‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬التقطتكَ‭ ‬لأسجنكَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القفص،‭ ‬كان‭ ‬قفصاً‭ ‬دون‭ ‬سجين،‭ ‬مثل‭ ‬إنسان‭ ‬دون‭ ‬حلم‭ ‬جميل،‭ ‬القدر‭ ‬اختاركَ‭ ‬لتكون‭ ‬سجينه،‭ ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬الحلم‭ ‬الجميل‭ ‬لهذا‭ ‬القفص‮ ‬(يضحك)‮ ‬أنا‭ ‬بريءٌ‭ ‬أيها‭ ‬التعيس،‭ ‬أنا‭ ‬أداةٌ‭ ‬تنفّذ‭ ‬إرادة‭ ‬القدر‭.. ‬لا‭ ‬تشتُمْني،‭ ‬عليكَ‭ ‬أنْ‭ ‬تلومَ‭ ‬قدرك‮ ‬(ينتبه‭ ‬لوجود‭ ‬صورة‭ ‬أمّه‭ ‬على‭ ‬الطاولة،‭ ‬ينسى‭ ‬القطّ‭ ‬ويلتقطها،‭ ‬يمشي‭ ‬وهو‭ ‬يتأملها‭ ‬باشتياق)‮ ‬اشتقت‭ ‬لكِ‭ ‬يا‭ ‬أمّي‭.. ‬أين‭ ‬أنتِ؟‮ ‬(يجثو‭ ‬على‭ ‬ركبتيه‭ ‬يضمّ‭ ‬الصورة‭ ‬إلى‭ ‬صدره‭ ‬ويتحدّث‭ ‬كحالم)‮ ‬اشتقتُ‭ ‬لحنانك،‭ ‬لابتسامتك،‭ ‬لحضنك‭ ‬الدافئ،‭ ‬اشتقت‭ ‬لحكاياتك‭ ‬في‭ ‬طفولتي،‭ ‬اشتقت‭ ‬كثيراً‭ ‬لنفسي‭ ‬وأنا‭ ‬أراقبك‭ ‬خلسةً‭ ‬وأنت‭ ‬تصلّين‭ ‬بخشوع،‭ ‬ما‭ ‬أجملك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬وأنتِ‭ ‬تصلّين،‭ ‬عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬أصلّي‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أشعر‭ ‬بالطمأنينة،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬أراقبكِ‭ ‬كنتُ‭ ‬أشعر‭ ‬بالطمأنينة،‭ ‬صلاتي‭ ‬الحقيقية‭ ‬والممتعة‭ ‬كانت‭ ‬عندما‭ ‬أراقبكِ‭ ‬وأنتِ‭ ‬تصلّين،‭ ‬شكلكِ‭ ‬الأبيض‭ ‬وأنتِ‭ ‬تصلّين‭ ‬يجعل‭ ‬الروح‭ ‬تحلّق‭ ‬عالياً،‭ ‬عالياً،‭ ‬عالياً،‭ ‬دفء،‭ ‬دفء،‭ ‬دفء‮ ‬(يصمت‭ ‬وكأنه‭ ‬استيقظ‭ ‬من‭ ‬حلمه‭ ‬وينهض)‮ ‬للأسف‭ ‬يا‭ ‬أمّي،‭ ‬كلّ‭ ‬صلواتك‭ ‬وصلوات‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬تمنع‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬وتدمّر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬الحرب‭ ‬بقذائفها‭ ‬المجنونة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الصلوات‭ ‬بخشوعها‭ ‬الجميل،‭ ‬الصلاة‭ ‬لا‭ ‬تنهي‭ ‬حرباً،‭ ‬لكنّ‭ ‬حرباً‭ ‬واحدة‭ ‬تنهي‭ ‬ألف‭ ‬صلاة(يمشي‭ ‬بهدوءٍ‭ ‬إلى‭ ‬الطاولة،‭ ‬يضع‭ ‬الصورة‭ ‬فوق‭ ‬الكتاب،‭ ‬يأخذ‭ ‬الكأس‭ ‬ويشرب،‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬ويمشي‭ ‬وهو‭ ‬يتمايل‭ ‬فيصل‭ ‬إلى‭ ‬تمثال‭ ‬المرأة،‭ ‬يجثو‭ ‬أمامها،‭ ‬يمسح‭ ‬بحنان‭ ‬على‭ ‬رأسها)‮ ‬كم‭ ‬أنتِ‭ ‬جميلة‭ ‬يا‭ ‬أميرتي،‭ ‬أنثى‭ ‬فاتنة،‭ ‬ما‭ ‬أحلاك‭ ‬يا‭ ‬ندى،‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أسمّيك‭ ‬ندى،‭ ‬ذلك‭ ‬الحقير‭ ‬الذي‭ ‬نحتك‭ ‬لم‭ ‬يمنحك‭ ‬اسماً،‭ ‬أنتِ‭ ‬حلوةٌ‭ ‬كصحن‭ ‬كرز‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬بيتنا‭ ‬الجميل(يصمت،‭ ‬ينحني‭ ‬إليها‭ ‬ويهمس‭ ‬مبتسماً‭ ‬بخبث)‮ ‬تعالي‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬أريكتي‭ ‬لنلهو‭ ‬قليلاً،‭ ‬هيا‭.. ‬لماذا؟‭ ‬مممم‮ ‬(يلتفت‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬ثمَّ‭ ‬إليها‭ ‬مجدداً،‭ ‬هامساً)‮ ‬أنت‭ ‬تشعرين‭ ‬بالخجل‭ ‬منه،‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬مع‭ ‬شاب‭ ‬أمامه،‭ ‬هو‭ ‬والدك‭ ‬لأنهُ‭ ‬نحتكِ،‭ ‬لا‭ ‬تهتمي‭ ‬يا‭ ‬حلوة،‭ ‬سأتخلّص‭ ‬منه‮ ‬(يغمزها‭ ‬بعينه،‭ ‬يسرع‭ ‬إلى‭ ‬الأريكة‭ ‬ليلتقط‭ ‬الغطاء‭ ‬ويخفيه‭ ‬خلف‭ ‬ظهره‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬بابتسامة‭ ‬مصطنعة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة،‭ ‬يقف‭ ‬أمامه،‭ ‬وفجأة‭ ‬يرمي‭ ‬بالغطاء‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬ليغطيها،‭ ‬يرجع‭ ‬بفرح‭ ‬إلى‭ ‬تمثال‭ ‬المرأة،‭ ‬يجثو‭ ‬أمامها‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬كفّيه‭ ‬على‭ ‬كتفيها)‮ ‬هيا‭ ‬يا‭ ‬حلوة،‭ ‬لنسرع‭ ‬إلى‭ ‬أريكتي‭ ‬ونلهو‭ ‬قليلاً،‭ ‬لقد‭ ‬تخلّصتُ‭ ‬منه،‭ ‬هيا،‭ ‬تعالي‭ ‬معي‭.. ‬الحبُّ‭ ‬والدفءُ‭ ‬والمتعةُ‭ ‬ينتظروننا‭ ‬هناك‮ ‬(يشير‭ ‬بيده)‮ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأريكة‮ ‬(ينحني‭ ‬ويقبلها‭ ‬في‭ ‬شفتيها‭ ‬الحجريتين‭ ‬الباردتين)‮ ‬أرجوك،‭ ‬أنا‭ ‬بحاجة‭ ‬للدفء‭ ‬والحب،‭ ‬تعالي‭ ‬معي‭ ‬يا‭ ‬حبيبتي‭.. ‬أحبكِ‭ ‬يا‭ ‬ندى،‭ ‬سأمنحك‭ ‬ألف‭ ‬قبلة‮ ‬(بتوسّل)‮ ‬على‭ ‬أريكتي‭ ‬سنخلق‭ ‬معاً‭ ‬عالماً‭ ‬دافئاً،‭ ‬هيا‭ ‬تعالي‮ ‬(بغضب)‮ ‬تعالي‭ ‬معي‭ ‬يا‭ ‬غبية،‭ ‬اللعنة‭ ‬عليك‭ ‬أيتها‭ ‬العاهرة،‭ ‬سوف‭ ‬آخذك‭ ‬إلى‭ ‬أريكتي‭ ‬غصباً‭ ‬عنك‮ ‬(يحاول‭ ‬عبثاً‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬يائسة‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬تمثالها‭ ‬الثقيل‭ ‬فيفشل،‭ ‬يسقط‭ ‬جانبها،‭ ‬يحبو‭ ‬على‭ ‬أطرافه‭ ‬بقهر‭ ‬مبتعداً‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬حيث‭ ‬يبكي‭ ‬بصوت‭ ‬مخنوق،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينهض‭ ‬ويقف‭ ‬وكأنه‭ ‬استعاد‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه،‭ ‬يمسح‭ ‬دموعه)‮ ‬لن‭ ‬تعثري‭ ‬على‭ ‬شاب‭ ‬آخر‭ ‬يقبلُ‭ ‬أنْ‭ ‬يحبّكِ‭ ‬أيتها‭ ‬البشعة،‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الغبيّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬أريكته‭ ‬مع‭ ‬امرأة‭ ‬بنهدين‭ ‬مشوّهين؟‭ ‬لن‭ ‬ينام‭ ‬معك‭ ‬أحدٌ‭ ‬أيتها‭ ‬البشعة،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬أنا،‭ ‬أينقصني‭ ‬أنْ‭ ‬تنجبي‭ ‬لي‭ ‬تماثيلَ‭ ‬صغيرة‭ ‬مشوهة‭ ‬مثلك،‭ ‬يا‭ ‬عين‭!‬‮ ‬(يضحك‭ ‬بصخب)‮ ‬تتدللين‭ ‬عليّ‭ ‬ولديك‭ ‬نهدان‭ ‬مشوهان‭! ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كنتِ‭ ‬جميلة؟‮ ‬(يقترب‭ ‬من‭ ‬التمثال‭ ‬وينحني‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬يهزّ‭ ‬بسبابته)‮ ‬أتعلمينَ‭ ‬كم‭ ‬فتاةً‭ ‬جميلةً‭ ‬في‭ ‬حارتنا‭ ‬أحبّتني؟‭ ‬كنّ‭ ‬يشهقنَ‭ ‬عندما‭ ‬أمرُّ‭ ‬بهنّ،‭ ‬عليكِ‭ ‬اللعنة،‭ ‬يا‭ ‬غبية‭.. ‬أعظم‭ ‬أشكال‭ ‬التمرد،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتمرد‭ ‬تمثالٌ‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬نحته‮ ‬(يركلُ‭ ‬التمثال‭ ‬ثمَّ‭ ‬يسرع‭ ‬إلى‭ ‬اللوحة‭ ‬ليرفع‭ ‬الغطاء‭ ‬عنها‭ ‬ويغطّي‭ ‬به‭ ‬رأسه،‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬الطاولة،‭ ‬يشرب‭ ‬قليلاً)‮ ‬ياااااه،‭ ‬لم‭ ‬أعدْ‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬أنا‭! ‬أشتاق‭ ‬للصلوات‭ ‬النقية‭ ‬لأمّي‭ ‬الطاهرة،‭ ‬وبذات‭ ‬الوقت‭ ‬أشتهي‭ ‬جسد‭ ‬هذه‭ ‬المشوهة‮ ‬(يصفع‭ ‬جبينه‭ ‬عدة‭ ‬مرات)‮ ‬من‭ ‬أنا؟‭ ‬من‭ ‬أنا؟‭ ‬من‭ ‬أنا‮ ‬(يصمت،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يستدرك‭ ‬مع‭ ‬ضحكة‭ ‬مجنونة)‮ ‬أنا‭ ‬الحلم‭ ‬الجميل‭ ‬لهذا‭ ‬القبو‭ ‬البشع،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬نحتني،‭ ‬وهذا‭ ‬أبشع‭ ‬ما‭ ‬فيّ،‭ ‬أو‭ ‬يمكن‭.. ‬كوابيسي،‭ ‬الحرب،‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬الموحش،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬نحتني‭.‬


لوحة: ربيع كيوان

(يرجع‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة)‮ ‬عليك‭ ‬اللعنة‭ ‬أيها‭ ‬الفاشل،‭ ‬لولا‭ ‬أنك‭ ‬بشع‭ ‬لما‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬تنحت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬البشعة،‭ ‬لقد‭ ‬صنعت‭ ‬امرأة‭ ‬بلا‭ ‬روح،‭ ‬جسدها‭ ‬مشوّه،‭ ‬أثرُكَ‭ ‬يدلُّ‭ ‬عليك،‭ ‬يشبهكَ،‭ ‬مثلك‭ ‬تماماً‮ ‬(يبصق‭ ‬عليه‭ ‬ويمشي‭ ‬مبتعداً‭ ‬عنه،‭ ‬يتوقف‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القبو،‭ ‬يتنهّد‭ ‬بعد‭ ‬صمت‭ ‬طويل)‮ ‬اشتقت‭ ‬لوجهي،‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬أشاهده،‭ ‬لو‭ ‬أنّني‭ ‬أشاهده‭ ‬ثانية،‭ ‬ما‭ ‬أقسى‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬دون‭ ‬مرآة‮ ‬(يصمت،‭ ‬يداعب‭ ‬بسبابته‭ ‬ملامحه،‭ ‬يستدرك)‮ ‬وامرأة‮ ‬(يشرب،‭ ‬يعبّ‭ ‬من‭ ‬سيجارته)‮ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬هو‭ ‬اللعنة‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬عليّ؟‭ ‬أم‭ ‬أنني‭ ‬أنا‭ ‬اللعنة‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القبو؟‭ ‬فلينقذني‭ ‬أحدكم،‭ ‬أريد‭ ‬مذياعاً،‭ ‬أريد‭ ‬موسيقى،‭ ‬أريد‭ ‬أمّي،‭ ‬أريد‭ ‬امرأة‭ ‬جميلة،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬وجهي‮ ‬(يصمت‭ ‬قليلاً،‭ ‬فجأة‭ ‬يتذكر،‭ ‬يبتسم)‮ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬أرقص؟‭.. ‬نعم،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرقص‮ ‬(تعلو‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬صوت‭ ‬أغنية،‭ ‬يبدأ‭ ‬بالتمايل‭ ‬عليها‭ ‬ويحرّك‭ ‬أطرافه‭ ‬بشكل‭ ‬متشنّج،‭ ‬يرقص‭ ‬بشكل‭ ‬كوميدي‭ ‬قليلاً،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتعب،‭ ‬يتوقف‭ ‬وهو‭ ‬يسعل،‭ ‬يتأمل‭ ‬مبتسماً‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة‭ ‬وقطّ‭ ‬القفص‭ ‬وتمثال‭ ‬المرأة)‮ ‬هل‭ ‬أعجبتكم‭ ‬رقصتي؟‭ ‬أعجبتكم‭!‬‮ ‬(تحتفي‭ ‬ابتسامته،‭ ‬بغضب)‮ ‬يا‭ ‬إلهي‭ ‬ما‭ ‬أبشعكم‭! ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لرقصة‭ ‬بشعة‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬إعجابكم،‭ ‬عليكم‭ ‬اللعنة‭.‬

(يسرع‭ ‬إلى‭ ‬الأريكة‭ ‬حيث‭ ‬يرمي‭ ‬جسده‭ ‬عليها‭ ‬وفوقه‭ ‬يرمي‭ ‬الغطاء،‭ ‬يرفع‭ ‬رأسه‭ ‬ويخاطب‭ ‬قطّ‭ ‬القفص‭ ‬على‭ ‬الطاولة)‮ ‬أيها‭ ‬القط‭ ‬التعيس،‭ ‬إن‭ ‬جاءت‭ ‬أمّي‭ ‬أثناء‭ ‬نومي‭ ‬أيقظني‭ ‬في‭ ‬الحال‮ ‬(يدسّ‭ ‬رأسه‭ ‬تحت‭ ‬الوسائد‭ ‬وينام)‭.‬

(صوت‭ ‬تكّات‭ ‬الساعة‭ ‬يعلو،‭ ‬الأشباح‭ ‬الداكنة‭ ‬على‭ ‬الجدار‭ ‬تبدأ‭ ‬بالتحرك‭ ‬بقهقهات‭ ‬مخيفة‭ ‬تعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬صوتُ‭ ‬طفلٍ‭ ‬يبكي‭ ‬يعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬صوتُ‭ ‬صلوات‭ ‬أمّ‭ ‬يعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬صوت‭ ‬لهاثِ‭ ‬امرأة‭ ‬تمارسُ‭ ‬الحبّ‭ ‬يعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬صوت‭ ‬آلام‭ ‬إنسان‭ ‬جريح‭ ‬يعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬صوتُ‭ ‬مذيع‭ ‬نشرة‭ ‬أخبار‭ ‬يعلو‭ ‬ببطء،‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬تعلو‭ ‬مع‭ ‬بعضها،‭ ‬وجسدُ‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬يتلو‭ ‬ويتشنّج‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬كوابيسه،‭ ‬انفجاراتٌ‭ ‬تهزّ‭ ‬القبو‭ ‬فيستيقظ‭ ‬يوسف‭ ‬مرتعباً‭ ‬لتختفي‭ ‬كل‭ ‬الأصوات،‭ ‬ويبقى‭ ‬صوتُ‭ ‬تكّاتِ‭ ‬الساعة،‭ ‬يشربُ‭ ‬النبيذ‭ ‬بعطشٍ‭ ‬ويشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬ليعبّ‭ ‬منها‭ ‬بشراهة)‭.‬

اللعنة‭ ‬عليك‭ ‬أيّتها‭ ‬الأشباح،‭ ‬لا‭ ‬هواية‭ ‬لديك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬التسلّي‭ ‬بروحي‭ ‬وكأنها‭ ‬كرتكِ‭ ‬المفضلة‮ ‬(يتأمّل‭ ‬أمامه‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬وهو‭ ‬يحرّك‭ ‬رأسه،‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنّه‭ ‬يراقب‭ ‬شبحاً‭ ‬ما،‭ ‬بغضب)‮ ‬اللعنة‭ ‬عليك‭ ‬أيها‭ ‬الشبح،‭ ‬سأقتلكَ‭ ‬وأجعل‭ ‬بقية‭ ‬الأشباح‭ ‬تتّعظ‭ ‬من‭ ‬جثتك‮ ‬(ينهض‭ ‬بجنون‭ ‬عن‭ ‬الأريكة‭ ‬ويبدأ‭ ‬بمطاردة‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬القبو،‭ ‬وهو‭ ‬يلكمُ‭ ‬ويركل‭ ‬بغضب‭ ‬الفراغ،‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬ثمَّ‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬ليلكم‭ ‬الشبح‭ ‬اللامرئي)

لن‭ ‬تنجو‭ ‬من‭ ‬لكمتي‭ ‬أيّها‭ ‬الوغد،‭ ‬سوف‭ ‬أقتلك‮ ‬(قبضته‭ ‬ترتطم‭ ‬ببندول‭ ‬الساعة‭ ‬فتكسره‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬ساقه،‭ ‬يسقط‭ ‬البندول‭ ‬بعيداً‭ ‬لينكسر،‭ ‬تتوقف‭ ‬السّاعة‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬يتأمّلها‭ ‬بهلع)‮ ‬أرجوك‭ ‬أيتها‭ ‬الساعة،‭ ‬لا‭ ‬تتوقفي‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬أرجوك‭.. ‬كلّنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬نحتاج‭ ‬لزمن،‭ ‬أتوسّل‭ ‬لك‮ ‬(يجثو‭ ‬على‭ ‬الأريكة)‮ ‬يا‭ ‬إلهي‭.. ‬أريد‭ ‬زمناً‭ ‬هنا،‭ ‬دون‭ ‬زمن‭ ‬سأختنق،‭ ‬بدون‭ ‬ساعات‭ ‬ودقائق‭ ‬وثواني‭ ‬يصير‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭ ‬وكأنه‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الفراغ‭ ‬الكوني‭ ‬المخيف‮ ‬(ينزل‭ ‬عن‭ ‬الأريكة)‮ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬بأيّ‭ ‬طريقة‮ ‬(يسرع‭ ‬إلى‭ ‬البندول‭ ‬المحطّم‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬يحاول‭ ‬إصلاحه‭ ‬فيفشل،‭ ‬يبتعد‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬الطاولة‭ ‬ويشرب‭ ‬كثيراً،‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة)‮ ‬سأموت‭ ‬رعباً‭ ‬دون‭ ‬تكّات‭ ‬الساعة،‭ ‬سوف‭ ‬يقتلني‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬المخيف،‭ ‬يجبُ‭ ‬أنْ‭ ‬ترجع‭ ‬الساعة‭ ‬لدورانها‮ ‬(يشرب‭ ‬أيضاً‭ ‬ثمّ‭ ‬يخبط‭ ‬بقبضته‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬بمرارة)‮ ‬أشعر‭ ‬بالاختناق،‭ ‬الفراغ‭ ‬يعصر‭ ‬بقبضته‭ ‬رقبتي،‭ ‬أريد‭ ‬زمناً‭ ‬ينقذني‮ ‬منه‭ ‬(يشرب‭ ‬مجدداً،‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة‭ ‬ثمَّ‭ ‬إلى‭ ‬قط‭ ‬القفص‭ ‬ثمَّ‭ ‬إلى‭ ‬تمثال‭ ‬المرأة،‭ ‬يقول‭ ‬بألم)‮ ‬عليكم‭ ‬اللعنة،‭ ‬لن‭ ‬يهمّكم‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬هنا،‭ ‬شيء‭ ‬طبيعي،‭ ‬لأنّكم‭ ‬موتى‮ ‬(ينتبه‭ ‬لوجود‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الطاولة،‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬القط‭ ‬في‭ ‬القفص،‭ ‬يبتسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬مخيفة،‭ ‬يشرب،‭ ‬يلعق‭ ‬شفته‭ ‬السفلى)‮ ‬فكرة‭! ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعدني‭ ‬في‭ ‬إرجاع‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القبو‭!‬‮ ‬(يضع‭ ‬الكأس‭ ‬جانباً،‭ ‬يأخذ‭ ‬بهدوء‭ ‬بيسراه‭ ‬الحبل‭ ‬وهو‭ ‬يرمق‭ ‬القطّ‭ ‬بنظرة‭ ‬مخيفة،‭ ‬ثمَّ‭ ‬بيمينه‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬جنوني‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬القفص‭ ‬ويدخلها‭ ‬ليلتقطه‭ ‬من‭ ‬رقبته‭ ‬ويعصرها‭ ‬بفظاعة،‭ ‬القط‭ ‬يموء‭ ‬كثيراً‭ ‬يغرز‭ ‬مخالبه‭ ‬بأصابع‭ ‬يوسف،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يختنق‭ ‬ويوسف‭ ‬يقهقه‭ ‬بجنون،‭ ‬انفجارات‭ ‬تهز‭ ‬القبو،‭ ‬تتوقف،‭ ‬ترتخي‭ ‬جثة‭ ‬القط)‭.‬

(يوسف‭ ‬غير‭ ‬مهتمّ‭ ‬للدماء‭ ‬التي‭ ‬تسيل‭ ‬من‭ ‬أصابعه،‭ ‬يخرج‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬من‭ ‬القفص،‭ ‬يربط‭ ‬طرف‭ ‬الحبل‭ ‬حول‭ ‬عنق‭ ‬الجثة،‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬ليعلّق‭ ‬الحبل‭ ‬من‭ ‬طرفه‭ ‬الآخر‭ ‬أسفل‭ ‬الساعة،‭ ‬ينتهي‭.. ‬يتأمّل‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬المتدلّية‭ ‬أسفل‭ ‬الساعة،‭ ‬تقترب‭ ‬كفه‭ ‬اليمنى‭ ‬من‭ ‬الجثة،‭ ‬يضربها‭ ‬بهدوء‭ ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬تبدأ‭ ‬الجثة‭ ‬مع‭ ‬حبلها‭ ‬بالنّوسان‭ ‬تماماً‭ ‬كبندول‭ ‬الساعة،‭ ‬عقرب‭ ‬الثواني‭ ‬يتحرك،‭ ‬يوسف‭ ‬يجنّ‭ ‬فرحاً‭ ‬وهو‭ ‬يضحك‭ ‬ويتنفس‭ ‬الصعداء)‭.‬

لقد‭ ‬نجحت،‭ ‬لقد‭ ‬نجحت‭.. ‬عاد‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬هنا،‭ ‬أعتذر‭ ‬منك‭ ‬أيها‭ ‬القط‭ ‬التعيس،‭ ‬سوف‭ ‬أسمّيك‭: ‬شهيد‭ ‬عودة‭ ‬الزمن‮ ‬(يقهقه‭ ‬ويبدأ‭ ‬بجسده‭ ‬بالنوسان‭ ‬بنشوة‭ ‬فوق‭ ‬الأريكة‭ ‬مع‭ ‬الجثة،‭ ‬ينزل‭ ‬عن‭ ‬الأريكة،‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬ويمشي)‭.‬

لا‭ ‬أعرف‭ ‬كم‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬هنا،‭ ‬نصف‭ ‬ساعة،‭ ‬ساعة،‭ ‬يوم،‭ ‬أكثر،‭ ‬أقل،‭ ‬لا‭ ‬يهمّ‭.. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬قد‭ ‬عاد،‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬الأعلى‭ ‬يسبق‭ ‬زمني‭ ‬هنا‭ ‬بقليل‭.. ‬لا‭ ‬يهمّ،‭ ‬المهمّ‭ ‬أنه‭ ‬لديّ‭ ‬زمن‭ ‬هنا‮ ‬(يصل‭ ‬إلى‭ ‬أقسى‭ ‬زاوية‭ ‬اليسار،‭ ‬جانب‭ ‬الطاولة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬أدوات‭ ‬النحت،‭ ‬منتشياً،‭ ‬مخموراً،‭ ‬ورغم‭ ‬تأثير‭ ‬الخمر،‭ ‬يشد‭ ‬جسده،‭ ‬يصير‭ ‬كرمح‭ ‬منتصب‭ ‬هنا،‭ ‬يرفع‭ ‬كأسه‭ ‬عالياً‭ ‬ويصرخ‭ ‬بقوة)‮ ‬نخبك‭ ‬يا‭ ‬زمني‭..‬

(لا‭ ‬يشرب،‭ ‬يرفع‭ ‬رأسه،‭ ‬بينما‭ ‬كفه‭ ‬المرتفعة‭ ‬عالياً‭ ‬بالكأس،‭ ‬تميل‭ ‬بكفه‭ ‬ليسكب‭ ‬نبيذها‭ ‬على‭ ‬ملامحه‭ ‬ببطء،‭ ‬فيغسل‭ ‬سائل‭ ‬النبيذ‭ ‬وجهه)‭.‬‮ ‬

/إطفاء/

‮ ‬

تنتهي‭ ‬المسرحية‭ ‬بخمسة‭ ‬مشاهد‭ ‬سريعة‭ ‬متتالية،‭ ‬تحددها‭ ‬الإضاءات‭ ‬والإطفاءات‭ ‬المتعاقبة‭.‬

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬1‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬تماماً،‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬العصفور‭ ‬ليزقزق‭ ‬من‭ ‬أعلاها،‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬أثناء‭ ‬نواسانها‭ ‬أسفلها‭ ‬تموءُ‭ ‬بحقدٍ‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تصمتْ،‭ ‬معلنةً‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭.‬

يوسف‭ ‬واقف‭ ‬منتصف‭ ‬الغرفة‭ ‬بثيابه‭ ‬الرثة،‭ ‬يبدو‭ ‬متعباً،‭ ‬يعبُّ‭ ‬من‭ ‬سيجارته‭ ‬ويتأمل‭ ‬الفراغ‭ ‬أمامه‭ ‬بصمت‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬2‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الواحدة‭ ‬تماماً،‭ ‬جثةُ‭ ‬القطّ‭ ‬أثناء‭ ‬نواسانها‭ ‬أسفلها‭ ‬تموءُ‭ ‬بحقدٍ‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تصمتْ،‭ ‬معلنةً‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭.‬

يوسف‭ ‬على‭ ‬الأريكة،‭ ‬يشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬ويعبّ‭ ‬منها،‭ ‬يلتقط‭ ‬كأس‭ ‬نبيذ‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الطاولة‭ ‬ويشرب،‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬اللوحة،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يزفر‭ ‬الدخان‭ ‬بحنق‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفتيه‭ ‬عالياً‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬3‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الثانية‭ ‬تماماً،‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬أثناء‭ ‬نواسانها‭ ‬أسفلها‭ ‬تموء‭ ‬بحقد‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تصمتْ،‭ ‬معلنة‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭.‬

يوسف‭ ‬أمام‭ ‬الساعة،‭ ‬يتصاعد‭ ‬منه‭ ‬الدخان،‭ ‬يتأمل‭ ‬العقارب‭ ‬ثمَّ‭ ‬يبدأ‭ ‬جسده‭ ‬بالنوسان‭ ‬مع‭ ‬البندول‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬تكات‭ ‬عقرب‭ ‬الثواني‭. ‬/إطفاء/

ـــ‭ ‬إضاءة‭ ‬4‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الثالثة‭ ‬تماماً،‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬أثناء‭ ‬نواسانها‭ ‬أسفلها‭ ‬تموء‭ ‬بحقد‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تصمتْ،‭ ‬معلنة‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭.‬

يوسف‭ ‬منحن‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬وقد‭ ‬اتكأ‭ ‬عليها‭ ‬بكفيه،‭ ‬سيجارته‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬فمه‭ ‬بلا‭ ‬مبالاة،‭ ‬يلتقط‭ ‬صورة‭ ‬أمه‭ ‬عن‭ ‬الطاولة،‭ ‬وبهدوء‭ ‬يدسّها‭ ‬في‭ ‬القفص‭ ‬ثمَّ‭ ‬يغلق‭ ‬عليها‭ ‬الباب،‭ ‬ويبدأ‭ ‬بنفث‭ ‬دخانه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفيته‭ ‬عليها‭ ‬بلا‭ ‬مبالاة‭.‬‮ ‬/إطفاء/

ــــ‭ ‬إضاءة‭ ‬5‭:‬

عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الرابعة‭ ‬تماماً،‭ ‬جثة‭ ‬القط‭ ‬أثناء‭ ‬نواسانها‭ ‬أسفلها‭ ‬تموء‭ ‬بحقد‭ ‬قليلاً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تصمتْ،‭ ‬معلنة‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭.‬

يوسف‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬المسرح‭ ‬متربعاً‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬جانب‭ ‬التمثال‭ ‬النصفي‭ ‬للمرأة،‭ ‬يتأملها‭ ‬بحزن،‭ ‬يأخذ‭ ‬السيجارة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شفتيه‭.‬

يوسف‭:‬‮ ‬آآآآه،‭ ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬أستطيع‭ ‬أخذك‭ ‬إلى‭ ‬أريكتي،‭ ‬وقتها‭.. ‬متأكد،‭ ‬سوف‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب…

(ستار)

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.