ذات عطلة صيفية

الخميس 2016/09/01
لوحة: محمد عرابي

كنت ألعبُ مع أولاد الجيران في حارتهم العتيقة الضيقة، كعضوٍ مهمٍ في عصابة الحارة التحتا. كنت أفتخرُ بذلك وأعلنه باستمرارٍ أمام زميلاتي في المدرسة. لم يقتصر لعبي معهم على لعبة الجلّة والسبع حجار وكرة القدم أو الملاطفات الجنسية الطفولية، بل شاركتهم كذلك في لعبة (الحرب). لعبتي المفضلة التي تعتمد على سرعة الجري وقوة العضلات، وممارسة القسوة والوحشية والصراخ.

في أحد الأيّام، عدتُ من مدرستي فرحةً بالعطلةِ الصيفيةِ التي بدأت للتو. مارستُ ما اعتدتُ أن أفعله في نهاية كل عام. خلعتُ مريولَ المدرسة على عجل، وارتديت القميصَ الزهري والشورت الأبيض. بدا جسدي متناسقاً، رشيقاً، جميلاً، مفعماً بالحيوية كفتاةٍ في التاسعة من عمرها. استعددتُ وإخوتي للّعب. أحضرَ الأخُ الأصغرُ الحجارةَ التي جمعها في وقتٍ سابقٍ، وجلبَ الأخُ الكبير العصيّ والمقالع ونزلنا جميعاً إلى الحارة كي نلعب لعبة (الحرب).

لم نشعر بالوقتِ الذي مرّ سريعاً ونحن نتراكض في حالة هياجٍ بين الحارات والأزقة، إلاّ عندما حلّ المساء وأرسلت أمّي أختنا الصغرى في طلبنا.

عدنا إلى البيت منهكين، مغبرّين، مشعّثي الشعور، قذري الوجوه والأطراف والثياب. دخلنا بضجيجنا وغبارنا ومرحنا. كان أبي يجلس في الصالة على غير عادتهِ، صامتاً مطرقاً يفكّر. اغتسلنا وتناولنا العشاء. اختفى إخوتي في غرف النوم. نادتني أمي إلى الصالةِ، فغادرَ أبوبي المكان إلى المطبخ. سألتني أمي بمجاملة:

كيف كان لعبكم اليوم؟

* أجبتْ بحماسٍ:

استمتعنا باللعبِ كثيرا وغلبناهم. وفتحي انطبش ونزل الدم من رأسه، وسمير أوقعني على الأرض بس أنا ما اهتميت، وبكرة عندنا مباراة نهائية في كرة القدم. بدْنا نكمّل اللعبة.

طيب.. طيب ..

قالت الأم في محاولة لإسكاتي، وتابعتْ بنبرةٍ هادئةٍ وجادّة:

اليوم حكى (أبو محمود) صاحب البقالة وفهمي الخضرجي مع أبيك.

ماذا يريدان؟

قالا له بأنك كبرت، وبأنّ..

صمتت الأمُ لبرهةٍ، فقالت الابنة

أنّ ماذا؟

أنّ صدرك قد استدار ونضج. إنهما مستاءان من منظرك، وأنت ترتدين الشورت وتركضين في الشوارع مع الأولاد.

… ؟؟!

دلال. لن تنزلي إلى الشارع بعد اليوم، هكذا قرر أبوك. ولن ترتدي الشورت كذلك. تستطيعين توزيع ما لديك على إخوتك.

صُعقت دلال. حاولت التفوّه.

ولكنني يا أمي أحب اللعب، وأحب ارتداء الشورت، ثم ما علاقة…

قاطعتْها أمُها بحزم

انتهى النقاش. بديش أسمع ولا كلمة.

وخرجتْ من الصالة.

تسمّرتْ دلالُ في مكانها للحظة. جرّتْ جســـَدها إلى الحمام وأغلقتْ البابَ عليها بالمفتاح. جلستْ على الأرض وقد بدت عاجزة عن التفكير، وفجأة نهضت، رفعتْ ملابسها لأعلى، نظرتْ إلى جسـدها، تحسّستْ صدرها، لمستْ بكفيها الصغيرتين تلّين صغيرين يرتفعان، يستديران، يكادا ينفلتان من جسدها. تذكّرتْ حين حاول أبو محمود لمسهما قبل أسبوع فلم تتمالك نفسها.. أخفتهُما تحتَ ملابسها وأجهشتْ في بكاءٍ حارّ…

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.