اللعبة

الاثنين 2017/05/01

كان أصعب قرار اتخذه في حياته منذ أن اقتنع بأن يحمل الجنين بديلا عن زوجته وربما دفعته إلى ذلك الشفقة عليها، لأن أيّ حمل قادم لها سيكون خطراً على حياتها.

كل شيء تمّ بسهولة ويسر، زرع البويضة فيه، وإخصابها بحيوانه المنوي، حالة الحمل سارت عنده طبيعية، بل لعله اقتنع الآن بأن الرجال أكثر قدرة على الحمل من النساء، مصدر قلقه الوحيد هي تلك الصورة التي سيبدو عليها مثل النساء وهو حامل. ذات يوم سمع حديثاً بين طفلين:

- هل جئت من بطن أمك أم من بطن أبيك؟

- من بطن أبي.

- وأنت…

لا يبدو اليوم فرق بين الاثنين، لكنه الآن يؤمن بأنّ طفله لا بدّ أن يأتي متميّزا.

مازالت السيارة تلتهم طريقها إلى مستشفى الولادة، وزوجته كانت تحاول تهدئته، نظر إليها بابتسامة باردة، لا بدّ أنها تشعر الآن بالانتصار عليه، ولمَ لا فمنذ أن انتزعت منّا النساء حق المساواة، خسرنا نحن الرجال أكثر من النصف.

تألمّ بصوت مرتفع فبادرته زوجته:

- تحمّل قليلاً يا حبيبي فنحن على أبواب المستشفى.

- لم أعد أحتمل ركلاته المستمرة.

- لم يبق كثيرا، تشجّع.

كان الوحام بالنسبة إليه مرحلة مسلية اكتشف فيها كثيرا من خبايا النساء، وأما الولادة فجسمه الآن يرتعش منها.

مرقت السيارة إلى داخل سور المستشفى ووقفت أمام بوابة، أسرع منها ممرضان يحملان نقالة إسعاف، هرعا به إلى غرفة الولادة. كانت زوجته مرتبكة وهي تجري خلفه، أشعلت سيجارة بعد أن أوصد الممرض باب غرفة العمليات مشيرا إليها بالانتظار. يداها باردتان وجسمها يرتعش، أطفأت السيجارة وأشعلت أخرى، تواردت عليها خواطر مرتبكة، انتبهت إلى صوت باب الغرفة وهو يفتح ويخرج منه ممرض. اندفعت نحوه امرأةٌ شابة قلقة تسأله بارتباك:

- كيف حاله؟ لم تكن قد شعُرتْ بوجود تلك المرأة من قبل.

- بكل أسف يا سيدتي، كل ما استطعناه هو إنقاذ الجنين.

صعقت المرأة وانفجرت باكية ثم هوت مغشياً عليها.

أسقط في يدها وغرق جسدها في لجة باردة ظلت تحملق في الممرض، كانت سيجارتها العاشرة في بداية اشتعالها حين سقطت على رجلها ولم تشعر بلسعتها.

تمنّت لو أنها الآن في حالة مخاض الولادة على أن تكون في هذا الموقف. أخرجها من تلك الحالة صوت يقول لها:

- مبارك يا سيدتي جاءك ولد. الأب والابن في صحة تامة وبإمكانك مشاهدتهما حالاً. اندفعت نحو باب غرفة الولادة وانكبّت تقبّل زوجها وتبكي، وجدته مبتسماً، همست في أذنه تداعبه:

- لقد نجحت العملية يا حبيبي، وهاهو طفلنا يلعب.

ابتسم في إعياء ثم رحل عنها بفكره، ترى هل ستمنحه الحكومة إجازة الوضع القانونية!

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.