قصتان

الاثنين 2017/05/01
لوحة: شادي أبوسعدة

لقاء

دخل إلى حرم المسجد اتجه للمكان المخصص للوضوء كانت المياه تنهمر على ساقيه وصوت ابنه الذي كان يتكلم معه عبر الهاتف قبل قليل لا يفارقه عندما قال له «أنا في انتظارك يا بابا أرجوك أن تأتي في أقرب فرصة».

نفرت الدموع على خديه فقام يهيل الماء على وجهه ليخفي حزنه وألمه، تنهد ثم مسح بالماء رأسه ليقول في نفسه «الحياة محطات لقاء ووداع.. آه كم أنا مشتاق لملاقاة من أحب»، تذكر فجأة أمه العجوز وهي تودعه مقدمة له مصحفاً صغيراً «احمله في جيبك يا ولدي واحفظ الله يحفظك ولا تنسى الصلاة فإنها صلة العبد بربه». تنهد مجدداً وهو يتحسس بيده المصحف في جيبه الأيسر فقد جعله قريبا إلى قلبه ليذكره بوصية أمه الغالية. ابتسم وهو يقول لنفسه «كلها أيام قلائل وأعود إلى القرية وإجازة تجمعني مع الأصدقاء»، هز رأسه وهو يتأمل أحد زملائه باللباس العسكري وقد أخذوا مكانا في الصف لأداء الصلاة وقال «حتى عندما أكون وسط أهلكم أشتاق لزملائي».

شعر بالسكينة تعم جسده فأخذ مكانه في الصف إلى جوار عدد من الناس، ركع ثم سجد وفجأة أحس بنغز جاء في صدره وبانقطاع أنفاسه ثم بصوت لطلقات الرصاص مد يده ليجد نفسه غارقا في بركة من الدماء.. انتفض المصلون في ذهول وجدوا أشخاصا يصوبون نار سلاحهم على العسكريين ويردونهم قتلى ثم يفرون وهم يصرخون «الله أكبر قتلنا الكفرة..».

يأخذ احد المصلين بالصراخ:

الكفرة من يقتلون جند الله في الجوامع.

يرن جهاز الهاتف السيار من حزام أحد الجنود يأخذه أحد الحاضرين ليجد صوتا من الطرف الآخر:

محمد.

الرجل:

محمد ذهب إلى مكان بعيد.

الصوت:

أرجوك أن تخبره بأن والده توفي قبل قليل وقد كان يقول بأنه في شوق للقاء ابنه الوحيد.

الرجل وعيناه تنهمر بالدموع:

اطمئن احسبهما قد التقيا أخيراً.

آل سالم

خرجت من منزلها برفقة أبنائها وأحفادها وجيرانها وأهل قريتها محملين بكل ما خفّ حمله وهي تتأوه:

إيه يا دير سالم يا وطني الحبيب لم أكن لأتركك ولا أفارق نسمات هوائك لحظة لولا أن أكرهت على ذلك.

تجد صعوبة في ازدراد لعابها كما أن الدموع عصيّة مما زاد حزنها وألمها.

يخاطبها زوجها الذي حفرت السنون أخاديد في قسمات وجهه:

منذ الأزل ونحن سكان هذه الديار ونحظى بحماية أهلنا من أتباع الديانة الإسلامية… والآن..

صمت لبرهة ثم عاود الكلام:

الآن نجبر على ترك مواطننا.. على ترك تراثنا وتاريخنا..

التفت إليها:

هل تذكرين كيف تمردنا على الوكالة اليهودية ورفضنا الهجرة إلى فلسطين وإلى الوطن الموعود؟.. لقد فضلنا البقاء في وطننا لأننا من أبناء حمير وسبأ ومعين ولسنا وافدين.. جذورنا هنا.

عندها أخذت العجوز تبكي وهي تطبطب بيدها على ظهر زوجها وتسوي زنايره التي ابتلت بالدموع.

ضمها إليه برفق وقال لها:

اعذريني فليس لي من أشكوا له همي سواك.. إنني اشعر بالغبن فتاريخنا حافل بالوئام والسلام منذ ظهور الإسلام قبل ألف وخمس مئة عام.. كانت حقوقنا وأرواحنا مصانة حتى في أحلك الظروف..

مسح دموعه وهو يسحب حقيبته الكبيرة:

ألم نرفض أمر الإمام يحي بتهجيرنا إلى فلسطين مفضلين العيش معهم فلماذا انقلبوا علينا فجأة؟

تتنهد العجوز بألم:

كانت حياتنا على ما يرام إلى أن جاز أصحاب العمائم السود بأفكارهم الشيطانية.. لم يكفّروننا وحسب بل كفروا كل المذاهب والطوائف الإسلامية الأخرى.. إنهم أشخاص بلا عقول أو قلوب.

صرخ أحد الأشخاص وهو يشاهد عددا من أفراد الجيش:

الجيش أمامنا سوف نعود إلى ديارنا.

هز العجوز رأسه قائلاً:

- لا يصلح العطار ما أفسده الدهر.. عهد الوئام والسلام لن يعود إلا بعودة المسلمين إلى دينهم الصحيح الذي حفظ للكل كرامته.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.