قلبي‭ ‬أم‭ ‬كلبي

السبت 2016/10/01
تخطيط: حسين جمعان

بعد‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬كئيبة،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬‮«‬سيربا‮»‬‭ ‬نطق‭ ‬أيّ‭ ‬حرف،‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء،‭ ‬كما‭ ‬أسمتها،‭ ‬حاولتُ‭ ‬معها‭ ‬بكل‭ ‬الطرق،‭ ‬بذلتُ‭ ‬جهوداً‭ ‬مضنيةً،‭ ‬تعذّبتُ،‭ ‬أحرقتُ‭ ‬أعصابي،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع،‭ ‬قالت‭ ‬أخيراً‭ ‬باستسلام‭:‬

–‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحدود‭ ‬القصوى‭ ‬لي،‭ ‬يا‭ ‬معلمي‭.‬

واظبتْ‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬ظهيرة‭ ‬كل‭ ‬أربعاء‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬ملفّها‭ ‬الجلدي،‭ ‬أصرّت‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬بينما‭ ‬تسرّبت‭ ‬النساء‭ ‬الأربع‭ ‬الأخريات،‭ ‬هربت‭ ‬‮«‬هيلكا‮»‬،‭ ‬الكحولية،‭ ‬طويلة‭ ‬القامة،‭ ‬بشعرها‭ ‬المرجَّل‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الأفريقية‭ ‬ورائحتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تطاق،‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬ستذهب‭ ‬إلى‭ ‬المرحاض‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الدرس‭ ‬الأول‭ ‬ولم‭ ‬تعد،‭ ‬واختفت‭ ‬‮«‬تولا‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬الوجه‭ ‬الشبيه‭ ‬بوجه‭ ‬العنزة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني،‭ ‬أرسلت‭ ‬لي‭ ‬إيميلاً‭ ‬تخبرني‭ ‬فيه‭ ‬أنها‭ ‬ستنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬لينا‮»‬‭ ‬الخمسينية،‭ ‬شبه‭ ‬الصلعاء‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين،‭ ‬إنها‭ ‬ستسافر‭ ‬إلى‭ ‬ابنتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬مدريد‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬انقطعت‭ ‬أخبارها،‭ ‬أما‭ ‬‮«‬مايا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬‮«‬فرجينيا‭ ‬وولف‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثالث،‭ ‬وقال‭ ‬إنها‭ ‬أصيبت‭ ‬بصدمة‭ ‬عصبية‭ ‬حين‭ ‬تزحلقت‭ ‬على‭ ‬الثلج،‭ ‬ولن‭ ‬تحضر‭ ‬ثانية‭.‬

بقيت‭ ‬‮«‬سيربا‮»‬‭ ‬وحدها‭ ‬معي،‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬الثالثة‭ ‬بقليل،‭ ‬تركن‭ ‬دراجتها‭ ‬عند‭ ‬الباب،‭ ‬ثم‭ ‬تهرول‭ ‬لتجلس‭ ‬أمامي،‭ ‬تقول‭ ‬بالعربية‭:‬

–‭ ‬مرهباً،‭ ‬أنا‭ ‬آسفة‭.‬

وتُكمل‭ ‬بالإنكليزية‭ ‬مونولوجها‭ ‬التقليدي،‭ ‬استطاعت‭ ‬بعد‭ ‬جهد‭ ‬إقناع‭ ‬رئيسها،‭ ‬لتحصل‭ ‬على‭ ‬استراحة‭ ‬لساعتين،‭ ‬لا‭ ‬تنام،‭ ‬جسدها‭ ‬متعب،‭ ‬ذهنها‭ ‬مشتت،‭ ‬لديها‭ ‬تآكل‭ ‬في‭ ‬غضاريف‭ ‬عمودها‭ ‬الفقري،‭ ‬لديها‭ ‬حساسية‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬والحليب،‭ ‬تعيش‭ ‬وحدها،‭ ‬ثم‭ ‬تستمر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بالهذيان‭ ‬بفنلندية‭ ‬لا‭ ‬أفهمها،‭ ‬أبتسم‭ ‬وأقول‭: ‬لقد‭ ‬سمعت‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وأنا‭ ‬أتعاطف‭ ‬معها،‭ ‬ليس‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬إذن،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سيتغيّر‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬إن‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬دراسة‭ ‬العربية؟‭ ‬لم‭ ‬لا‭ ‬تُريح‭ ‬أعصابها‭ ‬وجسدها؟‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬بكل‭ ‬جوارحي‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل،‭ ‬وتصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهي‭:‬

–‭ ‬لن‭ ‬أحضر‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬القادم‭.‬

ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعبأ‭ ‬بي،‭ ‬كانت‭ ‬تُنهي‭ ‬سرد‭ ‬معاناتها‭ ‬بجملة‭ ‬مليئة‭ ‬بالشجن‭ ‬وهي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬صدرها‭:‬

–‭ ‬إنه‭ ‬الحب‭ ‬يا‭ ‬معلمي‭. ‬كلبي‭ ‬يؤلمني‭.‬

أقول‭ ‬لها‭ ‬قولي‭ ‬‮«‬قلبي‮»‬‭ ‬وأُوضح‭ ‬لها‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الكلمتين‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مراراً‭ ‬فتضحك،‭ ‬ثم‭ ‬تفتح‭ ‬ملفها،‭ ‬وتُخرج‭ ‬قصاصاتها،‭ ‬وتبدأ‭ ‬بتدوين‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬تطلب‭ ‬مني‭ ‬معنى‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬أقولها،‭ ‬كل‭ ‬إشارة،‭ ‬كل‭ ‬ملاحظة‭ ‬مهما‭ ‬كانت،‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬أحيانا‭ ‬بجمل‭ ‬كاملة،‭ ‬اكتشفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬أنها‭ ‬تنقلها‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬مليء‭ ‬بكتاباتٍ،‭ ‬بخط‭ ‬يدها،‭ ‬وبخطوط‭ ‬آخرين،‭ ‬فيه‭ ‬مقاطع‭ ‬من‭ ‬أغنيات‭ ‬وأشعار‭ ‬وأدعية‭ ‬وشتائم‭ ‬وعبارات‭ ‬غزل،‭ ‬سألتها‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬مرة‭:‬

–‭ ‬متى‭ ‬كتبت‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟

قالت‭:‬

–‭ ‬في‭ ‬رحلاتي‭ ‬المتكررة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تونس‮»‬،‭ ‬ألا‭ ‬تدري؟‭ ‬كنت‭ ‬متزوجة‭ ‬من‭ ‬تونسي،‭ ‬ولكننا‭ ‬تطلقنا‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭.‬

ثم‭ ‬روت‭ ‬لي‭ ‬قصتها،‭ ‬سافرت‭ ‬قبل‭ ‬سبع‭ ‬سنين،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬سياحية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬جربة‮»‬،‭ ‬زوجها‭ ‬الأول‭ ‬توفّي‭ ‬بالسرطان،‭ ‬تعرّفت‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬شاب‭ ‬ممن‭ ‬يلاحقون‭ ‬السائحات،‭ ‬تسلل‭ ‬إلى‭ ‬غرفتها‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬ونام‭ ‬معها،‭ ‬ورفض‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬مالاً‭ ‬عرضته‭ ‬عليه،‭ ‬ذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬تلميحاً‭ ‬بالطبع،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬أحبها‭ ‬ويريد‭ ‬البقاء‭ ‬معها،‭ ‬برغم‭ ‬فارق‭ ‬العمر،‭ ‬فهو‭ ‬يحلم‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬بالعيش‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬والخمسين،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثلاثينياته،‭ ‬حين‭ ‬عادت‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تونس‮»‬‭ ‬عرَّفها‭ ‬بأهله‭ ‬وأصدقائه‭ ‬ورافقها‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬خيالية‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحلم‭ ‬بالوصول‭ ‬إليها،‭ ‬ثم‭ ‬تزوّجا،‭ ‬أكملت‭ ‬متطلبات‭ ‬التحاقه‭ ‬بها‭ ‬سريعاً،‭ ‬وانتقل‭ ‬ليعيش‭ ‬معها‭ ‬هنا،‭ ‬سنواتهما‭ ‬الأربع‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬فردوساً،‭ ‬صرفت‭ ‬كل‭ ‬مدخراتها‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬سيارة‭ ‬حديثة‭ ‬ورحلات‭ ‬وملابس‭ ‬وسهرات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مطعم‭ ‬للبيتزا‭ ‬يديره‭ ‬بلا‭ ‬رقابة‭ ‬منها،‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬عقب‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الجنسية،‭ ‬افتعل‭ ‬شجاراً‭ ‬معها،‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬ومن‭ ‬حياتها،‭ ‬تطلّقا،‭ ‬ولكنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعشقه،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تصف‭ ‬مشاعرها‭ ‬تجاهه،‭ ‬تنتظر‭ ‬عودته‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة،‭ ‬وتحلم‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬سنواتها‭ ‬معه،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭:‬

–‭ ‬إنها‭ ‬الحكاية‭ ‬التقليدية،‭ ‬التي‭ ‬تكررت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭.‬

مسحت‭ ‬دموعها‭ ‬وأومأت‭ ‬بنعم،‭ ‬كانت‭ ‬قصيرة‭ ‬القامة،‭ ‬نحيفة،‭ ‬ذات‭ ‬وجه‭ ‬مستطيل‭ ‬شاحب،‭ ‬وعينين‭ ‬صغيرتين‭ ‬منطفئتين،‭ ‬بشرتها‭ ‬مخددة‭ ‬يغطيها‭ ‬نمش‭ ‬قرمزي،‭ ‬أعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جميلة‭ ‬ولا‭ ‬مثيرة‭ ‬في‭ ‬يومٍ‭ ‬ما،‭ ‬تبدو‭ ‬مشتتة‭ ‬دائماً،‭ ‬أصيبت‭ ‬بصدمة‭ ‬بعد‭ ‬الطلاق،‭ ‬فكّرت‭ ‬بالانتحار‭ ‬وظلت‭ ‬ثملة‭ ‬باستمرار،‭ ‬أهملت‭ ‬نفسها‭ ‬وبيتها،‭ ‬ثم‭ ‬تماسكت‭ ‬تدريجياً،‭ ‬تريد‭ ‬الآن‭ ‬استعادة‭ ‬طليقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللغة،‭ ‬قالت‭ ‬مرة‭ ‬بحزن‭:‬

–‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬العربية‭ ‬جيداً،‭ ‬لاستطعت‭ ‬قراءة‭ ‬أفكاره‭ ‬وامتلاكه‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭.‬

سألتها‭ ‬عن‭ ‬دفترها،‭ ‬فقالت‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تطلب‭ ‬ممن‭ ‬تلتقي‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬‮«‬تونس‮»‬،‭ ‬تسجيل‭ ‬ما‭ ‬يقولونه،‭ ‬يثيرها‭ ‬رنين‭ ‬الكلمات‭ ‬وإيقاعها،‭ ‬وليس‭ ‬المعنى،‭ ‬دفترها‭ ‬مثل‭ ‬عقلها‭ ‬مليء‭ ‬بالشخابيط‭ ‬والغوامض‭ ‬والتقاطعات‭.‬

كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭ ‬تدريسي‭ ‬لها،‭ ‬تحوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬عبءٍ‭ ‬ثقيل،‭ ‬وكررت‭ ‬عليها‭ ‬باستمرار‭ ‬أن‭ ‬ساعتين‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬لا‭ ‬تكفيان‭ ‬لتعلم‭ ‬أيّ‭ ‬لغة‭ ‬فكيف‭ ‬بالعربية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬غبية‭ ‬ولا‭ ‬كسولة،‭ ‬ولكن‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬‮«‬سوبر‭ ‬ماركت‮»‬‭ ‬كبير‭ ‬كان‭ ‬يأخذ‭ ‬وقتها‭ ‬كله،‭ ‬استسلمت‭ ‬لقدري‭ ‬معها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل‭ ‬كل‭ ‬جهودي‭ ‬في‭ ‬الهروب‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬دفعها‭ ‬للهروب‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفعني‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الورطة؟

ذهبتُ‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الأيل‭ ‬الضاحك‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعنى‭ ‬بثقافة‭ ‬الأجانب،‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يماثلها‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المدن‭ ‬الفنلندية،‭ ‬يحتل‭ ‬المركز‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬من‭ ‬عمارة‭ ‬حديثة،‭ ‬ذات‭ ‬ثلاثة‭ ‬طوابق،‭ ‬ويتألف‭ ‬من‭ ‬قاعتين‭ ‬متداخلتين،‭ ‬تنتهي‭ ‬إحداهما‭ ‬بمطبخ،‭ ‬لم‭ ‬أجلس‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬الأولى‭ ‬بسبب‭ ‬رائحة‭ ‬الطعام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تملأ‭ ‬المكان،‭ ‬بل‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬القاعة‭ ‬الأخرى‭ ‬لأقرأ‭ ‬وأكتب‭ ‬وأتصفّح‭ ‬المجلات‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الصخب،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القاعة‭ ‬أرائك‭ ‬كبيرة‭ ‬مغطاة‭ ‬بملاءات‭ ‬ملونة‭ ‬وسجادة‭ ‬ذات‭ ‬طراز‭ ‬شرقي‭ ‬ولها‭ ‬باب‭ ‬ذو‭ ‬طيات‭ ‬تُسحب‭ ‬إلى‭ ‬الجانبين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الباب‭ ‬مغلقاً،‭ ‬نظرتُ‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬فأصابني‭ ‬مسُّ،‭ ‬رأيتُ‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬التي‭ ‬تتوسط‭ ‬القاعة‭ ‬فتاة‭ ‬بهيئة‭ ‬ملاك،‭ ‬ذات‭ ‬وجه‭ ‬نوراني‭ ‬وشعر‭ ‬كستنائي‭ ‬ينسدل‭ ‬في‭ ‬ظفيرة‭ ‬على‭ ‬عنقها‭ ‬الأيمن،‭ ‬تجلس‭ ‬وبين‭ ‬يديها‭ ‬كتاب‭ ‬تقرأ‭ ‬منه‭ ‬بصوت‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يُسمع،‭ ‬على‭ ‬جانبيها‭ ‬تجلس‭ ‬فتاتان‭ ‬شقراوان‭ ‬ترددان‭ ‬ما‭ ‬تقرأه،‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬أمام‭ ‬الأريكة‭ ‬تجلس‭ ‬خمس‭ ‬فتيات‭ ‬صامتات،‭ ‬بدا‭ ‬المشهد‭ ‬أشبه‭ ‬باجتماع‭ ‬سري‭ ‬خلّدته‭ ‬منمنمة‭ ‬شرقية،‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬القراءة‭ ‬حين‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬المطبخ،‭ ‬بقيتُ‭ ‬متوتراً،‭ ‬أحاول‭ ‬استعادة‭ ‬ما‭ ‬رأيت،‭ ‬ثم‭ ‬نهضتُ‭ ‬بلا‭ ‬وعي،‭ ‬وذهبتُ‭ ‬لأرى‭ ‬المشهد‭ ‬ثانية،‭ ‬كان‭ ‬مختلفاً‭ ‬هذه‭ ‬المرّة،‭ ‬رأيتُ‭ ‬الفتاة‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬وفي‭ ‬يدها‭ ‬بضع‭ ‬أوراق،‭ ‬كانت‭ ‬تضحك‭ ‬وتردّد‭ ‬جملة‭ ‬بالفنلندية‭ ‬بصوتٍ‭ ‬عالٍ‭. ‬سألتُ‭ ‬امرأة‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬لنفسها‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬عمّا‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬فقالت‭ ‬إنه‭ ‬درس‭ ‬لتعليم‭ ‬التركية‭ ‬يستغرق‭ ‬ساعتين‭ ‬مساء‭ ‬كل‭ ‬خميس،‭ ‬فكّرت‭ ‬للحظات‭ ‬وسألتها‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بتدريس‭ ‬العربية‭ ‬مثلاً؟

قالت‭:‬

–‭ ‬ولِمَ‭ ‬لا‭. ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬نينا‮»‬،‭ ‬منسقة‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬وأخبرها‭ ‬بما‭ ‬تريد‭.‬

صادفتني‭ ‬‮«‬نينا‮»‬‭ ‬في‭ ‬الممر،‭ ‬أخبرتها‭ ‬بفكرتي،‭ ‬فابتسمت‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬رائع،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أنتظره‭ ‬منك‭.‬

اتفقنا‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬الدروس‭ ‬في‭ ‬الخريف‭ ‬القادم،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬شهرين،‭ ‬انتهى‭ ‬درس‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬قدمتُ‭ ‬نفسي‭ ‬إلى‭ ‬المعلمة‭ ‬حين‭ ‬خرجتْ،‭ ‬قلتُ‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬سأكون‭ ‬مثلها،‭ ‬سأدرِّس‭ ‬العربية،‭ ‬ردَّت‭:‬

–‭ ‬لو‭ ‬سألتني‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتورط،‭ ‬لنصحتك‭ ‬ألاّ‭ ‬تفعل‭.‬

أضافت‭ ‬بغنج،‭ ‬وهي‭ ‬تبتعد‭:‬

–‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تخبرني‭ ‬بما‭ ‬سيحدث‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭. ‬أتمنى‭ ‬لك‭ ‬حظاً‭ ‬سعيداً‭.‬

بدت‭ ‬بدينة،‭ ‬تعرج‭ ‬قليلاً،‭ ‬وثمة‭ ‬جرح‭ ‬تحت‭ ‬عينها‭ ‬اليسرى،‭ ‬لم‭ ‬تفارقني‭ ‬صورتها‭ ‬وهي‭ ‬تجلس‭ ‬بين‭ ‬فتياتها‭ ‬الصامتات‭ ‬طوال‭ ‬الليالي‭ ‬التالية،‭ ‬حلمتُ‭ ‬أنني‭ ‬أجلس‭ ‬بدلاً‭ ‬عنها،‭ ‬أتحدّث‭ ‬بينما‭ ‬تكتب‭ ‬الفتيات‭ ‬أو‭ ‬يرددن‭ ‬ما‭ ‬أقول،‭ ‬لن‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬سوى‭ ‬ساعتين‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬وبعض‭ ‬الجهد،‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬سأحظى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬متعة‭. ‬أخبرتني‭ ‬‮«‬نينا‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أيام،‭ ‬أنها‭ ‬تلقت‭ ‬خمس‭ ‬طلبات‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬يرغبن‭ ‬بتعلم‭ ‬العربية،‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬لي‭ ‬بالطبع‭ ‬أيّ‭ ‬تفاصيل‭ ‬عنهن،‭ ‬ولكني‭ ‬شرعت‭ ‬برسم‭ ‬صورة‭ ‬لكل‭ ‬منهن‭ ‬في‭ ‬خيالي،‭ ‬كن‭ ‬جميلات‭ ‬وأنيقات،‭ ‬ولكل‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬سحر‭ ‬خاص‭.‬

حين‭ ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬الدرس‭ ‬الأول،‭ ‬ذهبتُ‭ ‬مبكراً،‭ ‬ومعي‭ ‬حقيبة‭ ‬مليئة‭ ‬بكتب‭ ‬ومجلات‭ ‬عربية،‭ ‬وبأوراق‭ ‬سجّلتُ‭ ‬فيها‭ ‬ملاحظات‭ ‬عن‭ ‬خصائص‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وعن‭ ‬تاريخها،‭ ‬وأوراق‭ ‬أخرى‭ ‬رسمتُ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منها،‭ ‬حرفاً‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬الأبجدية،‭ ‬مرّت‭ ‬الدقائق‭ ‬ببطء،‭ ‬كنتُ‭ ‬خلالها‭ ‬أستحضر‭ ‬الكلمات‭ ‬السهلة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لكي‭ ‬أذكرها‭ ‬عندما‭ ‬تستدعي‭ ‬الضرورة‭.‬

بعد‭ ‬الثالثة‭ ‬بقليل‭ ‬كنت‭ ‬محاطاً‭ ‬بأربعة‭ ‬نماذج‭ ‬أنثوية،‭ ‬تناقض‭ ‬تماماً‭ ‬ما‭ ‬رسمته‭ ‬في‭ ‬خيالي،‭ ‬ثم‭ ‬دخلت‭ ‬‮«‬سيربا‮»‬‭ ‬مهرولة،‭ ‬وهي‭ ‬تلهث‭ ‬وتردد‭ ‬منولوجها‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬أسمعه‭ ‬كلما‭ ‬تأخرت‭ ‬عن‭ ‬موعدها،‭ ‬انهارت‭ ‬أحلامي‭ ‬بالطبع،‭ ‬تكرر‭ ‬الكابوس‭ ‬بتفاصيل‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬التالية،‭ ‬ثم‭ ‬تلاحق‭ ‬اختفاء‭ ‬النساء‭ ‬لأجد‭ ‬نفسي‭ ‬وحيداً‭ ‬مع‭ ‬‮«‬سيربا‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬سجيناً‭ ‬لديها،‭ ‬لساعتين‭ ‬طويلتين،‭ ‬مساء‭ ‬كل‭ ‬أربعاء‭. ‬تبتكر‭ ‬خلالهما‭ ‬بلا‭ ‬قصد،‭ ‬أقسى‭ ‬الوسائل‭ ‬لتدمير‭ ‬مزاجي‭ ‬وتخريب‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬خلاياي‭ ‬العصبية،‭ ‬أسألها‭ ‬أولاً‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬راجعت‭ ‬ما‭ ‬كتبناه‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي؟

تعتذر‭ ‬لأن‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يسعفها،‭ ‬ويخفت‭ ‬صوتها‭ ‬وتدمع‭ ‬عيناها‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭:‬

–‭ ‬صدّقني،‭ ‬كنتُ‭ ‬مشغولة‭ ‬ومتعبة‭.‬

ألتقط‭ ‬ورقةً‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أوراق‭ ‬ملفها‭ ‬التي‭ ‬بعثرتها‭ ‬على‭ ‬المنضدة،‭ ‬أضعُ‭ ‬اصبعي‭ ‬على‭ ‬كلمةٍ‭ ‬ما‭ ‬وأسألها‭ ‬كيف‭ ‬تُلفظ،‭ ‬تبتسم‭ ‬وتردُّ‭ ‬ببلاهة‭:‬

–‭ ‬لا‭ ‬أعرف،‭ ‬لقد‭ ‬نسيتُ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يا‭ ‬معلمي‭.‬

أقول‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬كررتُ‭ ‬لفظها‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬تهزُّ‭ ‬رأسها‭ ‬وتهمس‭:‬

–‭ ‬آسفة،‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أتذكر‭.‬

نعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬الأبجدية،‭ ‬تلفظ‭ ‬الحروف‭ ‬التي‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يشبهها‭ ‬في‭ ‬الأبجدية‭ ‬الفنلندية‭ ‬بسهولة،‭ ‬أما‭ ‬حروف‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء،‭ ‬وهي‭ ‬الحاء‭ ‬والخاء‭ ‬والظاء‭ ‬والضاد‭ ‬والطاء‭ ‬والعين‭ ‬والغين‭ ‬والصاد‭ ‬والقاف،‭ ‬فتخترع‭ ‬أصواتاً‭ ‬جديدة‭ ‬لقراءتها،‭ ‬أصحح‭ ‬أخطاءها‭ ‬وأذكر‭ ‬لها‭ ‬أمثلة‭ ‬لحروفٍ‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬أخرى،‭ ‬تشبه‭ ‬تلك‭ ‬الحروف‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬ما،‭ ‬أقول‭ ‬لها‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬الخاء،‭ ‬يشبه‭ ‬الحرف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬خراشو‮»‬‭ ‬الروسية،‭ ‬وأن‭ ‬الغين‭ ‬حرف‭ ‬شائع‭ ‬لدى‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وأن‭ ‬الصاد‭ ‬هو‭ ‬‭(‬S‭)‬‭ ‬قوية،‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬إطباق‭ ‬الأسنان‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬وإصدار‭ ‬صوت‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الفم،‭ ‬واعتقدت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬أنني‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬مثال‭ ‬بسيط،‭ ‬يشرح‭ ‬كيفية‭ ‬نطق‭ ‬القاف،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭:‬

–‭ ‬إنه‭ ‬صوت‭ ‬الدجاجة‭ ‬حين‭ ‬تبيض،‭ ‬قاق‭ ‬قاق‭ ‬قاق‭.‬

كررت‭ ‬هي‭ ‬بعدي‭: ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬كاك‭.‬

قلت‭ ‬لها‭:‬

–‭ ‬لا،‭ ‬الدجاجة‭ ‬تصرخ‭ ‬هكذا،‭ ‬قاق‭ ‬قاق‭ ‬قاق‭.‬

قالت‭ ‬بثقة‭:‬

–‭ ‬للأسف،‭ ‬أنت‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬يا‭ ‬معلمي،‭ ‬الدجاجة‭ ‬تتكلم‭ ‬هكذا،‭ ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬كاك‭.‬

احتدّ‭ ‬النقاش‭ ‬بيننا،‭ ‬طلبتْ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬يجلسن‭ ‬حولنا،‭ ‬أن‭ ‬يقلّدن‭ ‬صوت‭ ‬الدجاجة،‭ ‬فرددن‭ ‬جميعاً‭: ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬كاك،‭ ‬ضحكتْ‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬لاحظتَ‭ ‬يا‭ ‬معلمي؟‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬ما‭ ‬تتكلم‭ ‬به‭ ‬الدجاجة‭ ‬الفنلندية‭.‬

قلتُ‭ ‬لها‭ ‬ولكن‭ ‬القأقأة‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬الدجاج‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬صوت‭ ‬الدجاجة‭ ‬الفنلندية‭ ‬أيضاً،‭ ‬كرّرتُ‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬ولكنّي‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬إقناعها،‭ ‬ولا‭ ‬إقناع‭ ‬النساء‭ ‬الأخريات،‭ ‬تركتُ‭ ‬الدرس‭ ‬غاضباً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي،‭ ‬واصلتُ‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬طوال‭ ‬الأسبوع‭ ‬التالي،‭ ‬لم‭ ‬أشك‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬دجاجات‭ ‬العالم‭ ‬كلها،‭ ‬تنطق‭ ‬بلغة‭ ‬القاق‭ ‬قاق‭ ‬قاق،‭ ‬لا‭ ‬تمايز‭ ‬طبقيا‭ ‬ولا‭ ‬تمييز‭ ‬عنصريا‭ ‬ولا‭ ‬اختلافات‭ ‬بايولوجية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الدجاج،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬بمقدوري‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬لـ‮»‬سيربا‮»‬‭ ‬وللأخريات‭.‬

لم‭ ‬أجدها‭ ‬حين‭ ‬ذهبتُ‭ ‬في‭ ‬موعد‭ ‬المحاضرة‭ ‬التالية،‭ ‬رأيتُ‭ ‬خمس‭ ‬نساء‭ ‬يتحلّقن‭ ‬حول‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭. ‬ضحكتْ‭ ‬إحداهن،‭ ‬وأشارتْ‭ ‬إليَّ،‭ ‬فالتفتن‭ ‬وأصدرتْ‭ ‬كل‭ ‬منهن‭ ‬صوتاً‭ ‬يشبه‭ ‬الكاك‭ ‬كاك،‭ ‬ثم‭ ‬ترددت‭ ‬تنويعات‭ ‬مختلفة‭ ‬للصوت‭ ‬نفسه،‭ ‬وقفتُ‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬القاعة‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل،‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أبتسم‭ ‬وأبدو‭ ‬طبيعياً‭ ‬ولكني‭ ‬كنت‭ ‬أغلي‭ ‬في‭ ‬داخلي‭.‬

جاءت‭ ‬‮«‬سيربا‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬دقائق،‭ ‬اعتذرتْ‭ ‬لتأخرها،‭ ‬فتحتْ‭ ‬ملفها،‭ ‬وبعثرت‭ ‬الأوراق‭ ‬على‭ ‬الطاولة،‭ ‬قالت‭:‬

–‭ ‬أتدري،‭ ‬يا‭ ‬معلمي،‭ ‬لقد‭ ‬شغلني‭ ‬حرفك‭ ‬الغريب‭ ‬طوال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬تكرّر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أحلامي،‭ ‬هناك‭ ‬أمر‭ ‬واحد‭ ‬تأكدتُ‭ ‬منه،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬دجاجاتنا‭ ‬لا‭ ‬يستطعن‭ ‬نطقه‭ ‬كما‭ ‬تنطقه‭ ‬أنت،‭ ‬بل‭ ‬يقلن‭: ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬وبدأت‭ ‬تضحك‭.‬

انفجرتُ‭ ‬غاضباً‭ ‬وصرختُ‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬تحاولين‭ ‬السخرية‭ ‬منّي؟‭ ‬لن‭ ‬أسمح‭ ‬بذلك‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬انفتح‭ ‬باب‭ ‬القاعة،‭ ‬وخرجت‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وقفن‭ ‬حولنا،‭ ‬سألتْ‭ ‬إحداهن‭:‬

–‭ ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬الدجاجة؟

فصرختْ‭ ‬الأخريات‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭: ‬كاك‭ ‬كاك‭ ‬كاك‭. ‬نهضتُ‭ ‬واتجهتُ‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬ثم‭ ‬التفتُ‭ ‬وصرختُ‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتي‭:‬

–‭ ‬سنلتقي‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬القادم،‭ ‬وسأريكنّ‭ ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬الدجاجة‭.‬

فكّرتُ‭ ‬وأنا‭ ‬أمضي‭ ‬وحيداً،‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يُسكت‭ ‬أولئك‭ ‬النساء،‭ ‬هو‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬دجاجة‭ ‬حية،‭ ‬وجعلها‭ ‬تقاقئ‭ ‬أمامهن،‭ ‬ولكن‭ ‬أين‭ ‬سأعثر‭ ‬عليها؟‭ ‬الدجاج‭ ‬الحيّ‭ ‬لا‭ ‬يباع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬هنا‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مدننا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يربي‭ ‬دجاجاً‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬لكي‭ ‬أستعير‭ ‬واحدة‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬سألتُ‭ ‬صديقي‭ ‬‮«‬رينتولا‮»‬‭:‬

–‮ ‬‭ ‬كيف‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬دجاجة‭ ‬حية؟

نظر‭ ‬إليَّ‭ ‬باستغراب،‭ ‬اعتقد‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬أنني‭ ‬أمزح،‭ ‬وضحك‭ ‬حين‭ ‬أخبرته‭ ‬عن‭ ‬السبب،‭ ‬أخبرني‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬قبل‭ ‬شهور،‭ ‬ليشتري‭ ‬لحماً‭ ‬طازجاً‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬روسية‭ ‬تمتلك‭ ‬حقلاً‭ ‬خارج‭ ‬المدينة،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬متأكداً‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬تربّي‭ ‬دجاجاً،‭ ‬ثم‭ ‬أوصلني‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬بسيارته،‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬ريفي،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الحقل‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬نهايته‭ ‬وغادر‭ ‬مسرعاً‭.‬

سرتُ‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬أشجار‭ ‬كثيفة‭ ‬متتالية،‭ ‬رأيتُ‭ ‬خيولاً‭ ‬وأبقاراً‭ ‬ترعى‭ ‬في‭ ‬حقولٍ‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الطريق،‭ ‬رأيتُ‭ ‬أكواخاً‭ ‬خشبية‭ ‬وأشباح‭ ‬نساء‭ ‬قربها،‭ ‬رأيتُ‭ ‬ثياباً‭ ‬منشورة‭ ‬على‭ ‬حبالٍ‭ ‬في‭ ‬الباحات‭ ‬الخلفية‭ ‬للأكواخ،‭ ‬كانت‭ ‬الشمس‭ ‬تختفي‭ ‬وتظهر‭ ‬خلف‭ ‬غيوم‭ ‬سوداء،‭ ‬ثم‭ ‬وصلتُ‭ ‬أخيرا‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الخشبي‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬رينتولا‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬محاطاً‭ ‬بصفين‭ ‬من‭ ‬الأكواخ‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وبأشجار‭ ‬دلب‭ ‬عالية‭ ‬متفرقة،‭ ‬فُتح‭ ‬باب‭ ‬البيت،‭ ‬وظهرت‭ ‬امرأة‭ ‬ترتدي‭ ‬بدلة‭ ‬عمل‭ ‬رمادية‭ ‬وجزمة‭ ‬مطاطية،‭ ‬سألتني‭ ‬بفنلندية‭ ‬ركيكة‭ ‬عمّا‭ ‬أفعله‭ ‬قرب‭ ‬بيتها،‭ ‬بدت‭ ‬بقامتها‭ ‬الفارعة‭ ‬وجسدها‭ ‬الممتلئ‭ ‬وعينيها‭ ‬الحادتين‭ ‬والعصا‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬مثل‭ ‬حارس‭ ‬في‭ ‬ملهى‭ ‬ليلي‭. ‬قلتُ‭:‬

–‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أشتري‭ ‬دجاجاً‭.‬

انحنت‭ ‬باتجاهي،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬ارفع‭ ‬صوتك،‭ ‬أنا‭ ‬سمعي‭ ‬ثقيل‭.‬

صرختُ‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتي‭:‬

–‭ ‬أريد‭ ‬دجاجاً،‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬دجاج‭ ‬حيّ؟

عادت‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬البيت،‭ ‬وأغلقت‭ ‬الباب‭ ‬خلفها،‭ ‬ثم‭ ‬خرجت‭ ‬بعد‭ ‬دقيقة‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬سلسلة‭ ‬مفاتيح‭ ‬ضخمة،‭ ‬قالت‭:‬


تخطيط: حسين جمعان

–‭ ‬اتبعني،‭ ‬سأريك‭ ‬ماذا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الأكواخ،‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬غجري؟

لم‭ ‬تنتظر‭ ‬إجابتي،‭ ‬استدارت‭ ‬ووضعت‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬كتفي،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬شكلك‭ ‬يوحي‭ ‬بذلك،‭ ‬لا‭ ‬تهتم،‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬شتيمة،‭ ‬أنا‭ ‬أحب‭ ‬الغجر‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الرجال‭ ‬الأقوياء‭ ‬منهم،‭ ‬هل‭ ‬تفهم‭ ‬ما‭ ‬أعنيه؟

قلت‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬يدها‭ ‬الثقيلة‭:‬

–‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬ذلك،‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬لماذا‭ ‬أتيت،‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬دجاج؟

نفخت‭ ‬دخان‭ ‬سيجارتها‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬وردت‭ ‬عليّ‭ ‬بالروسية،‭ ‬ثم‭ ‬فتحت‭ ‬باب‭ ‬الكوخ‭ ‬الأول‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬أنظر،‭ ‬ماذا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الداخل؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬دجاج؟

قلت‭:‬

–‭ ‬لا،‭ ‬أرى‭ ‬أربعة‭ ‬حملان‭ ‬ونعجتين‭ ‬فقط‭.‬

ثم‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬الثاني‭ ‬فرأيتُ‭ ‬ثلاثة‭ ‬خنازير،‭ ‬ورأيتُ‭ ‬في‭ ‬الكوخ‭ ‬الثالث‭ ‬ذئباً‭ ‬مقيداً‭ ‬إلى‭ ‬الحائط‭ ‬بسلسلة،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الكوخ‭ ‬الرابع‭ ‬فرأيت‭ ‬كلباً‭ ‬صغيراً‭ ‬نائماً‭ ‬وببغاءً‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬معلق‭ ‬بالسقف‭.‬

قلتُ‭ ‬لها‭ ‬حين‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الكوخ‭ ‬الأخير‭:‬

–‭ ‬يا‭ ‬سيدتي،‭ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬آتِ‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬لأتفرج،‭ ‬أريد‭ ‬دجاجة‭. ‬لن‭ ‬آكلها،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬لحم‭ ‬الدجاج،‭ ‬لديّ‭ ‬غرض‭ ‬آخر،‭ ‬هل‭ ‬فهمتِ‭ ‬ما‭ ‬أقول؟

أمسكت‭ ‬بيدي‭ ‬وابتسمت،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬تعال،‭ ‬لنجلس‭ ‬قليلاً‭ ‬ونتحدث،‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬وقت؟

قلتُ‭:‬

–‭ ‬لا‭ ‬أدري،‭ ‬سيأتي‭ ‬صديقي‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬ليأخذني‭ ‬بسيارته‭.‬

فتحتْ‭ ‬باب‭ ‬الكوخ‭ ‬الأخير،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬تعال‭ ‬لنشرب‭ ‬شاياً،‭ ‬وإذا‭ ‬شئت،‭ ‬فيسعدني‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬لك‭ ‬كأس‭ ‬ويسكي‭ ‬أو‭ ‬كونياك‭ ‬أو‭ ‬فودكا،‭ ‬لا‭ ‬تستغرب،‭ ‬لديّ‭ ‬هنا‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬المشروبات،‭ ‬لن‭ ‬تصدق‭ ‬ما‭ ‬ستراه‭ ‬أيها‭ ‬الغجري‭ ‬الحزين‭.‬

رأيتُ‭ ‬أريكة‭ ‬خشبية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬ومنضدة‭ ‬فوقها‭ ‬أقداح‭ ‬وزجاجات‭ ‬شراب‭ ‬عديدة،‭ ‬كما‭ ‬رأيتُ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬صناديق‭ ‬كارتونية‭ ‬وأكياساً‭ ‬وحقائب،‭ ‬التقطت‭ ‬هي‭ ‬قنينة‭ ‬فودكا‭ ‬وفتحتها‭ ‬وصبّت‭ ‬لنا‭ ‬كأسين‭ ‬كبيرين،‭ ‬قلتُ‭ ‬لها‭:‬

–‭ ‬ليس‭ ‬باستطاعتي‭ ‬شرب‭ ‬كأس‭ ‬كهذه،‭ ‬أنا‭ ‬بالكاد‭ ‬أشرب‭ ‬بضع‭ ‬قطرات‭ ‬ليلاً‭.‬

ضحكت‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬ولكن‭ ‬الغجر‭ ‬يشربون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأوقات،‭ ‬أشرب‭ ‬يا‭ ‬عزيزي،‭ ‬لنكن‭ ‬أصدقاء،‭ ‬الفودكا‭ ‬تغسل‭ ‬الهموم‭ ‬وتفتح‭ ‬القلوب‭ ‬المغلقة‭.‬

ثم‭ ‬رفعت‭ ‬كأسها‭ ‬وشربت‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬بجرعة‭ ‬واحدة،‭ ‬التمعت‭ ‬عيناها‭ ‬وقالت‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬وضحكت‭ ‬حين‭ ‬رأتني‭ ‬أرتشف‭ ‬جرعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬كأسي‭ ‬وأعيدها‭ ‬إلى‭ ‬المائدة،‭ ‬قالت‭:‬

–‭ ‬اشرب‭ ‬بسرعة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تنتعش‭ ‬لكي‭ ‬تتكلم،‭ ‬أنا‭ ‬أتحدث‭ ‬الفنلندية‭ ‬جيداً‭ ‬حين‭ ‬أثمل‭.‬

قلتُ‭:‬

–‭ ‬ربما‭ ‬سأسكر‭ ‬إذا‭ ‬شربتُ‭ ‬بسرعة،‭ ‬دعيني‭ ‬أتصرف‭ ‬كما‭ ‬أريد‭.‬

صبَّت‭ ‬لنفسها‭ ‬كأساً‭ ‬أخرى‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬الصناديق‭ ‬الكارتونية‭ ‬على‭ ‬الأرض،‮ ‬‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬لديّ‭ ‬فودكا،‭ ‬بنصف‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬تباع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬أذهبُ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بطرسبرغ‮»‬،‭ ‬وأجلب‭ ‬صندوقاً‭ ‬أو‭ ‬صندوقين،‭ ‬وإذا‭ ‬أردت‭ ‬سجائر‭ ‬فلديّ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأصناف،‭ ‬اشرب‭ ‬يا‭ ‬عزيزي،‭ ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬جنة‭ ‬‮«‬لودميلا‮»‬،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تتمنى‭ ‬بين‭ ‬يديك‭.‬

شربتْ‭ ‬الكأس‭ ‬الثانية‭ ‬بجرعة‭ ‬واحدة‭ ‬أيضاً‭ ‬ومسحتْ‭ ‬فمها‭ ‬وتجشأت،‭ ‬سمعتُ‭ ‬صوت‭ ‬قأقأة‭ ‬دجاج‭ ‬فقلتُ‭:‬

–‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬أصوات‭ ‬دجاج؟‭ ‬هل‭ ‬بإمكانك‭ ‬أن‭ ‬تأتيني‭ ‬بواحدة؟

أطلقتْ‭ ‬ضحكة‭ ‬مجلجلة‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬ماذا‭ ‬بك؟‭ ‬هل‭ ‬سكرتَ؟‭ ‬هذا‭ ‬قباع‭ ‬خنازير،‭ ‬اشرب‭ ‬جرعة‭ ‬أخرى‭ ‬لتنسجم‭ ‬معي،‭ ‬لا‭ ‬تستعجل‭ ‬أيها‭ ‬الديك‭ ‬الغجري،‭ ‬لنكن‭ ‬أصدقاء،‭ ‬سأطلعك‭ ‬على‭ ‬سرّ‭ ‬صغير،‭ ‬أنظر‭ ‬هنا‭.‬

نهضتْ‭ ‬وفتحتْ‭ ‬سحاب‭ ‬بدلتها،‭ ‬وأخرجتْ‭ ‬بطنها،‭ ‬كانت‭ ‬مخددة،‭ ‬ذات‭ ‬تجعدات‭ ‬حمراء‭ ‬أشبه‭ ‬بجروح‭ ‬قديمة،‭ ‬قالت‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬تصدق‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الحيوانات‭ ‬التي‭ ‬رأيتها‭ ‬وأخرى‭ ‬سواها‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬هنا؟‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البطن‭ ‬الكبير،‭ ‬أنا‭ ‬امرأة‭ ‬ولود،‭ ‬أنجب‭ ‬حيواناتي‭ ‬حسب‭ ‬الطلب،‭ ‬إذا‭ ‬شئت‭ ‬أن‭ ‬ألد‭ ‬لك‭ ‬دجاجاً‭ ‬فسوف‭ ‬ألده،‭ ‬هل‭ ‬تريد‭ ‬دجاجة‭ ‬أم‭ ‬أكثر؟‭ ‬لا‭ ‬عليك،‭ ‬سألد‭ ‬لك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ترغب‭ ‬به،‭ ‬خذ‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬كأسك،‭ ‬ادلقه‭ ‬في‭ ‬جوفك،‭ ‬سأريك‭ ‬كيف‭ ‬نصنع‭ ‬دجاجاً‭ ‬لذيذاً،‭ ‬ستسمع‭ ‬قأقأته‭ ‬قريباً‭.‬

أمسكت‭ ‬بي‭ ‬ورفعتني‭ ‬بيديها‭ ‬القويتين‭ ‬ووضعتني‭ ‬في‭ ‬حضنها،‭ ‬ورفعت‭ ‬كأسي‭ ‬وسقتني‭ ‬منها‭ ‬ثم‭ ‬ألقت‭ ‬بي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬واضطجعت‭ ‬فوقي،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬يقظاً‭ ‬ولا‭ ‬سكراناً،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أتذكره‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬ظلّت‭ ‬تحركني‭ ‬وتعبث‭ ‬بأعضائي‭ ‬وتناغيني‭ ‬مثل‭ ‬رضيع،‭ ‬وبعد‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تحديده‭ ‬نهضت‭ ‬عني‭ ‬وجلست‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬وبدأت‭ ‬تدخّن،‭ ‬قالت‭:‬

–‭ ‬قم‭ ‬بسرعة،‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬زوجي‭ ‬ورآك‭ ‬هكذا‭ ‬سيقتلك،‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬ضاجعتك،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬يكره‭ ‬الأجانب‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الغجر،‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬لي‭ ‬إنك‭ ‬لست‭ ‬غجرياً،‭ ‬هو‭ ‬يعتبر‭ ‬جميع‭ ‬الأجانب‭ ‬غجراً،‭ ‬حتى‭ ‬أنا،‭ ‬يسميني‭ ‬روسيتي‭ ‬الغجرية،‭ ‬وهو‭ ‬يتركني‭ ‬أفعل‭ ‬ما‭ ‬أشاء،‭ ‬لأن‭ ‬الغجر‭ ‬باعتقاده‭ ‬مجانين،‭ ‬يتمازحون‭ ‬ويغنون‭ ‬ويتناكحون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬مثل‭ ‬الكلاب‭.‬

زررتُ‭ ‬بنطالي،‭ ‬وأزلتُ‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬قش‭ ‬وجلستُ‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬أخبرتني‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬اجتماع‭ ‬لجماعة‭ ‬يمينية‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬المدينة،‭ ‬يعتقد‭ ‬أفرادها‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مشاكل‭ ‬فنلندا‭ ‬وأزماتها‭ ‬سببها‭ ‬الأجانب،‭ ‬أضافت‭:‬

–‭ ‬اذهب‭ ‬وانتظر‭ ‬صديقك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬أما‭ ‬دجاجاتك‭ ‬فلا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬سأنجبها‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬معي‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬إلى‭ ‬بيتنا‭ ‬الريفي‭ ‬وتخوض‭ ‬تجربة‭ ‬أخرى‭.‬

ثم‭ ‬ذكرت‭ ‬لي‭ ‬عنواناً،‭ ‬وقالت‭ ‬لي‭:‬

–‭ ‬انتظرني‭ ‬هناك،‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬صباح‭ ‬الأحد،‭ ‬لا‭ ‬تتأخر‭.‬

رويت‭ ‬لـ‮»‬رينتولا‮»‬‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬فظلّ‭ ‬يضحك‭ ‬طوال‭ ‬الطريق،‭ ‬قال‭:‬

–‭ ‬هذه‭ ‬وحش‭ ‬وليست‭ ‬امرأة،‭ ‬ماذا‭ ‬كانت‭ ‬ستفعل‭ ‬بك،‭ ‬لو‭ ‬أنك‭ ‬أردت‭ ‬منها‭ ‬بقرة‭ ‬مثلاً؟

جاءت‭ ‬بسيارتها‭ ‬صباح‭ ‬الأحد،‭ ‬كانت‭ ‬ترتدي‭ ‬ثياباً‭ ‬نظيفة‭ ‬وتعتمر‭ ‬قبعة‭ ‬عريضة‭ ‬حمراء،‭ ‬ظلت‭ ‬تدخّن‭ ‬طوال‭ ‬الطريق‭ ‬وتغني‭ ‬بالروسية‭ ‬وتمد‭ ‬يدها‭ ‬إليّ‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬فخذيّ،‭ ‬سمعتُ‭ ‬أصوات‭ ‬حيوانات‭ ‬وقأقأة‭ ‬دجاج‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الخلف،‭ ‬قلت‭:‬

–‭ ‬يبدو‭ ‬أنك‭ ‬أحضرت‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬أريد‭.‬

هزّت‭ ‬رأسها،‭ ‬واستمرت‭ ‬تغنّي‭ ‬وترسل‭ ‬لي‭ ‬قبلاً‭ ‬هوائية،‭ ‬سلكنا‭ ‬طريقاً‭ ‬فرعياً‭ ‬على‭ ‬جانبيه‭ ‬بيوت‭ ‬متفرقة‭ ‬ثم‭ ‬توقفت‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬كوخ‭ ‬صغير‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬انتظرني‭ ‬قرب‭ ‬الباب،‭ ‬سأذهب‭ ‬لأجلب‭ ‬المفاتيح،‭ ‬لن‭ ‬أتأخر‭.‬

صفعت‭ ‬ريح‭ ‬باردة‭ ‬وجهي‭ ‬حين‭ ‬نزلتُ،‭ ‬بدأت‭ ‬السماء‭ ‬تتلبد‭ ‬بالغيوم،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬عادت،‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬كيساً‭ ‬كبيراً‭ ‬وتترنح،‭ ‬سألتني‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬انتظرت‭ ‬طويلاً؟‭ ‬أنا‭ ‬آسفة‭.‬

قلتُ‭:‬

–‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬أطرافي‭ ‬قد‭ ‬تجمدت،‭ ‬أين‭ ‬ذهبت؟

قالت‭ ‬وهي‭ ‬تضع‭ ‬الكيس‭ ‬على‭ ‬الأرض‭:‬

–‭ ‬حاولتُ‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أتأخر،‭ ‬ولكن‭ ‬صديقي‭ ‬هناك‭ ‬دعاني‭ ‬لشرب‭ ‬قدح‭ ‬من‭ ‬الروم،‭ ‬ولم‭ ‬يتركني‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬الزجاجة،‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟‭ ‬إنه‭ ‬عجوز‭ ‬فنلندي‭ ‬مجنون‭.‬

ثم‭ ‬احتضنتني‭ ‬واستطردت‭:‬

–‭ ‬تعال‭ ‬والتصق‭ ‬بي،‭ ‬يا‭ ‬كتكوتي‭ ‬الوسيم،‭ ‬لا‭ ‬ترتعش،‭ ‬سأدفئك،‭ ‬بل‭ ‬سأجعل‭ ‬الدم‭ ‬يغلي‭ ‬في‭ ‬عروقك‭.‬

رأيتُ‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الجلوس،‭ ‬حين‭ ‬دخلنا،‭ ‬بضعة‭ ‬مقاعد‭ ‬ومائدة‭ ‬خشبية‭ ‬صغيرة‭ ‬وخزانة‭ ‬فيها‭ ‬كتب‭ ‬ومجلات‭ ‬قديمة‭ ‬وشمعداناً‭ ‬يهودياً،‭ ‬سألتها‭ ‬وأنا‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬الشمعدان‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬يهودية؟

قالت‭ ‬وهي‭ ‬ترفع‭ ‬الشمعدان‭ ‬وتمسح‭ ‬الغبار‭ ‬عنه‭:‬

–‭ ‬لا،‭ ‬لقد‭ ‬اشتريته‭ ‬من‭ ‬متجر‭ ‬للأشياء‭ ‬المستعملة،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رأيك‭ ‬به؟‭ ‬أليس‭ ‬جميلاً؟

لم‭ ‬أرد،‭ ‬كانت‭ ‬الصالة‭ ‬باردة‭ ‬جداً،‭ ‬بدأت‭ ‬أرتجف،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بإمكاني‭ ‬حتى‭ ‬الوقوف‭ ‬بشكل‭ ‬مستقيم،‭ ‬التفتت‭ ‬هي‭ ‬إليَّ‭ ‬وبدأت‭ ‬تضحك،‭ ‬قالت‭:‬

–‭ ‬ما‭ ‬بك‭ ‬يا‭ ‬ديكي؟‭ ‬تماسك‭ ‬قليلاً،‭ ‬ألم‭ ‬تشتق‭ ‬لدجاجتك‭ ‬السمينة؟

أخرجت‭ ‬قنينة‭ ‬فودكا‭ ‬من‭ ‬كيسها‭ ‬وفتحتها،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬اشرب‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬الفودكا،‭ ‬ستشعر‭ ‬بالدفء‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬جرعات‭.‬

ثم‭ ‬أخرجت‭ ‬برنساً‭ ‬أحمر‭ ‬وطرطوراً‭ ‬وجوارب‭ ‬صوفية،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬اخلع‭ ‬ثيابك‭ ‬بسرعة‭ ‬والبس‭ ‬ما‭ ‬أحضرته‭ ‬لك،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬زوجي‭ ‬يرتديه،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬ينام‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬اهتمامه‭ ‬بي،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يطيق‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬رائحتي‭ ‬ولا‭ ‬كلامي‭.‬

أخرجت‭ ‬أيضاً‭ ‬بطانية‭ ‬وملاءات‭ ‬ووسادة،‭ ‬خلعتُ‭ ‬ثيابي‭ ‬ببطء،‭ ‬ولبستُ‭ ‬البرنس‭ ‬ووضعتُ‭ ‬الطرطور‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬وجلستُ‭ ‬على‭ ‬الأريكة‭ ‬وبيدي‭ ‬قنينة‭ ‬الفودكا،‭ ‬دخلت‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬لتعد‭ ‬السرير،‭ ‬ظلَّ‭ ‬صوت‭ ‬غنائها‭ ‬يتردد‭ ‬لدقائق‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬ثم‭ ‬تلاشى،‭ ‬شعرت‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬جرعات‭ ‬من‭ ‬القنينة‭ ‬أن‭ ‬الدم‭ ‬يتدفق‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬جسدي،‭ ‬صحتُ‭:‬

–‭ ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬دجاجتي‭ ‬الروسية؟

لم‭ ‬أسمع‭ ‬رداً،‭ ‬نهضتُ‭ ‬وذهبتُ‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة،‭ ‬رأيتها‭ ‬تنام‭ ‬عارية‭ ‬على‭ ‬السرير،‭ ‬ذراعاها‭ ‬متصالبان‭ ‬إلى‭ ‬جانبيها‭ ‬وفوقهما‭ ‬ثدياها‭ ‬الهائلان،‭ ‬أما‭ ‬بطنها‭ ‬فتتهدل‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬بين‭ ‬فخذيها،‭ ‬أخذتُ‭ ‬جرعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الفودكا‭ ‬وتمددتُ‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كم‭ ‬استغرق‭ ‬نومي،‭ ‬ولكني‭ ‬استيقظت‭ ‬مفزوعاً،‭ ‬حلمتُ‭ ‬أنني‭ ‬أسقط‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬عميقة‭ ‬وأن‭ ‬سمكة‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭ ‬جناحان‭ ‬وأطراف‭ ‬امرأة‭ ‬تحاول‭ ‬خنقي،‭ ‬وجدتُ‭ ‬‮«‬لودميلا‮»‬‭ ‬تنام‭ ‬فوقي،‭ ‬كانت‭ ‬تتحرك‭ ‬بجنون‭ ‬وتصرخ،‭ ‬حاولت‭ ‬إزاحتها‭ ‬فلم‭ ‬أستطع،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭:‬

–‭ ‬أنا‭ ‬أختنق،‭ ‬يا‭ ‬‮«‬لودميلا‮»‬،‭ ‬سأموت‭.‬

لم‭ ‬تهتم،‭ ‬انحنت‭ ‬وألصقت‭ ‬شفتيها‭ ‬على‭ ‬عنقي،‭ ‬اعتقدت‭ ‬أنها‭ ‬ستقضم‭ ‬حنجرتي،‭ ‬ولكنها‭ ‬رفعت‭ ‬رأسها،‭ ‬وفتحت‭ ‬فمها‭ ‬على‭ ‬اتساعه‭ ‬وبدأت‭ ‬تقاقئ،‭ ‬وتساقط‭ ‬لعابها‭ ‬حاراً‭ ‬على‭ ‬وجهي‭ ‬وصدري،‭ ‬ثم‭ ‬استدارت‭ ‬وتطوّحت‭ ‬وانهارت‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬السرير‭.‬

نمنا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ساعتين‭ ‬واستيقظنا‭ ‬متعبين،‭ ‬لم‭ ‬نتبادل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬كلمات،‭ ‬سألتها‭ ‬حين‭ ‬وصلنا‭:‬

–‭ ‬هل‭ ‬ستعطيني‭ ‬دجاجاتي‭ ‬الآن؟

أشارت‭ ‬إلى‭ ‬بطنها،‭ ‬وهي‭ ‬تضحك‭:‬

–‭ ‬لا‭ ‬بالطبع،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬دجاجاتك‭ ‬هنا،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لتنضج‭.‬

صرختُ‭ ‬بغضب‭:‬

–‭ ‬انظري،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬ننتهي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية‭ ‬المضحكة؟‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تعطيني‭ ‬دجاجاتي‭ ‬أو‭ ‬سأذهب‭ ‬بلا‭ ‬عودة،‭ ‬لن‭ ‬تري‭ ‬وجهي‭ ‬ثانية،‭ ‬أليس‭ ‬هناك‭ ‬دجاج‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬السيارة؟‭ ‬إنني‭ ‬أسمع‭ ‬قأقأته‭. ‬لا‭ ‬تقولي‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

مدّت‭ ‬ذراعها‭ ‬واحتضنتني،‭ ‬وقالت‭:‬

–‭ ‬لا‭ ‬تحتد‭ ‬يا‭ ‬ديكي‭ ‬الرقيق،‭ ‬لا‭ ‬تعكّر‭ ‬مزاجك،‭ ‬سأجلب‭ ‬لك‭ ‬دجاجاتك‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬حيثما‭ ‬تكون،‭ ‬ألا‭ ‬تصدق‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬بطني؟‭ ‬طيور‭ ‬وحيوانات‭ ‬كثيرة‭ ‬تنمو‭ ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬إخراجها‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تكتمل،‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬الصبر،‭ ‬يا‭ ‬أرنبي،‭ ‬يا‭ ‬ذئبي،‭ ‬يا‭ ‬عصفوري‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.