أشكال‭ ‬يثقلها‭ ‬الراهن

الخميس 2017/06/01

‬لا يمكن‭ ‬لفن‭ ‬النحت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاضرا‭ ‬وراسخا‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬هو‭ ‬شاخص‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬بغداد‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬نصب،‭ ‬بعضها‭ ‬يستعيد‭ ‬بقوة‭ ‬الخيال‭ ‬حكايات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬تاريخي‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬يتمثل‭ ‬أحداثا‭ ‬ووقائع‭ ‬احتفظت‭ ‬بها‭ ‬ذاكرة‭ ‬المدينة،‭ ‬والنحت‭ ‬حاضرا،‭ ‬أيضا،‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬المشتركة‭ ‬والشخصية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬فيها‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬دالة‭ ‬ووثيقة‭ ‬لتاريخ‭ ‬حضاري‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬القديم،‭ ‬لكنه‭ ‬أصبح‭ ‬شاهدا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬الحاضر‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬الراهنة‭.‬

حينما‭ ‬رفض‭ ‬العراقيون‭ ‬منذ‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة‭ ‬تغّول‭ ‬وتسلط‭ ‬أحزاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬بلدهم‭ ‬وقفوا‭ ‬منددين‭ ‬بهيمنتها‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬نصب‭ ‬الحرية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أنجزه‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬جواد‭ ‬سليم‭.‬

قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2004،‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأميركي،‭ ‬أقام‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬النحاتين‭ ‬العراقيين‭ ‬معرضا‭ ‬لمنحوتاتهم‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬أسموه‭ ‬‮«‬على‭ ‬الأنقاض‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬أعمالهم‭ ‬تتوزع‭ ‬فضاءات‭ ‬المركز‭ ‬الفني‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للحرق‭ ‬والتدمير‭ ‬ونهب‭ ‬مجموعته‭ ‬المتحفية‭. ‬مثّل‭ ‬معرضهم‭ ‬ذاك‭ ‬تصريحا‭ ‬معلنا‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬باقين‭ ‬وسيواجهون‭ ‬الخراب‭ ‬بإنجاز‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬النحت‭.‬

الفنان‭ ‬نجم‭ ‬القيسي‭ ‬‭(‬1961‭)‬‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المعرض‭ ‬مع‭ ‬نحاتين‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬مجايليه‭ ‬هم‭ ‬رضا‭ ‬فرحان‭ ‬وطه‭ ‬وهيب‭ ‬وعلوان‭ ‬العلوان‭ ‬وعلي‭ ‬رسن‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نحاتين‭ ‬آخرين‭. ‬جيل‭ ‬من‭ ‬النحاتين‭ ‬تكرس‭ ‬حضورهم‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬سيمثل‭ ‬فن‭ ‬النحت‭ ‬لديهم‭ ‬ممارسة‭ ‬تبتكر‭ ‬دوافعها‭ ‬الخلاقة‭ ‬بأسباب‭ ‬لحظات‭ ‬تعبير‭ ‬تختبر،‭ ‬غالبا،‭ ‬موضوعات‭ ‬حزينة‭. ‬رؤية‭ ‬تستمد‭ ‬بعدها‭ ‬الجمالي‭ ‬والإنساني‭ ‬بأثر‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بوطنهم،‭ ‬وعبر‭ ‬نظر‭ ‬يعاين‭ ‬مشاهد‭ ‬الكرب‭ ‬والخراب‭ ‬وتداعيات‭ ‬حرب‭ ‬لم‭ ‬تنطفئ‭ ‬منذ‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬عاما،‭ ‬هم‭ ‬كانوا‭ ‬شهودها‭ ‬بامتياز‭.‬

من‭ ‬صلب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬الهانئة‭ ‬تماما‭ ‬جاء‭ ‬نتاجهم‭ ‬الفنّي‭ ‬كي‭ ‬يقيم‭ ‬صلته‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المشهدية‭ ‬الحادّة‭ ‬والصارخة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واقعي‭ ‬ومتخيّل‭ ‬في‭ ‬آن‭. ‬أعمال‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬المباشرة‭ ‬لكنّها‭ ‬ذات‭ ‬اهتمام‭ ‬جمالي‭ ‬وشغوفة‭ ‬بالتجريب،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مولعة‭ ‬بالانشغالات‭ ‬الأصيلة‭ ‬لفن‭ ‬النحت‭.‬

ستوثق‭ ‬تجارب‭ ‬هؤلاء‭ ‬النحاتين‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الثقيل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬أعمال‭ ‬تحمل‭ ‬دلالتها‭ ‬صفة‭ ‬التعبير‭ ‬الحزين،‭ ‬والتي‭ ‬ستبقي،‭ ‬ضمنا،‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬موضوعات‭ ‬أكثر‭ ‬هناءة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬آخر‭.‬

انشغالات‭ ‬التجربة

عبر‭ ‬أسئلة‭ ‬فنية‭ ‬وجمالية‭ ‬تتردد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬صلة‭ ‬تجريبية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬الممارسة‭ ‬النحتية‭ ‬وموضوعات‭ ‬تعاين‭ ‬هواجس‭ ‬الإنسان‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬الكثيف‭ ‬في‭ ‬راهن‭ ‬مثقل‭ ‬بالحوادث‭ ‬الصادمة،‭ ‬حضرت‭ ‬تجربة‭ ‬النحات‭ ‬نجم‭ ‬القيسي‭ ‬في‭ ‬المشغل‭ ‬النحتي‭ ‬العراقي‭.‬

في‭ ‬البدء،‭ ‬كانت‭ ‬تجاربه‭ ‬تعتمد‭ ‬خامتي‭ ‬‮«‬المرمر‮»‬‭ ‬و‮»‬الحجر‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬تمثيلاته‭ ‬النحتية‭ ‬محاولة‭ ‬لمطاوعة‭ ‬خامة‭ ‬شديدة‭ ‬الصلابة‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬أشكال‭ ‬دافعها‭ ‬الخيال‭ ‬المحض‭. ‬أغلب‭ ‬المنحوتات‭ ‬التي‭ ‬أنجزها‭ ‬خلال‭ ‬العشرية‭ ‬الأولى‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬صفة‭ ‬التجريد‭. ‬مشغولة‭ ‬بخيارها‭ ‬الجمالي‭ ‬الخاص‭. ‬حيث‭ ‬بمقدور‭ ‬الخيال‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬مادة‭ ‬‮«‬الحجر‮»‬‭ ‬خفة‭ ‬تعارض‭ ‬صلابته‭. ‬أعماله،‭ ‬تلك،‭ ‬كرسّت‭ ‬انشغالها‭ ‬الفني‭ ‬عبر‭ ‬علاقة‭ ‬استدعت‭ ‬جدلية‭ ‬الكتلة‭ ‬والفضاء،‭ ‬الامتلاء‭ ‬والفراغ،‭ ‬التجريد‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬دلالة‭ ‬تعبيرية‭ ‬ذي‭ ‬معنى‭.‬

كان‭ ‬القيسي‭ ‬مشغولا،‭ ‬أيضا،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬منحوتاته‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬قصدية‭ ‬الأفكار،‭ ‬ووفق‭ ‬رؤية‭ ‬مفهومية‭ ‬يكون‭ ‬خلالها‭ ‬عمله‭ ‬النحتي‭ ‬دالا‭ ‬عليها‭ ‬وكاشفا‭ ‬لها،‭ ‬أيّا‭ ‬تكن‭ ‬خصائص‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬تتمثله‭. ‬تجربة‭ ‬اهتمت‭ ‬بتحقق‭ ‬مأثرة‭ ‬التعبير‭ ‬عبر‭ ‬مواءمة‭ ‬الفكرة‭ ‬لتجريبية‭ ‬الشكل‭ ‬النحتي‭ ‬وتمظهره‭.‬

بدافعية‭ ‬هذا‭ ‬التمرس‭ ‬الفني‭ ‬سيكون‭ ‬اختياره‭ ‬لمادة‭ ‬البرونز‭ ‬كخامة‭ ‬تتوافق‭ ‬وتوقه‭ ‬إلى‭ ‬تضمين‭ ‬منحوتاته‭ ‬دلالات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬تمثلها‭ ‬للمعنى‭. ‬بذلك‭ ‬ستتعدى‭ ‬تجربته‭ ‬الانشغال‭ ‬التجريدي،‭ ‬إلى‭ ‬مقاربة‭ ‬رمزية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاستعارة‭ ‬في‭ ‬توصيف‭ ‬موضوعاتها‭. ‬وسيكون‭ ‬للجسد‭ ‬الإنساني‭ ‬حامل‭ ‬لصفة‭ ‬الحضور‭ ‬الأصيل‭ ‬والوحيد‭ ‬في‭ ‬تجاربه‭ ‬الفنية،‭ ‬بمعالجة‭ ‬فنية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬تحوير‭ ‬واختزال‭ ‬ملامحه،‭ ‬وإبقائه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬حضور‭ ‬تتمثل‭ ‬ثيمات‭ ‬وجودية‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬هاجس‭ ‬الغرابة‭ ‬والتعارض‭.‬

حيث‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الإنساني،‭ ‬بملامحه‭ ‬المبسطة‭ ‬وهيئته‭ ‬المنتصبة‭ ‬غالبا،‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬اللامكان،‭ ‬بمثابة‭ ‬الشاهد‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬موضوعته‭. ‬أشكاله‭ ‬النحتية‭ ‬تلك‭ ‬ستبدو‭ ‬مهيأة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬حضورها‭ ‬ومغزى‭ ‬وجودها‭ ‬الفني،‭ ‬وعبر‭ ‬أوضاع‭ ‬إنسانية‭ ‬كأنها‭ ‬نتاج‭ ‬محنة‭ ‬ذاتية‭ ‬تستدعي‭ ‬تأثرها‭ ‬البالغ‭ ‬بلحظتها‭ ‬التعبيرية‭ ‬ووجودها‭ ‬الشديد‭ ‬التوتر‭. ‬أعمال‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬بكونها‭ ‬معنية‭ ‬بفكرة‭ ‬مباشرة،‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬توثيقية‭ ‬تعاين‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬إلاّ‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصف‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يجعلها‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬تلقّ‭ ‬متعددة‭ ‬التفسير‭.‬

الجسد‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬حضوره

في‭ ‬أعماله‭ ‬النحتية‭ ‬الأخيرة‭ ‬تتكرر‭ ‬استعارته‭ ‬لشكل‭ ‬دراجة‭ ‬بعجلات‭ ‬مربّعة‭ ‬الشكل‭ ‬تحمل‭ ‬شخوصه‭ ‬المنحوتة،‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬تحديدات‭ ‬الواقع‭ ‬ومشاهداته‭ ‬ومواقفه‭. ‬ثمة‭ ‬قصدية‭ ‬لمعنى‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬والذي‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬متعال‭ ‬عنه،‭ ‬بل‭ ‬يشتبك‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬شرطه‭ ‬الوجودي‭ ‬والإنساني‭. ‬استعارته‭ ‬لآلة‭ ‬الركوب‭ ‬اليومية‭ ‬هذه،‭ ‬ستكون‭ ‬استعارة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المفارقة‭. ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬تمثيل‭ ‬السرعة‭ ‬والعجالة،‭ ‬بل‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬العطل‭ ‬والعطب‭. ‬البقاء‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬البدء،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬المكان،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬مضنية‭ ‬للانتقال،‭ ‬للتحوّل،‭ ‬للتغيير‭.‬

‭ ‬محاولات‭ ‬ومسعى‭ ‬للمضي‭ ‬إلى‭ ‬الأبعد،‭ ‬لكنها‭ ‬لحظة‭ ‬الصراع‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تبقي‭ ‬شخوصه‭ ‬وأشكاله‭ ‬النحتية‭ ‬ماكثين‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭. ‬وكأنّ‭ ‬ثمّة‭ ‬علاقة‭ ‬خفية‭ ‬وغير‭ ‬مصرّح‭ ‬بها،‭ ‬تقيمها‭ ‬منحوتاته‭ ‬أثناء‭ ‬فعلها‭ ‬التعبيري‭ ‬المأزوم‭ ‬هذا،‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الكائن‭ ‬مع‭ ‬شرط‭ ‬حياتي‭ ‬غامض‭ ‬يبقيه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اللاّجدوى،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬فعل‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬مقصد‭ ‬آخر‭ ‬وغاية‭ ‬مغايرة‭.‬

أشكال‭ ‬تستدعي‭ ‬مشاعر‭ ‬الخيبة‭ ‬جرّاء‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬بمحاولات‭ ‬غير‭ ‬مجدية‭. ‬أجساد‭ ‬تتلوّى‭ ‬جراء‭ ‬فعل‭ ‬صدام‭ ‬أو‭ ‬سقوط‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬حداً‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬تسعى‭ ‬لبلوغ‭ ‬وجود‭ ‬مختلف،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يتحقق‭ ‬هو‭ ‬الأثر‭ ‬الذي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬بقائها،‭ ‬والرفض‭ ‬الخفي‭ ‬الذي‭ ‬يتسلل‭ ‬كي‭ ‬يعطل‭ ‬فعل‭ ‬الرحيل‭.‬

في‭ ‬عمله‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬العنقاء‮»‬‭ ‬ثمّة‭ ‬حضور‭ ‬لشكل‭ ‬إنساني‭ ‬بجناحين‭ ‬يهم‭ ‬بالتحليق‭ ‬لكنه‭ ‬يؤثر‭ ‬البقاء‭ ‬محدقا‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬وكأنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتخلّى‭ ‬عن‭ ‬أثره‭ ‬ووجوده‭ ‬السابق‭ ‬فيها‭. ‬وفي‭ ‬عمله‭ ‬النّحتي‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬تحول‮»‬،‭ ‬يبدو‭ ‬الشكل‭ ‬المحمول‭ ‬على‭ ‬دراجة‭ ‬مهيأ‭ ‬للحظة‭ ‬السقوط‭ ‬إلى‭ ‬الخلف،‭ ‬فالتحوّل‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬هنا‭ ‬فعل‭ ‬انتقال‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفشل‭.‬

وفي‭ ‬عمله‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬ضوء‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬النفق‮»‬‭ ‬يتم‭ ‬تمثيل‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬الدال‭ ‬بأشكال‭ ‬لشخوص‭ ‬عارية‭ ‬متشابهة‭ ‬في‭ ‬ملامحها،‭ ‬بعضها‭ ‬مقطع‭ ‬الأوصال‭ ‬لكنها‭ ‬متلاحمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فعلها‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ارتباطه‭ ‬الواضح‭ ‬بمسار‭ ‬ما،‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يكرس‭ ‬قصدا‭ ‬غامضا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬باعثا‭ ‬على‭ ‬المجهول‭.‬

تستبطن‭ ‬منحوتات‭ ‬الفنان‭ ‬نجم‭ ‬القيسي‭ ‬مغزى‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬راهن‭ ‬ومعيش،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬رؤيته‭ ‬الفنية‭ ‬تستبعد‭ ‬أيّ‭ ‬مشهدية‭ ‬ذات‭ ‬وقع‭ ‬مباشر،‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬شهادة‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬سياسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬مثقل‭ ‬بالخيبة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحدّ‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬والمضي‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬آخر،‭ ‬أحداثه‭ ‬هي‭ ‬شخوصه‭ ‬المأزومة،‭ ‬وصورته‭ ‬تتمثلها‭ ‬طرائق‭ ‬تعبيرها‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬الحزين‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.