رسالة إلى صادق العظم
صديقي صادق:
محبة وتحية وبعد
فإنه كان من الواجب أن أكتب عن الحوار الذي أجرته معك مجلة “الجديد”، غير أن سفري إلى بريطانيا قد حال دون ذلك، فأنا لم أستن طقوساً للكتابة في السفر المؤقت. ولم أشأ أن يصدر العدد القادم من “الجديد” الذي يحتفي بك وبحوارك دون أن أحضر فيه محبة ووفاءً لصداقة عمرها ما يقرب من أربعين عاماً، ولهذا آثرت أن أكتب إليك رسالة أستعيد فيها حميمية التواصل فالرسالة أقرب إلى البوح منها إلى الكلام الفصل.
لا شك بأن التجربة التي جمعتنا معاً في قسم الفلسفة بجامعة دمشق قد أغنت معرفة كلٍ منّا بالآخر، وكشفت لنا عن مواطن الاختلاف والاتفاق، ودورك في تنظيم أسبوع الفلسفة -سنوات رئاستك للقسم- قد أظهر همومنا الفلسفية المشتركة وانتماءنا إلى التمرد الميتافيزيقي الذي تحدث عنه كامو.
وهنا أستحضر زملاءنا الذين رحلوا و زملاءنا العائشين: بديع الكسم، نايف بلوز، عادل العوا، عبدالكريم اليافي، حامد خليل، خضر زكريا، غانم هنا. وأتذكر أولئك الذين شاركونا أسابيع الفلسفة من الشام وبلدان عربية أخرى: أتذكر ناصيف نصار، موسى وهبة، أحمد ماضي، عزمي بشارة، محمود أمين العالم، حسن حنفي، رفعت السعيد، أتذكر، ماهر الشريف، جودت سعيد، فيصل دراج، عَبَدالرزاق عيد، جمال باروت وعصام الزعيم.
إني وأنا أتذكر هذه الشخصيات وما شابهها من مفكري العرب فإني أستحضر رعيلاً من الذين هجسوا بالمشكلات المعيشة للعرب، وراحوا يرفعونها إلى مستوى الفهم النظري. وهنا بالذات استوقفني نفيك لوجود فلسفات عربية معاصرة وقد جاء نفيك كلياً مما يعني سلب التفلسف عن جهدك الخاص وبخاصة ما ضمنته كتابك “دفاعاً عن المادية والتاريخ” من رؤى فلسفية.
لست أدرى بدقة ما هو معيار التفلسف لديك الذي استند حكمك عليه في نفي الفلسفة العربية المعاصرة؟
لا شك عندي بأن الفلسفة العربية المعاصرة باتجاهاتها المختلفة كانت أقرب إلى منابعها الغربية ولقد عرضنا لهذا الأمر في كتابنا “العرب وعودة الفلسفة”، كيوسف كرم التومائي، وزكي نجيب محمود الوضعي، وصادق العظم الماركسي، وَعَبَدالرحمن بدوي الوجودي، عبدالعزيز الحبابي الشخصاني.. الخ. ولكن المنابع الغربية هذه لا تنفي صفة الفيلسوف عن أي مما ذكرنا ولم نذكر.
لم يكن ألتوسير أكثر من فيلسوف ماركسي، ولا يمكن أن نفهمه إلا بالعودة إلى منبعه، وفكرة القطيعة المعرفية التي أخذها عن باشلار وأدرجها في فهم تطور ماركس، ومفهوم البنية الذي جعله جزءًا من الديالكتيك، كل ذلك لم ينف عنه صفة الفيلسوف.
ومع ذلك في أي تصنيف تضع الكتب التالية ومؤلفيها: “الأنا” و”أنطولوجيا الذات” و”كوميديا الوجود الإنساني” لأحمد برقاوي، “الجوانية” لعثمان أمين ، “الذات والحضور” لناصيف نصار، “دفاعاً عن المادية والتاريخ” لصادق العظم، “العقل والوجود” ليوسف كرم، “من الكائن إلى الشخص” لعبدالعزيز الحبابي.. الخ.
إن رسالتي هذه، لا تسمح يا صديقي، أن أسترسل في عرض زوايا الرؤيا الفلسفية لهؤلاء الفلاسفة العرب، أرجو أن نلقاك بخير قريباً. وللحوار تتمة.