أحجية‭ ‬اللّوح‭ ‬اللّاتيني

الأحد 2017/01/01
لوحة: بهرام حاجو

في‭ ‬مكان‭ ‬قصيّ‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬البسيطة‭. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬البشر‭ ‬وفلسفتهم،‭ ‬تكوّنت‭ ‬فكرة‭ ‬واستقرّت‭ ‬بين‭ ‬براثن‭ ‬أجمة‭ ‬مستترة‭ ‬من‭ ‬النّباتات‭ ‬الاستوائية‭ ‬المثيرة‭ ‬لهوس‭ ‬التّأمل‭ ‬والتّمعّن‭. ‬كتابة‭ ‬لاتينيّة‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬لوح‭ ‬كساه‭ ‬النّدى‭ ‬والفصول‭ ‬بغطاء‭ ‬لزج‭ ‬من‭ ‬خضرة‭ ‬داكنة‭. ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬تطاله‭ ‬يد‭ ‬البشر‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يخيّل‭ ‬إلى‭ ‬الرّائي‭ ‬لمّا‭ ‬تطأ‭ ‬قدماه‭ ‬الجزيرة‭ ‬النّائية‭ ‬الوحيدة‭ ‬كجسم‭ ‬غريب‭ ‬انبثق‭ ‬من‭ ‬سراب‭.‬

خرجت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المكان‭. ‬تجاوزت‭ ‬صخورا‭ ‬محدّبة‭ ‬وقواقع‭ ‬فوسفوريّة‭. ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬أهمّ‭ ‬بزرعها‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭. ‬آثار‭ ‬الحذاء‭ ‬الجلديّ‭ ‬العتيد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المسلك‭ ‬الوعر‭ ‬تختفي‭ ‬أمامي‭ ‬بلا‭ ‬سبب‭. ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬وأقرّر‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭.‬

قبيلة‭ ‬أفرادها‭ ‬متوحّشون‭ ‬لكنّهم‭ ‬لطفاء‭. ‬في‭ ‬لطفهم‭ ‬خشونة‭ ‬وبدائيّة‭ ‬مفرطة‭. ‬طاب‭ ‬لي‭ ‬المقام‭ ‬بينهم‭ ‬أيّاما‭. ‬أقتات‭ ‬من‭ ‬أسماك‭ ‬النّهر‭ ‬عند‭ ‬انبلاج‭ ‬الصّباح‭. ‬أحتفل‭ ‬معهم‭ ‬وأرقص‭ ‬متعمّدا‭ ‬بضوء‭ ‬قمريّ‭ ‬جليّ‭ ‬وطفقت‭ ‬أساير‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الغريبة‭ ‬بشغف‭ ‬يشي‭ ‬بالحذر‭. ‬كنت‭ ‬أروم‭ ‬المغامرة‭ ‬النّبيلة،‭ ‬تلك‭ ‬المعفّرة‭ ‬بروح‭ ‬الشّباب‭. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نمط‭ ‬مقزّز‭. ‬والحال‭ ‬أنّني‭ ‬قد‭ ‬وجدت‭ ‬ضالّتي‭ ‬هنا‭. ‬أشوي‭ ‬حبّات‭ ‬الكستناء‭ ‬ورأسي‭ ‬يتمايل‭ ‬ولعا‭ ‬بأسرار‭ ‬الجزيرة‭ ‬التي‭ ‬منحتني‭ ‬وقارا‭ ‬استوائيا‭ ‬وعنفوانا‭ ‬بهيجا‭. ‬أتسلّق‭ ‬أشجار‭ ‬الباوباب‭ ‬وأوثّق‭ ‬صيد‭ ‬الأفاعي‭ ‬برسومات‭ ‬مستعملا‭ ‬دماء‭ ‬طريدة‭ ‬ما‭ ‬لأخطّ‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭.‬

علّمت‭ ‬سكّان‭ ‬القبيلة‭ ‬لعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭. ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬أّنّ‭ ‬بعض‭ ‬أفرادها‭ ‬قد‭ ‬أظهروا‭ ‬ملكة‭ ‬تعلّم‭ ‬سريعة‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬توفّر‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭ ‬لممارسة‭ ‬نشاطهم‭. ‬كانت‭ ‬الكرة‭ ‬جلد‭ ‬ظبي‭ ‬ملفوف‭ ‬بشكل‭ ‬دائري‭. ‬اللّاعبون‭ ‬حفاة‭ ‬ونصف‭ ‬عراة‭. ‬نسوتهم‭ ‬يشجّعنهم‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الملعب‭ ‬برؤوسهنّ‭ ‬الحليقة‭ ‬اللّامعة‭ ‬ورقابهنّ‭ ‬المحسورة‭ ‬بلولب‭ ‬من‭ ‬أغصان‭ ‬طريّة‭. ‬ومع‭ ‬كلّ‭ ‬هدف‭.. ‬كان‭ ‬الصّياح‭ ‬يضجّ‭ ‬المكان‭ ‬ضجّا‭ ‬وفرحة‭ ‬عارمة‭ ‬تهزّ‭ ‬الجميع‭.‬

لم‭ ‬يخطر‭ ‬لي‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليّ‭ ‬أفراد‭ ‬القبيلة‭ ‬شزرا‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أضمر‭ ‬شرّا‭ ‬أو‭ ‬أناصب‭ ‬عداء‭ ‬لفتاة‭ ‬ملكهم‭. ‬بل‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أدري‭ ‬أنّها‭ ‬ابنة‭ ‬الملك‭. ‬صوّبوا‭ ‬نحوي‭ ‬الرّماح‭ ‬والنّبال‭. ‬قدموا‭ ‬فرادى‭ ‬وجماعات‭. ‬عويل‭ ‬وزعيق‭ ‬لم‭ ‬أفقه‭ ‬ماهيته‭. ‬كان‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬أشبه‭ ‬بكابوس‭. ‬الواقع‭ ‬أنّني‭ ‬هممت‭ ‬بسؤال‭ ‬فتاة‭ ‬تملأ‭ ‬قربة‭ ‬ماء‭ ‬من‭ ‬النّهر‭ ‬حول‭ ‬أقرب‭ ‬طريق‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الدّغل‭. ‬ولمّا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬سؤال‭. ‬تمتمت‭ ‬بكلمات‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬وولّت‭ ‬هاربة‭.‬

لا‭ ‬أهتدي‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدّغل‭ ‬الكثيف‭. ‬هذا‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭. ‬وغرابة‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬مفاجآتها‭ ‬بمعنى‭ ‬أنّها‭ ‬جزيرة‭ ‬مشوّقة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭. ‬وقفت‭ ‬لا‭ ‬أبدي‭ ‬حراكا‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتأهّبين‭ ‬لطمري‭ ‬بالرّماح‭. ‬كنت‭ ‬كمن‭ ‬أصيب‭ ‬بصدمة‭. ‬أردّد‭ ‬صلواتي‭ ‬بلسان‭ ‬متلعثم‭ ‬ثقيل‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬استحضار‭ ‬ما‭ ‬درسته‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الموت‭ ‬وحبّ‭ ‬الحياة‭. ‬وما‭ ‬لبثوا‭ ‬أن‭ ‬انسحبوا‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬وعادت‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬لملء‭ ‬قربة‭ ‬الماء‭. ‬مدهوشا‭ ‬بنجاتي‭.. ‬التفتّ‭ ‬ورائي‭ ‬ومضيت‭ ‬قدما‭.‬

كنت‭ ‬موقنا‭ ‬بأنّ‭ ‬نهاية‭ ‬ما‭ ‬تحاصرني‭ ‬كسياج‭ ‬شائك‭. ‬تلتفّ‭ ‬حولي‭ ‬ظلمة‭ ‬فاترة‭ ‬فلا‭ ‬أرى‭ ‬شيئا‭ ‬مثل‭ ‬تائه‭ ‬أعمى‭ ‬في‭ ‬سهول‭ ‬اللاّأدريّة‭. ‬استحضرت‭ ‬فكرة‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المأزق‭ ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬النّهايات‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بها‭ ‬جلّ‭ ‬قصص‭ ‬وحكايات‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬النّهاية‭ ‬المحيطة‭ ‬بي‭. ‬وهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬فيه‭ ‬لعنة‭ ‬على‭ ‬المقاس‭. ‬لا‭ ‬أتحرّك‭. ‬لا‭ ‬أرى‭. ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬سمعي‭ ‬بخير‭. ‬صوت‭ ‬أنفاسي‭ ‬المختنقة‭ ‬يتردّد‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الهوّة‭ ‬العميقة‭. ‬أمر‭ ‬رائع‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬حقيقة‭ ‬جديدة‭ ‬خلال‭ ‬مصيبة‭ ‬تحلّ‭ ‬بنا‭. ‬لقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬للتوّ‭ ‬أنّي‭ ‬عالق‭ ‬داخل‭ ‬هوّة‭ ‬ترابيّة‭ ‬باردة‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬الرّطوبة‭ ‬العطنة‭. ‬ولبثت‭ ‬أتحسّس‭ ‬جدرانها‭ ‬الملساء‭ ‬نابشا‭ ‬بأصابعي‭ ‬ما‭ ‬يخيّل‭ ‬إليّ‭ ‬أنّها‭ ‬نتوءات‭ ‬أو‭ ‬تشقّقات‭ ‬بغية‭ ‬التّشبّث‭ ‬بها‭.‬

وجدت‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬قدميّ‭ ‬بعد‭ ‬السّقوط‭ ‬المفاجئ‭. ‬كتفاي‭ ‬يؤلمانني‭ ‬وكفّ‭ ‬يدي‭ ‬اليمنى‭ ‬مجبول‭ ‬بخدوش‭ ‬دامية‭. ‬لم‭ ‬تعوزني‭ ‬الإصابة‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬آمن‭. ‬دخل‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬من‭ ‬النّور‭ ‬عبر‭ ‬أوراق‭ ‬تأكّدت‭ ‬بعدها‭ ‬أنّها‭ ‬لشجرة‭ ‬قيقب‭. ‬المربك‭ ‬هنا‭ ‬أنّ‭ ‬الأشجار‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تبدي‭ ‬لنا‭ ‬حنانا‭ ‬ملائكيّا‭ ‬كأن‭ ‬نحتمي‭ ‬بظلالها‭ ‬من‭ ‬قيظ‭ ‬شديد‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نختبئ‭ ‬تحتها‭ ‬من‭ ‬مطر‭ ‬منهمر‭. ‬لكنّها‭ ‬الآن‭ ‬تعقّد‭ ‬مسألة‭ ‬خروجي‭ ‬من‭ ‬الهوّة‭ ‬وتحجب‭ ‬عنّي‭ ‬الضّوء‭ ‬ودون‭ ‬تردّد‭ ‬اعتبرتها‭ ‬لعنة‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أخريات‭.‬

وصادف‭ ‬أن‭ ‬تتّخذ‭ ‬الشمس‭ ‬مكانها‭ ‬وسط‭ ‬السّماء‭ ‬لتتّضح‭ ‬الرّؤية‭ ‬وأتسلّق‭ ‬غصنا‭ ‬منسدلا‭ ‬والرّطوبة‭ ‬ما‭ ‬تنفكّ‭ ‬تحرق‭ ‬أنفي‭. ‬وقفت‭ ‬لاهثا‭ ‬من‭ ‬التّعب‭ ‬أمام‭ ‬حفرة‭ ‬دائريّة‭ ‬غائرة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭. ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬كساها‭ ‬بأغصان‭ ‬وأعواد‭ ‬مختلفة‭ ‬حتى‭ ‬اختفت‭ ‬تماما‭. ‬ومثل‭ ‬من‭ ‬صدم‭ ‬إثر‭ ‬فرح‭. ‬التفتّ‭ ‬خلفي‭ ‬ومضيت‭ ‬قدما‭.‬

السّاعة‭ ‬الآن‭.. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬تماما‭. ‬أذكر‭ ‬أنّني‭ ‬جدّفت‭ ‬بالقارب‭ ‬أواخر‭ ‬اللّيل‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬ساحل‭ ‬صخريّ‭ ‬مع‭ ‬انبلاج‭ ‬خيوط‭ ‬الصّباح‭ ‬الأولى‭. ‬لم‭ ‬أعر‭ ‬الوقت‭ ‬أدنى‭ ‬اهتمام‭ ‬عدا‭ ‬إحساسي‭ ‬بالجوع‭. ‬ومردّ‭ ‬ذلك‭ ‬أنّني‭ ‬لم‭ ‬أتناول‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬اللّيلة‭ ‬الفارطة‭. ‬كنت‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬المتلاطمة‭ ‬من‭ ‬الباخرة‭ ‬وأنا‭ ‬أستعدّ‭ ‬للتسلّل‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الجميع‭. ‬اتخّذت‭ ‬لي‭ ‬مكانا‭ ‬مكشوفا‭ ‬وافترشت‭ ‬رمالا‭ ‬خشنة‭ ‬جالسا‭ ‬قبالة‭ ‬القارب‭ ‬الخشبيّ‭ ‬اللاّمع‭ ‬آكل‭ ‬وجبة‭ ‬الفطور‭. ‬هجمت‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬قردة‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬الدّغل‭. ‬هربت‭. ‬ليس‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬غريبا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬مهجورة‭. ‬بل‭ ‬استمرارا‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬الحكاية‭. ‬كنت‭ ‬مختبئا‭ ‬خلف‭ ‬جذع‭ ‬نخلة‭ ‬مرميّ‭ ‬على‭ ‬الشّاطئ‭. ‬رأيت‭ ‬قردا‭ ‬ينبش‭ ‬في‭ ‬حقيبتي‭ ‬ويأكل‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬من‭ ‬فطوري‭. ‬قردان‭ ‬آخران‭ ‬ذهبا‭ ‬إلى‭ ‬القارب‭.‬‭ ‬ورابع‭ ‬يصيح‭ ‬ويقفز‭ ‬وكأنّه‭ ‬ينبّههم‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الآدمي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قريبا‭ ‬ولم‭ ‬يبتعد‭. ‬فكّرت‭ ‬هنيهة‭. ‬كم‭ ‬فظيع‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬إنسان‭ ‬وجبة‭ ‬لقردة‭ ‬متوحّشة‭. ‬الأمر‭ ‬يتوجّب‭ ‬الهرب‭ ‬حتما‭. ‬المشكلة‭ ‬أنّني‭ ‬لا‭ ‬أفقه‭ ‬دروب‭ ‬المكان‭ ‬وأربعة‭ ‬قردة‭ ‬تترصّد‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬إنسيّا‭ ‬اقتحم‭ ‬مجالهم‭ ‬فجأة‭. ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬فقد‭ ‬ركضت‭ ‬باتجاه‭ ‬الدّغل‭ ‬وتهت‭ ‬في‭ ‬الغابة‭.‬

لم‭ ‬أستشنع‭ ‬أمر‭ ‬تسلّلي‭ ‬من‭ ‬الباخرة‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬الرّبان‭ ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬القانون‭ ‬يقضي‭ ‬باحترام‭ ‬الشّروط‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الرّحلات‭ ‬الدّراسيّة‭. ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬قمّة‭ ‬الجزيرة‭ ‬ثمّ‭ ‬إلى‭ ‬الباخرة‭. ‬حملت‭ ‬حقيبتي‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬القارب‭. ‬جدّفت‭ ‬حتى‭ ‬كلّت‭ ‬يداي‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬الباخرة‭. ‬الغريب‭ ‬أنّ‭ ‬الجميع‭ ‬لم‭ ‬يخلدوا‭ ‬إلى‭ ‬النّوم‭. ‬ألفيتهم‭ ‬مثلما‭ ‬تركتهم‭. ‬صاخبين‭ ‬متنعّمين‭ ‬بجوّ‭ ‬استوائي‭ ‬دافئ‭. ‬هتفت‭ ‬لي‭ ‬زميلتي‮…‬‭ ‬‮«‬أين‭ ‬كنت‭ ‬؟‭ ‬لقد‭ ‬غبت‭ ‬عن‭ ‬ناظري‭ ‬للتوّ‭. ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كنت‭ ‬أدعوك‭ ‬لنلتقط‭ ‬صورة‭ ‬جماعية‭ ‬مع‭ ‬الأستاذة‮»‬‭. ‬غمغمت‭ ‬قائلا‭ ‬‮«‬أجل‭ ‬أجل‭.. ‬أعلم‭. ‬لا‭ ‬تشغلي‭ ‬بالك‭.. ‬أنا‭ ‬قادم‮»‬‭. ‬تحسّست‭ ‬حقيبتي‭ ‬ثمّ‭ ‬فتحتها‭ ‬وأخرجت‭ ‬لوحا‭ ‬قديما‭ ‬نقشت‭ ‬فيه‭ ‬كتابة‭ ‬لاتينية‭. ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬وخيّل‭ ‬إليّ‭ ‬عبر‭ ‬الضّباب‭ ‬أنّ‭ ‬قردا‭ ‬يلوّح‭ ‬إليّ‭ ‬مخمّنا‭. ‬‮«‬أيّها‭ ‬الآدميّ‭ ‬أعد‭ ‬إليّ‭ ‬لوحي‭ ‬وخذ‭ ‬سجائرك‮»‬‭ ‬وتذكّرت‭ ‬السّجائر‭ ‬ففتّشت‭ ‬عنها‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬أجدها‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.