ثرفانتيس‭ ‬بعد‭ ‬400‭ ‬عام

الجمعة 2016/07/01

مُطالعة‭ ‬رواية‭ ‬هي‭ ‬كالرحلة،‭ ‬فالراوي‭ ‬الناجح‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يُحرّك‭ ‬خيال‭ ‬القارئ،‭ ‬فيحملهُ‭ ‬إلى‭ ‬زمان‭ ‬وأماكن‭ ‬الأحداث،‭ ‬ويجعل‭ ‬شخصيات‭ ‬الرواية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬وفي‭ ‬حوار‭ ‬معهُ‭.‬

كانت‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬رواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬منذُ‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬رحلة‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬عادية،‭ ‬فقد‭ ‬شاءت‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬أُطالع‭ ‬الرواية‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬أسبانيا،‭ ‬غير‭ ‬بعيدٍ‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬المكاني‭ ‬للأحداث‭. ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬كانت‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالروايات‭ ‬العالمية‭ ‬تخيبُ‭ ‬أمالي،‭ ‬فلا‭ ‬أنهيها‭ ‬إلا‭ ‬وأنا‭ ‬مُنهك،‭ ‬أتركُها‭ ‬سعيدًا‭ ‬بانتهاء‭ ‬رحلة‭ ‬مع‭ ‬رفيقٍ‭ ‬ثقيل‭ ‬الظل،‭ ‬أما‭ ‬رواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬فقد‭ ‬منحتني‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كنتُ‭ ‬أنتظر‭.‬

تحيي ‭ ‬أسبانيا‭ ‬والعالم‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬400‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬ميكال‭ ‬دي‭ ‬ثرفنتس،‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬أبريل‭ ‬1616،‭ ‬وبهذه‭ ‬المُناسبة‭ ‬تم‭ ‬تنظيم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التظاهرات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمُلتقيات‭ ‬العلمية،‭ ‬كتظاهرة‭ ‬«ثرفنتس‭ ‬وتونس»‭ ‬التي‭ ‬نُظمت‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب،‭ ‬أيام‭ ‬02‭ ‬و05‭ ‬أبريل‭ ‬2016‭ ‬أو‭ ‬الملتقى‭ ‬العلمي‭ ‬اثرفنتس‭ ‬والجزائرب‭ ‬الذي‭ ‬نظمتهُ‭ ‬جامعة‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بلقاید‭ ‬بتلمسان‭ ‬أيام‭ ‬26‭ ‬و27‭ ‬أبريل‭ ‬2016‭.‬

كذلك‭ ‬بهذه‭ ‬المُناسبة‭ ‬قامت‭ ‬بعثة‭ ‬أسبانية‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬رفات‭ ‬ثرفنتس،‭ ‬الذي‭ ‬يرقد‭ ‬ابكنيسة‭ ‬المُثلثينب‭ ‬بحي‭ ‬الحروف‭ ‬في‭ ‬مدريد،‭ ‬فكما‭ ‬تذكر‭ ‬جريدة‭ ‬«الباييس»‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬الصادر‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬22‭ ‬أبريل‭ ‬2016،‭ ‬نجحت‭ ‬هذه‭ ‬البعثة‭ ‬بعد‭ ‬تحليل‭ ‬المُعطيات‭ ‬التاريخية‭ ‬والاختبارات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬رفات‭ ‬ثرفنتس‭ ‬بدقة‭ ‬تقارب‭ ‬100‭ ‬بالمئة،‭ ‬والذي‭ ‬وُجد‭ ‬في‭ ‬قبر‭ ‬يضُم‭ ‬رفات‭ ‬16‭ ‬شخصًا‭ ‬آخرين،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬رفات‭ ‬زوجته‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬مكان‭ ‬رفات‭ ‬ميكال‭ ‬دي‭ ‬ثرفنتس‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬ديغو‭ ‬دي‭ ‬صابينو‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬الأسبان‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬وبعد‭ ‬بحث‭ ‬أرشيفي‭ ‬دقيق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنها‭ ‬وثيقة‭ ‬تعميد‭ ‬الشخصية‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬استلهم‭ ‬منها‭ ‬ثرفنتس‭ ‬شخصية‭ ‬البطل‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬أي‭ ‬سانشو‭ ‬بانثا،‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬اسم‭ ‬سانشو‭ ‬غايونا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الباحث‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬التي‭ ‬يذكرها‭ ‬ثرفنتس‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬بـبفي‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬لامنتشاب‭ ‬هي‭ ‬قرية‭ ‬أسكيفياس‭ ‬غير‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬طليطلة‭ ‬والتابعة‭ ‬لإقليم‭ ‬كاستيا‭-‬لامنتشا،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬كنيستها‭ ‬اسانتا‭ ‬مارياب‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬تعميد‭ ‬سانشو‭ ‬غايونا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬زوجة‭ ‬ثرفنتس،‭ ‬كاتالينا‭ ‬دي‭ ‬سالاثار‭ ‬أصيلة‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭.‬

‮ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاكتشافات‭ ‬المُتعلقة‭ ‬بحياة‭ ‬ووفاة‭ ‬ثرفنتس‭ ‬وروايته،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الألغاز‭ ‬مازالت‭ ‬لم‭ ‬تُحل،‭ ‬فأين‭ ‬تنتهي‭ ‬الحقيقة‭ ‬ويبدأ‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬قد‭ ‬دُونت‭ ‬بالألخاميدية‭ ‬‭(‬كتابة‭ ‬الأسبانية‭ ‬بحروف‭ ‬عربية‭)‬‭ ‬وتم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬الأسبانية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الموريسكي‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬ثرفنتس‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬سيدي‭ ‬حماد‭ ‬بن‭ ‬أيلي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يؤكدُ‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬أنهُ‭ ‬الموريسكي‭ ‬الغرناطي‭ ‬ميكال‭ ‬دي‭ ‬لونا،‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الكتاب‭ ‬والمُترجمين‭ ‬المُوريسكيين‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬وبداية‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر؟‭ ‬ثُم‭ ‬لماذا‭ ‬اختار‭ ‬ثرفنتس‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الراوي‭ ‬موريسكيًا‭ ‬وهي‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُحرّض‭ ‬عليها‭ ‬الكنيسة‭ ‬بصفة‭ ‬متواصلة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬إيمانها‭ ‬المسيحي‭ ‬غير‭ ‬صادق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬كل‭ ‬الموريسكيين‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬1609‭-‬1614؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الموقف‭ ‬الحقيقي‭ ‬لثرفنتس‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية؟‭ ‬فهل‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬المُتعاطف‭ ‬مع‭ ‬الموريسكي‭ ‬الريكوتي‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عنهُ‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬54،‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬المُتحامل‭ ‬الذي‭ ‬يُمجد‭ ‬قرار‭ ‬الطرد‭ ‬الذي‭ ‬اتخذهُ‭ ‬فيليب‭ ‬الثالث،‭ ‬والذي‭ ‬نجدهُ‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬الـ64‭ ‬والـ65؟

ألهمت‭ ‬رواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الموسيقيين،‭ ‬المسرحيين‭ ‬والسينمائيين،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬أُولى‭ ‬الاقتباسات‭ ‬الموسيقية‭ ‬لهذه‭ ‬الرواية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الاقتباسات‭ ‬السينمائية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الاقتباسات‭ ‬المسرحية‭ ‬فقد‭ ‬كُنت‭ ‬محظوظًا‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬بحضور‭ ‬مسرحية‭ ‬اأنا‭ ‬دون‭ ‬كيخوتي‭ ‬دي‭ ‬لامنتشاب‭ ‬بطولة‭ ‬الممثل‭ ‬الأسباني‭ ‬المعروف‭ ‬خوسيه‭ ‬ساكريستان‭.‬

إنه‭ ‬امسرح‭ ‬روميهب،‭ ‬الذي‭ ‬يقعُ‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬مدينة‭ ‬مُرسية‭ ‬القديمة،‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬كنيسة‭ ‬سانتا‭ ‬ماريا،‭ ‬التي‭ ‬تقفُ‭ ‬صومعتها‭ ‬الضخمة‭ ‬شامخةً‭ ‬كمنارة،‭ ‬أهتدي‭ ‬بها‭ ‬كلما‭ ‬ضعتُ‭ ‬وأنا‭ ‬أتجول‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬مدينة‭ ‬مرسية‭. ‬مسرح‭ ‬جميل،‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬وخمسين‭ ‬سنة،‭ ‬السقف‭ ‬مُزين‭ ‬برسوم‭ ‬نباتية‭ ‬وسماء‭ ‬زرقاء‭ ‬وبيضاء،‭ ‬أما‭ ‬المقاعد‭ ‬فذات‭ ‬لون‭ ‬أحمر‭ ‬وجوانب‭ ‬خشبية‭ ‬مُذهّبة‭.‬

‮ ‬أُطفئت‭ ‬الأضواء‭ ‬بشكل‭ ‬مُتدرج،‭ ‬موسيقى‭ ‬خافته‭. ‬انتظرتُ‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬الممثلون‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الستار،‭ ‬فإذا‭ ‬برجل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬يسير‭ ‬مُتثاقلاً‭ ‬نحو‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬نحو‭ ‬الركن‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬آلة‭ ‬الكونترباص،‭ ‬عدّل‭ ‬الأوتار،‭ ‬ثم‭ ‬عزف‭ ‬مقطوعةً‭ ‬موسيقية‭ ‬جميلة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭. ‬ثم‭ ‬خرجت‭ ‬شابة‭ ‬في‭ ‬عتبة‭ ‬العشرين،‭ ‬وبدأت‭ ‬تقوم‭ ‬بحركات‭ ‬تُعبّر‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬استعدادها‭ ‬للعرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬ثم‭ ‬شخص‭ ‬يبدو‭ ‬بدينًا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬فممثل‭ ‬فارع‭ ‬الطول‭ ‬يُمسك‭ ‬كتابًا‭ ‬أنشد‭ ‬يقول‭ ‬بلغة‭ ‬أسبانية‭ ‬قديمة‭ ‬اذلك‭ ‬الزمن‭ ‬الخالدةزمن‭ ‬أمنديس‭ ‬الغالي‭ ‬والفروسية‭ ‬الجوالةةب،‭ ‬ثم‭ ‬صَمَتَ،‭ ‬ليُسعفهُ‭ ‬الممثل‭ ‬البدين‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬سانشو‭ ‬بانثا،‭ ‬ببقية‭ ‬الكلام‭. ‬هل‭ ‬نسي‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬دورهُ؟

من‭ ‬الكُتيب‭ ‬الذي‭ ‬قُدم‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬المسرح‭ ‬أدركتُ‭ ‬بأن‭ ‬المسرحية‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬إعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬لرواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت،‭ ‬فهي‭ ‬بشكل‭ ‬يتماها‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬مع‭ ‬أسبانيا‭ ‬الأزمة،‭ ‬مع‭ ‬العشرية‭ ‬الثانية‭ ‬المجنونة‭ ‬للقرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

‮ ‬بين‭ ‬الهزل‭ ‬وتعليقات‭ ‬سانشو‭ ‬بانثا‭ ‬وأمثلتهُ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬وحبه‭ ‬للأكل‭ ‬وللنبيذ‭ ‬الذي‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يجعلهُ‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬أيّ‭ ‬قطرة‭ ‬في‭ ‬الجرّة،‭ ‬وابنتهُ‭ ‬ذات‭ ‬التعليقات‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬ساذجة‭ ‬وفي‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ ‬حكيمة،‭ ‬ومُغامرات‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬المُختلفة‭ ‬مع‭ ‬طواحين‭ ‬الهواء،‭ ‬أو‭ ‬البغالين‭ ‬البنغاليين،‭ ‬مغامرة‭ ‬الأسود‭ ‬وكهف‭ ‬مونتسيرو،‭ ‬والشخصيات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬لقيها‭: ‬كجندي‭ ‬معركة‭ ‬لبونت‭ ‬البائس،‭ ‬المتجول‭ ‬كعبد‭ ‬بين‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وتونس‭ ‬وقصة‭ ‬هروبه‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬برفقة‭ ‬ثريا،‭ ‬أو‭ ‬الموريسكي‭ ‬الريكوتي‭ ‬المطرود‭ ‬والمطارد،‭ ‬والذي‭ ‬أخبر‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬بأنهم‭ ‬يحبون‭ ‬أسبانيا‭ ‬أينما‭ ‬كانوا،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬حُبه‭ ‬الخالد‭ ‬لدولثينا،‭ ‬أجمل‭ ‬السيدات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬ومن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك؟‭ ‬مرت‭ ‬المسرحية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬إلا‭ ‬ودون‭ ‬كيخوتي‭ ‬يُخبرُ‭ ‬سانشو‭ ‬بانثا‭ ‬بأنهُ‭ ‬كان‭ ‬يُريدُ‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬راعيًا‭ ‬وبأن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ألقابه،‭ ‬االفارس‭ ‬حزين‭ ‬الطلعةب،‭ ‬افارس‭ ‬الأسودب،‭ ‬لكن‭ ‬ساعة‭ ‬الموت‭ ‬قد‭ ‬حلت‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬سانشو‭.‬

موسيقى‭ ‬حزينة،‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬يجلس‭ ‬ميتًا‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬المسرح،‭ ‬أما‭ ‬سانشو‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬رأسهُ‭ ‬بين‭ ‬قدميه،‭ ‬فقط‭ ‬تقدمت‭ ‬ابنتهُ‭ ‬لتسألهُ‭ ‬عن‭ ‬إرث‭ ‬سيّده،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬عن‭ ‬أسلحته‭ ‬وحصانه،‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭ ‬لوالدها‭ ‬سلّحني‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬وريثة‭ ‬دون‭ ‬كيخوت،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تُعبر‭ ‬عن‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الفقر‭ ‬والظلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬ورؤية‭ ‬مخرج‭ ‬المسرحية‭ ‬لدون‭ ‬كيخوت،‭ ‬ليس‭ ‬كمجنون‭ ‬بكتب‭ ‬الفروسية‭ ‬كما‭ ‬صورهُ‭ ‬راهب‭ ‬القرية،‭ ‬وإنما‭ ‬كشخصية‭ ‬تُعبّر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحلمون‭ ‬اليوم‭ ‬بالحرية‭ ‬وبمجتمع‭ ‬عادل،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يخرجون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدريد،‭ ‬أثينا،‭ ‬تونس،‭ ‬دمشق،‭ ‬القاهرةة‭ ‬مُطالبين‭ ‬بالحرية‭ ‬وبالعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يُحاربون‭ ‬طواحين‭ ‬الهواء‭ ‬أو‭ ‬إدارات‭ ‬طحن‭ ‬أحلام‭ ‬الشباب،‭ ‬ومردة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬مُتعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬وسحرةً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأنواع‭ ‬والأشكال‭ ‬يسمّونهم‭ ‬رجال‭ ‬سياسة‭.‬

دون‭ ‬كيخوتي‭ ‬الذي‭ ‬أفاق‭ ‬من‭ ‬موته‭ ‬لينهي‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬سانشو‭ ‬وابنته،‭ ‬لم‭ ‬يمُت‭ ‬ولن‭ ‬يموت،‭ ‬زهرة‭ ‬الفروسية‭ ‬الجوالة،‭ ‬وأمل‭ ‬المُستضعفينة،‭ ‬وقف‭ ‬شامخًا،‭ ‬فصمت‭ ‬الجميع،‭ ‬ليقول‭ ‬ابهذا‭ ‬تنتهي‭ ‬كُلّ‭ ‬الكلمات،‭ ‬أنا‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬دي‭ ‬لامنتشاب‭.‬

إن‭ ‬عظمة‭ ‬ومُتعة‭ ‬رواية‭ ‬دون‭ ‬كيخوت‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬ألغازها‭ ‬العديدة‭ ‬وما‭ ‬تطرحهُ‭ ‬من‭ ‬أسئلة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬السردية‭ ‬المُجددة‭ ‬التي‭ ‬اتّبعها‭ ‬ثرفنتس،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬رواية‭ ‬لا‭ ‬تموتُ،‭ ‬رواية‭ ‬مُعاصرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬المنشورة‭ ‬حديثًا‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.