النقدان‭ ‬الجذري‭ ‬والذاتي‭ ‬وأوهام‭ ‬النخب.. جولة‭ ‬اولى

السبت 2016/10/01
لوحة: فادي الحموي

تجيء ‭ ‬هَذهِ‭ ‬المُقابلةُ‭ ‬لِتَطْرحَ‮ ‬أَسْئِلَةً‭ ‬جَدِيدَةً‭ ‬عَلى‭ ‬المُفَكِّر،‭ ‬الْمَسْكُون‭ ‬بأسئلة واقعٍ‭ ‬قديمٍ‭ ‬لم‭ ‬يتغيَّر،‭ ‬أو‭ ‬هُوَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَتَحَوَّل،‭ ‬أبداً،‭ ‬عن‭ ‬مَسَارهِ‭ ‬القديم‭ ‬الممتدِّ‭ ‬ليَمْضيَ‭ ‬في‭ ‬مسارٍ‭ ‬جديدٍ‭ ‬يتأسَّس‭ ‬عُبورهُ‭ ‬على‭ ‬تدارك‭ ‬مسبَّبات‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬لاقتهُ‭ ‬إجاباتٌ‭ ‬معيَّنةٌ‭ ‬قديمةٌ،‭ ‬مُتَبَاينَةُ‭ ‬الاتِّجاهات‭ ‬والتَّوجُّهات،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تصَوَّرتْ،‭ ‬أو‭ ‬ارتجتْ‭ ‬أو‭ ‬تَوهَّمت،‭ ‬أنَّ‭ ‬مُمْكِنَاتِ‭ ‬تَغَيُّرِهِ‭ ‬وآفاقَ‭ ‬تَحَوُّلاته‭ ‬تَكْمُنُ‭ ‬في‭ ‬فَحْوَاها‭ ‬التي‭ ‬تُؤشِّر‭ ‬بأصابعِ‭ ‬مَنْحَاهَا‭ ‬السِّيَاسيِّ‭ ‬المُؤَدْلَجِ‭ ‬إلى‭ ‬مَسِاره‭ ‬الآمن‭ ‬أو‭ ‬رُبَّما‭ ‬في‭ ‬فحواها‭ ‬التي‭ ‬تَنْبَثِقُ‭ ‬عن‭ ‬متابعةِ‭ ‬الخَطْو‭ ‬في‭ ‬دُروبِهِ‭ ‬المتعدِّدة،‭ ‬الْمَرْسُومة‭ ‬بإمْعَانٍ‭ ‬يَكْفُلُ‭ ‬ملاقاة‭ ‬الهدف‭ ‬النَّهضويِّ‭ ‬الأقصى‭ ‬عند‭ ‬نهاياتها‭ ‬القصوى،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرَّغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬الإشاراتِ‭ ‬الحمراءَ،‭ ‬التي‭ ‬تواتر‭ ‬ظهورها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الخَطْوِ‭ ‬المتعثِّر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدِّروب،‭ ‬قد‭ ‬أَوضَحت،‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬وبجلاء‭ ‬ساطع،‭ ‬أنَّها‭ ‬لا‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬ذلكَ‭ ‬الهدف‭.‬

بل‭ ‬لَعَلَّ‭ ‬تلكَ‮ ‬الإشاراتِ‭ ‬الحَمْرَاءَ‮ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬حذَّرتْ‭ ‬العابرينَ،‭ ‬الْمُغْلَقَةَ‭ ‬عُقُولُهم‭ ‬على‭ ‬أيديولوجياتٍ‭ ‬مُغْلَقَةٍ،‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬متابعة‭ ‬الخَطْو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدُّروب‭ ‬لن‭ ‬تُفْضِي،‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬المطاف،‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬إدراكِ‭ ‬النَّقيض‭ ‬الفَادِحِ‭ ‬لذلكَ‭ ‬الهدفِ‭ ‬الْمَرْجُوِّ‭ ‬وكأنَّما‭ ‬النَّاسُ‭ ‬يَهْربُون‭ ‬مِمَّا‭ ‬يُلاحِقُهُم،‭ ‬ليكتشفوا،‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬طُرقِ‭ ‬الهُروبِ،‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يُلاحِقُهم‭ ‬ويهرُبُونَ‭ ‬مِنهُ،‭ ‬هو‭ ‬بالضَّبْطِ،‭ ‬ما‭ ‬يَنْبَغي‭ ‬عَلَيْهم‭ ‬أنْ‭ ‬يَسْعَوا‭ ‬إليه،‭ ‬أنْ‭ ‬يَسْتَهْدِفُوهُ،‭ ‬أنْ‭ ‬يَرتَجُوهُ‭ ‬ويَقْصُدوهُ،‭ ‬بأنْ‭ ‬يَلْتَفِتُوا،‭ ‬ولو‭ ‬لِمَرَّة‭ ‬واحدةٍ‭ ‬إليه،‭ ‬إذْ‭ ‬عِنْدَهَا‭ ‬لَنْ‭ ‬يَتْرُكًوهُ‭ ‬أَبَدَاً،‭ ‬ولَنْ‭ ‬يَكُفُّوا‭ ‬عن‭ ‬مَتَابَعِة‭ ‬السَّعي‭ ‬لإدراكِ‭ ‬أَقْصَى‭ ‬تَجَلِّيَاتِهِ‭ ‬المُمْكِنَة‭ ‬وأَسْمَاهَا‭.‬

ويبدو‭ ‬لافتاً‭ ‬مُنْذُ‭ ‬الْبِدْءِ‭ ‬وَعَلَى‭ ‬مَدَى‭ ‬المُقَابَلَةِ،‭ ‬أنَّ‭ ‬جِدَّة‭ ‬الأَسئلة‭ ‬الـ»جديدة‮»‬‭ ‬المطروحة‭ ‬فيها،‭ ‬والتي‭ ‬فرضتها،‭ ‬أو‭ ‬بَلْوَرَتْهَا،‭ ‬وقائعُ‭ ‬وأحداثٌ‭ ‬وانفجاراتٌ‭ ‬‮«‬جديدة‮»‬‭ ‬وتطوّراتٌ‭ ‬مُتغايرةٌ،‭ ‬لا‭ ‬تتأتَّى‭ ‬من‭ ‬شيءٍ،‭ ‬ولا‭ ‬تعودُ‭ ‬إلى‭ ‬شيءٍ،‭ ‬سِوى‭ ‬راهنيّتها‭ ‬الموسومةِ‭ ‬بالانْفَجَارِيَّة‭ ‬المُشَظِّية‭ ‬المقرونةِ‭ ‬بـ»الْفَوُضَى‭ ‬المُدَمِّرة‮»‬،‭ ‬اللَّتين‭ ‬استهدفَ‭ ‬اقترانُهُمَا‭ ‬المُفَتِّتُ‭ ‬الْمُهْلِكُ‭ ‬‮«‬بلادَ‭ ‬الْعَرَبِ‮»‬،‭ ‬مُنْذُ‭ ‬لحظة‭ ‬إطلاقِ‭ ‬مشروع‭ ‬التَّقويم‭ ‬الأَيلُولي‭ ‬الأميركي‭ ‬ليكونَ‭ ‬مُفْتَتَحَاً‭ ‬لتكريس‭ ‬حضورِ‭ ‬نظامٍ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬جديدٍ‭ ‬يأخذُ‭ ‬الإنسانيةَ‭ ‬إلى‭ ‬كَلِّ‭ ‬ما‭ ‬هُوَ‭ ‬‮«‬بَعْدُ‮»‬،‭ ‬شريطةَ‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬هذا‭ ‬الْبَعدُ‭ ‬مُنْقَطِعاً‭ ‬عَنْ‭ ‬أَيِّ‭ ‬‮«‬قَبْلٍ‮»‬،‭ ‬ونافياً‭ ‬لأيِّ‭ ‬قبلٍ،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬ذاكَ‭ ‬الذي‭ ‬عارضَ‮ ‬الرَّأْسِمَاليَّةَ‭ ‬الْمُتَوحِّشَةَ،‭ ‬أو‭ ‬نَاَصَبها‭ ‬العَدَاءَ،‭ ‬أو‭ ‬سَعَى‭ ‬إلى‭ ‬اقْتِلَاعِ‭ ‬بَعْضِ‭ ‬أَنْيَابِهَا‭ ‬الجَارحةِ‭ ‬الزَّرقاء‭ ‬أو‭ ‬ثَلْم‭ ‬بَعْضٍ‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

هكذا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬للانقطاع‭ ‬الحاسم‭ ‬عن‭ ‬أيِّ‭ ‬‮«‬ما‭ ‬قَبْلٍ‮»‬‭ ‬يُنَافِي‭ ‬‮«‬الرَّأسمالية‭ ‬المُتوحِّشة‮»‬‭ ‬وعن‭ ‬أيِّ‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بَعْدٍ‮»‬‭ ‬يُعارضها،‭ ‬وعن‭ ‬أيِّ‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بَعْدَ‭ ‬بَعْدٍ‮»‬‭ ‬يتوخَّى‭ ‬إزالة‭ ‬أثار‭ ‬ما‭ ‬ألحقته‭ ‬ممارساتها‭ ‬البشعة‭ ‬بالإِنْسَانيَّة‭ ‬من كوارث‭ ‬وأزمات‭ ‬ووصماتِ‭ ‬عارٍ‭ ‬واختلالاتٍ‭ ‬وتقويضِ‭ ‬جَوهر،‭ ‬أو‭ ‬يعملُ‭ ‬على‭ ‬الحيلولة‭ ‬دونها‭ ‬والإيغال‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُناقض‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬الحقَّة،‭ ‬إلا‭ ‬أنْ‭ ‬يُؤبِّدها،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬يُتيحُ‭ ‬لِهَذَا النِّظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد،‭ ‬والوحيد،‭ ‬أنْ‭ ‬يَأْخُذَ‭ ‬الإنسانيَّةَ،وقد‭ ‬جرت‭ ‬عولمتها‭ ‬في‭ ‬تَوحُّشٍ‭ ‬مُحَفَّزٍ‭ ‬بالجشعِ،‭ ‬إلى‭ ‬كُلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُناقضُ‭ ‬جوهرها‭ ‬العميق‭ ‬ولا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬شيء‭ ‬سَوى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأبيدِ‭ ‬هذا‭ ‬النِّظام‭ ‬وفق‭ ‬مشيئة‭ ‬أَصْحَابِهِ‭ ‬المُركَّزةِ‭ ‬في‭ ‬فَرْضِ‭ ‬هَيمَنةٍ‭ ‬مُتَمادِيَةٍ‭ ‬تتوخَّى‭ ‬إِشْبَاعَ‭ ‬مَصَالِحَ‭ ‬احتكاريةٍ‭ ‬مَفْتُوحَةٍ‭ ‬على‭ ‬جَشَعٍ‭ ‬لا‭ ‬يُشْبَعُ‭ ‬أَبَداً‭.‬

وقَدْ‭ ‬كَانَ‭ ‬للتَّاريخ‭ ‬الإنسانيِّ‭ ‬الحَقِّ،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تَرى‭ ‬قُرونُ‭ ‬الرَّأسماليَّة‭ ‬المُتوحِّشةِ،‭ ‬مُسْتَنْبِتَةُ‭ ‬هَذا‭ ‬النِّظامِ‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬وصَاحِبَتهُ‭ ‬السَّاعِيَةُ‭ ‬إلى‭ ‬تأبيده،‭ ‬أنَّهُ‭ ‬قد‭ ‬انْتَهى‭ ‬أو‭ ‬أنَّه‭ ‬آيلٌ،عن‭ ‬قريبٍ،‭ ‬إلى‭ ‬زوال‭ ‬حَتْمِيٍّ،‭ ‬أنْ‭ ‬يكشفَ‭ ‬تجلّيات‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬وأنْ‭ ‬يُمَكِّنها‭ ‬من‭ ‬اكتشاف‭ ‬هُويَّتها‭ ‬وإدراكِ‭ ‬بعضٍ‭ ‬من‭ ‬مكوناتِ‭ ‬جَوهَرِهَا‭ ‬الْعَمِيقِ‭ ‬عَبْرَ‭ ‬مَسَاراتٍ‭ ‬حضاريِّة‭ ‬مُتَعَاقِبَةٍ،‭ ‬كما‭ ‬مكَّنها‭ ‬مِنَ‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬اكتشاف‭ ‬نفسها‭ ‬وتجديدِ‭ ‬هُويَّتها‭ ‬عبر‭ ‬إثرائها‭ ‬بقيمٍ‭ ‬ومكوناتٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬تخلَّقت‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬انخراط‭ ‬البشر‭ ‬بِأَسرهم،‭ ‬ومن‭ ‬كُلِّ‭ ‬حضارةٍ‭ ‬وثَقَافةٍ‭ ‬وعِرقٍ‭ ‬ولونْ،‭ ‬في‭ ‬مَسَاراتِهِ‭ ‬الحضارية‭ ‬الطَّويلة،‭ ‬العديدة‭ ‬والمُتنوِّعة،‭ ‬التي‭ ‬قرَّبتهم،‭ ‬كـ»بَشَرٍ‭ ‬يتَحَدَّثونَ‭ ‬إلى‭ ‬بشَرٍ‮»‬‭ ‬ويتعارفَون‭ ‬على‭ ‬بشرٍ‭ ‬يتفاعلونَ‭ ‬مَعَهُم،‭ ‬من‭ ‬إدراكِ‭ ‬جَوهرِ‭ ‬حقيقتهم‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬الوَاحِدةِ،‭ ‬ومن‭ ‬تَعرُّف‭ ‬مغزى‭ ‬وجودهم‭ ‬الإنسانيِّ‭ ‬المُشترك‭ ‬في‭ ‬مداراتِ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬نُسَمِّيِهِ‭ ‬‮«‬الوُجُود‮»‬.

وإذْ‭ ‬نقولُ‭ ‬إنَّ‭ ‬جِدَّة‭ ‬الأسئلة‭ ‬المطروحة‭ ‬على‭ ‬المُفكِّر،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يَطْرَحُهَا‭ ‬عَلَى‭ ‬نَفْسِهِ،‭ ‬أَو‭ ‬عَلَيْنَا،‭ ‬في‭ ‬سياقِ‭ ‬إجاباتهِ‭ ‬عَنْ‭ ‬الأَسْئِلَةِ‭ ‬التي‭ ‬وُجِّهت‭ ‬إليه،‭ ‬لا‭ ‬تَتَأتَّى‭ ‬مِنْ‭ ‬شِيءٍ،‭ ‬ولا‭ ‬تعودُ‭ ‬إلى‭ ‬شيءٍ،‭ ‬سِوى‭ ‬راهنيتها‭ ‬التي‭ ‬يفرضها الواقع‭ ‬الانفجاريُّ‭ ‬القائم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب،‭ ‬فإنِّما‭ ‬نتوخَّى‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬إنِّما‭ ‬هو‭ ‬تكرارٌ‭ ‬لأسئلة‭ ‬قديمة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استنفدت‭ ‬مَنَاهِجُ‭ ‬طَرْحِهَا،‭ ‬عَلَى‭ ‬تَغَايُرِهَا‭ ‬وتعدُّدِ‭ ‬اتجاهاتها،‭ ‬إجَابَاتِهَا،‭ ‬فَانْزَوتْ‭ ‬في‭ ‬أدراج ذَاكِرةٍ‭ ‬سَاكِنَةٍ‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الانفجاريُّ‭ ‬الدَّامي‭ ‬ليقذفَ‭ ‬بالأسئلة‭ ‬الوجوديَّة‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬سطحه،‭ ‬مُعِيداً‭ ‬تذكيرنا‭ ‬بعجزنا‭ ‬عن‭ ‬إدراكِ‭ ‬الإجابة‭ ‬الصَّائبة‭ ‬عن‭ ‬أيٍّ‭ ‬منها،‭ ‬وكاشفاً،‭ ‬من‭ ‬جديدٍ،عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أنَّ‭ ‬إجاباتنا‭ ‬جميعاً‭ ‬عن أسئلة‭ ‬الوجود‭ ‬لم‭ ‬تَكُنْ‭ ‬حقيقيَّة،‭ ‬ولم‭ ‬تَكُنْ‭ ‬مؤصَّلةً،‭ ‬واقعيَّاً‭ ‬وعَقْلِياً‭ ‬وإنْسَانيَّاً،‭ ‬ولم‭ ‬تَكُنْ‭ ‬قَابِلةً‭ ‬للتَّطْبِيقِ‭ ‬لأنها‭ ‬تُجافي‭ ‬أشواقَ‭ ‬الحياة.

غَيرَ‭ ‬أنَّ‭ ‬الْمُفَارَقَةَ‭ ‬التي‭ ‬تُواجَهُنَا،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬المقابلة،‭ ‬إنَّما‭ ‬تُفْصِحُ‭ ‬عن‭ ‬مُلاحظةٍ‭ ‬أوَّليَّة‭ ‬مُؤداها‭ ‬أنَّ‭ ‬النَّهجَ،‭ ‬أو‮ ‬الأسلوب‭ ‬التِّذكاريِّ‭ ‬التِّكراري،‭ ‬المعتمدِ‭ ‬فيصَوغِ‭ ‬الأعمِّ‭ ‬الأغلبِ‭ ‬من‭ ‬أسئلتها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استدعاء‭ ‬أَسْئلةٍ‭ ‬سابقةٍ‭ ‬صِيْغت‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬بعيدةٍ‭ ‬أو‭ ‬قريبة‭ ‬مَضَتْ،‭ ‬يُجَرِّد‭ ‬الأسئلةَ‭ ‬والإجَاباتِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الاتّسَامِ‭ ‬بقدرٍ‭ ‬من‭ ‬الْجِدَّة‭ ‬المُوحِية‭ ‬بانبثاق‭ ‬جَهْدٍ‭ ‬فِكريٍّ‭ ‬يتوخَّى‭ ‬مُراجَعَةَ‮ ‬مَنَاهِجِ‭ ‬التَّفكير‭ ‬القَدِيمةِ‮ ‬التي‭ ‬فَرضَتْ‭ ‬صَيَاغاتٍ‭ ‬مُعَيَّنةٍ‭ ‬للأسئلة‭ ‬على‭ ‬نَحْوٍ‭ ‬يَضْمَنُ‭ ‬أنْ‭ ‬تكونَ‭ ‬الإجاباتُ‭ ‬عنها،‭ ‬أو‭ ‬ملامحُ‭ ‬هذه‭ ‬الإجاباتِ،‭ ‬أو‭ ‬اتِّجَاهُهَا‭ ‬ومَنْحَاهَا،‭ ‬مُضَمَّنةً‭ ‬فيها‭. ‬وليس‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المُلاحظة‭ ‬إنْ‭ ‬وَجَدَتْ‭ ‬قبولاً،‭ ‬إلا‭ ‬أنْ‭ ‬تَجْعَلنَا‭ ‬نُدركُ،‭ ‬للمرَّة‭ ‬الألفِ‭ ‬بعدَ‭ ‬ألفِ‭ ‬مرَّة‭ ‬ومرَّة‭ ‬مرَّت‭ ‬دونَ‭ ‬إدراك،‭ ‬أَنَّنا،‭ ‬كبشرٍ‭ ‬إنسانيَّن‭ ‬من‭ ‬البشر،‮ ‬في‭ ‬أَمَسِّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‮ ‬إطلاق‭ ‬جهدٍ‭ ‬فكريٍّ‭ ‬جديد‮ ‬يَسْعَى‭ ‬لإعادة‭ ‬صَوغِ‭ ‬الأسئلة‭ ‬النَّهضويَّة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أَصِيل‭ ‬لا‭ ‬يُجَافي‭ ‬مُعطيات‭ ‬الواقع‭ ‬ولا‭ ‬يَضْمَنُ،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬إسكانَ‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤالٍ‭ ‬في‭ ‬ثناياهُ،‮ ‬وإنِّما‭ ‬يفتحُها‭ ‬على أسئلة‭ ‬جديدة‭ ‬تُفْضِي‭ ‬الإجابةُ‭ ‬المُؤصَّلةُ‭ ‬عن‭ ‬أيِّ‭ ‬منها‭ ‬إلى اكتشاف‭ ‬الجواب‭ ‬لصَّائب‭ ‬الذي‭ ‬تتأسَّسُ‭ ‬أصالتهُ‭ ‬على‭ ‬مُقارباتٍ‭ ‬عديدة‭ ‬تتفحَّصُ‭ ‬مدى‭ ‬تلك‭ ‬الإجابة‭ ‬وتتأكَّدُ‭ ‬من‭ ‬جدواها،‭ ‬وتَسْأَلُهَا‭ ‬عن إمكانية‭ ‬التَّطبيق‭ ‬على‭ ‬الواقع الذي‭ ‬نَجَمَتْ‭ ‬عن‭ ‬مُقاربته‭ ‬بعقل‭ ‬مفتوحٍ‭ ‬يُعْمِلُ‭ ‬مناهجَ‭ ‬تفكيرٍ‭ ‬تَسْبرُ‭ ‬أعِمَقَ‭ ‬أغواره‭ ‬ولا‭ ‬تُفارق‭ ‬إدراكَ‭ ‬معطيات‭ ‬أيِّ‭ ‬من‭ ‬أحيازه‭ ‬ومداراته‭ ‬وشبكات‭ ‬العلاقات‭ ‬القائمة،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬القائمة،‭ ‬بين‭ ‬مُكوِّناته‭ ‬وأطرافه‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة،‭ ‬الفاعلة‭ ‬بجدارة‭ ‬واقتدار،‭ ‬أو‭ ‬الغافية‭ ‬في‭ ‬سُكونٍ‭ ‬مُطمئنٍ‭ ‬وعجزٍ‭ ‬مهيض‭.

لم تعمد المقابلة، وهي تلامس الواقع الراهن، أو ما يسمى بـ"الربيع العربي"، عبر الأسئلة الثلاثة الأخيرة التي استغرقت، مع جميع إجاباتها، نحو صفحة واحدة فحسب، إلى إثارة نقاش حيوي، مع المفكر الذي تحاوره

لعنة‭ ‬التحرِيم‭ ‬وجذرية‭ ‬النقد

وهكذا‭ ‬نجدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬المُقابلة،‭ ‬أسئلةً‭ ‬وإجاباتٍ،‭ ‬قَدْ‭ ‬صُمِّمَتْ‭ ‬على‭ ‬نَحْوٍ‭ ‬لا‭ ‬يُفْسِحُ‭ ‬أَمَامَ‭ ‬عَقْلِ‭ ‬القَارئِ‭ ‬مَجَالاً‭ ‬لِدُخُولِ‭ ‬عَقْلِ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬صَادق‭ ‬جَلَال‭ ‬الْعَظْم كي‭ ‬يتَّعرَّفَ،‭ ‬مباشرةً‭ ‬وعَنْ‭ ‬قُرْبٍ،‭ ‬على‭ ‬مَا‭ ‬يُمورُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الْعَقْلِ‭ ‬المُفَكِّر،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللَّحْظَةِ‭ ‬مِنْ‭ ‬الزَّمنِ‭ ‬المَرير،‭ ‬من‭ ‬تَصَوُّراتٍ‭ ‬وتأمُّلاتٍ،‭ ‬وتَشْخِيصَاتٍ‭ ‬وتَحْلِيلَاتٍ،وأَفْكَارٍ،‭ ‬وخُلَاصَاتٍ،‭ ‬مُؤصَّلةٍ‭ ‬أو‭ ‬ردَّاتِ‭ ‬فِعْلٍ‭ ‬مُرْتَجَلةٍ‭ ‬بتعجُّلٍ،‭ ‬أو‭ ‬رُؤى‭ ‬تتأسَّس‭ ‬على‭ ‬مُراجَعاتٍ‭ ‬فِكْريةٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬لإجاباتٍ‭ ‬عن‭ ‬أسئلةٍ‭ ‬قديمةٍ‮ ‬عرضتها،‭ ‬منذُ‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬قرنٍ،‭ ‬دراساتٌ‭ ‬وتحليلاتٌ‭ ‬تتصلُ،‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬أو‭ ‬آخر،‭ ‬بالواقع‭ ‬القَاتِمِ‭ ‬القَائِمِ،‭ ‬رَاهِنَاً،‭ ‬في‭ ‬بلادِ‭ ‬الْعَرَبِ،‭ ‬ولا‭ ‬سِيمَا‭ ‬عَلَى‭ ‬المحَاورِ‭ ‬التي‭ ‬يَدُور‭ ‬عَلَيْهَا‭ ‬مَوضُوعُ‭ ‬هذه‭ ‬المُقَابَلة‭ ‬الْمُعَنْوَنَةِ‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬لَعْنَةِ‭ ‬التَّحْرِيم‮»‬‭ ‬بوصْفِهَا،‭ ‬أي‭ ‬هذه‭ ‬اللَّعنةُ،‭ ‬الموضوعَ‭ ‬الرئيسَ‭ ‬الذي‭ ‬يتوقَّعُ‭ ‬القارئُ،‭ ‬بِدَلالةِ‭ ‬العنوانِ‭ ‬وانِشِغَالات‭ ‬المُفكِّر‭ ‬ومؤلفاتهِ‭ ‬النَّقدية‭ ‬الشَّهيرة‭ ‬ذات‭ ‬الصِّلة،‭ ‬ألاَّ‭ ‬تدور‭ ‬المُقابلة‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مَحَاوِرِهِ،‭ ‬مع‭ ‬الانفتاحِ،‭ ‬بِهَذَا‭ ‬القَدْرِ‭ ‬أو‭ ‬ذَاكْ،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يَتَّصَلُ‭ ‬بهذه‭ ‬المَحَاوِرِ‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وموضوعاتٍ‭ ‬ومَسَائلَ‭ ‬مُتشَعِّبةٍ‭ ‬ذات‭ ‬دُرُوبٍ‭ ‬وسِيَاقَاتٍ‭ ‬وأَنْسَاق‭.‬

تُرسِّخُ‭ ‬مُقدِّمةُ‭ ‬المُقابلةِ‭ ‬تَوقُّعَ‭ ‬القارئِ‭ ‬المُتَّصلِ‭ ‬بموضوعها‭ ‬الرئيس،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تَعِرِضُ‭ ‬أَبرز‭ ‬الـمنطوياتِ‭ ‬الدَّلالية‭ ‬للعنوانِ‭ ‬‮«‬لَعنةَ‭ ‬التَّحْرِيم‮»‬‭ ‬إشاريَّاً‭ ‬فَحَسْب،‭ ‬بلْ‭ ‬إنّها‭ ‬لَتُفْصِحُ‭ ‬عَنْها‭ ‬وتُعزِّزها،‭ ‬إذْ‭ ‬تُفَسِّرُ‭ ‬بَعْضَاً‭ ‬مِنْهَا،‭ ‬وإذْ‭ ‬تُشِيرُ‭ ‬إلى‭ ‬مُحاضرةٍ‭ ‬تَحْتَ‭ ‬عُنُوان‭ ‬‮«‬ليسَ‭ ‬لِلدَّولةِ‭ ‬دينٌ،‭ ‬الدِّينُ‭ ‬للنَّاس‮»‬‭ ‬كانَ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬قد‭ ‬أَلْقَاهَا‭ ‬في‭ ‬مَدِينةِ‭ ‬فايمر‭ ‬الألمانيَّة‭ ‬بمناسبة‭ ‬نيله‭ ‬‮«‬ميدالية‭ ‬معهد‭ ‬غوته‮»‬،‭ ‬مُؤخَّراً‭. ‬وإذْ‭ ‬تَقْصُرُ‭ ‬المُقدِّمةُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬إشاراتها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوعِ،‭ ‬فَإَّنها‭ ‬تُلْمحُ‭ ‬إلى‭ ‬الخُلاصةَ‭ ‬التي‭ ‬تَقُولُ‭ ‬إنَّ‭ ‬الخلطَ‭ ‬بينَ‭ ‬الدِّين‭ ‬والدَّولة‭ ‬هو‭ ‬أُسُّ‭ ‬كُلِّ‭ ‬بَلاءٍ‭ ‬تُعانيهِ‭ ‬بِلادُ‭ ‬العربِ،‭ ‬ولا‭ ‬سِيَمَا‭ ‬العراق،‭ ‬وتنقلُ‭ ‬دعوة‭ ‬المُفكِّر‭ ‬صَادق‭ ‬جَلال‭ ‬العَظْم‭ ‬إلى‭ ‬أهلِ‭ ‬هذا‭ ‬البلدِ‭ ‬‭(‬العراق‭)‬،‭ ‬وإلى‭ ‬النَّاسِ‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬المُهيَّأة‭ ‬للانخراطِ‭ ‬القسريِّ‭ ‬في‭ ‬واقعٍ‭ ‬مماثل،‭ ‬أنْ‭ ‬‮«‬يتركوا المَعَاطِفَ‭ ‬الدِّينيَّة في‭ ‬البيت‮»‬‭ ‬إنْ‭ ‬هُمْ‭ ‬شَاؤُوا‭ ‬لِبَلَدِهِمْ‭ ‬أنْ‭ ‬‮«‬يَتَخَلَّصَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الحَربِ‭ ‬والخَراب‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرَّغم‭ ‬مِنْ‭ ‬أَنَّ‭ ‬مُقدِّمةَ‭ ‬المُقَابلة‭ ‬تَفْعلُ‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تَعْرِضُ‭ ‬خُلَاصةَ‭ ‬رأي‭ ‬المُفكِّر،‭ ‬المنبثق‭ ‬عن‭ ‬تَبَصُّراتهِ،‭ ‬المبثوثة‭ ‬في‭ ‬مؤلفاته‭ ‬ودراساته‭ ‬ومحاضراته‭ ‬ومقالاته‭ ‬القديمة،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُمْكِنْ‭ ‬أنْ‭ ‬نُسَمِّيهِ‭ ‬‮«‬ثلاثية‭ ‬الإنْسَانِ‭ ‬والدِّين‭ ‬والدَّولة‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يَرى،‭ ‬عَنْ‭ ‬حقٍّ،‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬الدِّين‮ ‬يَسْكنُ‭ ‬الكائنَ‭ ‬الّذي‭ ‬يَشْعُرُ‭ ‬ويحسُّ‭ ‬ولَهُ‭ ‬عَوَاطِفُ‭ ‬وقَلْبٌ،‭ ‬وهُوَ،‭ ‬بطبيعةِ‭ ‬الحَالِ،‮ ‬الإنْسَانُ‭. ‬أمَّا الدَّولةُ‮ ‬فهي‭ ‬مجموعة‭ ‬المُؤسَّسَات‭ ‬الخاليةُ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإحساسات‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬والضَّروريَّة‭ ‬لِلْوَازِع‭ ‬الدِّيني‮»‬،‭ ‬إلاَّ‭ ‬أَنَّها،‭ ‬أي‭ ‬المُقَابَلة،‭ ‬لم‭ ‬تَسْعَ‭ ‬إلى‭ ‬استكشافِ‭ ‬الرَّأْيِ‭ ‬الذي‭ ‬ربَّما‭ ‬يكونُ‭ ‬المُفكِّرُ‭ ‬قَدْ‭ ‬بَلْورهُ،‭ ‬الآنَ،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬مُراجَعاتٍ‭ ‬ضروريةٍ‮ ‬تُمْلِيهَا العلاقةُ‭ ‬الجدليةُ‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والواقع،بشأنِ‭ ‬آراء‭ ‬وخلاصاتٍ‭ ‬كانَ‭ ‬قد‭ ‬بثَّها‭ ‬في‭ ‬النَّاس‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬قرنٍ‭ ‬من‭ ‬الزَّمان،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬تلك‭ ‬المتعلِّقة‭ ‬بثلاثية‭ ‬الإنْسَان،‭ ‬الدِّين،‭ ‬والدَّولة،‭ ‬المرتبطة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬وثيق‭ ‬العُرى،‭ ‬بتجلياتِ‭ ‬‮«‬لَعْنَةِ‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬و»مرجعيَّاتها‭ ‬الذِّهنيَّة‮»‬‭ ‬وآثارها‭ ‬الرَّاسخة‭ ‬في‭ ‬الْعَقْلِ‭ ‬العربي،‭ ‬وفي‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬الأبنية‭ ‬والهياكل‭ ‬والتَّشْكِيلاتِ‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬والاجتماعيَّة‭ ‬والسِّياسيَّة،‭ ‬والبُنْيَات‭ ‬الثَّقافيَّة،‭ ‬الدينيَّة‭ ‬والسِّياسيَّة‭ ‬والأيديولوجيَّة‭ ‬العميقة،‭ ‬القائمة،‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬ودولهم‭ ‬وأقطارهم‭ ‬المُشَظَّاةِ،‭ ‬والآيلةِ‭ ‬إلى‭ ‬التَّفَتُّتِ.

وفوق‭ ‬ذلك،‭ ‬لَمْ‭ ‬تَعْمَد‭ ‬المُقابلةُ،‭ ‬وهي‭ ‬تُلامِسُ‭ ‬الواقع‭ ‬الرَّاهن،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُسمَّى‭ ‬بـ»الرَّبيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬عَبْرَ‭ ‬الأسئلةِ‭ ‬الثَّلاثةِ‭ ‬الأخيرةِ‭ ‬التي‭ ‬استغرقت،‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬إجاباتها،نحو‭ ‬صفحةً‭ ‬واحدةً‭ ‬فحسب،‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬نِقَاشٍ‭ ‬حيَويٍّ،مع‭ ‬المُفكِّر‭ ‬الذي‭ ‬تُحاورهُ،‭ ‬يُتيحُ‭ ‬للقرَّاءِ‭ ‬من‭ ‬النَّاس‭ ‬أنْ‭ ‬يَعْرِفُوا،‭ ‬بوضوحٍ‭ ‬سَاطع‭ ‬ودقَّةٍ‭ ‬تامَّة،‭ ‬أينَ‭ ‬يَقِفُ‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يجري،‭ ‬الآنَ،‭ ‬في‭ ‬بِلادٍ‭ ‬كانَ‭ ‬هُوَ‭ ‬من‭ ‬أبرزِ‭ ‬من‭ ‬سَعَى‭ ‬مِنْ‭ ‬بين‭ ‬مُفَكِّريها‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬بُنَاهَا‭ ‬المجتمعيَّة‭ ‬والسياسيَّة‭ ‬والثقافيَّة‭ ‬ونَقْدِهَا‭ ‬نَقْداً‭ ‬جَذْرِيَّاً،‮ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قالَ‭ ‬من‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجهد‭ ‬الفكري‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المُفكِّرينَ‭ ‬عن‭ ‬كتاباتهم‭ ‬أو‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قِيلَ‭ ‬عنها‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يزلْ‭ ‬يُقَالُ‭ ‬حتَّى‭ ‬اللَّحْظَة‭.‬

وهل‭ ‬ثمَّة‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬غير النَّقد‭ ‬الجذري،‭ ‬الصَّارم‭ ‬المؤصَّل‭ ‬عقلياً‭ ‬وحضارياً‭ ‬وإنسانيَّاً،‭ ‬يُمَكِّنُ‮ ‬الذين‭ ‬تَخَلَّفُوا،‮ ‬أو‭ ‬لِنَقلْ‮ ‬الَّذينَ‭ ‬لم‭ ‬يتقدَّمُوا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لافتٍ‭ ‬من‭ ‬النَّاس،‭ ‬إنْ‭ ‬هُمْ‭ ‬أَخَذُوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بخلاصاته،‭ ‬من‭ ‬امتلاكِ‭ ‬إدراكٍ‭ ‬مَعْرفِي‭ ‬رصينٍ‭ ‬يُؤَهِّلهم‭ ‬للشُّروعِ‭ ‬في‭ ‬أخذِ‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وأوطانهم،‭ ‬وبلادهم‭ ‬بأسرها،‭ ‬إلى‭ ‬مُستقبلٍ‭ ‬إنسانيٍّ‭ ‬زاهرٍ‭ ‬طالَ‭ ‬أمدُ‭ ‬تَقَاعُسِهِم‭ ‬الارتكاسي‭ ‬الْمُقْرِف،‭ ‬وتَطَاولتْ‭ ‬أزمنةُ‭ ‬عَجْزِهم‭ ‬الاستلابيّ‭ ‬الْمُذِلّ،‭ ‬عَنِ‭ ‬الْبَدْءِ‭ ‬في‭ ‬غَذِّ‭ ‬الخُطَى‭ ‬صَوبَ‭ ‬مَداراته‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬الحَيَاةِ‭ ‬الإنْسَانيَّة‭ ‬الحَقَّةِ‭ ‬في‭ ‬أزمنةٍ‭ ‬يتسارعُ‭ ‬إيقاعها‭ ‬الحضاريِّ‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬لا‭ ‬يتيحُ‭ ‬أمامهم،‭ ‬إِنْ‭ ‬هُم‭ ‬مَكَثُوا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هُم‭ ‬عليهم،‭ ‬إِلَّا‭ ‬متابعة‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬أقبية‭ ‬جحيمٍ‭ ‬أرضيٍّ‭ ‬هي‭ ‬الواقع‭ ‬القائم‭ ‬الآن،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مزرعة‭ ‬حيواناتٍ‭ ‬لمَّا‭ ‬تُسْتَأنَسْ‭ ‬بَعْدُ،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قاعاتٍ‭ ‬متحفٍ‭ ‬مُعْتمٍ‭ ‬يَضُمُّ‭ ‬أَشْلاءَ‭ ‬وهياكلَ‭ ‬كائناتٍ‭ ‬مُنْقَرِضةٍ.

كان مفكرون وكتاب وسياسون وحزبيون ومقاومون ومناضلون ودعاة حرية وأصحاب رأي ومواقف وتصورات ورؤى، قد بشروا الناس، وأطلقوا توقعات دعائية لم يؤصلها عقل علمي تحليلي رصين

النقد‭ ‬الذاتي‭ ‬والتأكيدات‭ ‬غير‭ ‬المؤصلة

بالطَّبع،‭ ‬ليسَ‭ ‬لهذا‭ ‬الأمرِ‭ ‬الذي‭ ‬لمْ‭ ‬تَمْنَحْهُ‭ ‬الْمُقابلةُ‭ ‬الأولويةَ‭ ‬التي‭ ‬تُمْلِيهَا‭ ‬الحَاجةُ‭ ‬الماسَّة‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬الواقعِ‭ ‬الرَّاهن‭ ‬من‭ ‬منظورِ‭ ‬فِكْر‭ ‬راهنٍ‭ ‬يَعْكسُ‭ ‬نَفْسَهُ‭ ‬أمام‭ ‬بَصَائر‭ ‬النَّاس‭ ‬في‭ ‬مَرايَا‭ ‬تَبَصُّرَاتِهِ‭ ‬المُؤَصَّلةِ،‭ ‬أنْ‭ ‬يُفْقِدَهَا‭ ‬قيمتها‭ ‬اللَّافتة‭ ‬المُتعلِّقةَ،‭ ‬أسئلةً‭ ‬وإجاباتٍ،‭ ‬بإعادة‭ ‬تقديم‭ ‬المُفَكِّر‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العَظم،‭ ‬مَسَاراً‭ ‬فَلْسَفِياً،‭ ‬ونهجاً‭ ‬فِكْرياً‭ ‬نَقْدِياً،‭ ‬ومؤلَّفاتٍ‭ ‬تأسيسيَّة،‭ ‬لجيلٍ‭ ‬جديدٍ،‭ ‬أو‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬جيلٍ‭ ‬منَ‭ ‬قُرَّاء‭ ‬العربية،‭ ‬وإنَّما‭ ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬إضاعة‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬كانت‭ ‬مُتاحةً‭ ‬للتَّعَرُّفِ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قامَ‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬لَمْ‭ ‬يَقُمْ‭ ‬به،‭ ‬المُفكِّرُ‭ ‬نَفْسُهُ،‭ ‬وعلى‭ ‬لِسَانِهِ‭ ‬مُباشرةً‭ ‬وبلا‭ ‬وسيط،‭ ‬من مراجَعَاتٍ‭ ‬نقديَّة تعتمدُ‭ ‬منهج‭ ‬النَّقد‭ ‬الذَّاتي،‮ ‬الذِي‭ ‬كانَ‭ ‬هُوَ‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬ممارسيه‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬عقب‭ ‬هزيمة‭ ‬العام ‭ ‬1967.

أَضَاعَ‭ ‬المُحَاوِرُ‭ ‬والْمُحَاوَرُ‭ ‬فُرصةً‮ ‬المُراجَعَةِ‭ ‬المعرفيَّة‭ ‬والنَّقد‭ ‬الذَّاتي،‭ ‬التي‭ ‬كانَ‭ ‬يُمكن‭ ‬اقتناصها‭ ‬عَبْرَ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سياقٍ‭ ‬تضمَّنتهُ‭ ‬المُقابلة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬تَنَاولَ‭ ‬مَا‭ ‬كَانَ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬قَدْ‭ ‬أَنْتَجَ‭ ‬هُو‭ ‬بَثَّه‭ ‬في‭ ‬النَّاسِ‭ ‬من‭ ‬فِكْرٍ‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬واجتماعيِّ‭ ‬نَقَديٍّ،‭ ‬وما‭ ‬صَاغه‭ ‬من خُلاصَاتٍ‭ ‬مَعرفيَّةٍ‭ ‬استهدفتْ‭ ‬إضاءةَ‭ ‬سُبلِ‭ ‬النُّهوض‭ ‬العَرَبِيِّ،‭ ‬والتَّأسيس،‭ ‬معرفيَّاً،‭ ‬لإمكانيَّة‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬استراتيجيَّة‭ ‬وبرامج‭ ‬عمل‭ ‬واقعيَّة،ربما‭ ‬كانَ‭ ‬لِوضْعِها‭ ‬وإقرارها‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬والمتطلَّبات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنفيذها‭ ‬أنْ‭ ‬يُغيِّرَ‭ ‬وجْه‭ ‬الواقعِ‭ ‬العربيِّ‭ ‬القائم‭ ‬الذي‭ ‬يُسَوِّدُ‭ ‬قُبْحُهُ‭ ‬عَيْشَ‭ ‬النَّاس.

وربَّما‭ ‬كانَ‭ ‬للانخراط‭ ‬الفِعْليِّ‭ ‬من‭ ‬قبلِ‮ ‬حَاملٍ‭ ‬اجْتِمَاعِيٍّ،‭ ‬راسِخٍ‭ ‬ومُتماسِكٍ‭ ‬وذي‭ ‬مَصْلَحَةٍ‭ ‬في‭ ‬التَّغيير‭ ‬وقُدْرَةٍ‭ ‬على‭ ‬إحداثه،‭ ‬في‭ ‬مساراتٍ‭ ‬عملٍ‭ ‬حيويٍّ‭ ‬يُفْضِي‭ ‬عبُورها،‭ ‬بِدَأبٍ‭ ‬ومُثابرة،‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬تلك‭ ‬الخطط‭ ‬والبرامج‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬أنْ‭ ‬يفتحَا‭ ‬أَمَامِ‭ ‬العَربِ،‭ ‬وأمام‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أَهل‭ ‬بلادِ‭ ‬العربِ‭ ‬وساكنيها،‭ ‬دروبَ‭ ‬الانتقال‭ ‬من واقعٍ‭ ‬قاتمٍ‭ ‬قائمٍ‮ ‬يرفضونه‭ ‬إلى واقعٍ‭ ‬منيرٍ‭ ‬مُمْكِنٍ‮ ‬يتوقونَ‭ ‬إليه،‭ ‬ولكنَّهم‭ ‬لا‭ ‬يَعْرِفُونَ‭ ‬كيفَ‭ ‬يفتحونَ‭ ‬أبوابَهُ‭ ‬ليشرعوا‭ ‬في‭ ‬خَطْوٍ‭ ‬واثقٍ‭ ‬يُمكِّنهم‭ ‬من‭ ‬دخُول‭ ‬مَدَارَاتِهِ‭ ‬المُضيئةِ،‭ ‬وتَبَيُّنِ‭ ‬مُمْكِنَاتِ‭ ‬مَساراتهِ‭ ‬الْمَفْتُوحَةِ‭ ‬عَلَى الْإِمْكَانْ‭ ‬الفِعْليِّ‮ ‬عَبْرَ‭ ‬التَّجَسُّد‭ ‬في‭ ‬واقِعٍ‭ ‬حيٍّ‭ ‬يَتَحقَّقُ‭ ‬إدْرَاكُهُ‭ ‬في‭ ‬مَجْرى‭ ‬صيرورة‭ ‬دائمةٍ‭ ‬تَفْتَحُهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬إمكانيَّة‭ ‬بُلُوغِ‭ ‬أَقْصَى‭ ‬مُمْكِنَاتِهِ‭ ‬ولكنَّ‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يحدثْ‭ ‬أبداً‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬ولم‭ ‬تتطرَّق‭ ‬المُقابلة‭ ‬للسُّؤال‭ ‬عن أسباب‭ ‬العجز عن‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وكأنَّ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬والمناضل‭ ‬اليساريِّ‭ ‬الجذري‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬دعاته‭ ‬والسَّاعين‭ ‬إليه،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬المُبشرين‭ ‬بقرب‭ ‬قدومه‭ ‬وكأنَّما‭ ‬هو‭ ‬يراهُ‭ ‬بأمِّ‭ ‬عينيه‭ ‬سائراً‭ ‬نحو‭ ‬التَّجسُّد‭ ‬واقعاً‭ ‬في‭ ‬الواقع؟

كانَ‭ ‬مُفَكِّرون‭ ‬وكتاب‭ ‬وسياسيون‭ ‬وحزبيون‭ ‬ومقاومون‭ ‬ومناضلون‭ ‬ودعاة‭ ‬حَرِّية‭ ‬وأصْحَاب‭ ‬رأي‭ ‬ومواقف‭ ‬وتصورات‭ ‬ورؤى،‭ ‬قد‭ ‬بشَّروا‭ ‬النَّاسَ،‭ ‬وأطلقوا تَوقُّعَاتٍ‭ ‬دعائيَّة لم‭ ‬يُؤصِّلها‭ ‬عَقلٌ‭ ‬علميٌّ‭ ‬تحليليٌّ‭ ‬رَصِينٌ،‭ ‬وكُلٌّ‭ ‬حَسَبَ‭ ‬اتجاهه‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬ومنظوره‭ ‬الرؤيويِّ،‭ ‬وموقفه‭ ‬السِّياسيِّ،‭ ‬وتصوُراته‭ ‬ومعتقداته،‭ ‬ورؤيته‭ ‬الكُلِّية‭ ‬للعالم،‭ ‬بقربِ‮ ‬قيام‭ ‬واقعٍ‭ ‬عربيٍّ‭ ‬جديدٍ‭ ‬ينبثقُ‭ ‬من‭ ‬شُقُوقِ‭ ‬أقبيَة‭ ‬ماضٍ‭ ‬بعيدٍ،‭ ‬كانَ‭ ‬ذهبيَّاً،وسيُعادُ‭ ‬إحياءُ‭ ‬نَمُوذَجِهِ‭ ‬الحَضَاريِّ‭ ‬والسِّياسيِّ‭ ‬الإسلاميِّ‭ ‬الشَّامل‭ ‬والخَالد‭ ‬‭(‬السَّلفية‭ ‬الإسلاموية‭ ‬بجميع‭ ‬تياراتها‭ ‬وتفرُّعاتها‭ ‬وتبايناتها‭)‬؛‭ ‬أو‭ ‬يُتَحَصَّلُ‭ ‬عليه‭ ‬عبر استجلاب‭ ‬‭(‬استيراد‭)‬‮ ‬نموذج‭ ‬حضاري‭ ‬وسياسيٍّ‭ ‬‭(‬رأسمالي‭ ‬ليبرالي‭ ‬غربي‭ ‬أو‭ ‬اشتراكي‭ ‬دكتاتوري‭ ‬أُمَمِي،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭)‬‭ ‬قائمٍ‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حاضرِ‭ ‬بلاد‭ ‬شُعُوبٍ‭ ‬وأُمم‭ ‬أخرى،‭ ‬ويُرادُ‭ ‬له‭ ‬أنْ‭ ‬يَسَودُ‭ ‬ليخْلُدَ‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬بالطَّبع،‭ ‬بلادُ‭ ‬العرب‭ ‬‭(‬التَّيارات‭ ‬اللِّيبرالية‭ ‬العديدة،‭ ‬الْمُسْتَغْربةُ‭ ‬والمسكون‭ ‬بعضها‭ ‬بأسطورة الرَّجل‭ ‬‭\'‬الإنسان‭\'‬‭ ‬الغربيِّ‭ ‬الأبيض وبمبدأ المركزيَّة‭ ‬الغربيَّة،‭ ‬والأحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬والتيارات الأممية‭ ‬الشُّيوعية‭ ‬أو الاشتراكيَّة‭ ‬المأخوذة‭ ‬بتجربة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬ومنظومة‭ ‬الدُّول‭ ‬التي‭ ‬تدورُ‭ ‬في‭ ‬فلكه‭)‬؛‭ ‬أو قد‭ ‬يُسْتَنْبَتُ‭ ‬نموذجه‭ ‬الحضاريِّ‭ ‬السَّياسيِّ‭ ‬في‭ ‬تُربة‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬القائم‭ ‬الآن،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تجميع‭ ‬مكوناتٍ‭ ‬متفرِّقةٍ‭ ‬يتمُّ‭ ‬انتقاؤها‭ ‬من‭ ‬صُلْبِ‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيَّة‭ ‬الغافية‭ ‬في‭ ‬الكتب،‭ ‬أو‭ ‬المحفوظة‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬النَّاس‭ ‬وفي‭ ‬عُقولُ‭ ‬كِبَارِهم،‭ ‬أو‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬تصوراتهم‭ ‬مُجسَّدةً‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬سُلوكهم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الرَّاسخ،‭ ‬ليُصارُ‭ ‬إلى‭ ‬تَعَهُّدِهَا‭ ‬بالرِّعاية‭ ‬بغية‭ ‬تطويرها‭ ‬وتكييفها‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لغاية‭ ‬توليد نموذجٍ‭ ‬حضاريٍّ‭ ‬عربي،‭ ‬أو‭ ‬عُروبِيٍّ،‭ ‬أو‭ ‬عُروبَوي،‭ ‬وذلك‭ ‬عبرَ‭ ‬نزوعٍ‭ ‬أيديولوجيٍّ‭ ‬مُغْلقٍ‭ ‬على‭ ‬نَفْسِهِ،‭ ‬يُدركُ‭ ‬أصالة‭ ‬العرب‭ ‬ومميزاتهم‭ ‬الفارقة،‭ ‬وخصوصياتهم‭ ‬المُميَّزة،‭ ‬ويَعْمَلُ‭ ‬على‭ ‬إحيائهم،‭ ‬أو‭ ‬بعثهم‭ ‬من‭ ‬موتٍ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬يُمَكِّنهم‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬مجدهم‭ ‬الغابر‭ ‬عبر‭ ‬اصطناع‭ ‬قائدٍ‭ ‬تاريخيٍّ‭ ‬فَذّ‭ ‬ومُلْهَم،‭ ‬يأتيهم‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬يَقُودُهُم‭ ‬إليه،‭ ‬لأنَّه‭ ‬مُفردٌ‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬جمع،‭ ‬أو‭ ‬حتَّى‭ ‬عبر‭ ‬الصِّراعِ‭ ‬الدَّامي‭ ‬مع‭ ‬كُلِّ‭ ‬آخَرٍ‭ ‬لا‭ ‬يُريدُ‭ ‬لهم‭ ‬إدراكَ‭ ‬ذلك‭ ‬المجد،‭ ‬أو‭ ‬يعرقل‭ ‬خطوهم‭ ‬الذاهب‭ ‬إلى‭ ‬إدراكه‭ ‬‭(‬الأحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬والتيارات‭ ‬القوميَّة‭ ‬العربيَّة‭ ‬والعُروبِيَّة‭ ‬والعُروبَويَّة‭ ‬المتعدِّدة‭)‬.

نسأل أنفسنا ومثقفينا ومفكرينا ومسيري شؤوننا والقابضين على مصائرنا من الحكام المحكومين: لماذا لم نتقدم نحن على نحو ما تقدم، وبقدر ما تقدم، غيرنا من الأمم والشعوب في دروب الحضارة الإنسانية والرقي الوجودي؟!

وربَّما‭ ‬كان‭ ‬للنَّموذج‭ ‬الحضاري‭ ‬المنشودِ،‭ ‬في‭ ‬تصوِّرٍ‭ ‬آخر،‭ ‬أنْ‭ ‬يتحقَّق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفتيت‭ ‬مكوّنات‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائمٌ‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬وما‭ ‬يُرْتَجَى‭ ‬قِيَامُهُ‭ ‬في‭ ‬التَّصوُّر،‭ ‬ووضع‭ ‬كُلِّ‭ ‬هذا‭ ‬الْفُتاتِ‭ ‬في‮ ‬سلَّة‭ ‬خياراتٍ‭ ‬تتمُّ‮ ‬غربلة‭ ‬ما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬وفق منهجٍ‭ ‬توفيقيٍّ‭ ‬تلفيقيٍّ‭ ‬تَصَالحيٍّ‭ ‬مُسَاومٍ،‭ ‬يُرجِّحُ‭ ‬تَصَوُّراً‭ ‬مُستقبلياً‭ ‬بعينه‭ ‬ولا‭ ‬يُقصي‭ ‬سواه،‭ ‬ويَتَوخَّى‭ ‬تبهيت‭ ‬الصراعاتِ،‭ ‬وتمكين‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬من‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهوياتهم‭ ‬الذَّاتية،‭ ‬ومكوّنات‭ ‬ثقافاتهم‭ ‬الأثيرة،‭ ‬وحضاراتهم‭ ‬القديمة‭ ‬المُتغَنَّى‭ ‬بها،‭ ‬والعيش،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬حضارة‭ ‬عالمٍ‭ ‬جديدٍ،‭ ‬حديثٍ،‭ ‬لا‭ ‬يستقيمُ‭ ‬العيشُ‭ ‬في‭ ‬مداراته‭ ‬الحضاريَّة‭ ‬الشاسعة‭ ‬مع‭ ‬هذا التَّوفيق‭ ‬والتَّلفيق‭ ‬والْوَسَطِيَّة‭ ‬العَجْفَاء.

وثمَّة،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬اتجاهات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬عديدة‭ ‬ومتغايرة‭ ‬وذات‭ ‬تصوُّرات‭ ‬مُستقبليَّة‭ ‬أخرى‭ ‬لما‭ ‬ينبغي‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬عليه‭ ‬أيُّ‭ ‬‮«‬واقعِ‭ ‬مُمْكِنٍ‮»‬‭ ‬يُمكنُ‭ ‬للعرب‭ ‬أنْ‭ ‬ينتقلوا‭ ‬إليه،‭ ‬أو‭ ‬أيّ‭ ‬نموذجٍ‭ ‬حَضَاريٍّ‭ ‬يُمكنهم‭ ‬العيش‭ ‬بسعادةٍ‭ ‬في‭ ‬رحابه‭ ‬وهم‭ ‬يُغادرون‭ ‬واقعاً‭ ‬قاتماً‭ ‬ينُهكهمُ‭ ‬الْعَيْشُ‭ ‬فيه‭ ‬ويُسَوِّدُ‭ ‬عَيْشَهُمْ،‭ ‬غير‭ ‬أنَّهَا،‭ ‬جميعاً،‭ ‬رغبويَّةً‭ ‬أو‭ ‬طُوباويَّةً‭ ‬أو‭ ‬مَاضَويَّةً‭ ‬صَنَمِيَّةً‭ ‬مَسْكُونَةً‭ ‬بحنينٍ‭ ‬أُسْطُورِيٍّ‮ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬الحضارات‭ ‬البشرية‭ ‬الأولى،‭ ‬وهي‭ ‬هامشيَّة‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬حال،‭ ‬وتكادُ‭ ‬لا‭ ‬تبتعدُ،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬منهج‭ ‬التفكير‭ ‬أو‭ ‬التَّخييل‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تضمَّنتها‭ ‬الفَقَراتُ‭ ‬الأخيرة‭ ‬ذاتُ‭ ‬الصِّلة‭.‬

نبوءات‭ ‬تبشيرية‭ ‬وسؤال‭ ‬جذري‭ ‬مركب

ليس‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬ضوءِ‭ ‬ما‭ ‬كثَّفَتْهُ‭ ‬بِضْعُ‭ ‬الفَقَراتِ‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنْ‭ ‬نُوجِّه‭ ‬إلى‭ ‬المُفكِّر‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭ ‬سُؤالاً‭ ‬مُركَّباً‭ ‬أغفلُ‭ ‬مُحَاوِرُهُ،‭ ‬أو‭ ‬نَسِيَ،‭ ‬أو‭ ‬ربَّما‭ ‬لم‭ ‬يُدرك‭ ‬أهميَّة‭ ‬توجيهه‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزَّمن‭ ‬التَّوحُشيِّ‭ ‬الذي‭ ‬تَقْبِضُ‭ ‬أَنيابُ‭ ‬فَكَّيهِ‭ ‬الزَّرقَاءُ‭ ‬على‭ ‬رقابِ‭ ‬العَرَب‭:‬‮ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬تقديركم،‭ ‬الآن،‮ ‬الأسبابَ‭ ‬التي‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬تحقُّق‭ ‬توقُعاتٍ‭ ‬قاطعة‭ ‬كُنتم‭ ‬قد‭ ‬أطلقتموها‭ ‬في‭ ‬كتابكم‭ ‬‮«‬نَقْد‭ ‬الْفِكْر‭ ‬الدِّيني‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬الحراك‭ ‬النَّهضوي‭ ‬العربي،‭ ‬والتَّحوُّل‭ ‬الصناعي‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الجذري،‮ ‬وأيلولة‭ ‬الموقف‭ ‬الدِّيني‭ ‬الغيبي‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬تام،‮ ‬وتحول‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬‭(‬أي‭ ‬الموقف‭ ‬الدِّيني‭)‬‭ ‬إلى‭ ‬مزقٍ‭ ‬تَتَوارَى،‭ ‬مهزومةً‭ ‬وخائبةً،‭ ‬خلفَ‭ ‬أشلاء‭ ‬مجتمع‭ ‬إقطاعي‭ ‬تقليديٍّ‭ ‬مزَّقته‭ ‬الآلة‭ ‬الصناعيَّة‭ ‬ونخرت‭ ‬عظامَهُ،‭ ‬كما‭ ‬كُنتَ‭ ‬قَدْ‭ ‬قُلْتَ‭ ‬مُؤكَّداً،‭ ‬‮«‬التَّنظيماتُ‭ ‬الاقتصاديَّةُ‭ ‬والاجتماعيَّةُ‭ ‬الحديثة»؟

كيف‭ ‬ترى‭ ‬الأمر،‭ ‬الآن،‭ ‬إذنْ؟ ما‭ ‬الذي‭ ‬أَجْهَضَ‭ ‬توقُّعاتكم؟وما‭ ‬المعطياتُ‭ ‬والمُسوِّغات‭ ‬التي‭ ‬استندتْم‭ ‬إليها‭ ‬لإطلاق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التَّوقعات‭ ‬المُؤكَّدة‭ ‬وأنتم،‭ ‬فيما‭ ‬أعلنتم‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه،‭ ‬كُنتم‭ ‬تُحَلِّلُون‭ ‬الواقعَ‭ ‬الذي‭ ‬تُقاربونه‭ ‬على‭ ‬نحو جدليٍّ‭ ‬جذريٍّ،‭ ‬تاريخيٍّ‭ ‬وعلميٍّ،‭ ‬ونقديٍّ‭ ‬عميقٍ‭ ‬ونفَّاذ؟‭ ‬كيفَ‭ ‬كان‭ ‬لكم‭ ‬أنْ‭ ‬تُطْلِقُوا‭ ‬مِثْلَ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬التَّوقُّعات‭ ‬اليقينية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزَّمن؟‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعلكم‭ ‬تفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النَّحو‭ ‬اليقينيِّ‭ ‬الذي‭ ‬ترفضونَ،‭ ‬عَنْ‭ ‬حقٍّ،‭ ‬لجوء‭ ‬غيركم‭ ‬إليه‭ ‬وتعتبرونه‭ ‬مثلبةً‭ ‬تُجافي‮ ‬منطق‭ ‬العقل؟‭ ‬وهل‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يقينٍ‭ ‬تتصوَّرون‭ ‬إمكانيَة‭ ‬إحرازه‭ ‬في‭ ‬دراساتٍ‭ ‬وبحوثٍ‭ ‬تتعلَّق‭ ‬بعلوم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والسياسة،‭ ‬والعُلُومِ‭ ‬الإنسانيَّةِ‭ ‬عُمُوماً؟

وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬فإنَّ‭ ‬هذا‭ ‬السُّؤالَ‭ ‬المُركَّبَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَكُنْ‭ ‬لِيُومِضَ‭ ‬في‭ ‬عَقْلِ‭ ‬قَارئٍ،‭ ‬أو‭ ‬يَخْطُرَ‭ ‬في‭ ‬بالِ‭ ‬مُتَفَحِّصٍ‭ ‬للواقع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أيٍّ‭ ‬من‭ ‬أزمنةِ‭ ‬حاضره‭ ‬البعيدة‭ ‬أو‭ ‬القريبة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬راهن‭ ‬زمانه،‭ ‬لولا‭ ‬أنَّ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬الماركسي،‭ ‬والنَّاقد‭ ‬المادي‭ ‬التاريخي‭ ‬الجَدَلِي،‭ ‬العلمي‭ ‬العلماني‭ ‬التَّحليليِّ،‭ ‬والجذري‭ ‬الصَّارم،‭ ‬صَادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم،‭ ‬قَدْ‭ ‬أكَّدَ‭ ‬للنَّاس،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وبدء‭ ‬سبعيناته،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نَقْد‭ ‬الْفِكْر‭ ‬الدِّيني‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬نصُّه‭ ‬‮«‬إننا‭ ‬نمرُّ‭ ‬في‭ ‬طورِ‭ ‬نهضة‭ ‬مُهمَّة،‭ ‬وبانقلاب‭ ‬علمي‭ ‬وثقافي‭ ‬شامل،‭ ‬وبتحويل‭ ‬صناعي‭ ‬واشتراكي‭ ‬جذري‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلَّا‭ ‬‮«‬لأننا‭ ‬تأثَّرنا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬بأخطر‭ ‬كتابين‭ ‬صدرا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭: ‬‮«‬رأس‭ ‬المال‮»‬‭ ‬و»أصل‭ ‬الأنواع‮»‬‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬للمُفكِّر‭ ‬الجدلي‭ ‬والنَّاقد‭ ‬الجذريِّ‭ ‬أنْ‭ ‬يكتفي‭ ‬بهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الصَّارخ،‭ ‬غير‭ ‬المُؤصَّل‭ ‬بأيِّ‭ ‬مُعْطى‭ ‬حقيقيٍّ،‭ ‬أو‭ ‬مؤشَّرٍ‭ ‬جادٍّ،‭ ‬أو‭ ‬وقائعَ‭ ‬فعليَّة‭ ‬حُلِّلت‭ ‬بعمق‭ ‬وحصافةٍ،‭ ‬أو‭ ‬أحوالٍ‭ ‬مُتَحَرِّكَةٍ‭ ‬تُنْبِئُ‭ ‬مؤشِّراتُ‭ ‬صيرورتها‭ ‬بمآلاتٍ‭ ‬مُعيَّنةٍ،‭ ‬وإنِّما‭ ‬ذهبَ،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا الزَّعم‭ ‬التَّبشيريِّ‭ ‬اليقينيِّ،‭ ‬وتأسيساً‭ ‬على‭ ‬نتائجه‭ ‬الآتية‭ ‬حَتْمَاً‭ ‬على‭ ‬أطباق‭ ‬‮«‬حَتْمِيَّة‭ ‬التَّاريخ‮»‬‭ ‬المُتَصَوَّرةِ‭ ‬ذِهْنِيَّاً‭ ‬فَحَسب،‭ ‬إلى‭ ‬إطلاقِ‮ ‬نبوءةٍ‭ ‬تبشيريَّةٍ‮ ‬تِكْفِي‭ ‬لأخذ‭ ‬البشرية‭ ‬بأسرها‭ ‬إلى‭ ‬مَسَارٍ‭ ‬حَضَاريٍّ‭ ‬حَيَويٍّ،‭ ‬سَامٍ‭ ‬ونَبِيلٍ،‭ ‬لم‭ ‬تَعْهَدْهُ‭ ‬أبداً،‭ ‬وإلى‭ ‬مدار‭ ‬وجوديٍّ‭ ‬خَلَّاقٍ‭ ‬ومُتَجدِّدٍ‭ ‬لم‭ ‬تَكُنْ‭ ‬لتتصوَّر‭ ‬وُجُوده،‭ ‬أصلاً.


لوحة: عمر إبراهيم

تقولُ‭ ‬هذه‭ ‬النُّبوءة،‭ ‬وبالحرف‭ ‬الواحد‭ ‬‮«‬بالنِّسبة‭ ‬إلينا‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬الموقف‭ ‬الدِّيني‭ ‬القديم‭ ‬الممتلئ‭ ‬بالطُّمأنينة‭ ‬والتَّفاؤل‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬تام‮»‬،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تُرْدِفُ‭ ‬بتأكيد‭ ‬دعائيٍّ‭ ‬آخر‭ ‬يَخطُّهُ‭ ‬قَلَمُ‭ ‬صَاحبها‭ ‬ليبلغَ‭ ‬النَّاسَ،‭ ‬باطمئنان‭ ‬فريد‭ ‬وثقةٍ‭ ‬ليس‭ ‬لمثلي،‭ ‬ممن‭ ‬عاشوا‭ ‬ذلك‭ ‬الزَّمن‭ ‬فعاينوه‭ ‬وعانوا‭ ‬سوداويته‭ ‬وامتلأوا‭ ‬بأشواق‭ ‬تجاوزه‭ ‬ومرارات‭ ‬إجْهَاضِهَا،‭ ‬أنْ‭ ‬يتبيَّنَ‭ ‬مَصْدَرَهُما،‭ ‬أمراً‭ ‬عظيماً‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التَّاريخُ‭ ‬مُهيَّئاً‭ ‬من‭ ‬قبلِ‭ ‬صَانعيه‭ ‬لإحداثه‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬ولَّى‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلينا‭ ‬الموقفُ‭ ‬الحازمُ‭ ‬الإيجابيُّ‭ ‬نحو‭ ‬الدِّين‭ ‬ومُشكلاته‭ ‬مع‭ ‬أشلاءِ‭ ‬المُجتمع‭ ‬التقليديِّ‭ ‬الإقطاعِيِّ‭ ‬الذي‭ ‬مزَّقَتْهُ‭ ‬الآلة‭ ‬ونخرت‭ ‬عِظامَهُ‭ ‬التَّنظيماتُ‭ ‬الاقتصاديَّةُ‭ ‬والاجتماعيَّةُ‭ ‬الحَدٍيثَةُ‮»‬‭.‬‮ ‬‭(‬أُنظر‭: ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭: ‬نقد‭ ‬الفكر‭ ‬الدِّيني،‭ ‬دار‭ ‬الطليعة‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطَّبعة‭ ‬الثانية،‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬‭(‬نوفمبر‭)‬‭ ‬1970،‭ ‬ص‭ ‬20‭ ‬–‭ ‬21‭)‬‭.‬

وخلافاً‭ ‬لكلِّ‭ ‬هاته النُّبوءات‭ ‬التَّبشيرية‭ ‬المسكونة‭ ‬بيقينٍ‭ ‬لا‭ ‬يَعْرفُ‭ ‬مَصْدَرَهُ‭ ‬إلا‭ ‬مُطْلِقُوها،‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا،‭ ‬نَحْنُ‭ ‬العَرب‭ ‬وأهلُ‭ ‬بلاد‭ ‬العَرب،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬طريق‭ ‬هو‭ ‬نقيضُ‭ ‬ذاكَ‭ ‬الذي‭ ‬قِيْلَ‭ ‬لَنا‭ ‬إننا‭ ‬نخطو‭ ‬فيه‭ ‬لنبني‭ ‬نموذجاً‭ ‬حضارياً‭ ‬يليقُ‭ ‬بإنسانيتنا،‭ ‬فما‭ ‬وجدنا‭ ‬إلا‭ ‬نقيضَ‭ ‬ما‭ ‬سَعَينا‭ ‬إليهِ،‭ ‬وما‭ ‬وقَعَ‭ ‬إلا‭ ‬نقيض‭ ‬ما‭ ‬توقَّعَ‭ ‬مُفكِّرونا‭ ‬الاجتماعيون‭ ‬والسِّياسيون‭ ‬وقُوعَهُ،‭ ‬وما‭ ‬وعدنا‭ ‬به‭ ‬القادةُ‭ ‬السياسيون‭ ‬الأفذاذُ‭:‬‮ ‬انْفِجَارُ‭ ‬هُويَّاتٍ‭ ‬شَظَّى‭ ‬البلاد‭ ‬وفتَّتَ‭ ‬عُرَى‭ ‬لُحْمَتِهَا،‭ ‬وأصوليَّةٌ‭ ‬مُتَطرِّفةٌ‭ ‬من‭ ‬كُلِّ‭ ‬نوعٍ‭ ‬وشَكلٍ‭ ‬ولونٍ،‭ ‬وصراعات‭ ‬عرقيَّة‭ ‬وطائفية‭ ‬ومذهبية‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬دامية،‭ ‬وإرهابٌ‭ ‬أعَمَى،‭ ‬وتدخلاتٌ‭ ‬خارجيَّة،‭ ‬وتمدُّدٌ‭ ‬استعماريٌّ‭ ‬مُتَعَدِّدُ‭ ‬الوُجُوهِ‭ ‬والأقنعة،‮ ‬وغير‭ ‬ذلكَ‭ ‬من‭ ‬قَبِيلِهِ‭ ‬وغِرَاره‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬لَمْ‭ ‬يُفْضِ،‭ ‬ولَنْ‭ ‬يُفِضِيَ‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬أبداً،‭ ‬سوى‭ ‬الدَّمار‭ ‬والخراب‭ ‬والهلاك‭ ‬والموت‭.‬

ولخلاصَة‭ ‬الأَمْرِ‭ ‬أنْ‭ ‬تقولَ‭ ‬لنا‭ ‬الآنَ،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬قالت‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬مرَّاتٍ‭ ‬عديدةٍ‭ ‬قَبْلَ‭ ‬الآن‭: ‬ليس الانهيار‭ ‬الشَّامل إلا‭ ‬نتيجةً‭ ‬حتميَّةً‭ ‬لإخْفَاقٍ‭ ‬شَاملٍ‭ ‬تَعَاقَبَتْ‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬‮«‬نَكَباتٌ‮»‬‭ ‬و»نَكَسَاتُ‮»‬‭ ‬و»هزائم‮»‬‭ ‬و»انفجاراتٌ‮»‬و»اضْطِراباتٌ‮»‬و»قلاقلُ‭ ‬واحتراباتٌ‮»‬‭ ‬شتَّى‭. ‬وليس‭ ‬لهذه‭ ‬جميعاً‭ ‬إلا أنْ‭ ‬تُتَابِعُ‭ ‬الْمَجِيءَ،‭ ‬من‭ ‬كُلِّ‭ ‬صَوبٍ‭ ‬وحَدبٍ،‭ ‬ومن‭ ‬حيثُ‭ ‬نتوقَّع‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نَتوقَّع،‭ ‬وبتمظهراتٍ‭ ‬مُتَغَايرةٍ‭ ‬هي‭ ‬أَشَدُّ‭ ‬وطأةً‭ ‬وأعمُّ‭ ‬إهلاكاً‭ ‬من‭ ‬كُلِّ‭ ‬سابقاتها،‭ ‬طَالما‭ ‬تابعَ‭ ‬هذا الإِخْفَاقُ‭ ‬الشَّامِلُ‭ ‬الحُضُورَ‭ ‬في‭ ‬أقبية‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬ودهاليزها‭ ‬المُعتمة،‭ ‬وفي‭ ‬ثنياتِ‭ ‬عُقُولِ‭ ‬العَربِ،‭ ‬حُكَّاماً‭ ‬ومحكومين،‭ ‬وفي‭ ‬أَطْواءِ‭ ‬ضَمائرهم‭ ‬ووجداناتهم‭ ‬التي‭ ‬نُسِىَ‭ ‬وُجُودُهَا‭ ‬مِنْ‭ ‬قِبَلِهِم،‭ ‬أو‭ ‬أُجِّلَ‭ ‬إِعْمَالهُا،‭ ‬أو‭ ‬عُبِّئت‭ ‬بِمَا‭ ‬يُفْقِدُها‭ ‬فِطْرتَهَا،‭ ‬ويُبْطِلُ‭ ‬دَوْرَهَا‭ ‬في‭ ‬إنتاج الأفكار‭ ‬والرؤى‭ ‬المستقبليَّة‭ ‬الخلَّاقةِ،‭ ‬مِنْ‭ ‬مُعْتَقَداتِ‭ ‬وتَصُوُّراتٍ‭ ‬وتَهَيُّئَاتٍ‭ ‬لا‭ ‬تَنْبُعُ‭ ‬إلَّا‭ ‬مِنْ‭ ‬وهَمٍ‭ ‬ولا‭ ‬تُنْتِجُ‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬إلا‭ ‬زائِفَهُ.

ولَعَلَّه‭ ‬كَانَ‭ ‬على‭ ‬المُقابلةِ،‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلَّة‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬أنْ‭ ‬تتساوق‭ ‬مع‭ ‬مقاصد‭ ‬هذه‭ ‬المجلَّة‭ ‬التَّنْويريَّة‭ ‬إلى‭ ‬مدىً‭ ‬أَبْعَدَ‭ ‬وأَعْمَقَ،‭ ‬وذلك‭ ‬بأنْ‭ ‬تَطْرحَ‭ ‬سؤالاً‭ ‬مُبَاشِراً،‭ ‬مُحْكَمَ‭ ‬الصَّوغِ‭ ‬شَدِيدَ‭ ‬الْوُضُوحِ،‭ ‬فلا‭ ‬تنطوي‭ ‬صياغته‭ ‬على‭ ‬مغالطة‭ ‬جوهريَّة،‭ ‬أو‭ ‬تتضمَّن‭ ‬بذرةَ‭ ‬إجَابةٍ‭ ‬تُلْمِحُ‭ ‬إلى‭ ‬مَنْحَى‭ ‬تصوُّريِّ‭ ‬تُسْتقى‭ ‬منه،‭ ‬وذلك‭ ‬كي‭ ‬تَحْصلَ،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬،‭ ‬على‭ ‬إجابة‭ ‬المُفكِّر‭ ‬عَنْهُ‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬يستجيب‭ ‬لما‭ ‬يَكْتَسِبهُ‭ ‬السُّؤالُ‭ ‬المُباشرُ‭ ‬الصَّريحُ،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأوان‭ ‬الانتقاليِّ‭ ‬الفادح،‭ ‬من‭ ‬أهميَّة‭ ‬وإلحاحيَّة‭ ‬تجاوزتا‭ ‬حُدُودَ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اتَّسَمَ‭ ‬بهما‭ ‬أيُّ‭ ‬سُؤالٍ‭ ‬في‭ ‬أيِّ‭ ‬وقتٍ‭ ‬سابقٍ،‭ ‬أو‭ ‬زمنٍ،‭ ‬أو‭ ‬أَوَان‭.‬

سأُبادر،‭ ‬هُنا،‭ ‬إلى‭ ‬إدماجِ‭ ‬عَددٍ‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬المُقابلة‭ ‬التي‭ ‬شَتَّتَ‭ ‬تَعَدُّدُ‭ ‬موضوعاتِهَا،‭ ‬النَّابِعُ‭ ‬من‭ ‬تلهُّفٍ‭ ‬أُوروفيوسيٍّ‭ ‬للقيام‭ ‬بجولة‭ ‬مشهدية‭ ‬في‭ ‬دُرُوب‭ ‬ذاكرةِ‭ ‬المُفكِّرِ‭ ‬الانطباعيَّة‭ ‬وأزقَّتها،‭ ‬الحِوارَ‭ ‬وبعثرهُ‭ ‬وسَطَّحه،‭ ‬بأسئلة‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬فيها‭ ‬وإنْ‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أَلْمَحَتْ،‭ ‬خفيفاً،‭ ‬إلى‭ ‬بعضٍ‭ ‬منها،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬صوغ‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬في‭ ‬سؤالٍ‭ ‬مُركّبٍ‭ ‬ذي‭ ‬جَذْرٍ‭ ‬وَحيد‭:‬‮ ‬لماذا‭ ‬عجزت‭ ‬كُلُّ‭ ‬الإجابات‭ ‬التي‭ ‬قدَّمها‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬سُؤال‭ ‬النَّهضة‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬ثغرة،‭ ‬أو‭ ‬حتَّى‭ ‬كُوَّةٍ‭ ‬صغيرةٍ،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬الصَّلد‭ ‬الذي‭ ‬يَحُول‭ ‬دونَ‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬والخَطْوِ‭ ‬في‭ ‬دروبِ‭ ‬نَهْضَةٍ‭ ‬حضَاريَّةٍ‭ ‬شاملةٍ؟‭ ‬نَهضَةٍ‭ ‬تُمكِّنُ‭ ‬العربَ‭ ‬وغير‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬تشييد‭ ‬نموذجٍ‭ ‬حضاريٍّ‭ ‬مَدَنيٍّ‭ ‬جديد‭ ‬يتوقونَ‭ ‬إلى‭ ‬تشييده‭ ‬لتأمين‭ ‬حاجاتهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يُعزِّز‭ ‬ثقتهم‭ ‬بقدراتهم،‭ ‬ويمكِّنهم‭ ‬من‭ ‬التَّحكُم‭ ‬في‭ ‬مواردهم‭ ‬الماديَّة‭ ‬والبشريَّة‭ ‬وتسخيرها،‭ ‬جَمِيعاً،‭ ‬لخدمة‭ ‬نهضتهم‭ ‬المستمرَّة‭ ‬التي‭ ‬تُؤمِّنُ‭ ‬لهم‭ ‬القدرةَ‭ ‬على‭ ‬إدراكِ‭ ‬لُحْمَتِهم،‭ ‬وممارسةِ‭ ‬سيادتهم،‭ ‬وتقرير‭ ‬مَصَائِرِهِم‭ ‬بِأَنْفُسِهم؟

وبتواصلٍ‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تضمَّنه‭ ‬هذا‭ ‬السُّؤال،‭ ‬وبإيجاز‭ ‬أكثر‭ ‬وربَّما‭ ‬بِدِقَّةٍ‭ ‬أعلى،‭ ‬لعلَّنا‭ ‬نَسْأَلُ‭ ‬أَنْفُسَنَا‭ ‬ومثَقَّفِينَا‭ ‬ومُفَكِّرِينَا‭ ‬ومُسَيْيِرِي‭ ‬شؤوننا‭ ‬والقَابضين‭ ‬على‭ ‬مَصَائِرنَا‭ ‬منَ‭ ‬الْحُكَّامِ‭ ‬الْمَحْكُومِينَ‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬نتَقدَّمْ‭ ‬نَحْنُ‭ ‬عَلَى‭ ‬نَحَوِ‭ ‬ما‭ ‬تقدَّمَ،‭ ‬وبِقَدْرِ‭ ‬ما‭ ‬تَقَدَّمَ،‭ ‬غيرُنَا‭ ‬مِنَ‭ ‬الأُمَمِ‭ ‬والشُّعُوبِ‭ ‬في‭ ‬دُرُوبِ‭ ‬الحَضَارةِ‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬والْرُّقيِّ‭ ‬الْوُجُودِيِّ؟‭!‬

تبخيس‭ ‬الأنا‭ ‬العربية‭ ‬واحتقار‭ ‬ثقافتها

وإذْ‭ ‬تُحَفِّزنا‭ ‬رغْبَةٌ‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬الاستيعاب‭ ‬والإدراك‭ ‬والفهم،على‭ ‬توسيع‭ ‬الحِوارِ‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المُقابلة‭ ‬المهمَّة‭ ‬عبر‭ ‬تجسيد‭ ‬الحِرْص‭ ‬على‭ ‬التَّطرُّق‭ ‬لمواضيعَ‭ ‬أخرى‭ ‬ذات‭ ‬أهميَّةٍ‭ ‬وأولويَّةٍ،‭ ‬فإنَّ‭ ‬التزامنا‭ ‬بمنهجيَّة‭ ‬التَّعقيب‭ ‬الجَاد‭ ‬يمنعنا‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشُكوك‭ ‬والتَّعقيبات‭ ‬والتَّساؤلات‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬ولذا‭ ‬سنكتفي،‭ ‬هُنا‭ ‬وقبل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬السُّؤال‭ ‬الثالث‭ ‬وإلى‭ ‬ما‭ ‬بعدهُ‭ ‬إنْ‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمرُ،‭ ‬بإطلاق‭ ‬تَسَاؤلٍ‭ ‬وتعقيب‭ ‬قد‭ ‬ينطويان‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬يظلُّ‭ ‬مُعَلَّقاً‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬يتوفُّر‭ ‬ما‭ ‬يُعدِّلهُ،‭ ‬أو‭ ‬يثبتُ‭ ‬نقيضه،‭ ‬فَنَأْخذُ‭ ‬بهذا،‭ ‬أو‭ ‬نشرعُ‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬ذاكَ،‭ ‬وفق‭ ‬إملاءِ‭ ‬الْعَقِلِ‭ ‬المتفحِّصِ‭ ‬الرَّصين‭.

ليس الانهيار الشامل إلا نتيجة حتمية لإخفاق شامل تعاقبت في سياقه "نكبات" و"نكسات" و"هزايم" و"انفجارات" و"اضطرابات" و"قلاقل واحترابات" شتى. وليس لهذه جميعا إلا أن تتابع المجيء، من ل صوب وحدب، ومن حيث نتوقع أو لا نتوقع، وبتمظهرات متغايرة

يتعلَّق‭ ‬التَّسَاؤلُ‭ ‬الْمُحِقُّ،‭ ‬والمُتَدَاولُ‭ ‬بتواترٍ‭ ‬لافتٍ،‭ ‬بالمعطيات‭ ‬والمُسَوِّغَات‭ ‬وأسلوب‭ ‬التَّفكير‭ ‬ومنهج‭ ‬التَّحليل‭ ‬والمقاصدِ‭ ‬والأغراض‭ ‬التي‭ ‬تُمَكِّنْ‭ ‬المُفَكِّر،‭ ‬أو‭ ‬غيرهُ‭ ‬مِمَّن‭ ‬يَقْرَؤونَ‭ ‬فيستوعبونَ،‭ ‬ويُعْمِلُونَ‭ ‬عُقولهم‭ ‬مِنَ‭ ‬النَّاس‭ ‬فيدركونَ‭ ‬ويفهمون،‭ ‬من‭ ‬إطْلَاقِ‭ ‬الحُكْمِ‭ ‬التَّعْمِيمِيِّ‭ ‬القَطْعِي‭ ‬الذي‭ ‬يقولُ‭ ‬إنَّ‭ ‬الجوائز‭ ‬والأوسمة‭ ‬والميداليات‭ ‬الفكرية‭ ‬والأدبيَّة‭ ‬والعلميَّة‭ ‬الغربية‭ ‬جميعاً،‭ ‬وضمنها‭ ‬‮«‬نوبل‮»‬‭ ‬و‮»‬غوته‮»‬‭ ‬و»إراسموس‮» ‬تتسمُ،‭ ‬بلا‭ ‬ريبٍ‭ ‬أو‭ ‬ظلِّ‭ ‬شكٍّ،‭ ‬بالاحترام‭ ‬والهيبة‭ ‬والمصداقية‭ ‬أَفَلَا‭ ‬يَشْهدُ‭ ‬المُفَكِّر‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬إطلاقَ‭ ‬هذا‭ ‬الحُكْمِ،‭ ‬كما‭ ‬نَشْهدُ‭ ‬نحنُ‭ ‬وغيرُنَا‭ ‬من‭ ‬النَّاسِ‭ ‬المشتغلين‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والفكر‭ ‬والإبداع‭ ‬والفن‭ ‬والأدب‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،مَا‭ ‬ينهالُ‭ ‬على‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬الغرب،‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬صوبٍ‭ ‬وحدبٍ‭ ‬وبدوافعَ‭ ‬مُتَبَايِنةٍ‭ ‬ولأسبابَ‭ ‬عديدةٍ‭ ‬ومُتَغَايرةٍ،‭ ‬من‭ ‬‮«‬شُكُوكٍ‭ ‬وتَسَاؤلاتٍ‭ ‬واتِّهَاماتٍ‮»‬،‭ ‬مُحقَّةٍ‭ ‬أو‭ ‬بَاطِلَةٍ،‭ ‬تطالُ‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬يتعلَّق‭ ‬بهذه‭ ‬الجوائز،‭ ‬وفي‭ ‬مقدِّمتها‭ ‬‮«‬جائزة‭ ‬نوبل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الجائزةُ‭ ‬الغربيَّةُ‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرةً‭ ‬واحتراماً‭ ‬وهيبةً‭ ‬ومصداقيَّة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قَدْ‭ ‬يتصوَّرُ‭ ‬الْمَخْدُوعُونَ،‭ ‬أو‭ ‬الْمُرْتَاحُونَ‭ ‬إلى‭ ‬أَوهَامِهِم،‭ ‬أو‭ ‬الرَّاضُونَ‭ ‬بِأَثْمَانِ‭ ‬الأدوارِ‭ ‬الْمَنُوطةِ‭ ‬بهم،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أرادوها‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬من‭ ‬النَّاس‭.‬

أمَّا‭ ‬التَّعقيبِ،‭ ‬فيتناولُ‭ ‬تجاهلِ‭ ‬المُفَكِّر‭ ‬صَادق‭ ‬جَلال‭ ‬الْعَظْم‭ ‬لسُؤال‭ ‬مُحَاوِرِه‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬‮«‬ينبغي‭ ‬عمله‭ ‬لنشر‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيَّة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وجَعْلِهَا‭ ‬تَصِلُ‭ ‬إلى‭ ‬النَّاس‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬العالم‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬فأقولُ‭ ‬إنَّ‭ ‬ارتباطَ‭ ‬هذا‭ ‬التَّجاهل‭ ‬بِمَقُولاتٍ‭ ‬وخُلاصاتٍ‭ ‬تُحَقِّرُ‭ ‬الثَّقافةَ‭ ‬العربيةَ‭ ‬وتُبخِّسُ‭ ‬قيمتها،‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬يَعْتَنِقُهَا‭ ‬الْعَظْمُ‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنَّها‭ ‬حقائق‭ ‬ثابتة‭ ‬ومطلقة،‭ ‬أو‭ ‬مُسَلَّماتٍ‭ ‬وبديهيَّات،‭ ‬يتكرَّرُ‭ ‬ورودها،‭ ‬والتَّأسيسُ‭ ‬عليها،‭ ‬في‭ ‬مؤلَّفاته‭ ‬ذات‭ ‬الصِّلة،‭ ‬وفي‭ ‬محاضراته‭ ‬ومحاوراته،‭ ‬إنِّما‭ ‬تَشِي،‭ ‬بل‭ ‬إنَّها‭ ‬لَتُبيِّنُ،‭ ‬قناعته‭ ‬بأنَّ‭ ‬الْعَرَبيَّ‭ ‬المُتَخَلِّفَ‭ ‬‭(‬وليس‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتح‭ ‬له‭ ‬أنْ‭ ‬يتقدَّم‭ ‬كم‭ ‬تقدَّمَ‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬شُعُوبٍ‭ ‬وأُمَمٍ‭)‬‭ ‬يُعَانِي‭ ‬عُقْدَةَ‭ ‬نَقْصٍ،‭ ‬رُبَّمَا‭ ‬مُزمنةً،‭ ‬إزاء‭ ‬الآخر‭ ‬المُتقدِّم‭ ‬أَياً‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الآخر أو‭ ‬رُبَّما،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬تُرجِّحُهُ‭ ‬سياقات‭ ‬التحليل‭ ‬والمُقارنات،‭ ‬إزاء‭ ‬الإنسان‭ ‬الأبيض‭ ‬الغربيِّ‭ ‬المُتقدِّم‭ ‬‭(‬الأوروبي‭ ‬والأميركي‭)‬‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإنَّ‭ ‬ما‭ ‬ينسحبُ‭ ‬على‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬المنسوب‭ ‬إلى‮ «‬العرب‮» ‬كاسم‭ ‬جِنْسِ‭ ‬جَاِمعٍ،‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬كُلِّ‭ ‬فردٍ‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬هذا‭ ‬الجنس،‭ ‬أي‭ ‬أنَّ‭ ‬لإعمال‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬أنْ‭ ‬يُبَيِّنَ،‭ ‬بجلاء،‭ ‬إنّ‭ ‬القائلين‭ ‬بـ»عقدة‭ ‬النَّقص‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتملَّكُ‭ ‬العرب‭ ‬إزاء‭ ‬الغرب‭ ‬‭(‬الأوروبي‭ ‬والأميركي‭)‬‭ ‬والمروَّجين‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬‭(‬القناعة‭)‬‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬هُم‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬أوَّل‭ ‬من‭ ‬شَعَرَ‭ ‬بهذه‭ ‬العقدة،‭ ‬فأسقطوها‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جنسهم،‭ ‬أو‭ ‬قومهم،‭ ‬أو‭ ‬أمَّتهم‭ ‬وإلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنَّ‭ ‬فرضيَّة‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬نفسه‭ ‬مسكونا‭ ‬بهذه‭ ‬العقدة إزاء‭ ‬الآخر‭ ‬الغربي،‭ ‬تُصبحُ‭ ‬مُمْكِنَةً،‭ ‬وقابلةً‭ ‬للتَّحَقُّق‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬وُجُودِهَا‭ ‬عَبْرَ‭ ‬مُراجعة‭ ‬كتاباته‭ ‬وأقواله‭ ‬وآرائه‭ ‬وتصريحاته‭ ‬ومواقفه‭ ‬التي‭ ‬تُلامِسُها‭ ‬وتُجَلِّي‭ ‬حُضُورهَا‭ ‬الطَّاغي‭ ‬في‭ ‬كيانه‭.‬

هكذا‭ ‬نَرَاهُ‭ ‬لا‭ ‬يَرى‭ ‬الإنسانَ‭ ‬الأبيضَ،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الأوروبي‭ ‬الغربي‭ ‬والأميركي،‭ ‬وربَّما‭ ‬على‭ ‬نحو‮ ‬‭ ‬جوهريٍّ‭ ‬ماهويٍّ‭ ‬ثابتٍ‭ ‬ورَاسِخْ،‭ ‬إلَّا‭ ‬إنْسَانَاً‭ ‬سَامياً‭ ‬مُتَفَوِّقاً‭ ‬عَاليَ‭ ‬الشَّأْن‭ ‬والقيمة‭ ‬والدَّور‭ ‬الوُجُوديِّ،‭ ‬وذلكَ‭ ‬مُقارنةً‭ ‬بالعَربي‭ ‬الذي‭ ‬ينطق‭ ‬لُغَتَهُ‭ ‬الحيَّة،‭ ‬وينتمي‭ ‬إلى‭ ‬ثقافته‭ ‬وينتسبُ‭ ‬عبرها‭ ‬إليه،‭ ‬أو‭ ‬ربمَّا‭ ‬مُقارنةً‭ ‬بالْعِرْقِ‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يَرى،‭ ‬أو‭ ‬يشعرُ‭ ‬أو‭ ‬يَزْعمَ،‭ ‬أنَّ‭ ‬جذورهُ‭ ‬البعيدةُ،‭ ‬المُوغلةُ‭ ‬في‭ ‬القِدَمِ،‭ ‬تَعُودُ‭ ‬إليه‭ ‬وهُما‭ ‬الْعِرْقَانِ‭ ‬اللذان‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يراهُمَا‭ ‬الوعيُّ‭ ‬الزَّائفُ،‭ ‬اللاعلميِّ‭ ‬واللاإنْسَانيِّ،‭ ‬والمسكونُ‭ ‬بقَنَاعَةٍ‭ ‬تُشَارِفُ‭ ‬حَدَّ‭ ‬العقيدة‭ ‬الرَّاسخة‭ ‬بـ»أُسْطُورة‭ ‬عِبْءِ‭ ‬الإنْسَانِ‭ ‬الأبيض‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬عِرقين‭ ‬دُونِيَّينِ‭ ‬عاجزين،‭ ‬بطبيعة‭ ‬جوهرهما‭ ‬الدُّونيِّ‭ ‬الثَّابت،‭ ‬عَنْ‭ ‬أنْ‭ ‬يُنْجَزا‭ ‬حَضَارةً‭ ‬إنسانيَّةً‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬تُعَادل‭ ‬ما‭ ‬لحَضَارة‭ ‬الإنسان‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬قيمةٍ‭ ‬أو‭ ‬تَفُوقُهَا،‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬لهما،‭ ‬وقد‭ ‬عجزا‭ ‬عن‭ ‬إنجاز‭ ‬تلك‭ ‬الحضارة،‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬تؤهلهما‭ ‬لامتلاك‭ ‬حقِّ‭ ‬أنْ‭ ‬يَتَبًوَّءَا‭ ‬مكانةً‭ ‬وُجوديَّة‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬مداراتِ‭ ‬الوُجُودِ‭ ‬الإنْسانيِّ،‭ ‬التَّاريخيِّ‭ ‬الحَضَاريِّ،‭ ‬الْمُتَنِّوِّعِ‭ ‬الخلَّاق‭.‬

وبِحَسَبِ‭ ‬ما‭ ‬يُمليه‭ ‬الْعَقْلُ‭ ‬ومنظومات‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬الراسخة،‭ ‬فإنَّ‭ ‬لاعتناق‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التَّصَور‭ ‬السُّكونيِّ‭ ‬الْجَامِد‭ ‬عن أعراق‭ ‬وهُويات‭ ‬ذات‭ ‬جواهر‭ ‬ماهويَّةٍ‭ ‬راسِخةٍ‮ ‬في‭ ‬ثَبَاتٍ،‭ ‬ألَّا‭ ‬يُناقضَ‭ ‬حقائقَ‭ ‬العلم‭ ‬وفطرة‭ ‬الْعَقْلَ‭ ‬الإنساني‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنَّه‭ ‬لَيُجَافِي‭ ‬جوهر‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬ومعناها‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬يُفَارقُ،‭ ‬بل‭ ‬يُناقضُ،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬صارخ،‭ ‬قوانين‭ ‬التَّطوُّر‭ ‬الحضاري،‭ ‬ومنطقَ‭ ‬الحياة،‭ ‬وجدليَّة‭ ‬التَّاريخ‭.‬

إنَّه‭ ‬تَصَوُّرٌ‭ ‬عُنْصُرِيٌ‭ ‬فَارغٌ‭ ‬وبَغِيض‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معاً،‭ ‬فلا‭ ‬هو‭ ‬يستقيم‭ ‬مع‭ ‬حقيقة‭ ‬تداخل‭ ‬الأعراق‭ ‬والأمم‭ ‬عبر‭ ‬هجراتها‭ ‬وغزواتها‭ ‬المتبادلة‭ ‬ومُصَاهَرَاتِهَا‭ ‬وشبكات‭ ‬علاقاتها‭ ‬المتنوِّعة‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬امتزاجُ‭ ‬دمائها‭ ‬واندماجها‭ ‬وتفاعل‭ ‬مكونات‭ ‬ثقافاتها‭ ‬وتلاقي‭ ‬مصالحها،‭ ‬ولا‭ ‬هُوَ‭ ‬يُدركُ‭ ‬الدُّروسَ‭ ‬المستلهمة‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬ظاهرة الحضارة‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬كظاهرةٍ‭ ‬شاملة،‭ ‬ولا‭ ‬هُوَ‭ ‬يأخذُ‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬المنطقِ‭ ‬التَّاريخي‭ ‬النَّاظمِ‭ ‬نُشُوءَ‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬وارْتِقَائهَا‭ ‬واضْمِحْلَالِهَا،‭ ‬وانْسِرَابِ‭ ‬مُكِوِّنَاتِهَا‭ ‬الجوهريَّة‭ ‬وعَنَاصِرَهَا‭ ‬الحيويَّة‭ ‬في‭ ‬مرجلِ‭ ‬تَخلُّق‭ ‬نموذجٍ‭ ‬حضاريٍّ‭ ‬جديد،‭ ‬كي‭ ‬يُدْركَ،‭ ‬بتمعُّنٍ‭ ‬حَصِيفٍ،‭ ‬قَواعدَ‭ ‬قانونها‭ ‬الدَّاخلي‭ ‬وكَيفِيَّاتِ‭ ‬عَمَلهِ‭ ‬وآلياتِه‭ ‬الحاكمةِ‭ ‬تجلياتِهَا‭ ‬المُتنوِّعة‭ ‬على‭ ‬نَحْوٍ‭ ‬مُتزامنٍ‭ ‬أو‭ ‬مُتَعَاقبٍ،‭ ‬مُتَعَدِّدِ‭ ‬الأحياز‭ ‬الجغرافيَّة‭ ‬والمساحاتِ‭ ‬والأمكنة،‭ ‬ومتباينِ‭ ‬الأولويَّاتِ‭ ‬والاهتمامات،‭ ‬ومُتَنوِّعَ‭ ‬الأبعادِ‭ ‬والمداراتِ‭ ‬والآفاق‭ ‬والرُّؤى‭ ‬للعالم،‭ ‬في‭ ‬حضاراتٍ‭ ‬إنسانيَّةٍ‭ ‬مُتفاعلةٍ‭ ‬تكتبُ‭ ‬فُصُولاً‭ ‬مُتَعَاقِبَةً،‭ ‬مُتَداخِلةً‭ ‬ومُتراكبةً،‭ ‬من‭ ‬فُصُولِ‭ ‬مغامرة‭ ‬الإنْسَانِ‭ ‬السَّاعي،‭ ‬بَدأَبٍ‭ ‬لاهبٍ‭ ‬وتَوقٍ‭ ‬دائبٍ‭ ‬لا‭ ‬ينطفئانِ‭ ‬أبداً،‭ ‬ولا‭ ‬ينتهيان،‭ ‬إلى‭ ‬إدراكٍ‭ ‬تحقُّقٍ‭ ‬حَضَاريٍّ‭ ‬تاريخيٍّ‭ ‬مُمْكنٍ،‭ ‬وكَمَالٍ‭ ‬إنسانيٍّ‭ ‬وجوديٍّ‭ ‬مُحتَمَلٍ،‭ ‬هُمَا،‭ ‬دائِمَاً‭ ‬وأَبَدَاً،‭ ‬أَعَلَى‭ ‬وأَسْمَى‭.

إنّ‭ ‬القائلين‭ ‬بـ»عقدة‭ ‬النَّقص‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتملَّكُ‭ ‬العرب‭ ‬إزاء‭ ‬الغرب‭ ‬‭(‬الأوروبي‭ ‬والأميركي‭)‬‭ ‬والمروَّجين‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬‭(‬القناعة‭)‬‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬هُم‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬أوَّل‭ ‬من‭ ‬شَعَرَ‭ ‬بهذه‭ ‬العقدة،‭ ‬فأسقطوها‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جنسهم،‭ ‬أو‭ ‬قومهم،‭ ‬أو‭ ‬أمَّتهم‭

ذهنية‭ ‬التحريم‭ ‬وكلية‭ ‬لعنته

مَا‭ ‬إنْ‭ ‬اسْتَوفَتِ‭ ‬الْمُقَابَلَةُ‭ ‬مسألتها‭ ‬الاستهلاليَّة‭ ‬المُتعلِّقة‭ ‬بالتكريم‭ ‬الشَّخصيِّ‭ ‬والجوائز‭ ‬الغربيَّة‭ ‬المرموقة؛‭ ‬ذات‭ ‬الاحترام‭ ‬والهيبة‭ ‬والمصداقية،‭ ‬في‭ ‬مُقابل‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيَّة‭ ‬التي‭ ‬رآها‭ ‬المُفَكِّرُ‭ ‬وضيعةً‭ ‬تثورُ‭ ‬حَولها‭ ‬شكوكٌ‭ ‬وتساؤلاتٌ‭ ‬واتِّهاماتٌ،‭ ‬حتَّى‭ ‬شَرعَت‭ ‬في‭ ‬فتحِ‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬موضوعها‭ ‬الرَّئيس‭ ‬جاعلةَ‭ ‬من‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬لَعْنَة‭ ‬التَّحْريم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تُحيلُ‭ ‬عَلَى‭ ‬مُصْطَلحٍ‭ ‬مَفْهُوميٍّ‭ ‬مُتَداولٍ‭ ‬وعَلَى‭ ‬ظاهرةٍ‭ ‬مُهَيمِنةٍ‭ ‬في‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلبِ‭ ‬من‭ ‬مجتمعات‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬وثقافاتهم،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬ذهنيَّة‭ ‬التَّحْريم‮»‬،‭ ‬ثاني‭ ‬جزأين‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬عنوانها‭ ‬الرَّئيس‭ ‬الذي‭ ‬يَقْرُنُ‭ ‬هذه‭ ‬اللَّعنةَ‭ ‬باسم‭ ‬الأكاديميِّ‭ ‬والْمُفَكِّرْ‭ ‬والنَّاقد‭ ‬الجذريِّ‭ ‬‮«‬صَادق‭ ‬جَلال‭ ‬العَظْم‮»‬‭.‬

ومعلومٌ‭ ‬أنَّ‭ ‬العَظْمَ‭ ‬قد‭ ‬اشْتُهِرَ‭ ‬وذاعَ‭ ‬صِيتهُ،‭ ‬كَمُفكِّرٍ‭ ‬ونَاقدٍ،‭ ‬بسبب‭ ‬المُلاحقاتِ‭ ‬والمُضَايَقَاتِ‭ ‬وأشْبَاهِ‭ ‬الْمِحَن‭ ‬التي‭ ‬تعرَّض‭ ‬لها‭ ‬جرَّاء‭ ‬إقدامهِ،‭ ‬في‭ ‬توقيتين‭ ‬مُلائمين‭ ‬لإثارة‭ ‬ضَجَّة‭ ‬إعلاميَّة‭ ‬كَفيلة‭ ‬ببناءِ‭ ‬الصِّيتِ‭ ‬وتكريسِ‭ ‬الشُّهرة،‭ ‬على‭ ‬نَشْرِ‭ ‬كتابين‭ ‬يتعلَّقان‭ ‬بتحليل‭ ‬بعض‭ ‬تجليات‭ ‬هذه‭ ‬الذِّهنيَّة‭-‬اللَّعنة‭ ‬في‭ ‬الثَّقافات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلاميَّة،‭ ‬ونقدها‭ ‬نقداً‭ ‬جذرياً،وما‭ ‬هذان‭ ‬الكتابان‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬نقدُ‭ ‬الفكر‭ ‬الدِّيني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نُشرَ‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬‭(‬نوفمبر‭)‬‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1969،‭ ‬عقب‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬العرب،‭ ‬كُلِّ‭ ‬العرب،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1967،‭ ‬و»ذهنية‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نُشِرَ‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1997،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬عُقود‭ ‬من‭ ‬صُدور‭ ‬الكتاب‭ ‬الأوَّل‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬مَسْبُوقاً‭ ‬بكتابٍ‭ ‬آخرَ‭ ‬حَمَل‭ ‬عُنْوان‭ ‬‮«‬النَّقد‭ ‬الذَّاتي‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‮»‬‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صَدَرَ‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬‭(‬يناير‭)‬‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1969‭.‬

وقد‭ ‬كانَ‭ ‬لمتابعةِ‭ ‬المُفكِّر‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭ ‬كُلَّ‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرةٍ‭ ‬تعلَّقت‭ ‬بما‭ ‬أثارتهُ‭ ‬هذه‭ ‬المؤلَّفات‭ ‬والكتب‭ ‬من‭ ‬ردَّاتِ‭ ‬فعلٍ‭ ‬وتعقيبات‭ ‬وتعليقات‭ ‬ومُسَاجلاتٍ‭ ‬فكريَّة‭ ‬أو‭ ‬سياسيَّة،‭ ‬وحرصَه‭ ‬الدَّؤوب‭ ‬على‭ ‬الرَّد‭ ‬على‭ ‬أغلبها‭ ‬ونشر‭ ‬هذه‭ ‬الرُّدود‭ ‬في‭ ‬صُحف‭ ‬ومجلات‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلام‭ ‬عديدة،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬كُتِبٍ‭ ‬توالت‭ ‬طبعاتها،‭ ‬أو‭ ‬نُقِّحَت‭ ‬وزيد‭ ‬عليها‭ ‬لتطبع‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وقد‭ ‬تضمَّنت‭ ‬ردوداً‭ ‬ومساجلات‭ ‬ومقالات‭ ‬ناقدة‭ ‬وضعها‭ ‬كُتابٌ‭ ‬ومُفكِّرون‭ ‬وقرَّاءٌ‭ ‬نقديون‭ ‬آخرون،‭ ‬أنْ‭ ‬يُرسِّخَ‭ ‬الصِّلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المُفكِّر‭ ‬والمنهج‭ ‬التَّحليليِّ‭ ‬الجذريِّ‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬في‭ ‬مُقاربة‭ ‬موضوعيه‭ ‬الأثيرين‭ ‬‮«‬النَّقد‭ ‬الذَّاتي‮»‬‭ ‬و»ذِهْنِيَّة‭ ‬التَّحريم‮»‬،‭ ‬حيثُ‭ ‬يُذكِّرُ‭ ‬الْعَظْمُ‭ ‬نفسهُ‭ ‬ويُذَكِّرنا،‭ ‬مع‭ ‬كُلِّ‭ ‬طبعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬المتصل‭ ‬بالموضوع‭ ‬الأوَّل،‭ ‬بالرأي‭ ‬المُتكرِّر‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬إنَّه‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬المادة‭ ‬الغزيرة‭ ‬التي‭ ‬تمَّ‭ ‬إنتاجها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيِّ‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وتحت‭ ‬عناوين‭ ‬تتناولُ‭ ‬الهزيمة‭ ‬من‭ ‬وجوهها‭ ‬جميعاً،‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬في‭ ‬الذَّاكرة‭ ‬الجمعيَّة‭ ‬العربية‭ ‬‭(‬المُثَقَّفَة‭ ‬على‭ ‬أقلِّ‭ ‬تقدير‭)‬‭ ‬سوى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعمال‭ ‬هي‭ ‬قصيدة‭ ‬نزار‭ ‬قبَّاني‮»‬هوامش‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬النَّكسة‮»‬،‭ ‬ومسرحيَّة‭ ‬سعدالله‭ ‬ونُّوس‭ ‬‮«‬حفلة‭ ‬سَمَر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬5‭ ‬حُزيران‮»‬،‭ ‬وكتابي‭ ‬‮«‬النَّقد‭ ‬الذَّاتي‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‮»‬‭ ‬‭(‬الدكتور‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭: ‬النَّقد‭ ‬الذَّاتي‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة،‭ ‬دار‭ ‬ممدوح‭ ‬عدوان‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬دمشق،‭ ‬طبعة‭ ‬جديدة،‭ ‬‭(‬نيسان‭)‬‭ ‬2007،‭ ‬ص‭ ‬9‭)‬‭.‬

وكانَ‭ ‬المُفكِّر،‭ ‬قدْ‭ ‬أسَّسَ‭ ‬لنفسه‭ ‬آليَّة‭ ‬متابعةٍ‭ ‬حثيثةٍ‭ ‬لما‭ ‬تثيرهُ‭ ‬مؤلفاته‭ ‬النَّقديَّة‭ ‬الصَّادمة‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعالٍ‭ ‬واستجاباتٍ‭ ‬متباينة،‭ ‬وذلك‭ ‬منذُ‭ ‬إقدامه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1970‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬طبعة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬الفكر‭ ‬الدِّيني‮»‬‭ ‬تَضَمَّنت‭ ‬ملحقاً‭ ‬احتوى‭ ‬وثائق‭ ‬تتعلَّق‭ ‬باستجواب‭ ‬مؤلِّف‭ ‬الكتاب‭ ‬وناشره‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬المطبوعات‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وبقرار‭ ‬الاتِّهام‭ ‬الظَّنيِّ‭ ‬الصَّادر‭ ‬عن‭ ‬عاطف‭ ‬فيَّاض‭ ‬قاضي‭ ‬التَّحقيق،‭ ‬وقرار‭ ‬محكمة‭ ‬استئناف‭ ‬جزاء‭ ‬بيروت‭ ‬النَّاظرة‭ ‬في‭ ‬المطبوعات‭ ‬القاضي‭ ‬بـ»إبطال‭ ‬التَّعقُّبات‭ ‬الجارية‭ ‬بحقِّ‮»‬‭ ‬كُلٍّ‭ ‬من‭ ‬المؤلَّف‭ ‬والنَّاشر‭.‬

أما‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ذهنيَّة‭ ‬التحريم‮»‬‭ ‬المُتَّصل‭ ‬بالموضوع‭ ‬الثَّاني،‭ ‬فقد‭ ‬عَمِدَ‭ ‬المُفكِّرُ‭ ‬إلى‭ ‬تجميع‭ ‬أغلب،‭ ‬إنْ‭ ‬لَمْ‭ ‬نَقُلْ‭ ‬جَمِيعَ،‭ ‬ما‭ ‬تناولَ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬تطرَّق‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬عُروض‭ ‬وتلخيصاتٍ‭ ‬وتعليقات‭ ‬وردود‭ ‬ناقدة‭ ‬ومقالاتٍ‭ ‬ومُسَاجلات،‭ ‬وأعاد‭ ‬نشرها‭ ‬مشفوعةً‭ ‬بردوده‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬في‭ ‬كتابِ‭ ‬مُتَابعةٍ‭ ‬واستدراكٍ‭ ‬ومراجعةٍ‭ ‬وتعقيبٍ‭ ‬وملاحق،‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ذهنيَّة‭ ‬التَّحريم،‭ ‬قراءة‭ ‬الآيات‭ ‬الشَّيطانيَّة،‭ ‬رد‭ ‬وتعقيب‮»‬،‭ ‬وصدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1997‭.‬

ولعلَّنا‭ ‬نُلاحظ،‭ ‬هُنَا،‭ ‬أنَّ‭ ‬عنوان‭ ‬المُقابلة‭ ‬قد‭ ‬تأسَّس‭ ‬على‭ ‬نوعٍ‭ ‬من التَّناص‭ ‬التَّحويري‮ ‬المُتبدِّي‭ ‬في‮ ‬استبدال‭ ‬‮«‬اللَّعنة‮»‬‭ ‬بـ»الذِّهنيَّة‮»‬‭ ‬لصَوغِ‭ ‬مُصْطَلحٍ‭ ‬يتضمَّن‭ ‬الأوَّل‭ ‬إذْ‭ ‬يُبْقِي‭ ‬على‭ ‬صُلبه،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬التَّحريم‮»‬،‭ ‬وإذْ‭ ‬يُحيلُ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يَنْجُمُ‭ ‬عَنْ‭ ‬إعمال‭ ‬ذهنيته‭ ‬من‭ ‬‮«‬لَعْنَةٍ‭ ‬‮«‬‭ ‬تحيلُ،‭ ‬بدورها،‭ ‬إلى‭ ‬تِلكَ‭ ‬الذِّهنية‭ ‬السِّحرية‭ ‬الغيبيَّة‭ ‬التي‮ ‬تَصِلُ‭ ‬تَفَجُّرَ‭ ‬‮«‬اللَّعنة‮»‬‭ ‬بمسِّ‭ ‬قَداسةِ‭ ‬المُقدَّسِ،‭ ‬أو‭ ‬وبالاجتراء‭ ‬على‭ ‬حُرمة‭ ‬المُحرَّم‭.‬

هكذا‭ ‬يتبدَّى‭ ‬التَّواشجُ‭ ‬العميق‭ ‬ما‭ ‬بينَ‭ ‬ذهنية‭ ‬التحريم‭ ‬ولعنتها‭ ‬وتتكشَّف‭ ‬حقيقة‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬اللَّعنة‭ ‬لا‭ ‬تُصيب‭ ‬الذينَ‭ ‬يَمَسُّون‭ ‬المُقدَّس‭ ‬أو‭ ‬يجترؤون‭ ‬عليه‭ ‬بإلقاء‭ ‬سُؤَالٍ‭ ‬يُثيرُ‭ ‬ظِلَّ‭ ‬شكٍّ‭ ‬على‭ ‬قداسته‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تُصِيبُ،‭ ‬في‭ ‬الوقتِ‭ ‬نفسه‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬جَمْعيٍّ‭ ‬أكثر‭ ‬فداحة،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعتنقونه‭ ‬عقيدةً‭ ‬وأسلوب‭ ‬حياةٍ‭ ‬ونهجَ‭ ‬إدراك‭ ‬للعالم‭. ‬وبالطَّبع،‭ ‬فإنَّ‭ ‬لِكُلِّ‭ ‬حال‭ ‬ووضع‭ ‬تجليات‭ ‬تَصوُّريَّة‭ ‬ومجتمعيَّة‭ ‬عديدة‭ ‬ومتغايرة‭ ‬ترتدُّ‭ ‬جميعها‭ ‬إلى لعنة‭ ‬واحدةٍ،‮ ‬غيرَ‭ ‬أنَّ‭ ‬كُلَّ‭ ‬هذه‭ ‬التَّجليات‭ ‬ذات‭ ‬الطَّبيعة‭ ‬العقابيّة‭ ‬الإرهابيَّة‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬وضعٍ‭ ‬حال،‭ ‬إنَّما‭ ‬تتكثَّفُ‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬المطاف،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تَكْبَحُ‭ ‬عُقولَ‭ ‬أَهْلِهَا‭ ‬‮«‬ذِهْنِيَّةُ‭ ‬تَحْريمٍ‮»‬‭ ‬مُركَّزة‭ ‬في‭ ‬سِحْرٍ‭ ‬وقَدَاسَةٍ‭ ‬وغَيبْ،‭ ‬في‭ ‬نتيجة‭ ‬قصوى‭ ‬هي‮ ‬الحِرْمَانُ‭ ‬من‭ ‬الحَيَاة عبر‭ ‬العيش‭ ‬في‮ ‬قَبْوٍ‭ ‬مُظلمٍ‮ ‬في‭ ‬انتظارِ‭ ‬انتقالٍ‭ ‬غَيرِ‭ ‬مُؤكَّدٍ‭ ‬إلى قُبَّةٍ‭ ‬مُنِيرة،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬زَهقِ‭ ‬الرُّوحِ‭ ‬بأمرٍ‭ ‬يُصْدِرُهُ‭ ‬حَاكِمٌ‭ ‬مُستبدٌ،‭ ‬أو‭ ‬سُلْطةٌ‭ ‬دينيَّةٌ‭ ‬طاغيةٍ‭ ‬تُكرِّسُ‭ ‬نَفْسَهَا‭ ‬عَبرَ‭ ‬تَعْزِيز‭ ‬استبدادهِ،‭ ‬وتُؤسِّس‭ ‬سلطتها‭ ‬على‭ ‬اجتراحِ‮ ‬مُقَدَّسٍ‭ ‬مُصْطَنَعٍ‭ ‬تتولَّى‭ ‬هي‭ ‬بنفسها‭ ‬التَّرويجَ‭ ‬له‭ ‬وحِرَاسَتَهُ‭.‬

ولعلَّ‭ ‬الأمرَ‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه،‭ ‬ليبيِّنَ‭ ‬بجلاء‭ ‬ساطعٍ،‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬لعنةَ‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬تمتلك‭ ‬قدرةً‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬كُلِّ‭ ‬شيء‭ ‬فَتَجْعَلُ‭ ‬رافضي‭ ‬‮«‬ذهنيَّة‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬من‭ ‬معتنقي‭ ‬العِلْمانيَّة،‭ ‬أو‭ ‬العَلْمانيَّة،‭ ‬من‭ ‬دولٍ‭ ‬ومؤسَّساتٍ‭ ‬وأفراد،‭ ‬يُمارسونَ‭ ‬التَّحريمَ‭ ‬بطريقتهم‭ ‬وأسلوبهم،‭ ‬ومن‭ ‬منظورهم‭ ‬الخاص،‭ ‬ووفق‭ ‬حاجاتهم‭ ‬وغاياتهم‭ ‬ومقاصدهم،‭ ‬وبُغية‭ ‬المحافظةً‭ ‬على‭ ‬مصالحهم،‭ ‬وتكريسها‭ ‬وتوسيعها،‭ ‬وتأمين‭ ‬حمايتها‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬وضعٍ‭ ‬وظرفٍ‭ ‬وشَرطٍ‭ ‬وحال‭.‬

العَظْمَ‭ ‬قد‭ ‬اشْتُهِرَ‭ ‬وذاعَ‭ ‬صِيتهُ،‭ ‬كَمُفكِّرٍ‭ ‬ونَاقدٍ،‭ ‬بسبب‭ ‬المُلاحقاتِ‭ ‬والمُضَايَقَاتِ‭ ‬وأشْبَاهِ‭ ‬الْمِحَن‭ ‬التي‭ ‬تعرَّض‭ ‬لها‭ ‬جرَّاء‭ ‬إقدامهِ،‭ ‬في‭ ‬توقيتين‭ ‬مُلائمين‭ ‬لإثارة‭ ‬ضَجَّة‭ ‬إعلاميَّة‭ ‬كَفيلة‭ ‬ببناءِ‭ ‬الصِّيتِ‭ ‬وتكريسِ‭ ‬الشُّهرة

ولسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحيِّز‭ ‬الضَّيق،‭ ‬للانزياح‭ ‬عمَّا‭ ‬نحنُ‭ ‬بصدده‭ ‬الآن،‭ ‬بغية‭ ‬تقديم‭ ‬عشرات‭ ‬الأمثلة،‭ ‬بل‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الدَّالةِ،‭ ‬بوضوحٍ‭ ‬ساطعٍ،‭ ‬على‭ ‬التَّحريمات‭ ‬والانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬تقترفها‭ ‬بلاد‭ ‬الغرب‭ ‬العَلْمَانِي‭ ‬بحقِّ‭ ‬حُرِّيات‭ ‬وحُقُوق‭ ‬الأقليات‭ ‬وذوي‭ ‬الدِّيانات‭ ‬المُغايرة‭ ‬والثَّقافات‭ ‬المختلفة‭ ‬واللَّونِ‭ ‬غير‭ ‬الأبيضِ،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬اللَّونُ‭ ‬الأسودُ،‭ ‬أو‭ ‬المائلُ‭ ‬إلى‭ ‬السَّوادِ،‭ ‬أو‭ ‬أيُّ‭ ‬لونٍ‭ ‬أبيضَ‭ ‬لا‭ ‬يَتَوافَرُ‭ ‬على‭ ‬درجةٍ‭ ‬مُعيَّنة‭ ‬من‭ ‬النُّصُوعِ‭ ‬البرَّاق‭ ‬والصَّفاءِ‭ ‬الشَّافِّ‭ ‬يُحَدِّدها‭ ‬تصوِّرٌ‭ ‬استعلائيٌّ‭ ‬عُنصُريٌّ‭ ‬بَغِيض‭.‬

***

ويبدو‭ ‬لي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سأحاولُ‭ ‬توضيحه‭ ‬في‭ ‬مُستهل‭ ‬مقال‭ ‬لاحق‭ ‬يُتابعُ‭ ‬حواراً‭ ‬مفتوحاً،‭ ‬حيويَّاً‭ ‬وخلَّاقاً،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬طُرح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المُقابلة‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وتصوُّرات‭ ‬وأفكار‭ ‬وخُلاصات‭ ‬تعلَّقت‭ ‬بموضوعاتٍ‭ ‬بدت‭ ‬متفرِّقةً‭ ‬في‭ ‬الظَّاهر،‭ ‬ولكنَّها‭ ‬مُتداخلةٌ‭ ‬ومتشابكةٌ‭ ‬عُمْقَاً‭ ‬وامْتِدَاداً،‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬ذهنيَّة‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬مقرونةً‭ ‬بـ»لَعْنَة‭ ‬التَّحْريم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تنجمُ‭ ‬عنها‭ ‬لتجسِّدها‭ ‬سُلوكاً‭ ‬وتصرُّفات‭ ‬وأفعالا،‭ ‬إنَّما‭ ‬تُمَثِّلان،‭ ‬بمفهوميهما‭ ‬الموسَّعين،مِسْبَاراً‭ ‬عقلياً‭ ‬يُساعدنا‭ ‬إعمالهُ‭ ‬على‭ ‬التقاط تجليات‭ ‬هذه‭ ‬الذِّهنية‭ ‬وتلك‭ ‬اللعنة،‭ ‬وإدراك‭ ‬كُنْهِهِمَا،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربيَّة‭ ‬المحكومة‭ ‬بهما،‭ ‬بجلاء‭ ‬ساطعٍ،‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربيَّة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬قناع العِلْمانيَّة‭ ‬أو‭ ‬العَلْمانية الذي‭ ‬ترتديه‭ ‬قد‭ ‬مكَّنها‭ ‬من‭ ‬إخفاء‭ ‬تلك‭ ‬التَّجلِّيات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بمستطاعه‭ ‬أنْ‭ ‬يُخْفِيها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬والأوضاع‭ ‬والحالات،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬لما‭ ‬تمتلكه‭ ‬هذه‭ ‬اللَّعنة‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬فائقة‭ ‬على‭ ‬الالتفافِ‭ ‬على‭ ‬أيِّ‭ ‬وازعٍ‭ ‬أو‭ ‬كابحٍ‭ ‬لتجسِّد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬وتصرفات‭ ‬وأنماط‭ ‬سلوك‭ ‬تمزق‭ ‬الأقنعة‭ ‬وتُظْهِرُ‭ ‬ما‭ ‬يتوارى‭ ‬خلفها‭ ‬مهما‭ ‬بلغتْ‭ ‬درجة‭ ‬إحكام‭ ‬تَواريه‭ ‬خلفَ‭ ‬هذا‭ ‬القناع‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

وإلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنِّي‭ ‬لأحسبُ،‭ ‬منذُ‭ ‬الآن،‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬لعنةَ‭ ‬التَّحريم‮»‬‭ ‬لَعْنةٌ‭ ‬كُلِّيةٌ‭ ‬تُغَطِّي‭ ‬كُلِّ‭ ‬استبدادٍ‭ ‬بغض‭ ‬النَّظر‭ ‬عن‭ ‬مصدره،‭ ‬وعن‭ ‬الأنواع‭ ‬والألوان‭ ‬والأشكال‭ ‬التي‭ ‬يتقمَّصُهَا،‭ ‬والغايات‭ ‬التي‭ ‬يتوخَّى‭ ‬الوصول‭ ‬إليها؛‭ ‬وهي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬لعنةٌ‭ ‬تَجْمَعُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬ممارسي‭ ‬الاستبداد‭ ‬على‭ ‬تعدُّد‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدُّول‭ ‬والكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافات‭ ‬والنَّماذج‭ ‬الحَضَارية‭ ‬المتغايرة‭ ‬التي‭ ‬إليها‭ ‬ينتمون‭ ‬وعن‭ ‬مصالحهم‭ ‬فيها‭ ‬يُدافعون،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطارٍ‭ ‬منظومة‭ ‬مُتَشَابِكةٍ‭ ‬ذاتُ‭ ‬امتداداتٍ‭ ‬وأبعادٍ‭ ‬ومقاصد‭ ‬وغايات‭ ‬قد‭ ‬تتجاوب‭ ‬أطرافها‭ ‬فتلتقي‭ ‬وتتحالف،‭ ‬أو‭ ‬تتعارضُ‭ ‬فتدخل‭ ‬في‭ ‬مساوماتٍ‭ ‬قد‭ ‬تفضي‭ ‬نتائجها‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمٍ‭ ‬وإدماج،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬التَّناقضات‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الصِّراعِ‭ ‬المفتوحِ‭ ‬على‭ ‬تباين‭ ‬المستويات‭ ‬والأشكال‭ ‬ودرجات‭ ‬الاحتدام‭.‬

وتلك‭ ‬هي‭ ‬البؤرة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬سَنُبَلْوِرُ‭ ‬بنية‭ ‬المقال‭ ‬اللاحق‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحوار‭ ‬المفتوح‭ ‬الذي‭ ‬نتوخَّاهُ‭ ‬حَيَويَّاً،‭ ‬تفاعليَّاً‭ ‬وخَلَّاقاً،‭ ‬مع‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬تطرَّقت‭ ‬إليه‭ ‬مقابلة‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬مع‭ ‬المُفكِّر،‭ ‬والنَّاقد‭ ‬الجذري،‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم،‭ ‬من‭ ‬موضوعاتٍ‭ ‬ذات‭ ‬أولويَّة‭ ‬وخلاصات‭ ‬تثير‭ ‬أسئلة‭ ‬لا‭ ‬تزالُ‭ ‬تبحثُ‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.