ثورة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية

الاثنين 2016/08/01
لوحة: عادل داؤود

وها أن‭ ‬عالم‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬الأميركي‭ ‬الفرنسي‭ ‬سكوت‭ ‬أتران‭ ‬يفنّد‭ ‬تلك‭ ‬التحاليل‭ ‬لكونها‭ ‬تتناول‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬غربي،‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬سوى‭ ‬نموذج‭ ‬مضاد‭ ‬لنموذج‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحال‭ ‬أنها‭ ‬ثورة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬جيوسياسي‭ ‬فرضته‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬2016‭ ‬“الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ثورة”‭.‬

والرّجل‭ ‬لا‭ ‬ينطق‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬حكمه‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬ميدانية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬وأحياء‭ ‬باريس‭ ‬ولندن‭ ‬وبرشلونة‭ ‬رفقة‭ ‬فريق‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬أخصائيين‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬وحتى‭ ‬تصوير‭ ‬الأعصاب‭ ‬بالأشعة‭ ‬المغناطيسية،‭ ‬بوصفه‭ ‬متخصصا‭ ‬في‭ ‬الإرهاب‭ ‬ومدير‭ ‬بحوث‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للأبحاث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بباريس،‭ ‬ومدرسا‭ ‬بجامعتي‭ ‬أوكسفورد‭ ‬وميشيغان‭. ‬وهو‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬مرجع‭ ‬دعته‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬وكذلك‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬لفهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وسبل‭ ‬التصدّي‭ ‬لأنشطتها‭ ‬الدعوية‭.‬

قد‭ ‬يبدو‭ ‬نعت‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬قتل‭ ‬وتدمير‭ ‬وسبي‭ ‬واغتصاب‭ ‬واسترقاق‭ ‬بـ”الثورة”‭ ‬صادما،‮ ‬ولكن‭ ‬الكاتب‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬حال‭ ‬الثورات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬كالثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والثورة‭ ‬البلشفية‭ ‬اللتين‭ ‬ارتكبتا‭ ‬مجازر‭ ‬فظيعة‭ ‬لإزالة‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬وإرساء‭ ‬قيم‭ ‬جديدة‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬النكوص‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬تجاويف‭ ‬ماضٍ‭ ‬أسطوري،‭ ‬تبدو‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬تنظيمها‭ ‬الإداري‭ ‬المحكم‭ ‬وإمساكها‭ ‬بالوسائل‭ ‬التكنولوجية‭ ‬المتطورة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬منهجها‭ ‬الرامي‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬‭-‬أيديولوجية،‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ثقافية،‭ ‬عسكرية‭-‬‭ ‬لإنقاذ‭ ‬البشرية‭. ‬وجديدها‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬فكرة‭ ‬“الخلافة”‭ ‬لإلغاء‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭/‬الأمة‭.‬‮ ‬يقول‭ ‬أتران‭ ‬“مفهوم‭ ‬الأمة‭ ‬عند‭ ‬الأميركان‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬والمبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬الهوية،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬فالهوية‭ ‬متصلة‭ ‬بالأرض‭ ‬وروابط‭ ‬الدم‭ ‬التاريخية‭. ‬لذلك‭ ‬أعتبر‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬دولة‭ ‬ثورية،‭ ‬لأن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الدولة‭/‬الأمة‭ ‬ثورة‭. ‬الجهاديون‭ ‬يخلقون‭ ‬حركة‭ ‬خاصة‭ ‬بهم،‭ ‬مع‭ ‬بنى‭ ‬أخلاقية‭ ‬ودينية‭ ‬وميتافيزيقية‭ ‬تختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬بنانا‭.‬”‭ ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬أيّ‭ ‬ثورة،‭ ‬تطمح‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬الكونية‭ ‬والشمولية،‭ ‬فهي‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬للعولمة،‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬الجمهور،‭ ‬ونفس‭ ‬الهدف،‭ ‬ولكنها‭ ‬تقدِّم‭ ‬بديلا‭ ‬للهيمنة‭ ‬الغربية‭. ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬أتران‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬السنّي‭ ‬هذا‭ ‬المطمح‭ ‬الثوري‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬الخلافة،‭ ‬فالعرب،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬واعين‭ ‬بأن‭ ‬قرون‭ ‬الخلافة‭ ‬العثمانية‭ ‬الأربعة‭ ‬أوهتهم‭ ‬إلى‭ ‬الانحطاط‭ ‬والتخلف،‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يحنّون‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬عصورها‭ ‬الأولى،‭ ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬سيطرتها‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬فارس‭ ‬إلى‭ ‬الأندلس،‭ ‬وهو‭ ‬بعد‭ ‬أسطوري‭ ‬يغذّي‭ ‬حميّة‭ ‬الشباب،‭ ‬ويعطي‭ ‬لانخراطهم‭ ‬معنى،‭ ‬وعنصر‭ ‬سياسي‭ ‬وروحي‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬المتماثلة‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ضدّ‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭.‬

‮ ‬‭ ‬يؤكد‭ ‬سكوت‭ ‬أتران‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬فهم‭ ‬الظاهرة‭ ‬للتسلح‭ ‬بالوسائل‭ ‬الكفيلة‭ ‬بمواجهتها،‭ ‬بدءا‭ ‬بطبيعتها‭ ‬الحق،‭ ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬النيهيلية‭ ‬أو‭ ‬غسل‭ ‬الأدمغة‭ ‬‭-‬الكذبة‭ ‬التي‭ ‬ابتدعها‭ ‬الأميركان‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الكورية‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭-‬‭ ‬ووصْفها‭ ‬بكونها‭ ‬حركة‭ ‬طائفية‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬نظره،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يساعدنا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬كيف‭ ‬نجح‭ ‬ذلك‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكيلومترات‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سنتين،‭ ‬وكيف‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يستقطب‭ ‬أناسا‭ ‬ممّا‭ ‬يقارب‭ ‬مئة‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬القارات،‭ ‬وكيف‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬العنف‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬رأيه‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬ودينية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬لها‭ ‬وزن‭ ‬جيوسياسي‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بحجمه،‭ ‬وقوتها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬استقطاب‭ ‬كبرى،‭ ‬وإن‭ ‬كانت،‭ ‬بخلاف‭ ‬أغلب‭ ‬الحركات‭ ‬الثورية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬تحمل‭ ‬رؤية‭ ‬كارثية‭ ‬تبدأ‭ ‬بتدمير‭ ‬العالم‭ ‬لإنقاذه‭ ‬من‭ ‬ذنوبه‭ ‬وخطاياه‭.‬

فمن‭ ‬بين‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬المحللون،‭ ‬في‭ ‬اعتقاده،‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬كمجرد‭ ‬وجه‭ ‬للإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬العنيف‭ ‬والإلحاح‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬عنفها‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬عمل‭ ‬لاأخلاقي‭ ‬ورفض‭ ‬ذكرها‭ ‬بالاسم‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬بغرض‭ ‬إزالة‭ ‬الشرعية‭ ‬عنها‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬عديم‭ ‬الجدوى‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬يحجب‭ ‬عنا‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الحشد‭ ‬والتجنيد،‭ ‬مثلما‭ ‬يحجب‭ ‬طابعها‭ ‬الثوري،‭ ‬ويخفي‭ ‬بالتالي‭ ‬التهديد‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭. ‬فالدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تمنح‭ ‬أفق‭ ‬مجتمع‭ ‬طوباوي،‭ ‬يزعم‭ ‬إنقاذ‭ ‬البشرية‭ ‬عبر‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تكسر‭ ‬أغلال‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬للدول‭/‬الأمم‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الأوروبيون‭ ‬المنتصرون‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬والتحالف‭ ‬الغربي‭ ‬المعادي‭ ‬للدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬روسيا،‭ ‬إنما‭ ‬يحاول‭ ‬إنقاذ‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬إصلاحه،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وأطراف‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬لمحَنها‭ ‬ومصائبها‭.‬‮ ‬وليس‭ ‬أدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬الشبان‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬التحقوا‭ ‬بصفوف‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة،‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬الغرب‭ ‬فرض‭ ‬علينا‭ ‬أفكاره،‭ ‬كالقومية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬والشيوعية‭ ‬والليبرالية،‭ ‬لأنّنا‭ ‬كنا‭ ‬ضعفاء،‭ ‬ولكنها‭ ‬فشلت‭ ‬كلها.


لوحة: عادل داؤود

‬أما‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬فهو‭ ‬يقترح‭ ‬علينا‭ ‬إنتاج‭ ‬مستقبل‭ ‬متجذر‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬وتاريخنا‭. ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬بسيطة‭ ‬لأجل‭ ‬ثورة‭ ‬مجيدة،‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ونشيدها‭ ‬القتالي‭ ‬“ليَروِ‭ ‬الدمّ‭ ‬الفاسد‭ ‬أتلامنا”‭. ‬واستراتيجيتها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬اغتنام‭ ‬الفوضى‭ ‬حيثما‭ ‬وجدت،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية،‭ ‬أو‭ ‬تشجيع‭ ‬حدوثها‭ ‬وانتشارها،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬لزعزعة‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬ردّ‭ ‬الفعل‭ ‬ضد‭ ‬الجالية‭ ‬المسلمة‭ ‬التي‭ ‬ارتكب‭ ‬بعض‭ ‬أفرادها‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬على‭ ‬أرضهم،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬العدوّ‭ ‬داخليا،‭ ‬وتزول‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬التي‭ ‬يتعايش‭ ‬فيها‭ ‬المؤمنون‭ ‬وغير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬حسب‭ ‬التقسيم‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬الجهاديون‭. ‬والخطة‭ ‬المستعملة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجيوسياسي،‭ ‬وكأن‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬وعمليات‭ ‬القصف‭ ‬تبرر‭ ‬العنف‭ ‬الأول‭. ‬وفي‭ ‬رأيه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عقب‭ ‬اعتداءات‭ ‬13‭ ‬نوفمبر‭ ‬2015‭. ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬دمرته‭ ‬أعمال‭ ‬القصف‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الظهور‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬التحاق‭ ‬الأهالي‭ ‬بصفوف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭.‬‮ ‬مثلما‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬فتح‭ ‬مراكز‭ ‬لثني‭ ‬المتطرفين‭ ‬عن‭ ‬الجهاد،‭ ‬رصدت‭ ‬لها‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬تذكر،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬الشبان‭ ‬الراديكاليين‭ ‬يمثلون‭ ‬نسبة‭ ‬ضئيلة‭ ‬جدا‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬3000‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬مسلم،‭ ‬فهي‭ ‬كمن‭ ‬يريد‭ ‬قتل‭ ‬ذبابة‭ ‬بوابل‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬المدمرة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬إزالتها‭.‬

الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬بخصوص‭ ‬الحرب،‭ ‬فالدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ليست‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬مادية،‭ ‬كاليابان‭ ‬سابقا‭ ‬أو‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬ولكنها‭ ‬قوية‭ ‬بإيمان‭ ‬رجالها‭ ‬بأيديولوجيتهم‭ ‬واستعدادهم‭ ‬للموت‭ ‬لأجلها،‭ ‬وآخر‭ ‬الأخبار‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬رقعتها‭ ‬الجغرافية‭ ‬تنحسر،‭ ‬وقواتها‭ ‬تتلقى‭ ‬الضربات‭ ‬الموجعة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬زوالها،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬تدخلت‭ ‬أميركا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جماعات‭ ‬الزرقاوي‭ ‬وقتلت‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬حتى‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬سوى‭ ‬10‭ ‬بالمئة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البقية‭ ‬الباقية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تلملم‭ ‬شتاتها‭ ‬وتعود‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬داعش‭ ‬وتبسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭.‬

والرأي‭ ‬عنده‭ ‬أن‭ ‬تُنقَل‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬الميدان‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬وتتوجه‭ ‬إلى‭ ‬المكوّنَين‭ ‬الأساسيين‭ ‬اللذين‭ ‬ترتكز‭ ‬عليهما‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭: ‬أولا،‭ ‬المتطوعون‭ ‬والداخلون‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وهم‭ ‬الأكثر‭ ‬التزاما‭ ‬وتشددا‭ ‬في‭ ‬الغالب‭. ‬وثانيا،‭ ‬الرهانات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تزعم‭ ‬الدولة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لها‭ ‬بخلق‭ ‬طائفة‭ ‬موحدة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬السنّة،‭ ‬تعطي‭ ‬إشارة‭ ‬غزو‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬نشر‭ ‬الإسلام‭ ‬السلفي،‭ ‬أي‭ ‬إسلام‭ ‬الأصول‭.‬

وأمام‭ ‬فشل‭ ‬الإجراءات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬ينصح‭ ‬الكاتب‭ ‬بتفكيك‭ ‬فكرة‭ ‬“الخلافة”‭ ‬بوصفها‭ ‬أسطورة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬التعبئة،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬المسائل‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تنامي‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭. ‬وخلافا‭ ‬للأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬لتنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬يتألف‭ ‬المنجذبون‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬شبان‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬لوجودهم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬حياتهم،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬مهاجرون‭ ‬وطلبة‭ ‬ومهمّشون‭ ‬غادروا‭ ‬بيت‭ ‬الأسرة‭ ‬وسعوا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسرة‭ ‬جديدة‭ ‬وأصدقاء‭ ‬جدد‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬رفاق‭ ‬سفر‭. ‬أغلبهم‭ ‬لم‭ ‬يتلق‭ ‬تربية‭ ‬دينية‭ ‬تقليدية‭ ‬وانتمى‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬بالوراثة‭ ‬أو‭ ‬اعتنق‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬مراهقته‭ ‬الأفكار‭ ‬السلفية‭ ‬الراديكالية‭ ‬الجهادية،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬أولئك‭ ‬الشبان‭ ‬مفتونين‭ ‬بقضية‭ ‬ذات‭ ‬معنى،‭ ‬وبالصداقة،‭ ‬والمغامرة‭ ‬والمجد‭. ‬وبدل‭ ‬التظاهر‭ ‬بـ”غسل‭ ‬الأدمغة”‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس،‭ ‬ينصح‭ ‬المؤلف‭ ‬بنسيان‭ ‬“السرديات‭ ‬المضادة”‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬“الالتزامات‭ ‬المضادة”‭ ‬مع‭ ‬الشبيبة‭. ‬فقد‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬80‭ ‬بالمئة‭ ‬ممّن‭ ‬يلتحقون‭ ‬بصفوف‭ ‬داعش‭ ‬أو‭ ‬القاعدة‭ ‬إنما‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والشلل‭ ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬يأتوه‭ ‬فرادى‭. ‬وبدل‭ ‬محاولة‭ ‬عزل‭ ‬شبكات‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ومجموعات‭ ‬المساندة،‭ ‬يوصي‭ ‬بمساعدة‭ ‬أولئك‭ ‬الشبان‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬التزام‭ ‬شخصي‭ ‬عبر‭ ‬تطوير‭ ‬تعبير‭ ‬منافس‭ ‬لطوباوية‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬يتولاه‭ ‬مناضلون‭ ‬شبان‭ ‬لابتكار‭ ‬وسائل‭ ‬ملموسة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭.‬

مثلما‭ ‬ينصح‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭/‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وترك‭ ‬المبادرة‭ ‬للسنّة‭ ‬كي‭ ‬يتخيّلوا‭ ‬وطنهم،‭ ‬ويحافظوا‭ ‬على‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬لا‭ ‬تلوّح‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وحدها‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النقطة‭ ‬الأولى‭ ‬معقولة‭ ‬وقابلة‭ ‬للتنفيذ‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تظافرت‭ ‬جهود‭ ‬المتخصصين‭ ‬وأصحاب‭ ‬القرار،‭ ‬فإن‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬خطيرة،‭ ‬لأنها‭ ‬توحي‭ ‬بالترويج‭ ‬لفكرة‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬“سايكس‭-‬بيكو”‭ ‬الجغرافية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفي،‭ ‬يحلّ‭ ‬فيه‭ ‬المعتقد‭ ‬محلّ‭ ‬المواطنة،‭ ‬وتصير‭ ‬الأقليات‭ ‬منبوذة،‭ ‬وربما‭ ‬مدفوعة‭ ‬دفعا‭ ‬للبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬وطن‭ ‬بديل‭ ‬في‭ ‬المهاجر‭ ‬الغربية‭.‬

والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ينبّه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬جذابة،‭ ‬فهو‭ ‬المفتاح‭ ‬لفهم‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬تمثله،‭ ‬والسبيل‭ ‬المنشودة‭ ‬للقضاء‭ ‬عليها‭. ‬يقول‭ ‬سكوت‭ ‬أتران‭ ‬“لن‭ ‬نهزم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بإجراءات‭ ‬أمنية‭ ‬وعسكرية،‭ ‬ولا‭ ‬بفتح‭ ‬مراكز‭ ‬لثني‭ ‬المتطرفين‭ ‬عن‭ ‬تطرفهم،‭ ‬وإنما‭ ‬باقتحام‭ ‬شلل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬الأدواء‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬أولئك‭ ‬الشبان‭ ‬إلى‭ ‬التشدد‭ ‬والانحراف،‭ ‬وفهمهم”‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.