مناهج الأزهر ونهج العنف

الثلاثاء 2016/11/01

الصحوة التي قام بها الأزهر مؤخراً، بعد افتضاح أمر المناهج التي تحرّض على العنف في صفوفه ومراحله التعليمية المختلفة وصولاً إلى الدراسات العليا، لا تشي بأن التحريض على العنف قد زال بالفعل. فالتخفيف الطفيف الذي واجهت به هيئة بهذه المكانة العلمية المركزية في العالم الإسلامي، لم يكن ليشمل جميع ما في تلك المناهج من أفكار.

ولأن الأزهر لا يعني مصر وحدها، بفعل كونه الحاضن الرئيس للغالبية الساحقة من علماء الدين في العالم الإسلامي، وكذلك للأئمة والخطباء ومدرّسي الشريعة في جميع المراحل، وكذا لدارسي العلوم «الكونية» في جامعة الأزهر، كالطب وسواه، فإن هذا يعني أن أجيالاً ما تزال على قيد الحياة تنقل تلك الفيروسات العنفية على شكل فتاوى وآثار وأقوال وحكم في كل مكان تحل فيه وفي كل لحظة تأثير تمارسها.

الوسطية التي اشتهر بها الأزهر، وسط دوامات العنف الفكري المحيطة، كان لا بد لها من أن تعيد النظر في المادة العلمية التي تلقّن للطلاب، لا سيما وأن العلم الشرعي بالنقل لا بالعقل، كما يقول علماء الأزهر ذاتهم منذ نشأت تلك القلعة الشرعية في قاهرة المعز.

وقد كان لافتاً ما جرى في السنوات الأخيرة من غضب بين المثقفين والكتاب المصريين، ضد المناهج العنفية في الأزهر، لا سيما تلك التي تبيح أكل لحم الأسير. كتب مثل «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع»، «الشرح الصغير»، «الاختيار لتعليل المختار»، «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» وغيرها، يرد فيها ما يلي «وللمضطر أكل آدمي ميت إذا لم يجد ميتة غيره أما إذا كان الميت مسلما والمضطر كافرا فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام».

قد سبقت هذا الجدل محاولات ومحاولات، لتنقية المناهج الأزهرية من هذا الخط العنيف، فالتفت شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوى، إلى تلك المناهج وألغى الكثير منها، واستبدلها بكتابه «المُيسّر»، الذي ألغى شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب تدريسه لاحقاً تحت ضغط ما عرف بـ»جبهة علماء الأزهر».

لا يقتصر الأمر على العنف الجسدي، بل إن ما يختبئ خلف ذلك، من عنف فكري يرفض الآخر، ويرسّخ ويشرعن محوه وإبادته، هو ما يتسيّد على مناهج الأزهر. والأمثلة على ذلك كثيرة، كما جاء في كتاب «الشرح الصغير» المقرر على الصف الثالث الثانوي «وله- أي للمسلم- قتل الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصـلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام في القتل، لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء».

وفي صفحة 340 من كتاب «الاختيار لتعليل المختار» نقرأ ما يلي «أما الأسارى، فيمشون إلى دار الإسلام، فإن عجزوا، قتل الإمام الرجال وترك النساء والصبيان في أرض مضيعة حتى يموتوا جوعا وعطشا، لأننا لا نقتلهم للنهي».

قرأت رأياً شجاعاً للمستشار أحمد ماهر الباحث في فقه اللغة ينتقد فيه ما ورد في الصفحة 255 من كتاب «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» الذي يدرسه طلاب الأزهر، يحل أكل الإنسان لبعض جسمه وقت المجاعة وللمسلم قتل مرتد وأكله، وقتل حربي، ولو صغيرا، أو امرأة وأكلهما، لأنهما غير معصومين. ويضيف الكتاب «إن للمسلم لكفاية لشر الكافر أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه».

المرأة والمرتد

كتاب «الاختيار لتعليل المختار» هذا، مثال بليغ على ذهنية لا يمكن لها إلا أن تستمر في إنتاج العنف بكافة صوره. فهو يعطي الفتوى إثر الفتوى حول القضايا الأساسية التي عرف الإسلام بها متسامحاً، لا على النمط الذي يصبّه مثل الرصاص الذائب في أدمغة الدارسين كتاب من هذا النوع. ففي الصفحة 366 وفي باب «أحكام المرتد» نقرأ «وإذا ارتد المسلم يُحبس ويعرض عليه الإسلام، وتُكشف شُبهته، فإن أسلم وإلا قُتل، فإن قتله قاتل قبل العرض، لا شيء عليه. ويزول ملكه عن أمواله زوالا مراعى، فإن أسلم عادت إلى حالها».

أما كتاب «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» الذي يدرس بالصف الثالث الثانوي الأزهري يرد فيه وفي الصفحتين 90 و91 أنه «لا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب إذا مرضت، لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة، وكذا لا يلزمه ثمن طبيب وحناء وخضاب ونحوه، وإن أراد منها تزيينا أو قطع رائحة كريهة وأتى به لزمها».

كتاب «الاختيار» وفي الصفحة 250 منه، يعلّم لطلاب الأزهر أنه «لو استأجر الرجل المسلم امرأة ليزني بها وزنى بها، أو وطئ أجنبية في ما دون الفرج، أو لاط فلا حدّ عليه ويعزّر». أما في الصفحة 252 «الزنا في دار الحرب والبغي لا يوجب الحد».

في الأزهر تزر الوازرة وزر الأخرى

القاعدة القرآنية تقرر العقوبة على الفرد، ولا تسحبها على من يخصه من جماعة أو أقارب أو أفراد من أسرته، لكن المناهج الأزهرية تعمم القصاص، ومثال ذلك «تُقتلُ الجماعة بالواحد، ويقتل الواحد بالجماعة اكتفاءً، وإن قتله وليّ أحدهم سقط حق الباقين». أما منهاج السنة الثالثة من الثانوية الأزهرية، فيدرّس للطلاب أن «قتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حرّ قادر» ، وأيضاً «المرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ولا تتم موادعتهم أبداً».

ثار الجدال العنيف بين المثقفين والأزهر، حول تلك المسائل وغيرها، من الحجاب إلى أكل لحم الأسير، فجاءت ردود شيوخ الأزهر مثيرة حقاً، كما في رد الشيخ محي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمّع البحوث الإسلامية، الذي هاجم المثقفين المصريين، وقال إن «روح الإنصاف تقضي أن يذكر وزير الثقافة أن من أسباب انتشار العنف الديني في مصر هو تراجع بل غياب دور الثقافة»! وهكذا أصبح المقصّر هو المثقف، بينما يطلق رجال الدين على مناهج الأزهر وصف «القلعة الحصينة» و»صمّام الأمان». وكأن المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لم تحارب الثقافة ولم تطالب بحرق الكتب ومنعها ومحاسبة هذا الكاتب أو ذاك على تصريح أو مقال أو كتاب أو قصيدة.

حاول شيوخ الأزهر الإصلاحيون إجراء إصلاحات في المناهج، لكن العملية ربما تتطلب ما هو أكثر من الإصلاح التجميلي، فالفكر الإسلامي العربي عبر أربعة عشر قرناً، لم يورّث لنا فقط الاتجاهات العنفية والبربرية، فلماذا اقتصرت الهياكل التعليمية الشرعية على تدريس هذا الصنف من التفكير الشيطاني، وترك الفكر التنويري الذي مثله كبار المفكرين والفلاسفة وعلماء الدين الذين تحلوا بشجاعة مبكرة؟

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.