عطسة الدبّاب

الاثنين 2017/05/01
لوحة: شادي أبوسعدة

الحافلة الصغيرة، الميكروباص، أطلق عليه الشارع اليمني اسم «الدبّاب». فهو يدب دبيب النملة، بدون نظام، فكيف ما كنتم يكون دبّابكم. والدباب: في الأمام كرسي السائق، وآخر للراكب الجالس إلى جواره. وفي الخلف كرسيان متقابلان، يتسع كل كرسي لراكبين، وثلاثة لليمنيين. واليمنيون يحترمون المرأة، النادر لا حكم له، فإذا ركبت الدبّاب، وكانت الثالثة، يتكور الجالس، جنبها، على نفسه حتى لا يلمس لها طرفا.

وإذا كانت الثانية على الكرسي، لا يهتم السائق بالواقف على الشارع، الملوح له بالوقوف، احتراما لها، أو أنه المدرك مسبقا، الراغب للوصول إلى غايته، لن يصعد على الدبّاب، التكور على النفس عبودية، عبد البقعة الصغيرة، بالكاد يستعيد حريته. ثم إن الراغب بالصعود ليس مضطرا، الدبّابات ضاقت بها الشوارع، أغلبها تكمل رحلتها براكب، أو اثنين. قال السائق (ساخرا): متوسط الركاب لكل دباب، اثنان.

لمح من على المرآة المرأة المنقبة الجالسة على الكرسي لوحدها، تنظر إلى الشارع من على الزجاج الجانبي. استطرد في سره «وللمرأة في الدبّاب مثل حظ الرجلين». حظها في الجلوس، وعند الدفع، للسائق حظ رجل واحد؟! يسخر السائق الضنك، كادت الرحلة تنتهي إلا من المنقبة، والشاب الجالس قبالتها.

والشاب مثل السائق، كلاهما محروم، إلا أن شعوره مختلف، أوشك أن يفترسه الغيظ، العينان الجميلتان للمنقبة لا تريدان أن تقعا على عينيه، إذا وقعت لعلها تبتسم، سيستشرفها من وراء النقاب المتغضن عند شفتيها، وإذا ابتسمت لعلها تجيب على سؤاله.

وإذا لم يكن الكلام داخل الدبّاب، فربما يكون خارجه. والمصالح المتضاربة، السائق يدعو الله، في سره، أن يرزقه براكب، وهو يدعو الله، في سرّه، ألاّ يطبّ عليهما راكب، لعل وعسى أن يرزقه الله بنظرة من عين المنقبة، المصممة ألا تفارق الشارع الذي ينهبه الدبّاب.

وفجأة عطست، الفرصة المشروعة، لن تكون تحرشا.. بادر ناكسا رأسه «رحمكم الله». لمحته بطرف عينها، الناكس، لم تقع على عينه، ثم قالت «يهديكم الله.. ويصلح بالكم». الرد الثاني، كان ينتظر أن تقول «يرحمنا، ويرحمكم الله». رفع رأسه، كانت عينها قد عادت إلى الشارع، والرحلة لم تلبث أن انتهت. نزلت من على الدبّاب، وهو بعدها، يتمتم بحمد الله، أنه لم يسألها رقم هاتفها المحمول.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.