تحرير‭ ‬الجنس‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التونسية

الاثنين 2016/08/01
ملصق فيلم عصفور السطح

الملاحظ‭ ‬الجيد‭ ‬للسينما‭ ‬التونسية‭ ‬الحديثة،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬النقاشات‭ ‬والاهتمام‭ ‬الدولي،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬بأن‭ ‬أغلبية‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تعالجها‭ ‬تلعب‭ ‬فيها على‭ ‬حبل‮ ‬‭ ‬الضدين،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬هدفها،‭ ‬أهمها‭ ‬الصراع‭ ‬الكبير‭ ‬بين‮ ‬‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقليد،‭ ‬وبينهما‭ ‬يتم‭ ‬طرح‭ ‬‮«‬الثيمة”‭ ‬التي‭ ‬يُرى‭ ‬بأنها‭ ‬جوهرية،‭ ‬وأغلبها‭ ‬تحرير‭ ‬الجنس‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬المتداولة،‭ ‬والتعرض‭ ‬لمشاكل‭ ‬المرأة‭ ‬وما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬عاطفي‭ ‬وهيمنة‭ ‬ذكورية،‭ ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬التشبث‭ ‬بالحداثة‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬حضارية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬تعنيه‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحرية‭ ‬والانعتاق‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬هو‭ ‬الغالب‭ ‬عليها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاربة‭ ‬التقاليد‭ ‬البالية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬سقط‭ ‬متاع،‭ ‬ووسيلة‭ ‬إنجاب‭ ‬فقط،‭ ‬فيما‭ ‬تقوم‭ ‬بكبت‭ ‬أحلامها‭ ‬وطموحاتها،‭ ‬أما‭ ‬التفاصيل‭ ‬فتنقل‭ ‬عادة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سلطة‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والمدينة،‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬من‭ ‬متناقضات،‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يتمسك‭ ‬بالماضي‭ ‬وتقاليده،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يتطلع‭ ‬للمستقبل‭ ‬وما‭ ‬يحمله،‭ ‬لكن‭ ‬الجنس‭ ‬حاضر‭ ‬بقوة‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬طرف،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬السرّ‭ ‬أو‭ ‬العلن،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يكمل‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬التونسية‭ ‬الحديثة،‭ ‬التي‭ ‬تحررت‭ ‬من‭ ‬‮«‬الطابو”‭ ‬وقدمته‭ ‬في‭ ‬مشاهدها‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬سلطة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬عصفور‭ ‬السطح”‭ ‬لفريد‭ ‬بوغدير‭ ‬ومرورا‭ ‬بـ”‭ ‬الدواحة”‭ ‬لرجاء‭ ‬عماري،‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬على‭ ‬حلة‭ ‬عيني”‭ ‬لليلى‭ ‬بوزيد‭ ‬و”نحبك‭ ‬هادي”‭ ‬لمحمد‭ ‬بن‭ ‬عطية‭.‬

دخلت السينما‭ ‬التونسية‭ ‬مطلع‭ ‬تسيعنات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جديد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لامست‭ ‬مواضيعها‭ ‬القضايا‭ ‬المسكوت‭ ‬عنها،‭ ‬وانخرطت‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬الجنس‭ ‬وتقديمه‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مشاهد،‭ ‬مع‭ ‬إظهار‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬ومفاتنها‭ ‬بكل‭ ‬حرية،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تفاعلية‭ ‬لكسر‭ ‬‮«‬طابو”‭ ‬جسد‭ ‬المرأة،‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬جاهزة‭ ‬وموروثة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجتمع‭ ‬منغلق‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬خاضع‭ ‬لنظام‭ ‬تحميه‭ ‬سلطة‭ ‬دينية،‭ ‬لديه‭ ‬صورة‭ ‬وأحكام‭ ‬مسبقة‭ ‬عن‭ ‬المرأة،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بجسدها‭ ‬وبتفاصيله‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمثيرة،‭ ‬وعليه‭ ‬جاء‭ ‬عمل‭ ‬المخرج‭ ‬التونسي‭ ‬الكبير‭ ‬فريد‭ ‬بوغدير‭ ‬‮«‬عصفور‭ ‬السطح”‭ ‬‭(‬1990‭)‬،‭ ‬ليفتح‭ ‬مساحة‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬العُري،‭ ‬ويدُخل‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخرجها‭ ‬من‭ ‬محليتها‭ ‬التي‭ ‬جثمت‭ ‬فيها‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬عصفور‭ ‬السطح”‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬قصته‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الشعبي‭ ‬المعروف‭ ‬بتسمية‭ ‬‮«‬الحلفاوين”‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬العاصمة،‭ ‬أين‭ ‬نقل‭ ‬المخرج‭ ‬عدسة‭ ‬كاميرته‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الروحي‭ ‬والجمالي،‭ ‬لينقل‭ ‬نبض‭ ‬شوارعه،‭ ‬بيوته،‭ ‬وأزقته‭ ‬المُغرقة‭ ‬بالمعاني،‭ ‬الضاربة‭ ‬في‭ ‬عبق‭ ‬التاريخ،‭ ‬إذ‭ ‬يحكي‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬من‭ ‬الحيّ‭ ‬قصته‭ ‬بصمت،‭ ‬أطلق‭ ‬المخرج‭ ‬العنان‭ ‬لأبطاله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يؤلفوا‭ ‬فسيفساء‭ ‬مجتمعية،‭ ‬متباينة‭ ‬ومتماسكة،‭ ‬أطلقهم‭ ‬لينقلوا‭ ‬لنا‭ ‬فترة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬حياة‮ ‬‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬فينا،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬المراهقة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الطفل‭ ‬نورا،‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬الأسئلة‭ ‬تراوده‭ ‬كما‭ ‬راودتنا‭ ‬جميعا،‭ ‬أسئلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالجسد،‭ ‬واللذة،‭ ‬والفرق‭ ‬الفيزيولوجي‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬اللذة‭ ‬ويحس‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬يسمع‭ ‬عنها،‭ ‬ويرى‭ ‬حرارتها‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬وُفّق‭ ‬المخرج‭ ‬بوغدير‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬المرحلة‭ ‬العمرية‭ ‬التي‭ ‬سلّط‭ ‬عليها‭ ‬الضوء،‭ ‬وهي‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬الطفل‭ ‬نورا‭ ‬عن‭ ‬مراهقته،‭ ‬والفاصل‭ ‬المهمّ‭ ‬الذي‭ ‬يسبق‭ ‬سن‭ ‬الإدراك‭ ‬الحسي‭ ‬للأشياء،‭ ‬وعليه‭ ‬جاء‭ ‬ملخص‭ ‬العمل‭ ‬كالتالي‭ ‬‮«‬نورا‭ ‬صبى‭ ‬صغير،‭ ‬سوف‭ ‬يصير‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬مراهقا،‭ ‬ويبلغ‭ ‬سن‭ ‬الإدراك‭ ‬الحسي،‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثانية‭ ‬عشر،‭ ‬والمرحلة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬تتمركز‭ ‬فيها‭ ‬حيرة‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬عالم‭ ‬الرجال‭ ‬الذي‭ ‬يجلبه‭ ‬نحوه،‭ ‬وعالم‭ ‬النساء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحميه،‭ ‬فهو‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬صغيرًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفقد‭ ‬عذوبة‭ ‬وحنان‭ ‬النساء،‭ ‬أم‭ ‬هل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتمرس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الشارع‭ ‬ليعلمه‭ ‬عالم‭ ‬الرجال،‭ ‬يجد‭ ‬نورا‭ ‬الحل‭ ‬ويتعلم‭ ‬كيف‭ ‬يعيش‭ ‬معهم‭ ‬بفضل‭ ‬حكمة‭ ‬الشخصيات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬تحوطه،‭ ‬تلفظه‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬الحمام،‭ ‬فيتلصص‭ ‬عليهن،‭ ‬ويتلذذ،‭ ‬ويصبح‭ ‬حمام‭ ‬الحلفاوين‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬تحول‭ ‬نورا‭ ‬من‭ ‬طفل‭ ‬إلى‭ ‬شاب”‭.‬

‮ ‬وقد‭ ‬فسّر‭ ‬المخرج‭ ‬فريد‭ ‬بوغدير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬الجنسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُعتبر‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬غير‭ ‬المفهومة‭ ‬لدى‭ ‬فئات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقله‭ ‬لصورة‭ ‬محكمة‭ ‬ومنسوجة‭ ‬بإقناع،‭ ‬وبعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬إقحام‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬حضوره‭ ‬مفسّرا‭ ‬دراميا،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬عيون‭ ‬طفل،‭ ‬وبهذا‭ ‬الفيلم‭ ‬يكون‭ ‬فريد‭ ‬بوغدير‭ ‬قد‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه،‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬والمخرجات‭ ‬التونسيين،‮ ‬‭ ‬لتوظيف‭ ‬الجنس،‭ ‬والتطرق‭ ‬له‭ ‬دون‭ ‬عقدة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لمسناه‭ ‬ورأيناه‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬المخرجة‭ ‬رجاء‭ ‬عماري‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدواحة”‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إنتاجه‭ ‬سنة‭ ‬‭(‬2009‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭/‬المخرجة‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬المشاكل‭ ‬الجنسية‭ ‬لدى‭ ‬المرأة،‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬الفيلم‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أسرة‭ ‬متكونة‭ ‬من‭ ‬أمّ،‭ ‬وابنة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬ومراهقة‭ ‬صغيرة،‭ ‬يعشن‭ ‬في‭ ‬قبو‭ ‬قصر‭ ‬مهجور،‭ ‬ويتحصّلن‭ ‬على‭ ‬قوتهن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحياكة‭ ‬اليدوية،‭ ‬أو‭ ‬زرع‭ ‬مساحة‭ ‬الحديقة،‭ ‬يعشن‭ ‬منطويات‭ ‬منعزلات‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬ومن‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬يكسر‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬حياتهن‭ ‬حفلات‭ ‬ابن‭ ‬صاحب‭ ‬القصر،‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬مع‭ ‬صديقته‭ ‬سلمى‭ ‬لممارسة‭ ‬طقوس‭ ‬اللذة‭ ‬والمتعة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتقد‭ ‬شرارة‭ ‬الجنس‭ ‬لدى‭ ‬الابنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬سوى‭ ‬العادة‭ ‬السرية‭ ‬لتحرير‭ ‬لذتها،‭ ‬فيما‭ ‬تبحث‭ ‬الأخت‭ ‬الصغرى‭ ‬عن‭ ‬أنوثتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اكتشافها‭ ‬أحمر‭ ‬الشفاه،‭ ‬وزجاجات‭ ‬العطر،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬الحرمان‭ ‬الذي‭ ‬يعكسه‭ ‬القحط‭ ‬الجنسي‭ ‬لدى‭ ‬النساء‭ ‬الثلاث،‮ ‬‭ ‬لتدخل‭ ‬سلمى‭ ‬كمرآة‭ ‬عاكسة‭ ‬للحضارة‭ ‬والحرية‭ ‬والانعتاق،‭ ‬أين‭ ‬تحاول‭ ‬تحريض‭ ‬عائشة‭ ‬البنت‭ ‬الصغرى‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الوضع،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬مساحة‭ ‬للحرية،‭ ‬والتخلّي‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬والسلطة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تمثلها‭ ‬الأخت‭ ‬الكبرى‭ ‬والأم،‭ ‬لينتهي‭ ‬الفيلم‭ ‬بتحوّل‭ ‬سلمى‭ ‬إلى‭ ‬ضحية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقتلها‭ ‬الأخت‭ ‬الكبرى،‭ ‬فيما‭ ‬تقضي‭ ‬عائشة‭ ‬على‭ ‬حياتها‭ ‬بموسى‭ ‬الحلاقة،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬فعل‭ ‬وردة‭ ‬فعل،‭ ‬نقل‭ ‬الفيلم‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مراحله‭ ‬عوالم‭ ‬وصورا‭ ‬جنسية‭ ‬متعددة،‭ ‬تظهر‭ ‬الرغبة‭ ‬الجامحة‭ ‬التي‭ ‬ولّدها‭ ‬الضغط‭ ‬والبيئة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وكل‭ ‬امرأة‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬وحتى‭ ‬الوافدة‭ ‬الجديدة،‭ ‬قد‭ ‬أدّين‭ ‬وقدمن‭ ‬حكاية‭ ‬لها‭ ‬دلالتها‭ ‬الواضحة‭ ‬ومغزاها‭ ‬القوي‭.‬

حضر‭ ‬الجنس‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التونسية،‭ ‬وقد‭ ‬تعرّضت‭ ‬أغلبها‭ ‬لمشاكل‭ ‬المرأة‭ ‬ومكبوتاتها،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الخشخاش”‭ ‬للمخرجة‭ ‬سلمى‭ ‬بكار،‭ ‬ونقلت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الفراغ‭ ‬العاطفي‭ ‬وما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زوجة‭ ‬تعيش‭ ‬عدم‭ ‬الإشباع‭ ‬الجنسي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬زوجها،‭ ‬بسبب‭ ‬شذوذه‭ ‬الجنسي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تولد‭ ‬عندها‭ ‬رغبة‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬الخشخاش،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلّى‭ ‬عنها‭ ‬زوجها‭ ‬جنسيا،‭ ‬رغم‭ ‬عديد‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬ومارستها‭ ‬لإيقاد‭ ‬شهوته،‭ ‬لتنتهي‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬أمراض‭ ‬عقلية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬حلق‭ ‬الوادي”‭ ‬و”المشروع‮»‬‭ ‬”‭ ‬عرس‭ ‬الذيب”‭ ‬و”بنت‭ ‬فاميليا”‭ ‬وخلافها‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الجنس‭ ‬أحد‭ ‬ثيماتها‭.‬

آخر‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬اشتغلت‭ ‬على‭ ‬‮«‬ثيمة”‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقليد،‭ ‬هو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬نحبك‭ ‬هادي”‭ ‬للمخرج‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عطية،‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬به‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‮ ‬‭ ‬للدورة‭ ‬السادسة‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬مهرجان‭ ‬برلين‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وقد‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬العريق‭ ‬بجائزة‭ ‬العمل‭ ‬الأول،‭ ‬وجائزة‭ ‬أحسن‭ ‬ممثل‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬محمد‭ ‬مستورة‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬دور‭ ‬‮«‬هادي‭ ‬براك”‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬ينقل‭ ‬العمل‭ ‬قصة‭ ‬بسيطة‭ ‬بطلها‭ ‬هادي‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬تقليدية‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القيروان‭ ‬‭-‬مدينة‭ ‬متمسكة‭ ‬بعاداتها‭ ‬وتقاليدها‭ ‬ومحافظة‭-‬‭ ‬تربطه‭ ‬علاقة‭ ‬خطوبة‭ ‬بفتاة‭ ‬تقليدية‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المدينة،‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تقرر‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬للزواج‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬أيام،‭ ‬لكن‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬تعرّف‭ ‬هادي‭ ‬المنطوي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬فتاة‭ ‬تونسية‭ ‬مقيمة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المهدية‭ ‬‭-‬مدينة‭ ‬ترمز‭ ‬للانعتاق‭ ‬والحرية‭ ‬والحداثة‭-‬‭ ‬وهناك‭ ‬تواصل‭ ‬معها‭ ‬جنسيا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المرّات،‭ ‬وعندما‭ ‬عاد‭ ‬لخطيبته‭ ‬وأثناء‭ ‬أحد‭ ‬اللقاءات‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقبّلها،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬امتنعت‭ ‬ورفضت،‭ ‬بحجّة‭ ‬أنه‭ ‬سيقوم‭ ‬بهذا‭ ‬بعد‭ ‬الزواج،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬اتّضح‭ ‬صراع‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقليد‭ ‬بين‭ ‬النقيضين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجنس،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬عاد‭ ‬هادي‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬حبيبته‭ ‬في‭ ‬المهدية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬التونسية‭/‬الفرنسية،‭ ‬وقرّر‭ ‬الهرب‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا،‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬للحرية‭ ‬والمستقبل‭ ‬والحداثة‭ ‬في‭ ‬أكمل‭ ‬صورها‭ ‬وأتمّها،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬سلطة‭ ‬أسرته‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬حياته‭ ‬وقررت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعيدا‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬قراراته،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تتضح‭ ‬بوضوح‭ ‬رسالة‭ ‬الفيلم،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬منغلقة‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬تحكمها‭ ‬سلطة‭ ‬التقاليد،‭ ‬لا‭ ‬تخلق‭ ‬متنفسا‭ ‬للفرد‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.