مهنتي الأولى
ذلك هزيلة، سوداء، عاقر تربت معنا في البيت، أكلت مما نأكل، شربت مما نشرب، نامت ولعبت معنا.
***
اليوم هو بداية الشهر الثاني لوجود أبي في السجن نهاية عام 1999، فغداً سنذهب لمقابلته، لا بد لنّا أن نحمل له طعاماً وابتسامات كاذبة كما تقول أمي.
***
كاظم خذ الدجاجة مع سكينة حادة إلى رأس الشارع ليذبحها أحدهم .
…؟
***
يُذبح الدجاج على الطريقة الإسلامية ليكون أكله حلالاً بتوجيه رأسه إلى القبلة، ووضع السكينة تحت اللوزة بعد نتف ريش الرقبة، وأن يُسمي الذباح باسم الله، ويكون نظيفاً طاهراً .
***
كان الفراغ وحده واقفاً في رأس الشارع. يحدقون في بعضهم كاظم والدجاجة التي تحت يمينه والسكينة التي في يساره، ثلاثة فقط .
كان الفراغ وحده واقفاً في رأس الشارع. وحدك يا كاظم يمكنك أن تفعلها، لا أحد …
***
وضعت قدمي اليمين على جناحيها المُنفرجين، واليسار على قدميها، نتفت بعض الريش، رفعت رأسها بيدي اليسرى وبالأخرى وجهت السكينة إلى الرقبة، أخذت يدي بالارتجاف حتى أفلت السكينة والدجاجة .
حملتهما ومشيت كان الفراغ يضحك وحيداً في رأس الشارع. رغبة الذبح بقيت مُشتعلة. طرحت الدجاجة على الأرض، شبكت أصابعي حول عنقها، حتى ماتت خنقاً، ثم أنزلت السكينة على الرقبة وقمت بقطعها كاملة دون أن ترتجف يدي.
***
تعلّمت معنى أن تقتل شيئاً بين يديك .
تعلمت بأن أمك التي كانت تجيد الذبح.. لم تذبحها؛ لأنها تربت معنا.
تعلمت بأن الدم يجف بسرعة، وبأن الأصابع لا تجف أبداً .
تعلمت بأن الفراغ لا يقف ولا يضحك. الفراغ ينام في دواخلنا.
تعلمت بأن السكينة كالدجاجة وكلاهما تحت يدي.
تعلمت بأن أبي الذي لم يأكل من الدجاجة المطبوخة، كان يأكل في صمته .
تعلمت من الحصار مهنتي الأولى .
