أحوال‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‮ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬اتفاقية سايكس‭-‬بيكو

السبت 2016/10/01
لوحة: جوني سمعان

لا تقتصر‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬وموارد‭ ‬الطاقة،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬العوامل‭ ‬القومية‭ ‬والمذهبية‭ ‬وصراعات‭ ‬النفوذ‭.‬‭ ‬في‭ ‬عباب‭ ‬”‭ ‬البحر‭ ‬الهائج”‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تتفاقم‭ ‬الحالة‭ ‬السورية‭ ‬الأكثر‭ ‬دراماتيكية‭ ‬ويصعب‭ ‬توقع‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬النفق‭ ‬قريبا‭.‬

يستسهل‭ ‬البعض‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬اقتطاع‭ ‬أجزاء‭ ‬لتتبع‭ ‬مشروع‭ ‬“ولاية‭ ‬الفقيه”‭ ‬أو‭ ‬“دولة‭ ‬الخلافة”‭ ‬ويكثر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬أقليات‭ ‬في‭ ‬“سوريا‭ ‬صغرى‭ ‬ومفيدة”‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬السويداء‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬وحتى‭ ‬كسب‭ ‬مرورا‭ ‬بحمص‭ ‬واللاذقية‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬فرضيات‭ ‬“كردستان”‭ ‬و”علويتان”‭ ‬و”درزستان”،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالات‭ ‬التقسيمية‭ ‬يطغى‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬المغامرة‭ ‬والتحدي‭ ‬وعدم‭ ‬الإلمام‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬للمكونات‭ ‬المعنية‭ ‬ولمجمل‭ ‬الإقليم‭.‬

بالطبع،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬مارس‭ ‬2011،‭ ‬لكن‭ ‬يستحيل‭ ‬التسرع‭ ‬والخلط‭ ‬في‭ ‬الاستنتاج‭ ‬بين‭ ‬تكوّن‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬مؤقتة‭ ‬نتيجة‭ ‬مسارات‭ ‬التفكك‭ ‬والاهتراء،‭ ‬وبين‭ ‬تركيب‭ ‬دويلات‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭ ‬بشكل‭ ‬قانوني‭ ‬وقابلة‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭. ‬سيتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬مخاضا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬ويستغرق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬‭(‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭)‬‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يسفر‭ ‬عن‭ ‬تقسيم‭ ‬المقسم‭ ‬طبقا‭ ‬لاتفاقية‭ ‬سايكس‭-‬بيكو‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يجري‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬فيدرالية‭ ‬مرنة‭ ‬تحفظ‭ ‬الكيانات‭ ‬القائمة،‭ ‬أو‭ ‬تتبلور‭ ‬دول‭ ‬فيدرالية‭ ‬أوسع‭ ‬تسقط‭ ‬معها‭ ‬حدود‭ ‬الكيانات‭ ‬الحالية‭ ‬وتعتمد‭ ‬المناطقية‭ ‬والجهوية‭ ‬كمعايير‭ ‬للتشكيل‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬معايير‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬من‭ ‬التجانس‭ ‬الديني‭ ‬والإثني‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬المختلفة‭.‬

إذا‭ ‬لجأنا‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬ملموس،‭ ‬اعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مؤرخ‭ ‬أن‭ ‬فصل‭ ‬حلب‭ ‬عن‭ ‬الموصل‭ ‬كان‭ ‬قطعاً‭ ‬لعمق‭ ‬سكاني‭-‬تجاري‭ ‬تاريخي‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬السنوات‭ ‬العجاف‭ ‬الحالية‭ ‬أصبح‭ ‬الشمال‭ ‬السوري‭ ‬له‭ ‬عمق‭ ‬اقتصادي‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وأصبحت‭ ‬دمشق‭ ‬ترتبط‭ ‬ببيروت،‭ ‬والجنوب‭ ‬بالأردن‭ ‬والرقة‭ ‬بالعراق‭.. ‬وهذا‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الجديد‭ ‬المعطوف‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬سكاني‭ ‬قسري،‭ ‬سيلقي‭ ‬بظله‭ ‬على‭ ‬سيناريوهات‭ ‬التفتيت‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬التوحيد‭.‬

من‭ ‬أجل‭ ‬الإحاطة‭ ‬بواقع‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬وتداعياته،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإلمام‭ ‬ببعض‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬المفيدة‭. ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬على‭ ‬حلم‭ ‬فيصل‭ ‬الهاشمي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السورية‭ ‬‭(‬أول‭ ‬دولة‭ ‬سورية‭ ‬مستقلة‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬ونهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭)‬،‭ ‬أرسلت‭ ‬واشنطن‭ ‬لجنة‭ ‬كينغ‭-‬كراين‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معرفة‭ ‬مطالب‭ ‬السكان‭ ‬حول‭ ‬أسلوب‭ ‬الحكم‭ ‬والحدود‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬أتت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سياسات‭ ‬ويلسون‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬آنذاك‭ ‬وإيمانه‭ ‬بحق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭.‬‮ ‬ويتضح‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬خلاصات‭ ‬اللجنة‭ ‬التنبه‭ ‬إلى‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الشرق‭ ‬المضطرب‭ ‬اليوم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬لجهة‭ ‬صعوبات‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬وفقا‭ ‬للمعايير‭ ‬الغربية‭. ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الخلاصات‭ ‬حرفيا‭ ‬“أن‭ ‬مسلمي‭ ‬ومسيحيي‭ ‬الشام‭ ‬سيتعودون‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬بتناغم‭ ‬لأن‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الحديث‭ ‬يحث‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬فهم‭ ‬‘النصف‭ ‬الآخر’،‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬“‭.‬‮ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬“المتفائل”‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬نفس‭ ‬اللجنة‭ ‬من‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬“وضع‭ ‬مجموعات‭ ‬إثنية‭ ‬ودينية‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كبيرة‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬دموية”‭. ‬ويومها‭ ‬تجرأت‭ ‬اللجنة‭ ‬واقترحت‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للبنان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سوريا،‭ ‬وقدرا‭ ‬محدوداً‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للأكراد‭. ‬ولامست‭ ‬خلاصتها‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬“النبوءة”‭ ‬لمعطيات‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬“لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬الآلي‭ ‬للعلاقات‭ ‬المتشابكة‭ ‬والصعبة‭ ‬هو‭ ‬تقسيم‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬مستقلة‭ ‬صغيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬التقسيم‭ ‬والفصل‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يعزّزان‭ ‬الفروق‭ ‬ويزيدان‭ ‬من‭ ‬الخصومة”‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬التفكك‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬والتقسيم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬نتائج‭ ‬غير‭ ‬مضمونة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الصعود‭ ‬المدوّي‭ ‬للإرهاب‭ ‬والتطرف‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭-‬بيكو‭ ‬ولجنة‭ ‬كينغ‭-‬كرين،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حركات‭ ‬إسلامية‭ ‬راديكالية‭ ‬ترفض‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭. ‬وبعدها‭ ‬نشأت‭ ‬دول‭ ‬وطنية‭ ‬مستقلة‭ ‬تحولت‭ ‬غالبيتها‭ ‬إلى‭ ‬دكتاتوريات‭ ‬استبدادية‭ ‬أرجعت‭ ‬فشلها‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬والصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬‮ ‬

وما‭ ‬يهمّنا‭ ‬حاليا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬سوريا‭ ‬اقتباس‭ ‬استنتاج‭ ‬الثنائي‭ ‬كينغ‭-‬كرين‭ ‬“لا‭ ‬تنقسم‭ ‬المجموعات‭ ‬الإثنية‭ ‬والدينية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬وحدات‭ ‬متجانسة‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬بعضها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المنتمين‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬لا‭ ‬يشتركون‭ ‬بالضرورة‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬موحدة‭ ‬لماهية‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬يريدونها”‭.‬‮ ‬وكما‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬على‭ ‬الأكثرية‭ ‬العربية‭ ‬السنية،‭ ‬ينطبق‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬المكونات‭ ‬المسماة‭ ‬أقليات‭. ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬العرب‭ ‬السنة‭ ‬كتلة‭ ‬متماسكة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬الجغرافي‭ ‬والنهج‭ ‬السياسي،‭ ‬والأهم‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬ضمانات‭ ‬تعطى‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬المنتصر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬الدولية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مسار‭ ‬عدالة‭ ‬انتقالية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لأيّ‭ ‬مصالحة‭ ‬وطنية‭ ‬أن‭ ‬تمرّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬الافتراضات‭ ‬عن‭ ‬المشاريع‭ ‬الانفصالية‭ ‬للأكراد،‭ ‬فقد‭ ‬لفتت‭ ‬الأنظار‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬بعد‭ ‬التطورات‭ ‬الميدانية‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬ومكاسب‭ ‬قوات‭ ‬الحماية‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬داعش،‭ ‬لكن‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2016‭ ‬تبرهن‭ ‬عن‭ ‬تصميم‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬كردية‭ ‬في‭ ‬جوارها،‭ ‬وزيادة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬خطاب‭ ‬الكرد‭ ‬السوريين‭ ‬وأدبيات‭ ‬منظماتهم‭ ‬لا‭ ‬تتكلم‭ ‬عن‭ ‬انفصال‭. ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭ ‬وباقي‭ ‬العالم‭ ‬يعتبر‭ ‬الأكراد‭ ‬أكبر‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دولة،‭ ‬لكن‭ ‬الواقعية‭ ‬بعد‭ ‬نكسات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قادتهم‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬راود‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬وحدة‭ ‬أراضي‭ ‬دول‭ ‬وازنة‭. ‬خلال‭ ‬سجنه‭ ‬الانفرادي‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬أميرالي،‭ ‬بلور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬أوجلان،‭ ‬مؤسس‭ ‬وزعيم‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني،‭ ‬نظرية‭ ‬أسماها‭ ‬“الحرية‭ ‬لكردستان‭ ‬والديمقراطية‭ ‬لتركيا”‭ ‬وهذا‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬فيدراليات‭ ‬يحمي‭ ‬برأيه‭ ‬الكرد‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬والدروب‭ ‬الشائكة‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العلويين‭ ‬تبدو‭ ‬الصورة‭ ‬أصعب‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يتعلق‭ ‬بمستقبل‭ ‬المنظومة‭ ‬الحاكمة‭ ‬الحالية‭. ‬منذ‭ ‬2012‭ ‬بدأ‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬تطبيق‭ ‬الخطة‭ ‬“باء”‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬“سوريا‭ ‬المفيدة”‭ ‬أما‭ ‬تبعا‭ ‬لواقع‭ ‬سيطرة‭ ‬النظام‭ ‬الحالية‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬اللاذقية،‭ ‬أو‭ ‬حصر‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬العلوية‭ ‬أيام‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬حمص‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬العلويين‭. ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬عقبات‭ ‬كأداء‭ ‬لأن‭ ‬تركيبة‭ ‬الساحل‭ ‬السكانية‭ ‬والمذهبية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بيئة‭ ‬حاضنة‭ ‬لأيّ‭ ‬مشروع‭ ‬انفصالي‭. ‬أما‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬التي‭ ‬خسرت‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬شبابها،‭ ‬فتخشى‭ ‬ربطها‭ ‬بكل‭ ‬خطايا‭ ‬النظام‭ ‬وربما‭ ‬تفضّل‭ ‬الحماية‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬الوصاية‭ ‬الإيرانية‭. ‬ومن‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يسلّم‭ ‬باقي‭ ‬السوريين‭ ‬بوضع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬بعد‭ ‬شلاّل‭ ‬الدم‭ ‬والمعاناة‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الموحدين‭ ‬الدروز،‭ ‬لعبت‭ ‬السويداء‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬كمحرك‭ ‬ومدافع‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬السورية‭ ‬‭(‬في‭ ‬1925‭ ‬وفي‭ ‬أولى‭ ‬عقود‭ ‬الاستقلال‭)‬‭ ‬ولذا‭ ‬فإن‭ ‬بلورة‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬استبداد‭ ‬وإقصاء‭ ‬وتمييز‭ ‬ديني‭ ‬وإثني،‭ ‬هو‭ ‬المخرج‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنقاذ‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭.‬

في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬سقطت‭ ‬مخطّطات‭ ‬التقسيم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وقفة‭ ‬رموز‭ ‬المكونات‭ ‬الأقلية‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬باشا‭ ‬الأطرش‭ ‬إلى‭ ‬إبراهيم‭ ‬هنانو‭ ‬وصالح‭ ‬العلي‭ ‬بالتضامن‭ ‬والتكافل‭ ‬مع‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الشهبندر‭ ‬وحسن‭ ‬الخراط‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وباقي‭ ‬رموز‭ ‬الأكثرية‭. ‬وهذا‭ ‬الدرس‭ ‬التاريخي‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬لإعادة‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد‭.‬

إبّان‭ ‬مرحلة‭ ‬مفصلية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المشرق‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ثلاثينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬اعتبر‭ ‬غبريال‭ ‬بيو‭ ‬المفوض‭ ‬السامي‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬“المسألة‭ ‬السورية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للحل‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬ديكارت‭ ‬العقلاني”‭. ‬والآن‭ ‬يبرز‭ ‬‮ ‬الاستعصاء‭ ‬السوري‭ ‬والحريق‭ ‬العراقي‭ ‬بعد‭ ‬‮ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬إبرام اتفاقية‭ ‬سايكس‭-‬بيكو‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬حدود‭ ‬كيانات‭ ‬جديدة‭ ‬منبثقة‭ ‬من‭ ‬وراثة‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭.‬

 

“المسألة‭ ‬الشرقية”‭ ‬الجديدة

 

استخدمت‭ ‬‮«‬المسألة‭ ‬الشرقية‮»‬‭ ‬أول‭ ‬الأمر،‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬للدول‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬البلقان‭ ‬وأوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والقوقاز‭. ‬وأضاف‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬إلى‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬الأبدية‮»‬،‭ ‬غامزاً‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬تعقيدات‭ ‬الفسيفساء‭ ‬العرقية‭ ‬والإثنية‭ ‬والدينية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬البشري‭ ‬الملاصق‭ ‬لأوروبا‭ ‬وروسيا،‭ ‬والواقع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬أصبحت‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬تعني‭ ‬محاولة‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الكبرى‭ ‬تقسيم‭ ‬السلطنة‭-‬الرجل‭ ‬المريض‭ ‬وتصفية‭ ‬أملاكه،‭ ‬ونسي‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الواسع‭.‬‮ ‬

تعود‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عبر‭ ‬النزاع‭ ‬السوري‭ ‬متعدد‭ ‬الأوجه‭ ‬وعبر‭ ‬حرب‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬إزاء‭ ‬تداعيات‭ ‬هذين‭ ‬النزاعين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الوضع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وهشاشة‭ ‬أوضاع‭ ‬الأردن‭ ‬ولبنان،‭ ‬تعود‭ ‬نغمة‭ ‬“سايكس‭-‬بيكو”‭ ‬الجديدة،‭ ‬أي‭ ‬القيام‭ ‬بتقسيم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مقسّم‭ ‬أساساً‭. ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬نفسيهما‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬كما‭ ‬حال‭ ‬اللاعبين‭ ‬الروسي‭ ‬والأميركي،‭ ‬بل‭ ‬إنهما‭ ‬تشهدان‭ ‬اندثار‭ ‬الرهانات‭ ‬على‭ ‬التركيبة‭ ‬القديمة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬خنجر‭ ‬أو‭ ‬مقص‭ ‬المستعمر‭ ‬ولعبة‭ ‬المصالح‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬فشل‭ ‬بناء‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية‭ ‬القومية‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬وغياب‭ ‬إطارات‭ ‬الاندماج‭ ‬الإقليمي‭ ‬الملائمة،‭ ‬وتعاظم‭ ‬البعد‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬واندلاع‭ ‬الفتنة‭ ‬السنية‭-‬الشيعية‭.‬

نشهد‭ ‬حالياً‭ ‬ترنح‭ ‬المشرق‭ ‬وإسقاط‭ ‬الحدود‭ ‬فيه‭ ‬وضرب‭ ‬دوله‭ ‬المركزية‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬تبرز‭ ‬كيانات‭ ‬مذهبية‭ ‬ومنظمات‭ ‬جهادية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬وناقضة‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬لمفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭-‬الأمة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬تنظيم‭ ‬“الدولة‭ ‬الإسلامية”‭ ‬قد‭ ‬شكل‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الخلافة،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬”‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية”‭ ‬لأنه‭ ‬أهم‭ ‬دعامة‭ ‬عربية‭ ‬للمشروع‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬وينطبق‭ ‬الأمر‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬إنها‭ ‬مغامرات‭ ‬أو‭ ‬تجارب‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بالحدود‭ ‬وتضع‭ ‬الكيانات‭ ‬كلها‭ ‬قيد‭ ‬الدرس‭.‬‮ ‬

في‭ ‬خضم‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬الجديدة‭ ‬قام‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬داعش‭ ‬منذ‭ ‬صيف‭ ‬2014،‭ ‬فتزايد‭ ‬الغموض‭ ‬وتزاحمت‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الدور‭ ‬البارز‭ ‬للأكراد‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬‭(‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬إلا‭ ‬لحظة‭ ‬عابرة‭ ‬ودرامية‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬الغربي‭ ‬بالضحايا‭ ‬الإيزيديين،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مصير‭ ‬مسيحيي‭ ‬الشرق‭ ‬ورقة‭ ‬جذب‭ ‬أو‭ ‬عبور‭ ‬للأوروبيين‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭)‬‭. ‬ويصاب‭ ‬المراقب‭ ‬بالذهول‭ ‬حيال‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬تحالف‭ ‬دولي‭ ‬مؤلف‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬ولجمه‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬استخدامات‭ ‬متنوعة‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وكأن‭ ‬داعش‭ ‬تشبه‭ ‬شركة‭ ‬دولية‭-‬إقليمية‭ ‬وهناك‭ ‬مصالح‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬السماح‭ ‬بتغوّلها‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬الانحراف‭ ‬الديني‭.‬

إننا‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭-‬عالمية‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬تماما‭ ‬كيف‭ ‬ستنتهي‭: ‬هل‭ ‬بتغيير‭ ‬الحدود‭ ‬أم‭ ‬بقيام‭ ‬أنظمة‭ ‬حكم‭ ‬وكيانات‭ ‬جديدة‭. ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مصير‭ ‬المكونات‭ ‬الأقلية‭ ‬الدينية‭ ‬والإثنية،‭ ‬وأين‭ ‬يتقاطع‭ ‬أو‭ ‬يتناحر‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الانعكاس‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الإسلام‭ ‬ووضع‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬انخراط‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬الجهاد‭ ‬العالمي‭. ‬أليس‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬الجديدة‭.‬‮ ‬

لوحة: حسين جمعان

 

فيما‭ ‬تستند‭ ‬المقاربة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬عدوى‭ ‬التشدد‭ ‬الإسلامي‭ ‬وانتشار‭ ‬الأممية‭ ‬الجهادية،‭ ‬يعود‭ ‬الكرملين‭ ‬إلى‭ ‬أطروحة‭ ‬حماية‭ ‬المسيحيين‭ ‬والأقليات‭ ‬في‭ ‬المشرق‭. ‬أما‭ ‬التحالف‭ ‬العملي‭ ‬الأميركي‭ ‬والأوروبي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬‭(‬خلافة‭ ‬ولي‭ ‬الفقيه‭)‬‭ ‬ضد‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬وخليفته‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬البغدادي‭ ‬فيفسره‭ ‬باحث‭ ‬أميركي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تبسيطي‭ ‬يتصل‭ ‬بعدم‭ ‬تحمل‭ ‬قساوة‭ ‬قطع‭ ‬الرؤوس‭.. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يتذكر‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬خلخالي‭ ‬وإعداماته‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬مرحلة‭ ‬الخميني‭ ‬ومن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬محاكم‭ ‬التفتيش‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والجرائم‭ ‬الكبرى‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬رواندا‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة‭ ‬والعراق‭ ‬ونيجيريا‭ ‬وسوريا‭ ‬يفهم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬درجاته‭ ‬يستخدمه‭ ‬قساة‭ ‬القلوب‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬المستبدين‭ ‬أو‭ ‬الدول‭ ‬المسماة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬ماركة‭ ‬حصرية‭ ‬بالشرق‭ ‬والإسلام‭.‬‮ ‬

يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬داعش‭ ‬وأخواته‭ ‬هم‭ ‬أبناء‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬الإقصائي‭ ‬والشمولية،‭ ‬لكنهم‭ ‬أيضا‭ ‬أبناء‭ ‬بيئة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والتصحر‭ ‬الفكري‭ ‬وانحراف‭ ‬البعثيين‭ ‬الفاشي‭. ‬البعض‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬حليفا‭ ‬في‭ ‬الجهاد‭ ‬الأفغاني‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬رمز‭ ‬القاعدة‭ ‬والعدو‭ ‬الأول‭ ‬للغرب‭. ‬لكن‭ ‬البغدادي‭ ‬وأمثاله‭ ‬ممن‭ ‬ربطوا‭ ‬الخلافة‭ ‬المزعومة‭ ‬باستحواذ‭ ‬المسلمين‭ ‬واستعبادهم‭ ‬وإلغاء‭ ‬كل‭ ‬الآخرين،‭ ‬يمثلون‭ ‬خطرا‭ ‬داهما‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬وهم‭ ‬عقدة‭ ‬المسألة‭ ‬الشرقية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬حربهم‭ ‬المعلنة‭ ‬على‭ ‬الكيانات‭ ‬القائمة‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬تنوع‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭. ‬وهذا‭ ‬المرض‭ ‬يزداد‭ ‬حدة‭ ‬في‭ ‬الصدام‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬زعامة‭ ‬وقيادة‭ ‬الأممية‭ ‬الإسلاموية‭. ‬وتضطرب‭ ‬الأمور‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬احتدام‭ ‬الصراع‭ ‬الإقليمي‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬حدّ‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الوفاق‭ ‬الدولي‭ ‬ممّا‭ ‬يمد‭ ‬بعمر‭ ‬النزاعات‭ ‬ويترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬للتطرف‭ ‬والإرهاب‭.‬

‮ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمشرق‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الجحيم‭ ‬الحالي‭ ‬بعد‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬تسوية‭ ‬بين‭ ‬المنتصرين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بلورت‭ ‬كيانات‭ ‬صمدت‭ ‬حتى‭ ‬بدء‭ ‬لعبة‭ ‬أمم‭ ‬ومسألة‭ ‬شرقية‭ ‬جديدة‭. ‬الحل‭ ‬بالطبع‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬انقسام‭ ‬اعتباطي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المذهب‭ ‬والقومية‭ ‬والإمعان‭ ‬في‭ ‬التفكك،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬بمخرج‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬المسارات‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬بها‭ ‬الطموحات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والأسطورة‭ ‬الدينية‭.‬

‮ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المخاض‭ ‬العسير‭ ‬للمراحل‭ ‬الانتقالية‭ ‬والفوضى‭ ‬القاتلة،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الدكتاتوريات‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنموذج‭ ‬المستقبل‭ ‬وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬لبنان‭ ‬مثالا‭ ‬فقد‭ ‬مرّ‭ ‬عليه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأهوال‭ ‬وخرج‭ ‬في‭ ‬الإجمال‭ ‬سالما‭ ‬لناحية‭ ‬الفكرة‭ ‬ومبرر‭ ‬الوجود‭. ‬لا‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬اليوم‭ ‬إن‭ ‬الكيانات‭ ‬الحالية‭ ‬وتنوع‭ ‬مكوناتها‭ ‬هي‭ ‬تحت‭ ‬التهديد‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬والأردن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التنوع‭ ‬وتفاعل‭ ‬المكونات‭.‬

 

مخاطر‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الديني‭ ‬والتطرف

 

جرى‭ ‬تحضير‭ ‬المسرح‭ ‬جيدا‭ ‬لنشأة‭ ‬التطرف‭ ‬وتمدده‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬المختبر‭ ‬الأفغاني‭ ‬‭(‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭)‬‮ ‬‭ ‬الذي‭ ‬أفرز‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الثانية،‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬‭(‬‭ ‬ابن‭ ‬ثورة‭ ‬الخميني‭ ‬نهاية‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭)‬‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وتنظيمات‭ ‬عراقية‭ ‬كان‭ ‬ينفذ‭ ‬قرار‭ ‬تمدد‭ ‬الأذرع‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭. ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ترجمة‭ ‬لنظريات‭ ‬فقهية‭ ‬عند‭ ‬السنّة‭ ‬أو‭ ‬الشيعة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬نتاج‭ ‬إسهام‭ ‬أميركي‭-‬غربي‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬البدايات‭ ‬الأفغانية،‭ ‬أو‭ ‬خلاصة‭ ‬لترك‭ ‬الاحتقان‭ ‬المذهبي‭ ‬يتصاعد‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬2003‭ ‬وانعكاساته‭ ‬على‭ ‬صعود‭ ‬التطرف‭ ‬عند‭ ‬الجانين‭.‬

لم‭ ‬يأت‭ ‬هذا‭ ‬الإقحام‭ ‬للإسلام‭ ‬والعامل‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬استراتيجية‭ ‬أميركية‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬صناعة‭ ‬العدوّ‭ ‬الملائم‭ ‬لكي‭ ‬تستمر‭ ‬واشنطن‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بالقرار‭ ‬العالمي‭. ‬وهكذا‭ ‬بعد‭ ‬“العدو‭ ‬الأحمر”‭ ‬المهزوم‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬“الخطر‭ ‬الأخضر”‭ ‬هو‭ ‬الهاجس‭ ‬نظرا‭ ‬للموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لعوالم‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفياتية‭ ‬السابقة‭ ‬وامتلاكها‭ ‬لمصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬وطرق‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭ ‬ولزخم‭ ‬ديموغرافي‭. ‬ولذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حربا‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬2001‭ ‬والعراق‭ ‬في‭ ‬2003،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬اعتداءات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬بل‭ ‬لشنّ‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الحرب‭ ‬الكبرى‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬وصياغة‭ ‬العالم‭ ‬حسب‭ ‬مفاهيم‭ ‬ورغبات‭ ‬واشنطن‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعوّل‭ ‬عليها‭.‬

خرج‭ ‬التطرف‭ ‬من‭ ‬القمقم‭ ‬لأنه‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬ارتسم‭ ‬مشهد‭ ‬إقليمي‭ ‬ملتبس‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وتصادمت‭ ‬المشاريع‭ ‬المتناقضة‭ ‬لإعادة‭ ‬تركيب‭ ‬المنطقة‭ ‬‭(‬أميركي‭ ‬وإيراني‭ ‬وتركي‭ ‬وإسرائيلي‭)‬‭. ‬أمام‭ ‬زحمة‭ ‬المشاريع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مشروع‭ ‬عربي‭ ‬ولم‭ ‬تنجح‭ ‬التحولات‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬ولذا‭ ‬أصبحت‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬مسارح‭ ‬النزاعات‭ ‬والإرهاب‭.‬

أدّى‭ ‬تفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬لإغراق‭ ‬المنطقة‭ ‬بالمجاهدين‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬خرجت‭ ‬الأمور‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬المقررين‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬الدموية‭ ‬ووصل‭ ‬التغوّل‭ ‬مع‭ ‬المشروع‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬الإيراني‭ ‬وبروز‭ ‬توحش‭ ‬“تنظيم‭ ‬الدولة”‭ ‬إلى‭ ‬حده‭ ‬الأقصى‭. ‬منذ‭ ‬صيف‭ ‬2014،‭ ‬عادت‭ ‬واشنطن‭ ‬عسكريا‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وأصبح‭ ‬داعش‭ ‬وأخواتها‭ ‬هاجسا‭ ‬يؤرق‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬العالمي‭ ‬عبر‭ ‬سعيه‭ ‬للامتداد‭ ‬في‭ ‬“قوس‭ ‬إرهابي‭ ‬من‭ ‬وزيرستان‭ ‬إلى‭ ‬خليج‭ ‬غينيا”‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيف‭ ‬لودريان‭.‬

إذا‭ ‬سلمنا‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬يعد‭ ‬التتويج‭ ‬الدرامي‭ ‬لمسار‭ ‬الحركات‭ ‬الجهادية‭ ‬المتطرفة‭ ‬منذ‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬دور‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬صناعته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭ ‬لناحية‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭. ‬وأيّ‭ ‬مراقبة‭ ‬دقيقة‭ ‬للمشهدين‭ ‬الميدانيين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬داعش‭ ‬تخدم‭ ‬استراتيجية‭ ‬التمدد‭ ‬الإيراني‭ ‬بشكل‭ ‬مقصود‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مقصود،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ضدها‭ ‬تسمح‭ ‬لواشنطن‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬بقيادة‭ ‬شؤون‭ ‬وشجون‭ ‬اللعبة‭ ‬المستمرة‭ ‬فصولا‭.‬

جرى‭ ‬كثيرا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حروب‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والمياه،‭ ‬وتضاف‭ ‬إليها‭ ‬اليوم‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬وكلها‭ ‬أيضا‭ ‬وسائل‭ ‬مفترضة‭ ‬ضمن‭ ‬عدة‭ ‬شغل‭ ‬اللاعبين‭ ‬الإقليميين‭ ‬والدوليين‭ ‬في‭ ‬سعيهم‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إذن‭ ‬ضرب‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬عبر‭ ‬الأساليب‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬صراعات‭ ‬النفوذ‭. ‬بالطبع‭ ‬تتوجب‭ ‬العودة‭ ‬للجذور‭ ‬وخوض‭ ‬مواجهات‭ ‬ثقافية‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬وعمليات‭ ‬بناء‭ ‬تنموي‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬عادلة‭ ‬للمشاكل‭ ‬المزمنة‭. ‬وفي‭ ‬موازاة‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توافق‭ ‬وشراكات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬سيستمر‭ ‬استخدام‭ ‬الإرهاب‭ ‬لغايات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يعقوب‭ ‬وغير‭ ‬يعقوب‭.‬

 

سيناريوهات‭ ‬وخلاصات

 

بعد‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وخيباته،‭ ‬بدأ‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭ ‬ليدشن‭ ‬زمن‭ ‬الحالات‭ ‬الثورية‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬اليقظة،‭ ‬وعند‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬انعتاق‭ ‬وتحرر‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬والانحطاط،‭ ‬وصنع‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭.‬

تبدو‭ ‬الدروب‭ ‬شائكة‭ ‬لأن‭ ‬المسارات‭ ‬متنوعة‭ ‬ومعقدة‭ ‬تتجاذبها‭ ‬العوامل‭ ‬الداخلية‭ ‬والتأثيرات‭ ‬الخارجية‭:‬

‭-‬‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬والتنافس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬أدوار‭ ‬قوى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‮ ‬“Statu‭ ‬Quo“‮ ‬والثورة‭ ‬المضادة‭ ‬وكذلك‭ ‬سعي‭ ‬قوى‭ ‬الماضي‭ ‬والغيبية‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الحاضر‭ ‬ومنع‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬حضاري‭ ‬ديمقراطي‭ ‬عربي‭ ‬طال‭ ‬انتظاره‭.‬‮ ‬‭ ‬‮ ‬

‭-‬‭ ‬تتبدل‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬رقعة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وجوارها‭ ‬تبعا‭ ‬لحراك‭ ‬ومناورات‭ ‬اللاعبين‭ ‬الأساسيين‭.‬

‭-‬‭ ‬تحافظ‭ ‬”‭ ‬اللعبة‭ ‬الكبرى”‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬على‭ ‬زخمها‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬ويبقى‭ ‬الموقع‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬المهدد‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬أسير‭ ‬ضعف‭ ‬بنيوي‭ ‬وتفكك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ارتسام‭ ‬تقاسم‭ ‬استراتيجي‭ ‬جديد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اللاعبين‭ ‬العرب‭.‬

‭-‬‭ ‬تؤكد‭ ‬نظريات‭ ‬الأمن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المعاصرة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الطاقة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬كونها‭ ‬محركاً‭ ‬للصراعات‭ ‬ومؤشرا‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬لدول‭ ‬المنشأ‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬الممر‭ ‬أو‭ ‬المصب‭. ‬وعبر‭ ‬التاريخ‭ ‬كان‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬والثروات‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬والمحروقات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أسباب‭ ‬النزاعات‭. ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعصف‭ ‬بالمنطقة‭ ‬من‭ ‬اضطرابات‭ ‬هناك‭ ‬قراءة‭ ‬تعتبر‭ ‬فإن‭ ‬الحروب‭ ‬المندلعة‭ ‬من‭ ‬المشرق‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬والساحل‭ ‬تهدف‭ ‬فيما‭ ‬تهدف‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬ومنها‭ ‬أسواق‭ ‬الغاز‭ ‬وحقوله‭.‬

‭-‬‭ ‬يشكل‭ ‬الغاز‭ ‬فعلياً‭ ‬مادة‭ ‬الطاقة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬بديل‭ ‬الطاقة‭ ‬المناسب‭ ‬للنفط،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬احتياطي‭ ‬النفط‭ ‬عالمياً،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬كونه‭ ‬أقل‭ ‬ضرراً‭ ‬للبيئة،‭ ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬السيطرة‭ ‬أو‭ ‬التحكم‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬بالمناطق‭ ‬الغنية‭ ‬بالغاز‭ ‬من‭ ‬حوض‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬وإيران،‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬بواعث‭ ‬وتتمات‭ ‬الصراع‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭.‬‮ ‬ونستنتج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬أن‭ ‬سلاح‭ ‬الغاز‭ ‬والطاقة‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬نظام‭ ‬إقليمي‭ ‬شرق‭ ‬أوسطي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬التوازنات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬والدول‭ ‬الصاعدة‭.‬

‮ ‬تواجه‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬نمطين‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬على‭ ‬الأقل‭:‬

‭(‬1‭)‬‮ ‬مشكلات‭ ‬الحدود‭ ‬الخارجية‭.‬

2‭)‬‮ ‬احتمالات‭ ‬التقسيم‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬السودان‭ ‬أو‭ ‬احتمالات‭ ‬البلقنة‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وربما‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يتعرض‭ ‬لتهديد‭ ‬بحبس‭ ‬المياه‭ ‬عنه؛‭ ‬إذ‭ ‬تنبع‭ ‬أنهاره‭ ‬الكبرى‭ ‬‭(‬كالنيل‭ ‬ودجلة‭ ‬والفرات‭)‬‭ ‬من‭ ‬أراضٍ‭ ‬أجنبية،‭ ‬وترتبط‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجيوبوليتيكية‭ ‬للحدود‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬“حروب‭ ‬المياه،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬حرب‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬ومن‭ ‬عامل‭ ‬ثروة‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬مصادر‭ ‬الخطر‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬قرن‭ ‬الفشل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي‭ ‬أي‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ومع‭ ‬البدايات‭ ‬العنيفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرن،‭ ‬يبدو‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مسرحا‭ ‬أو‭ ‬ملعبا‭ ‬للنفوذ‭ ‬وليس‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭.‬

في‭ ‬حال‭ ‬إعادة‭ ‬تركيب‭ ‬الإقليم‭ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭-‬بيكو،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬أو‭ ‬برمتها،‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬وحضور‭ ‬المكونات‭ ‬أي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬والبشرية‭ ‬لوحدها‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬بل‭ ‬سيكون‭ ‬للموارد‭ ‬وخريطتها‭ ‬وتوزعها‭ ‬نصيب‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬العتيدة‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.