هذا الترامب

السبت 2017/04/01
لوحة: راشد حسو

ما يجب أن نعيَه ونفهمه أن دونالد ترامب هو الوجه الحقيقي لأميركا بلا رتوش أو أصباغ. أميركا الرأسمالية.. أميركا البراجماتية.. أميركا المتوحشة التي تعيش لحظات الذروة من المجد والقوة والأبهة. ترامب لم يأت بجديد على سابقِيه إلا بالصراحة فقط في خطاباته. ولا فرق في النهاية بين من يقتلك بعقل، ومن يقتلك بهمجيَّة. على الأقل هذه نظرتُنا كعرب ومسلمين إلى الظاهرة الأميركية خلال العقود المتأخرة وبصورة إجمالية «جشطالتية».

ترامب ليس «قراقوش» مهما بلغ من جنون العظمة «البارانويا» وليس القذافي أصلا.! لأن جنونه «مُعقلن» ومنضبط بالمؤسسية الأميركية، وليس بعيدا أصلا عن التوجه المؤسسي الرسمي للسياسة الأميركية التي تفصح تارة عن وجهها وتوارب تارة أخرى. وفي أسوأ الأحوال سيكون بوش الابن الجديد الذي أعلنها حربا صليبية، وفعل بالعرب والمسلمين ما لم يفعله ريتشارد قلب الأسد، بمعنى أنه لن يضيف كثيرا على ما فعله بوش الابن.

من ناحية ثانية قد يبدو المشهد أنه حالة من المد والجزر تتبعها السياسة الأميركية من خلال فريقي العمل المنتظمين، «الجمهوري والديمقراطي» وذلك صحيح إلى حد كبير، غير أن اللعبة لن تستمر إلى ما لا نهاية، ما لم تتقلّم أظافر الوحش الذي يسكن هذه القارة، وتتجه إلى صبغ سياستها بالأخلاق بعيدا عن البراجماتية المفرطة القائمة على المصلحة مفصولة عن الأخلاق، فتتعامل مع الآخر بمسؤولية؛ على الأقل كما تفعل اليابان اليوم ومنذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما بتعاملها مع النمور الآسيوية التي جعلت منها إمبراطوريات اقتصادية مهولة في فترات وجيزة، وتعاملت معها بمسؤولية عليها الصبغة الأخلاقية المنبثقة من ثقافة البوشيدو.

وعودة إلى نزق ترامب، فإنه «يُخلقُ الشيءُ ويُخلق -أيضًاـ نقيضُه معه». كما أن «بعض مواقف أقصى اليمين تخدم أقصى اليسار أحيانا». هذه من المسلّمات في حياة الناس التي تندرج في إطار «الظاهراتية» العامة، وبالتالي سيكون هناك رد فعل محلي ودولي على هذا الجموح المفرط الذي دشنه ترامب، وقد بدأ فعلا، وسيتنامى أكثر ما فتئ هذا المهووس في هوسه؛ لأن ثمة لاعبين دوليين كبارا على مسرح الحياة السياسية عالميا غير الحالة العربية التي تثير الإشفاق، وحتما ستتضرر مصالحهم من هذا التوجه، وبالتالي سيكون لهم موقفهم من ذلك، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي. كما أن هذا السلوك لا يمثل تماما الشعب، وإن كان قريبا من توجهات الإدارة الأميركية نفسها.

ما يجب التنبه له ونحن نتكلم عن الحالة الأميركية بشكل عام لا عن حالة ترامب كشخص أو حتى كرئيس، أن قوة أميركا تكمن في تنوعها، والجميع يعرف أنها تفتقد إلى العمق الحضاري والتاريخي الذي تستند إليه بعض الدول كجزء من قوتها السياسية، والمساس بهذه القوة مساس بأمنها القومي بصورة مباشرة، ولو تجاوز ترامب الحد الأقصى في مسار اللعبة فليس بعيدا أن يتم اغتياله، حفاظا على المصالح الأميركية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.