بوب‭ ‬ديلان‭ ‬الكذبة‭ ‬الكبرى

الأحد 2017/01/01
بوب ديلان المختلف عليه شاعرا

تلك ‭ ‬عن‭ ‬شعره،‭ ‬فحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬“وقائع‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬غاليمار‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬في‭ ‬ترجمته‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬ضمّ‭ ‬مذكراته،‭ ‬وأعيد‭ ‬نشره‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬عن‭ ‬فايار،‭ ‬وفيه‭ ‬لا‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬إلا‭ ‬عرضا،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬أنه‭ ‬قرأ‭ ‬الشعر‭ ‬صغيرا،‭ ‬وأعجب‭ ‬بسونيتة‭ ‬لميلتون‭ ‬تشبه‭ ‬أغنية‭ ‬فولك‭ ‬حسب‭ ‬قوله،‭ ‬مثلما‭ ‬أعجب‭ ‬بمقولة‭ ‬رامبو‭ ‬“أنا‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬آخر”،‭ ‬وما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬شاعرا‭ ‬إطلاقا،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يكره‭ ‬لفظة‭ ‬“شاعر”‭. ‬فمن‭ ‬أقواله‭ ‬مثلا‭ ‬“ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬شاعرا‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬بنزين‭ ‬وتكون‭ ‬شاعرا”‭. ‬وفي‭ ‬رأيه‭ ‬أن‭ ‬“الأغنية”‭ ‬تظل‭ ‬“أغنية”،‭ ‬ولكن‭ ‬عباقرة‭ ‬لجنة‭ ‬نوبل‭ ‬يعتبرون‭ ‬أغانيه‭ ‬كـ”جوي”‭ ‬‭(‬Joey‭)‬،‭ ‬و”المطر‭ ‬المدرار”‭ ‬‭(‬A‭ ‬hard‭ ‬rain‭)‬،‭ ‬و”أغنية‭ ‬هوليس‭ ‬براون”‭ ‬‭(‬The‭ ‬ballad‭ ‬of‭ ‬Hallis‭ ‬Brown‭)‬‭ ‬قصائد‭ ‬ملحمية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬بيير‭ ‬أسولين‭ ‬عضو‭ ‬أكاديمية‭ ‬غونكور‭ ‬ورئيس‭ ‬تحرير‭ ‬الـ”مغازين‭ ‬ليترير”‭ ‬يصرح‭ ‬ساخرا‭ ‬“إذا‭ ‬كان‭ ‬بوب‭ ‬ديلان‭ ‬شاعرا،‭ ‬فإن‭ ‬بودلير‭ ‬كرونر‭ ‬Crooner‭. ‬ولكم،‭ ‬قراءنا‭ ‬الكرام،‭ ‬أن‭ ‬تقرؤوا‭ ‬كلمات‭ ‬أغانيه،‭ ‬في‭ ‬لغتها،‭ ‬أو‭ ‬مترجمة،‭ ‬كي‭ ‬تقفوا‭ ‬بأنفسكم‭ ‬على‭ ‬شعرية‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تحرر‭ ‬كلماته‭ ‬العقل”،‭ ‬تلك‭ ‬“الكلمات‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬العميق”‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬أحدهم‭.‬

وأما‭ ‬عن‭ ‬نضاله‭ ‬الذي‭ ‬ألصق‭ ‬به‭ ‬قسرا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬كتب‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬“كان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬عريض‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬وإخراج‭ ‬أميركا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المستنقع‮»‬،‭ ‬وإنه‭ ‬“قاوم‭ ‬بكلمات‭ ‬أغانيه‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الظلم‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬المساواة‭ ‬وإلى‭ ‬ممارسة‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة”،‭ ‬بل‭ ‬بشّر‭ ‬بوصول‭ ‬رجل‭ ‬أسود‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أميركا،‭ ‬فهو‭ ‬كلام‭ ‬درج‭ ‬هواة‭ ‬أغانيه‭ ‬على‭ ‬ترديده‭ ‬دون‭ ‬تمحيص‭. ‬وحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬أسطورته‭ ‬كفنان‭ ‬ملتزم‭ ‬ممانع،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1961‭ ‬سنة‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬نيويورك‭ ‬و1966‭ ‬سنة‭ ‬صدور‭ ‬ألبومه‭ ‬المزدوج‭ ‬“شقراء‭ ‬في‭ ‬شقراء”‭ ‬‭(‬Blonde‭ ‬on‭ ‬Blonde‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عبرت‭ ‬فيها‭ ‬شهرته‭ ‬الآفاق،‭ ‬وحاز‭ ‬صفة‭ ‬الفنان‭ ‬الملتزم،‭ ‬والمغني‭ ‬المحتج‭ ‬‭(‬protest-singer‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭ ‬فرضا‭ ‬رغم‭ ‬محاولاته‭ ‬اليائسة‭ ‬للتنصل‭ ‬منها‭.‬

أسطورة‭ ‬الفنان‭ ‬الملتزم

قد‭ ‬تنطبق‭ ‬كل‭ ‬الصفات‭ ‬على‭ ‬روبرت‭ ‬ألن‭ ‬زيمرمان‭ ‬‭(‬الاسم‭ ‬الحقيقي‭ ‬لديلان‭)‬‭ ‬إلا‭ ‬صفات‭ ‬المناضل‭ ‬والمقاوم‭ ‬والمحتج،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يعدّونه‭ ‬أحد‭ ‬بناة‭ ‬التيار‭ ‬المناهض‭ ‬لحرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬ووريث‭ ‬وودي‭ ‬غيثري،‭ ‬مستشهدين‭ ‬بأغنيتين‭ ‬من‭ ‬ألبومه‭ ‬الثاني‭ ‬“بوب‭ ‬ديلان‭ ‬العجلة‭ ‬الطليقة”‭ ‬‭(‬The‭ ‬Freewhellin‭ ‬Bob‭ ‬Dylan‭ ‬–‭ ‬1963‭)‬‭ ‬وهما‭ ‬“أسياد‭ ‬الحرب”‭ ‬و”مطر‭ ‬مدرار‭ ‬سوف‭ ‬يهطل”‭.

ففي‭ ‬رأي‭ ‬بعض‭ ‬المتخصصين،‭ ‬مثل‭ ‬الفرنسي‭ ‬بريس‭ ‬تيات،‭ ‬أن‭ ‬الأغنية‭ ‬الأولى‭ ‬كتبت‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬فيتنام،‭ ‬وكانت‭ ‬تدين‭ ‬المركب‭ ‬العسكري‭ ‬الصناعي‭ ‬الأميركي،‭ ‬أما‭ ‬الثانية‭ ‬فكانت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الرعب‭ ‬النووي‭ ‬بعد‭ ‬هيروشيما‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفتاكة‭ ‬التي‭ ‬استعملها‭ ‬الأميركان‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬كالنبالم‭ ‬والعامل‭ ‬البرتقالي‭ ‬أو‭ ‬عَامل‭ ‬أورانج‭ ‬‭-‬الاسم‭ ‬الحركي‭ ‬لمبيد‭ ‬أعشاب‭ ‬ونازع‭ ‬ورق‭ ‬الشجر‭ ‬كان‭ ‬استخدمه‭ ‬الجيش‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬الحرب‭ ‬السامة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬و‭ ‬1971‭-‬‭. ‬دليلهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النزاع‭ ‬الأميركي‭ ‬الفيتنامي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬ديلان‭ ‬في‭ ‬أحاديثه‭ ‬الصحافية‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭.

كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفتى‭ ‬‭(‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬جاوز‭ ‬وقتئذ‭ ‬الثانية‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬عمره‭)‬‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬مينيسوتاه‭ ‬الأصلية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬روح‭ ‬الفنان‭ ‬المتمرد،‭ ‬فهو‭ ‬وإن‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬أي‭ ‬سنة‭ ‬1963،‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬المطالبة‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬وغنّى‭ ‬بالمناسبة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬واشنطن،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬زعيمها‭ ‬وقائدها،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بتأثير‭ ‬من‭ ‬صديقته‭ ‬الفنانة‭ ‬المناضلة‭ ‬جون‭ ‬بايز،‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬غادر‭ ‬تلك‭ ‬الحركة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بوب‭ ‬ديلان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬يجندون‭ ‬الجماهير‭ ‬لخدمة‭ ‬قضية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يوثر‭ ‬العمل‭ ‬وحيدا،‭ ‬فهو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬راعي‭ ‬البقر‭ ‬السائر‭ ‬في‭ ‬البراري‭ ‬بمفرده‭.

وقد‭ ‬حاول‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬ألصقت‭ ‬به،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1964،‭ ‬فقطع‭ ‬مع‭ ‬تقاليد‭ ‬الفولك،‭ ‬ونحا‭ ‬إلى‭ ‬أغان‭ ‬تمتح‭ ‬من‭ ‬السريالية،‭ ‬وتميل‭ ‬إلى‭ ‬هلوسة‭ ‬الأعماق‭ ‬‭(‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الهذيان‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬وحبوب‭ ‬الهلوسة‭)‬‭. ‬ولم‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬أغان‭ ‬محتجة‭ ‬وملتزمة‭ ‬بحق‭ ‬إلا‭ ‬لاحقا،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الثلاث‭ ‬أغنيات‭: ‬أولاها‭ ‬“جورج‭ ‬جاكسون”‭ ‬‭(‬1971‭)‬‭ ‬تكريما‭ ‬لروح‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬النمور‭ ‬السود‭ ‬الذي‭ ‬اغتاله‭ ‬الحراس‭ ‬في‭ ‬السجن‭.

والثانية‭ ‬هي‭ ‬“هاريكان”‭ ‬‭(‬1976‭)‬‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬فيها‭ ‬بتحرير‭ ‬الملاكم‭ ‬روبين‭ ‬كارتر‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬ثلاث‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭. ‬والثالثة‭ ‬“مرهب‭ ‬الحيّ”‭ ‬‭(‬1983‭)‬‭ ‬وهي‭ ‬إعلان‭ ‬انتماء‭ ‬إلى‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬وتأييد‭ ‬واضح‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬المفاعل‭ ‬النووي‭ ‬العراقي‭ ‬أوزيراك‭ ‬وسنة‭ ‬من‭ ‬اجتياح‭ ‬لبنان‭. ‬‭(‬انظر‭ ‬مقالتنا‭ ‬بجريدة‭ ‬العرب‭ ‬“بوب‭ ‬ديلان‭ ‬المتصهين”،‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬ديسمبر‭ ‬2016‭)‬‭. ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬كلها‭ ‬كتبت‭ ‬ونشرت‭ ‬بعد‭ ‬الفترة‭ ‬1961‭-‬1966،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬مولد‭ ‬أسطورته‭ ‬كفنان‭ ‬ملتزم‭ ‬معارض‭ ‬يشيد‭ ‬به‭ ‬الصحافيون،‭ ‬حتى‭ ‬العرب‭ ‬منهم‭.‬

أسطورة‭ ‬المغني‭ ‬المتمرد

وإذا‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬ديلان،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فنانا‭ ‬ملتزما‭ ‬بالمعنى‭ ‬السياسي‭ ‬المتداول‭ ‬اليوم،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬متمردا‭ ‬على‭ ‬السائد‭ ‬بفكره‭ ‬وسلوكه‭. ‬وهذا‭ ‬أيضا‭ ‬مردود‭ ‬عليه‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬ألبومه‭ ‬الأول‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬سار‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬مشاهير‭ ‬مغنّي‭ ‬الفولك‭ ‬الأميركان‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتغنون‭ ‬بملحمة‭ ‬“تكوين”‭ ‬بلادهم،‭ ‬ببناتها‭ ‬المجهولين‭ ‬وقطاع‭ ‬طرقها‭ ‬المشهورين،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬التروبادور‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يشدون‭ ‬ملاحم‭ ‬الأبطال‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1966،‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬حركات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الطلابية‭ ‬بخاصة،‭ ‬اختار‭ ‬ديلان‭ ‬أن‭ ‬يهجر‭ ‬الفولك‭ ‬وينحو‭ ‬إلى‭ ‬الروك‭ ‬والبوب،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬اعتنقت‭ ‬فنَّه‭ ‬الشبيبةُ‭ ‬الأوروبية‭ ‬واعتبرته‭ ‬نبيا‭ ‬لها‭.

وفي‭ ‬صيف‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬بعد‭ ‬حادث‭ ‬دراجة‭ ‬نارية‭ ‬يشك‭ ‬المتابعون‭ ‬في‭ ‬صحته‭. ‬ويعتبرون‭ ‬أنه‭ ‬إنما‭ ‬ادعى‭ ‬ذلك‭ ‬لينسحب‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يرفض‭ ‬التماهي‭ ‬معها‭. ‬واختار‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬الريفي‭ ‬بوودستوك‭ ‬صحبة‭ ‬زوجته‭ ‬وأبنائه‭ ‬الأربعة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬نيويورك‭ ‬وهوس‭ ‬المعجبين‭ ‬وملاحقة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬هناك‭ ‬سجل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائه‭ ‬ألبومه‭ ‬الثامن‭ ‬“جون‭ ‬ويسلي‭ ‬هاردينغ”‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬الفولك‭ ‬والروك،‭ ‬وهو‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬“قوة‭ ‬الزهور”‭ ‬شعار‭ ‬الهيبيز‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

فأين‭ ‬الفنان‭ ‬المتمرد؟‭ ‬والجواب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬قط‭. ‬والدليل‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المذكور‭ ‬أعلاه‭ ‬حينما‭ ‬اكتشف‭ ‬المعجبون‭ ‬ملاذه‭ ‬بوودستوك‭ ‬وجاؤوه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬“أعطاني‭ ‬بيتر‭ ‬لافارج،‭ ‬أحد‭ ‬مغني‭ ‬الفولك‭ ‬من‭ ‬أصحابي‭ ‬مسدسين،‭ ‬وكانت‭ ‬لي‭ ‬بندقية‭ ‬ونشستر‭ ‬أوتوماتيكية‭. ‬فظيع‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬بها‭. ‬كانت‭ ‬السلطات،‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬وودستوك‭ ‬وشرطيان‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬قد‭ ‬حذرتني‭ ‬بأني‭ ‬سأقاد‭ ‬إلى‭ ‬المخفر‭ ‬لو‭ ‬جرح‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬أصيب‭. ‬تصور‭: ‬لو‭ ‬يسقط‭ ‬أحد‭ ‬المجانين‭ ‬الذين‭ ‬يجرّون‭ ‬أحذيتهم‭ ‬فوق‭ ‬سقف‭ ‬بيتي،‭ ‬فسوف‭ ‬أُتّهَم‭ ‬وأمثل‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭. ‬شيء‭ ‬مربك‭ ‬حقا‭. ‬كنت‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬أولئك‭ ‬الناس‭. ‬أولئك‭ ‬الفضوليون،‭ ‬المرضى،‭ ‬الطامعون‭ ‬في‭ ‬طعامي،‭ ‬تلك‭ ‬الغوغاء،‭ ‬كانوا‭ ‬يدخلون‭ ‬الاضطراب‭ ‬على‭ ‬حياتنا،‭ ‬ولو‭ ‬طردتهم،‭ ‬فسوف‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬المتهَم”‭.‬

الجدير‭ ‬ذكره‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬رفض‭ ‬المساهمة‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬أقيم‭ ‬عام‭ ‬1969‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬وفضل‭ ‬أن‭ ‬يهجر‭ ‬المنطقة‭ ‬مؤقتا‭. ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬صراحة‭ ‬“لم‭ ‬أكن‭ ‬ناطقا‭ ‬باسم‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬أحد‭.. ‬كنت‭ ‬فقط‭ ‬فنانا”‭.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.