سيليني

الخميس 2017/06/01
لوحة: مايسة محمد

الشخصيّات‭:‬

•‭ ‬كليوباترا‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ابنة‭ ‬كليوباترا‭ ‬من‭ ‬مارك‭ ‬أنطونيو،‭ ‬وزوجة‭ ‬الملك‭ ‬الأمازيغيّ‭ ‬‮«‬يوبا‭ ‬الثاني‮»‬‭. ‬شابّةٌ،‭ ‬جميلةٌ،‭ ‬متقلبة‭ ‬المزاج،‭ ‬وعصبيّة‭ ‬الحركات،‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الشكّ‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬شيء،‭ ‬ومسكونةٌ‭ ‬بفكرة‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الرومان‭.‬

•‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مصففة‭ ‬شعر‭ ‬سيليني،‭ ‬ووصيفتها،‭ ‬وكاتمة‭ ‬سرّها،‭ ‬ومربّيتها‭. ‬كانت‭ ‬سابقا‭ ‬وصيفةً‭ ‬لكليوباترا‭ ‬الأم،‭ ‬امرأةٌ‭ ‬ناضجةٌ‭ ‬وماكرةٌ،‭ ‬ومخلصةٌ‭ ‬جدّا‭ ‬لسيّدتها،‭ ‬تجاوزت‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬العمر‭. ‬شخصيّة‭ ‬افتراضيّة‭.‬

•‭ ‬يوبا‭ ‬الثاني‭:‬‭ ‬ملك‭ ‬موريتانيا‭ ‬الغربيّة،‭ ‬وزوج‭ ‬سيليني‭. ‬شابٌ‭ ‬هادئٌ،‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬اجتناب‭ ‬الحرب،‭ ‬وعدم‭ ‬استفزاز‭ ‬الرومان‭.‬

•‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬عرّافة‭ ‬إغريقيّة‭ ‬الأصل،‭ ‬شابّةٌ‭ ‬جميلةٌ،‭ ‬التقتها‭ ‬سيليني‭ ‬في‭ ‬زيارةٍ‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬أثينا،‭ ‬وأحضرتها‭ ‬إلى‭ ‬قصرها‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬شبه‭ ‬أسيرةٍ‭ ‬لديها‭. ‬شخصيّة‭ ‬افتراضيّة‭ ‬أيضا‭.‬

الزمان‭: ‬السنة‭ ‬العاشرة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬‭[‬‭ ‬1‭]‬‭.‬

الوقت‭: ‬صباحٌ،‭ ‬والقصر‭ ‬كلّه‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬إعدادا‭ ‬لوليمة‭ ‬تكريمٍ‭ ‬للإمبراطور‭ ‬‮«‬أغسطسò‭ ‬‭(‬أوكتافيو‭ ‬سابقا‭)‬‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬موكبه‭ ‬إلى‭ ‬تخوم‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وينوي‭ ‬زيارة‭ ‬قصر‭ ‬‮«‬يوبا‭ ‬الثاني‮»‬‭ ‬صبيحة‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭.‬

المكان‭: ‬موريتانيا‭ ‬الغربيّة‭ ‬‭(‬بلاد‭ ‬الجزائر‭ ‬حاليا‭)‬،‭ ‬قصر‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬يوبا‭ ‬الثاني‮»‬،‭ ‬غرفة‭ ‬سيليني‭ ‬الملكيّة،‭ ‬يبدو‭ ‬بوضوحٍ‭ ‬مخدعُها‭ ‬الوثير‭ ‬وقد‭ ‬تبعثرت‭ ‬فوقه‭ ‬بإهمالٍ‭ ‬أثوابٌ‭ ‬كثيرةٌ،‭ ‬وأدوات‭ ‬زينة،‭ ‬وإكسسوارات،‭ ‬وقناني‭ ‬عطر‭ ‬مختلفة‭ ‬الأحجام‭.‬

تبدو‭ ‬الملكة‭ ‬سيليني‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬التوتّر،‭ ‬والتحفّز،‭ ‬والعصبيّة‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تصرخ‭)‬‭ ‬إيراستا‮…‬‭ ‬أين‭ ‬الثوب‭ ‬البنفسجيّ؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬سيّدتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬والأحمر؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سأبحث‭ ‬عنه‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬بسرعة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬تفضلي‭ ‬سيّدتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أيّهما‭ ‬يلائمني؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كلاهما‭ ‬جميلٌ‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أعلم‭. ‬ولكنْ‭ ‬أيّهما‭ ‬أرتدي؟‭ ‬أم‭ ‬أختار‭ ‬لونا‭ ‬آخر؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬رأيكِ‭ ‬بالزهريّ‭ ‬مولاتي؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أف‭! ‬هادئٌ‭ ‬جدّا‮…‬‭ ‬أريد‭ ‬لونا‭ ‬ثائرا‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وهذا؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‮ ‬‭ ‬كلا‮…‬‭ ‬أريده‭ ‬مفترسا‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إذن‮…‬‭ ‬هذا‭ ‬الخمريّ؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إمممم‮…‬‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به،‭ ‬سأرى،‭ ‬صفّفي‭ ‬لي‭ ‬شعري‭ ‬الآن‭.‬

‭(‬تشرع‭ ‬إيراستا‭ ‬في‭ ‬تمشيط‭ ‬جدائل‭ ‬سيّدتها،‭ ‬وعلامات‭ ‬التعب‭ ‬باديةٌ‭ ‬على‭ ‬وجهها‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أيّ‭ ‬تسريحة‭ ‬أختار؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬يرضيك‭ ‬سيّدتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هل‭ ‬سأبدو‭ ‬جميلة؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬طبعا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فاتنة؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬حتما‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أجمل‭ ‬منهنّ‭ ‬جميعا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬قطعا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ناوليني‭ ‬المرآة‮…‬

‭(‬تناولها‭ ‬المرأة،‭ ‬فتشرع‭ ‬في‭ ‬تأمّل‭ ‬وجهها‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الزوايا،‭ ‬وتبدو‭ ‬ساهمةً،‭ ‬تتنهد‭ ‬من‭ ‬حينٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬بينما‭ ‬تواصل‭ ‬الأخرى‭ ‬عملها،‭ ‬وتستمرّ‭ ‬في‭ ‬تصفيف‭ ‬الجدائل‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‮ ‬‭(‬الليلة‭ ‬ليلتي‮…‬‭ ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬يا‭ ‬هيليوس‭ ‬‮ ‬كما‭ ‬وعدتني‭ ‬تلك‭ ‬العرّافة،‭ ‬وإمّا‭ ‬أن‭ ‬أعوِّل‭ ‬على‭ ‬نفسي‭.. ‬وأسكب‭ ‬العطر‭ ‬والرحيق‭.. ‬بالعطر‭ ‬وحده‭ ‬أنال‭ ‬ما‭ ‬أريد،‭ ‬أقسم‭ ‬إنّني‭ ‬سأنال‭ ‬ما‭ ‬أريد،‭ ‬بالدم‭ ‬أو‭ ‬بالرحيق‭! ‬بكَ‭ ‬أو‭ ‬بدونكَ‭ ‬يا‭ ‬هيليوس‮…‬‭ ‬ولكنْ‭ ‬حبّذا‭ ‬لو‭ ‬تعود‭! ‬حبّذا‭ ‬لو‭ ‬تأتي‭ ‬أيّها‭ ‬الحبيب‭..‬‭)‬‭. ‬‭[‬2‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مولاتي،‭ ‬أنتِ‭ ‬تبكين‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أتظنّينه‭ ‬يعود‭ ‬حقا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬قلبي‭ ‬يحدّثني‭ ‬أنه‭ ‬سيفعل‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أتظنّينها‭ ‬صادقةً‭ ‬أم‭ ‬دجّالةً‭ ‬تلك‭ ‬العرّافة؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لن‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬غشّكٍ‭ ‬سيّدتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬صحيح،‭ ‬لن‭ ‬تجرؤ‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ثمّ‭ ‬إنّها‭ ‬أسيرتكِ‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وحقِّ‭ ‬إيزيس،‭ ‬لأقتلنّها‭ ‬بيديّ‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬كاذبة‭!‬

‮ ‬–‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سيعود‭ ‬سيّدتي،‭ ‬سيعود،‭ ‬قلبي‭ ‬يحدّثني‭ ‬أنّه‭ ‬سيعود‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فما‭ ‬بال‭ ‬قلبي‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬يحدّثني‭ ‬بشيء؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تصمت‭ ‬بارتباك‭)‬‭ ‬‮…………‬‭..‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تتملّقينني‭ ‬كعادتكِ‭ ‬أيّتها‭ ‬الحقيرة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أبدا‭ ‬سيّدتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تبّا‭ ‬لكِ‭ ‬تبّا‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‮………‬‭..‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬اغربي‭ ‬عن‭ ‬وجهي‭.‬

‭(‬تخرج‭ ‬إيراستا‭ ‬بسرعة،‭ ‬بينما‭ ‬ترمي‭ ‬سيليني‭ ‬المرآة‭ ‬من‭ ‬يدها‭ ‬بغيظ،‭ ‬ويُسمع‭ ‬صوت‭ ‬تهشّمها،‭ ‬وهي‭ ‬تتحطم‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭[‬جميعهم منافقون‭. ‬وكاذبون‭. ‬حتّى‭ ‬إيراستا‭. ‬حتى‭ ‬زوجي‭. ‬حتّى‭ ‬أخي‭ ‬بطليموس،‭ ‬حتّى‭ ‬ابني‭ ‬سيكون‭ ‬مثلهم‭.. ‬وحدكَ‭ ‬هيليوس‭ ‬أملي‭.. ‬هل‭ ‬ستعود؟‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬القمر‭ ‬دون‭ ‬شمس؟‭ ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬ذي‭ ‬أنتظر‭ ‬منذ‭ ‬دهور‭. ‬الخامل‭ ‬زوجي؛ صنيعة‭ ‬الرومان‭ ‬لا‭ ‬يحرّك‭ ‬ساكنا،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬سوى‭ ‬كتبه‭ ‬ومخطوطاته‭ ‬السخيفة،‭ ‬تبّا‭ ‬لغبائه‭... ‬تبّا‭!‬‭]‬‭.‬

‭(‬يطلّ‭ ‬رأس‭ ‬إيراستا‭ ‬بحذرٍ‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الستار‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬الأمر‭. ‬اغربي‭ ‬عن‭ ‬وجهي‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مولاتي،‭ ‬إنّه‭ ‬قادمٌ‮…‬

‭(‬تتوارى‭ ‬إيراستا‭ ‬سريعا،‭ ‬بينما‭ ‬تشرع‭ ‬سيليني‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬زينتها

على‭ ‬عجل‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬حبيبتي،‭ ‬كيف‭ ‬أنت؟

‭(‬تشيح‭ ‬بوجهها‭ ‬متصنّعةً‭ ‬الغضب،‭ ‬ولا‭ ‬تردّ‭)‬‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬أعلم‭ ‬أنّكِ‭ ‬غاضبةٌ‭ ‬منّي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬دمتَ‭ ‬تعلم،‭ ‬لمَ‭ ‬أتيت؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬لأزيل‭ ‬الغضب‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أزلْ‭ ‬أسبابَه‭ ‬أولا‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬متأفّفا‭)‬‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬موضوعكِ‭ ‬القديم‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬موضوعنا‭ ‬عزيزي،‭ ‬موضوعنا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يوما‭ ‬قديما‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬ما‭ ‬تريدينه‭ ‬هو‭ ‬الجنونُ‭ ‬بعينه‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وما‭ ‬تركن‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬الخمول‭.. ‬بعينه‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يصيح‭)‬‭ ‬سيليني‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تنحني‭ ‬بابتسامة‭ ‬ساخرة‭)‬‭ ‬عفوكَ‭ ‬مولاي‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬بصوت‭ ‬منفعلٍ‭)‬‭ ‬لا‭ ‬تحاولي‭ ‬اختبارَ‭ ‬صبري‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬مواصلةً‭ ‬بابتسامتها‭ ‬الساخرة‭ ‬نفسها‭)‬‭ ‬وإنْ‭ ‬لم‭ ‬أطعْ،‭ ‬ماذا‭ ‬ستفعل؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬معكِ‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬قلْ‭ ‬لي‭ ‬ماذا‭ ‬ستفعل؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬كفى‭ ‬سيليني‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تقتلني؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬لا‭ ‬يردّ‭)‬‭ ‬‮……‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تحرقني‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬يردّ‭)‬‭ ‬‮……‬‭..‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تقدّمني‭ ‬وليمةً‭ ‬طازجةً‭ ‬للتماسيح؟‭ ‬‭[‬3‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬كفى‭ ‬سيليني‮…‬‭ ‬بدل‭ ‬مهاتراتكِ‭ ‬هذه،‭ ‬ركّزي‭ ‬معي‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬الغد،‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرةٌ‭ ‬ستُحسَم‭ ‬لصالح‭ ‬مملكتنا‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقاطعه‭)‬‭ ‬لصالح‭ ‬سيّدك‮…‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يكظم‭ ‬غيظه‭)‬‭ ‬لا‭ ‬يهمّ،‭ ‬سيّدي،‭ ‬وليّ‭ ‬نعمتي،‭ ‬لا‭ ‬يهمّ‮…‬‭ ‬المهمّ‭ ‬مصلحة‭ ‬مملكتنا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بضجر‭)‬‭ ‬مصلحتك‭ ‬أنت‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬اسمعي،‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬لديّ‭ ‬للمناكفات،‭ ‬زيارة‭ ‬الغد‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تنجح،‭ ‬والاحتفالُ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ناجحا،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬خططنا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تشيح‭ ‬بوجهها‭ ‬وتصمت‭)‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬هل‭ ‬سمعتِ‭ ‬ما‭ ‬قلت؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بضجر‭)‬‭ ‬سمعتُ،‭ ‬وأرجو‭ ‬أن‭ ‬تستمع‭ ‬أنتَ‭ ‬إليّ،‭ ‬ولو‭ ‬لمرّة‭ ‬واحدةٍ‭ ‬في‭ ‬حياتك‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يتململ‭)‬‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬المتاهة‭ ‬الأولى‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬اسمعْ،‭ ‬حبيبي،‭ ‬إنّها‭ ‬فرصتنا‭ ‬الوحيدة‭ ‬للانتقام،‭ ‬نتخمه‭ ‬بالأكل‭ ‬والشراب،‭ ‬أعني‭ ‬ندسّ‭ ‬له‭ ‬المخدّرَ‭ ‬في‭ ‬الطعام،‭ ‬فمثله‭ ‬لا‭ ‬يتخم‭ ‬أبدا،‭ ‬ثمّ‭ ‬نقضي‭ ‬عليه،‭ ‬ونرمي‭ ‬بقاياه‭ ‬للتماسيح،‭ ‬ونفعل‭ ‬الشيءَ‭ ‬نفسه‭ ‬بأتباعه‭ ‬وأعوانه‮…‬‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يقاطعها‭)‬‭ ‬كفى‭ ‬سيليني‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتجاهله‭ ‬وتواصل‭)‬‭ ‬نرمي‭ ‬جثثهم‭ ‬للتماسيح‭ ‬وللكلاب‭ ‬أيضا،‭ ‬ثمّ‭ ‬نستدعي‭ ‬ثوارَ‭ ‬الجبال‭ ‬هنا،‭ ‬ونقود‭ ‬هجوما‭ ‬مضادّا،‭ ‬ونحاصر‭ ‬روما،‭ ‬ندكّ‭ ‬حصونها،‭ ‬ونفتح‭ ‬زنازينها،‭ ‬ونخرج‭ ‬الأسرى‭ ‬كلّهم‭ ‬والعبيـ‮…‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يصيح‭ ‬بعنفٍ‭)‬‭ ‬توقفي‭ ‬عن‭ ‬هذا‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تستمرّ‭ ‬في‭ ‬تجاهله‭)‬‭ ‬نخرج‭ ‬العبيدَ‭ ‬كلّهم،‭ ‬ويمثلون‭ ‬أمامي،‭ ‬أحدّق‭ ‬فيهم‭ ‬واحدا‭ ‬واحدا،‭ ‬تكفيني‭ ‬نظرةٌ‭ ‬واحدةٌ‭ ‬لأعرفه،‭ ‬رغم‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬لن‭ ‬أجهله،‭ ‬سأعانقه‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬من‭ ‬شغفٍ‭ ‬وحنين‮…‬‭ ‬أخي‭ ‬الحبيب،‭ ‬أخي‭ ‬العظيم‮…‬‭ ‬ضياء‭ ‬الشمس‭ ‬الذي‭ ‬سيغمرني‮…‬

‭(‬توافيها‭ ‬نوبة‭ ‬بكاءٍ‭ ‬مفاجئة،‭ ‬لكنّها‭ ‬تواصل‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬قلبي‭ ‬يحدّثني‭ ‬أنّه‭ ‬هناك‭ ‬بينهم،‭ ‬ينتظرني،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيّا،‭ ‬ينتظرني‮…‬‭ ‬هل‭ ‬تفهم‭: ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيّا‭! ‬حيّا‭!‬


لوحة: صفوان داحلون

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يعانقها‭ ‬بإشفاق‭)‬‭ ‬كفى‭ ‬سيليني،‭ ‬تعلمين‭ ‬أنّ‭ ‬الأموات‭ ‬لا‭ ‬يعودون‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتملّص‭ ‬من‭ ‬ذراعيْه،‭ ‬وتصيح‭ ‬بضراوة‭)‬‭ ‬أخي‭ ‬لم‭ ‬يمت‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬مَنْ‭ ‬أنبأكِ‭ ‬بهذا؟‭ ‬تلك‭ ‬الدجّالة؟‭ ‬لطالما‭ ‬حذّرتكِ‭ ‬من‭ ‬العرّافين‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬حتى‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬تخبّرني‭ ‬هي،‭ ‬فقد‭ ‬خبّرني‭ ‬قلبي،‭ ‬قلبي‭ ‬وحده‭ ‬يخبّرني‮…‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬لا‭ ‬تدعي‭ ‬العواطفَ‭ ‬تجرفكِ‭ ‬حبيبتي،‭ ‬تعلمين‭ ‬جيّدا‭ ‬أنّه‭ ‬قُتِــ‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقاطعه‭)‬‭ ‬صه‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬قُتِل‭ ‬يوم‭ ‬الاحتفال‭ ‬العظيم‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬صه‭! ‬تعلم‭ ‬جيّدا‭ ‬أنّه‭ ‬لم‭ ‬يُقتل‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬قُتل‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لم‭ ‬يُقتَلْ‮…‬‭ ‬مَنْ‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬لمس‭ ‬الشمس‭! ‬إنّه‭ ‬الآن‭ ‬أسيرٌ‭ ‬لديهم،‭ ‬يصارع‭ ‬حتّى‭ ‬الموت‭ ‬إخوته‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬وينتظر‭ ‬الخلاصَ‭ ‬الذي‭ ‬تبخل‭ ‬جلالتك‭ ‬عليه‭ ‬به‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬كاظما‭ ‬غيظه‭)‬‭ ‬أخوكِ‭ ‬مات‭ ‬منذ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬بعيدةٍ،‭ ‬حاولي‭ ‬أن‭ ‬تهدئي‭ ‬قليلا،‭ ‬فلن‭ ‬يفيدنا‭ ‬الآن‭ ‬سوى‭ ‬الهدوء‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أيّ‭ ‬رجلٍ‭ ‬أنتَ‭ ‬قل‭ ‬لي،‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يعنكَ‭ ‬ثأري‭ ‬أنا،‭ ‬ففكرْ‭ ‬في‭ ‬الأقلّ‭ ‬في‭ ‬ثأر‭ ‬أبيك،‭ ‬ألا‭ ‬تفكّر‭ ‬فيه‭ ‬ولو‭ ‬قليلا؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬سيليني،‭ ‬كفى،‭ ‬لندع‭ ‬الموتي‭ ‬يرتاحون‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬يرتاحون‭! ‬لن‭ ‬يرتاحوا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نثأر‭ ‬لهم‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬هذا‭ ‬شأنُ‭ ‬الجهلة،‭ ‬والرعاع‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬الجهلة‭! ‬الرعاع‭! ‬بل‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬الضعفاء‭ ‬والمتخاذلين‭!‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يصرخ‭)‬‭ ‬سيليني‭! ‬يكاد‭ ‬صبري‭ ‬ينفد‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كيف‭ ‬تطيق‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬بهدوءٍ،‭ ‬وأمواتنا‭ ‬يصرخون؟

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬مَنْ‭ ‬مات‭ ‬يصمت‭ ‬للأبد‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أراهم‭ ‬كلَّ‭ ‬ليلة‭ ‬يصرخون،‭ ‬يهزّونني‭ ‬كلَّ‭ ‬ليلة‭ ‬بعنفٍ‭ ‬طالبين‭ ‬مني‭ ‬الانتقام‮…‬‭ ‬أبي‭ ‬في‭ ‬سكراته‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أمّي‭ ‬بأفعاها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الفحيح،‭ ‬أخي‭ ‬قيصرون‭ ‬‮ ‬الذي‭ ‬يعذبني‭ ‬كلَّ‭ ‬ليلة‭ ‬بعذاباته‭ ‬الأخيرة،‭ ‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬قيصرون؟‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكونا‭ ‬صديقيْن،‭ ‬كان‭ ‬شابّا‭ ‬مدهشا،‭ ‬شامخا‭ ‬كحوريس‭ ‬تماما‮…‬‭ ‬‭[‬4‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬بحقّ‭ ‬جوبيتر،‭ ‬توقفي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬مشمئزّة‭)‬‭ ‬جوبيتر‭! ‬حتّى‭ ‬القسم‭! ‬حتى‭ ‬القسم‭! ‬لا‭ ‬تقسمه‭ ‬إلا‭ ‬بآلهتهم،‭ ‬الزائفة‭ ‬الدجّالة‮…‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬صه‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لن‭ ‬أسكت‭! ‬حتّى‭ ‬أبوكَ‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أعرفه‭ ‬كان‭ ‬يبكي‭ ‬أمامي‭ ‬كلَّ‭ ‬ليلةٍ‭ ‬قهرا،‭ ‬كان‭ ‬يبكي‭ ‬أسفا‭ ‬على‭ ‬ابنه‭ ‬الذي‭ ‬باع‭ ‬قضيّته،‭ ‬وغدا‭ ‬ألعوبةً‭ ‬بيد‭ ‬الرومان‭.‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬يبدو‭ ‬أنّكِ‭ ‬فقدتِ‭ ‬صوابكِ‭ ‬تماما‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تشيح‭ ‬بوجهها‭ ‬ولا‭ ‬تردّ‭)‬

‭-‬‭ ‬يوبا‭: ‬‭(‬يحاول‭ ‬جاهدا‭ ‬تمالك‭ ‬نفسه،‭ ‬واغتصاب‭ ‬ابتسامة‭ ‬مرتبكة‭)‬‭ ‬سأخرج‭ ‬الآن،‭ ‬فلديّ‭ ‬الكثيرُ‭ ‬ممّا‭ ‬يجب‭ ‬فعله‭. ‬إلى‭ ‬اللقاء‭ ‬حبيبتي‮…‬‭ ‬آمل‭ ‬أن‭ ‬تكوني‭ ‬أفضل‭ ‬بعد‭ ‬حين‮…‬

‭(‬يخرج‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتأفّف‭ ‬بغضبٍ،‭ ‬وتنهار‭ ‬باكية‭)‬‮ ‬‭[‬تبّا‭ ‬لكَ‭ ‬يا‭ ‬صنيعة‭ ‬الرومان،‭ ‬سترى‭ ‬ما‭ ‬سأفعله،‭ ‬سأريكَ‭ ‬وأري‭ ‬سيدكَ‭ ‬ما‭ ‬يمكنني‭ ‬فعله،‭ ‬ستروْن‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬حين‭ ‬تتحد‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر،‭ ‬ستروْن‭ ‬أيّ‭ ‬هولٍ‭ ‬يكون‭.‬‮ ‬‭(‬تصمت‭ ‬قليلا‭)‬‮ ‬ولكنْ‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يأتِ؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬نبوءتها‭ ‬مجرد‭ ‬تخاريف؟‭]‬‭.‬

‭(‬تهبّ‭ ‬مسرعةً،‭ ‬وتصفّق‭ ‬بيديْها‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إيراستا‭! ‬أنتِ‭ ‬يا‭ ‬إيراستا‭!‬

‭(‬تأتي‭ ‬إيراستا‭ ‬مسرعةً‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أريد‭ ‬تلك‭ ‬العرّافة‭ ‬الآن‭ ‬أمامي‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أمركِ‭ ‬مولاتي‭.‬

‭(‬تخرج‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بصوتٍ‭ ‬خافتٍ،‭ ‬ومتضرّع‭)‬‮ ‬‭[‬إيزيس‭ ‬العظيمة‭... ‬راعية‭ ‬النساء،‭ ‬حقّقي‭ ‬رجائي،‭ ‬إليكِ‭ ‬وحدكِ‭ ‬أضرع‭ ‬يا‭ ‬أمنا‭ ‬الكونيّة،‭ ‬بحقّ‭ ‬دموعكِ‭ ‬الغالية‭ ‬على‭ ‬أوزير،‭ ‬بحقّ‭ ‬جسده‭ ‬الغالي‭ ‬الشتيت،‭ ‬بحقّ‭ ‬صغيركِ‭ ‬الغالي‭ ‬حوريس،‭ ‬بحقكِ‭ ‬أنتِ،‭ ‬بحقّ‭ ‬ولهي،‭ ‬ونحيبي،‭ ‬حققي‭ ‬الآن‭ ‬رجائي،‭ ‬واجمعيني‭ ‬بهذا‭ ‬الغائب‭ ‬العزيز‭... ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬القمر‭ ‬دون‭ ‬شمسٍ‭ ‬يا‭ ‬إيزيس،‭ ‬حقّقي‭ ‬الآن‭ ‬رجائي،‭ ‬حقّقــ‭...‬‭]‬

‭(‬تستأذن‭ ‬إيراستا‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬ووراءها‭ ‬جنديّان‭ ‬يقودان‭ ‬العرّافة‭ ‬اليونانيّة‭ ‬كاساندرا‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬مولاتي،‭ ‬هاهي‭ ‬الآن‭ ‬أمامك‭.‬

‭(‬تجثو‭ ‬كاساندرا،‭ ‬بخشوعٍ‭ ‬أمام‭ ‬سيليني‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتأمّلها‭)‬‭ ‬انهضي‭.‬

‭(‬تنهض‭ ‬بهدوء‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تناولها‭ ‬يدَها‭)‬‭ ‬هاتِ‭ ‬ما‭ ‬عندكِ‭.‬

‭(‬تمسك‭ ‬اليدَ‭ ‬الممدودة‭ ‬وتتأمّلها،‭ ‬ثمّ‭ ‬تغمض‭ ‬عينيْها‭ ‬لبضع‭ ‬دقائق،‭ ‬وهي‭ ‬ساكنةٌ‭ ‬تماما‭)‬

‮ ‬–‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬بعد‭ ‬الغيبة،‭ ‬يجتمع‭ ‬الشمل‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬فرحةً‭)‬‭ ‬يجتمع‭ ‬الشمل‭! ‬وبعد؟

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬يجتمع‭ ‬الشمل‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فهمتُ،‭ ‬يجتمع‭ ‬الشمل‭.‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬يجتمع‭ ‬الشمل‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أف‭! ‬فهمناها‮…‬‭ ‬كيف‭ ‬يجتمع؟

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬تلك‭ ‬تدابيرُ‭ ‬زيوس‭ ‬العظيم‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬المرة‭ ‬الماضية،‭ ‬ألمْ‭ ‬يمنّ‭ ‬عليك‭ ‬زيوسكِ‭ ‬هذا‭ ‬بالمزيد؟

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬وحده‭ ‬أبولون،‭ ‬يخبّرنا،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬إرضاؤه‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬غيّري‭ ‬اسمك‭ ‬أيّتها‭ ‬الحمقاء‮…‬‭ ‬‭[‬5‭]

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬تغيير‭ ‬الجلد،‭ ‬والجوهرُ‭ ‬باقٍ‭ ‬كما‭ ‬هو‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تسحب‭ ‬يدَها‭ ‬بتأفّف‭)‬‭ ‬إذن‭ ‬هذا‭ ‬كلُّ‭ ‬ما‭ ‬عندكِ،‭ ‬حدّثيني‭ ‬أكثر،‭ ‬كيف‭ ‬سيأتي؟

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬مولاتي‭ ‬سوف‭ ‬يأتي‮…‬‭ ‬قلبكِ‭ ‬سيعرفه‭ ‬حالما‭ ‬يأتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬سيعرفه‭ ‬قلبي‮…‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬وسيعرفكِ‭ ‬قلبُه‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬سيعرفني‭ ‬قلبه‮…‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬وسيتحد‭ ‬الذهبُ‭ ‬والفضة‮…‬‭ ‬سيمتزجان‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬والفرحة‭ ‬تغمرها‭)‬‭ ‬تعنين‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭: ‬هيليوس‭ ‬وسيليني‭!‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬هيليوس‭ ‬وسيليني‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬سيليني‭ ‬وهيليوس‭!‬

‭(‬يغلبها‭ ‬الفرحُ،‭ ‬ولا‭ ‬تني‭ ‬تردّد‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬منتشية‮…‬‭ ‬ثمّ‭ ‬فجأةً‭ ‬تلتفت‭ ‬نحو‭ ‬العرّافة‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولكنْ‭ ‬الويلُ‭ ‬لكِ‭ ‬إن‭ ‬كنتِ‭ ‬كاذبة‭!‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬رسولة‭ ‬أبولون‭ ‬لا‭ ‬تكذب‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وهيليوس‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬أبولون‮…‬‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يحيط‭ ‬سميَّه‭ ‬برعايته‭.‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬أبولون‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬المخلصين،‭ ‬ولا‭ ‬يخذل‭ ‬مَنْ‭ ‬يتسمّوْن‭ ‬باسمه‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تردّد‭ ‬دون‭ ‬وعي‭)‬‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬المخلصين‭! ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬الويلُ‭ ‬لكِ‭ ‬إن‭ ‬كذبت‭!‬

‭-‬‭ ‬كاساندرا‭:‬‭ ‬ستريْن‭ ‬بنفسكِ‭ ‬يا‭ ‬مولاتي‭ ‬صدق‭ ‬ما‭ ‬أقول‮…‬‭ ‬وستعيدينني‭ ‬كما‭ ‬وعدتِ‭ ‬إلى‭ ‬أثينا؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بصبرٍ‭ ‬نافد‭)‬‭ ‬سنرى‮…‬‭ ‬سنرى‭. ‬إيراستا،‭ ‬يا‭ ‬إيراستا،‭ ‬فليأخذاها‭.‬

‭(‬تأتي‭ ‬إيراستا‭ ‬مسرعةً،‭ ‬ووراءها‭ ‬الجنديّان،‭ ‬يقودان‭ ‬كاساندرا‭ ‬

نحو‭ ‬الخارج‭. ‬‮ ‬بينما‭ ‬تسترخي‭ ‬سيليني‭ ‬على‭ ‬كرسيّها‭ ‬مجهدةً،‭ ‬ولا‭ ‬تلبث‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إليها‭ ‬إيراستا‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬مولاتي‭ ‬مطمئنة‭ ‬الآن‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتنهّد‭)‬‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أطمئنّ‭ ‬يا‭ ‬إيراستا،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬لي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ألم‭ ‬تطمئنكِ‭ ‬النبوءة؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وهل‭ ‬مثلي‭ ‬مَنْ‭ ‬يعوّل‭ ‬على‭ ‬الخرافات؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولكنّها‭ ‬كاساندرا‭ ‬يا‭ ‬مولاتي،‭ ‬إنّها‭ ‬أمهرُ‭ ‬مَنْ‭ ‬قال‭ ‬حرفا،‭ ‬إنّها‭ ‬سليلة‭ ‬كاساندرا‭ ‬الطرواديّة،‭ ‬و‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أعلم‭ ‬كلَّ‭ ‬هذا‭ ‬إيراستا،‭ ‬وأذكر‭ ‬جيّدا‭ ‬أنّني‭ ‬التقطتها‭ ‬في‭ ‬زيارتي‭ ‬اليتيمة‭ ‬إلى‭ ‬أثينا‭ ‬رغم‭ ‬معارضة‭ ‬زوجي،‭ ‬تقديرا‭ ‬فقط‭ ‬لسميّتها‭ ‬العظيمة‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تتحقّق‭ ‬الآمال‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ستتحقّق‭ ‬إيراستا،‭ ‬سأحققها‭ ‬بنفسي‭ ‬إن‭ ‬تمنّع‭ ‬القدَرُ‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كيف‭ ‬ستفعلين؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬بالرحيق‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬بالرحيق؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬بالعطر‭ ‬والرحيق،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يُجدِيا،‭ ‬فبالدم‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬بالدم؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تلوّح‭ ‬بيدها‭ ‬بلامبالاة‭)‬‭ ‬لا‭ ‬تتظاهري‭ ‬بالبلاهة‭ ‬هكذا،‭ ‬أنتِ‭ ‬تعلمين‭ ‬كلَّ‭ ‬شيء،‭ ‬أنتِ‭ ‬مَنْ‭ ‬علّمني‭ ‬كلَّ‭ ‬شيء‭. ‬‮ ‬والآن‭ ‬هاتِ‭ ‬ذلك‭ ‬الثوب‭ ‬الخمريّ‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تبحث‭ ‬عنه،‭ ‬ثمّ‭ ‬تناولها‭ ‬إيّاه‭)‬‭ ‬إليكِه‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ساعديني‭ ‬في‭ ‬ارتدائه‭.‬

‭(‬تنشغلان‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬تجريب‭ ‬ذلك‭ ‬الثوب،‭ ‬وتبدو‭ ‬البهجة‭ ‬واضحةً‭ ‬على‭ ‬ملامح‭ ‬سيليني‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتأمّل‭ ‬قوامَها‭ ‬الجميل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ارتدت‭ ‬الثوبَ‭ ‬أمام‭ ‬مرآةٍ‭ ‬كبيرة‭)‬‭ ‬كيف‭ ‬أبدو‭ ‬الآن؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كأنّكِ‭ ‬فينوس‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقهقه‭ ‬منتشية‭)‬‭ ‬حمقاء‭! ‬مَنْ‭ ‬تكون‭ ‬فينوس‭ ‬أمامي؟‭ ‬أنا‭ ‬إيزيس‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬أبهاكِ‭ ‬مولاتي‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بصوتٍ‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يُسمَع‭)‬‮ ‬‭[‬ما‭ ‬أبهاني‭! ‬صحيح‭ ‬ما‭ ‬أبهاني‭! ‬ولكنْ‭ ‬المهمّ‭ ‬أن‭ ‬يجدي‭ ‬هذا‭ ‬فيما‭ ‬أخطط‭ ‬له‭. ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬العطر‭ ‬دون‭ ‬ورد،‭ ‬وما‭ ‬جدوى‭ ‬الجمال‭ ‬دون‭ ‬مَنْ‭ ‬يقدّره،‭ ‬وينتشي‭ ‬به،‭ ‬زوجي‭ ‬الأبله‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬شيئا‭ ‬سوى‭ ‬أوراقه‭ ‬ومخطوطاته،‭ ‬وولائه‭ ‬الأعمى‭ ‬لمولاه،‭ ‬وأنا‭ ‬وحدي‭ ‬أخوض‭ ‬المزالقَ‭ ‬كلّها‭ ‬والأخطار،‭ ‬أوّاه،‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬امرأةٌ‭ ‬وحدها‭ ‬أن‭ ‬تغيِّر‭ ‬قدَرا‭...‬‭]‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬عفوا‭ ‬مولاتي؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬لا‭ ‬شيء‮…‬‭ ‬يلائمني‭ ‬هذا‭ ‬الثوب‭ ‬إذن؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يلائم‭ ‬امرأةً‭ ‬أخرى‭ ‬سواكِ‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬ترمقها‭ ‬بحذر‭)‬‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬كنتِ‭ ‬تردّدينه‭ ‬لأمّي‭. ‬أليس‭ ‬كذلك؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تحني‭ ‬رأسَها،‭ ‬وتصمت‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لا‭ ‬عليكِ،‭ ‬لستُ‭ ‬غاضبةً‭ ‬منكِ‭. ‬ولكنْ‭ ‬حدّثيني‭ ‬أكثر‭ ‬عنها‮…‬‭ ‬أيَّ‭ ‬سحرٍ‭ ‬خطيرٍ‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لديها؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬امرأةً‭ ‬استثنائيّةً‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وابنتها‭ ‬ستكون‭ ‬استثناءَ‭ ‬الاستثناء‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬حتما‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أنتِ‭ ‬مَنْ‭ ‬أوحى‭ ‬لها‭ ‬بخطة‭ ‬الالتفاف‭ ‬في‭ ‬البساط؟‭ ‬‭[‬6‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تبتسم‭ ‬بهدوء‭)‬‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬حيلة‭ ‬‮«‬شارميون‮»‬‮ ‬كانت‭ ‬داهيةً‭ ‬بحق‭! ‬ولكنْ‭ ‬حتّى‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬توح‭ ‬لها‭ ‬بشيء،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ذكاؤها‭ ‬حريّا‭ ‬بإيجاد‭ ‬ألف‭ ‬وسيلةٍ‭ ‬للإيقاع‭ ‬به،‭ ‬وبعشرة‭ ‬رجالٍ‭ ‬من‭ ‬مثله‭. ‬‭[‬7‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬امرأةً‭ ‬عظيمة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬مدهشة‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬عاشقةً‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الفاجرين‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وكانت‭ ‬طاهرةً‭ ‬وسط‭ ‬كومةٍ‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تاريخ‭ ‬أمّي‭ ‬لم‭ ‬يكتبه‭ ‬سوى‭ ‬الغالبون‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬يكتبه‭ ‬إلا‭ ‬المتجبّرون‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬والكاذبون‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬الكاذبون‭ ‬وحدهم‭ ‬مَنْ‭ ‬سجّل‭ ‬تاريخها،‭ ‬وتاريخ‭ ‬مدينتها‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لشدّ‭ ‬ما‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬مدينتي‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬مدينةً‭ ‬عظيمةً،‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬الحب،‭ ‬والأناشيد‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬كالحالمة‭)‬‭ ‬رغم‭ ‬أنّني‭ ‬لم‭ ‬أجاوز‭ ‬التاسعة‭ ‬حين‭ ‬اقتادوني‭ ‬إلى‭ ‬روما‭ ‬إلا‭ ‬أنّني‭ ‬أذكر‭ ‬جيّدا‭ ‬عبق‭ ‬الحب‭ ‬والجمال‭ ‬في‭ ‬مدينتي‮…‬‭ ‬أوّاه‭! ‬أذكر‭ ‬جيدا‭ ‬مواسم‭ ‬الكروم‭ ‬هناك،‭ ‬والياسمين،‭ ‬وأعياد‭ ‬إيزيس،‭ ‬و‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ومواسمَ‭ ‬إخصاب‭ ‬النيل‭ ‬أيضا‮…‬‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬أروع‭ ‬الأعياد‭ ‬طرّا‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬أذكر‭ ‬جموعَ‭ ‬الفتيات‭ ‬وقد‭ ‬ارتدين‭ ‬ثيابهنّ‭ ‬البيضاء‭ ‬الهفهافة‭ ‬تلك،‭ ‬وشرعن‭ ‬يرقصن،‭ ‬ويرددن‭ ‬أغاني‭ ‬الحب‭ ‬والغزل‭ ‬الجميلة‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬أمكِ‭ ‬تشرف‭ ‬شخصيّا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال،‭ ‬وتصرّ‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬الفتيات‭ ‬رقصاتهن‭. ‬وفي‭ ‬ختامه‭ ‬كانت‭ ‬توزع‭ ‬المال‭ ‬والعطايا‭ ‬بسخاءٍ‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬ثمّة‭ ‬أيّ‭ ‬ضحيّةٍ‭ ‬يلتهمها‭ ‬النيلُ‭ ‬كما‭ ‬يروّج‭ ‬أولئك‭ ‬الرومان‭ ‬الأوغاد‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ثمّة‭ ‬أيّ‭ ‬أضحياتٍ‭ ‬سوى‭ ‬أكاليل‭ ‬الورود‭ ‬تلقيها‭ ‬البناتُ‭ ‬في‭ ‬النيل‭ ‬تباعا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وأجمل‭ ‬الفتيات‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬تُتوَّج‭ ‬أميرةً‭ ‬وكاهنة‭ ‬حب‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬معبد‭ ‬الربّة‭ ‬إيزيس‭. ‬هل‭ ‬تذكرين‭ ‬مولاتي‭ ‬أول‭ ‬عيدٍ‭ ‬حضرناه‭ ‬معا؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أوه،‭ ‬أنّى‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أذكر؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وآخر‭ ‬عيد؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لن‭ ‬أنساه‭ ‬ما‭ ‬حييت‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لن‭ ‬أنسى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬حييت‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أخبريني‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هل‭ ‬كنتِ‭ ‬مخلصة‭ ‬لها؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬مولاتي؟‭ ‬حتما‭ ‬كنتُ‭ ‬مستعدّةً‭ ‬لأنْ‭ ‬أفديها‭ ‬بنفسي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬أسهل‭ ‬الكلام‭! ‬إذن‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تنتحري‭ ‬مع‭ ‬بقيّة‭ ‬الوصيفات؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لأرعاكِ‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كم‭ ‬أنتِ‭ ‬بارعة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬نعم،‭ ‬لأرعاكِ‭ ‬مولاتي،‭ ‬فوحدكِ‭ ‬كنتِ‭ ‬الأمل‭ ‬لي‮…‬‭ ‬لمحتُ‭ ‬في‭ ‬عينيْكِ‭ ‬الغضّتيْن‭ ‬حينها‭ ‬عزمَ‭ ‬والدتكِ،‭ ‬وإرادتها‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فقرّرتِ‭ ‬أن‭ ‬تبقي‭ ‬إلى‭ ‬جواري‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬نعم‭ ‬مولاتي،‭ ‬قرّرتُ‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬إلى‭ ‬جواركِ،‭ ‬وأن‭ ‬أذكركِ‭ ‬دائما‭ ‬بما‭ ‬فعله‭ ‬أولئك‭ ‬المجرمون‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وما‭ ‬مصلحتكِ‭ ‬من‭ ‬تذكيري؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬الانتقام،‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬الانتقام‭! ‬لنفسكِ‭ ‬أم‭ ‬لي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكليْنا‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬بل‭ ‬لنفسكِ‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكليْنا،‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لنفسكِ‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكليْنا‭ ‬مولاتي،‭ ‬فكلتانا‭ ‬فُجِعت‭ ‬في‭ ‬أغلى‭ ‬مَنْ‭ ‬لديها‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أما‭ ‬زلتِ‭ ‬تحنّين‭ ‬إليهما؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬صراخهما،‭ ‬وهم‭ ‬يبعدانهما‭ ‬عنّي‮…‬‭ ‬لن‭ ‬أنسى‭ ‬نحيبهما،‭ ‬وهما‭ ‬يُقتادان‭ ‬بعيدا‭ ‬عنّي‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أعلم‮…‬‭ ‬صغيريّ‭ ‬المسكينيْن‭! ‬‭(‬يغلبها‭ ‬الدمعُ،‭ ‬فتبكي‭ ‬بصوتٍ‭ ‬خافت‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬برقة‭ ‬غير‭ ‬معهودة‭)‬‭ ‬آسفة،‭ ‬ذكرتكِ‭ ‬بهما‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬أنسهما‭ ‬يوما‭ ‬مولاتي،‭ ‬لأتذكرهما‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فما‭ ‬بالكِ‭ ‬شحيحةً‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عنهما؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬يفجعنا‭ ‬أكثر،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬نكتمه‭ ‬أكثر‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ألا‭ ‬تأملين‭ ‬أن‭ ‬تجديهما؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إنّهما‭ ‬معي‭ ‬دائما‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ليتني‭ ‬أملك‭ ‬هذا‭ ‬اليقين‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬تملكين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أقوى‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وهو؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬تملكين‭ ‬الشبابَ‭ ‬والسلطة،‭ ‬والجمال‭ ‬والدهاء‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هيليوس،‭ ‬هل‭ ‬سأنجح؟‭ ‬هل‭ ‬سأصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬دون‭ ‬دماء؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سيأتي‭ ‬هيليوس‭ ‬مولاتي،‭ ‬سيعود‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬سيأتي،‭ ‬سيعود،‭ ‬ولكنْ‭ ‬متى؟‭ ‬يكاد‭ ‬صبري‭ ‬ينفد‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬الكثير‭ ‬مولاتي،‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬الكثير‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هل‭ ‬تعرفين‭ ‬أشياء‭ ‬أجهلها،‭ ‬إيّاكِ‭ ‬أنْ‭ ‬تخفي‭ ‬عنّي‭ ‬شيئا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مولاتي،‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬ولكنّه‭ ‬القلبُ‭ ‬يحدّثني‭ ‬أنّه‭ ‬سيعود،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬ألاّ‭ ‬يفعل‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولكنّني‭ ‬اعتدتُ‭ ‬عدم‭ ‬الإنصاف‭! ‬ما‭ ‬دام‭ ‬التوأم‭ ‬غائبا،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يساعدني‭ ‬الأخ‭ ‬الثاني‭ ‬المتاح‭ ‬بطليموس؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬عذاباتي؛‭ ‬عذاباتنا؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يهتمّ‭ ‬بغير‭ ‬الخمر‭ ‬والنساء؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬تتشاءمي‭ ‬مولاتي‭! ‬سيعود‭ ‬هيليوس،‭ ‬صدّقيني‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتحقّق‭ ‬هذا‭ ‬الأمل،‭ ‬لن‭ ‬أظلّ‭ ‬كالبلهاء‭ ‬أحدّق‭ ‬في‭ ‬الفراغ،‭ ‬ولن‭ ‬أجد‭ ‬فرصة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬هذه‭: ‬أوكتافيو‭ ‬بذاته،‭ ‬بشحمه‭ ‬ولحمه،‭ ‬يحلّ‭ ‬ضيفا‭ ‬علينا‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إنّها‭ ‬فرصةٌ‭ ‬لن‭ ‬تتكرّر‭ ‬أبدا‭ ‬مولاتي‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لا‭ ‬أخفيكِ‭ ‬سرّا‭ ‬إيراستا،‭ ‬أشعر‭ ‬بغير‭ ‬قليلٍ‭ ‬من‭ ‬الخوف‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هذا‭ ‬طبيعيّ‭ ‬مولاتي،‭ ‬ولكنّني‭ ‬واثقةٌ‭ ‬تماما‭ ‬أنّ‭ ‬إيزيس‭ ‬ستثأر‭ ‬لنا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أواه‭ ‬يا‭ ‬إيراستا،‭ ‬تاريخنا‭ ‬لم‭ ‬يكتبه‭ ‬سوى‭ ‬الكاذبون‭. ‬أتمنّى‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬كتابته‭ ‬بنفسي،‭ ‬وأن‭ ‬يعرف‭ ‬الجميعُ‭ ‬أيَّ‭ ‬مجد‭ ‬يتجلّى‭ ‬حين‭ ‬تريد‭ ‬امرأةٌ‭ ‬مثلي‭ ‬أمرا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سيعرف‭ ‬الجميع‭ ‬مولاتي،‭ ‬سيعرفون‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أجل،‭ ‬سيعرفون‭! ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لشدّ‭ ‬ما‭ ‬تشبهينها‭ ‬حين‭ ‬تلتمع‭ ‬عيناكِ‭ ‬هكذا‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أشبه‭ ‬أحدا،‭ ‬ولن‭ ‬أكون‭ ‬ظلا‭ ‬لأحدٍ‭ ‬حتّى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬كليوباترا‭ ‬العظيمة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ستكونين‭ ‬أروع‭ ‬ملكة‭ ‬تعرفها‭ ‬هذه‭ ‬البقاعُ‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وأقوى‭ ‬ملكة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أقوى‭ ‬ملكة،‭ ‬وأجمل‭ ‬امرأة‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أجمل‭ ‬امرأة‭! ‬تعلمين‭ ‬إيراستا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ماذا‭ ‬مولاتي؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أشعر‭ ‬بكثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الغيرة‭ ‬إزاءها‭! ‬لا‭ ‬تقولي‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬طبيعيّ‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هو‭ ‬فعلا‭ ‬كذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬تعلمين‭ ‬يا‭ ‬مولاتي؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬نعم؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬حظوظ‭ ‬النجاح‭ ‬لديكِ‭ ‬أقوى‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كيف؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هذا‭ ‬الأوكتافيو،‭ ‬حظوظكِ‭ ‬معه‭ ‬أقوى‭ ‬ممّا‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬حظوظها‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أفصحي،‭ ‬وإنْ‭ ‬كنتُ‭ ‬أفهمكِ‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬مولاتي،‭ ‬هي‭ ‬كانت‭ ‬تكبره‭ ‬بستِّ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬كاملة،‭ ‬وكانت‭ ‬زوجته‭ ‬‮«‬ليفيا‮»‬‭ ‬فتيَّةً،‭ ‬وعشيقاته‭ ‬كذلك‭. ‬أمّا‭ ‬أنتِ‭ ‬فتصغرينه‭ ‬بثلاثة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاما،‭ ‬تزيد‭ ‬أشهرا‭ ‬ولا‭ ‬تنقص،‭ ‬وقد‭ ‬شاخت‭ ‬زوجته،‭ ‬وهرمت‭ ‬عشيقاته‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تكركر‭ ‬ضاحكةً‭ ‬بزهو‭)‬‭ ‬هرمت‭ ‬عشيقاته‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تضحك‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭)‬‭ ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬جميعهنّ‭ ‬هرمن‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬باستياء‭)‬‭ ‬قولي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬هرم‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬هرم،‭ ‬ولكنْ،‭ ‬ما‭ ‬شأننا‭ ‬بذلك؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لنا‭! ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أريده‭ ‬لنفسي‭ ‬أبدا،‭ ‬ولكنْ‭ ‬فاتكِ‭ ‬أمرٌ‭ ‬مهمٌّ،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لأمّي‭ ‬زوجٌ‭ ‬غبيٌّ‭ ‬يحاصرها،‭ ‬ولا‭ ‬شعبٌ‭ ‬عنيدٌ‭ ‬كهؤلاء‭ ‬الجبليّين‭ ‬يزعجها،‭ ‬كانت‭ ‬حرّةً‭ ‬كالهواء،‭ ‬وكان‭ ‬شعبُها‭ ‬مطيعا،‭ ‬هادئا،‭ ‬وكهنتها‭ ‬متعاونين،‭ ‬أطوع‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أصابعها‮…‬‭ ‬حين‭ ‬أحبّت‭ ‬‮«‬قيصر‮»‬‭ ‬أوهمت‭ ‬النّاسَ‭ ‬أنّه‭ ‬‮«‬آمون‮»‬‭ ‬متجسِّدا،‭ ‬فصدّقوها،‭ ‬وأخذوا‭ ‬يتعبّدون‭ ‬بأنفسهم‭ ‬لهذا‭ ‬الآمون‭ ‬الجديد،‭ ‬ويقدّمون‭ ‬القرابين‭ ‬في‭ ‬حضرته،‭ ‬وحين‭ ‬أحبّت‭ ‬أبي،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يتكنّى‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬باخوس‮» ‬لولعه‭ ‬الشديد‭ ‬بالخمر‭ ‬واللهو،‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬أحدٌ‭ ‬في‭ ‬الاعتراض،‭ ‬قبلوه‭ ‬مثلما‭ ‬قبلوا‭ ‬سلفه‭. ‬أمّا‭ ‬أنا‭ ‬فأعدائي‭ ‬ألقوني‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجبليّين،‭ ‬العنيفين،‭ ‬أشعر‭ ‬معهم‭ ‬أنّ‭ ‬أنفاسي‭ ‬محسوبةٌ،‭ ‬ومحصاةٌ‭ ‬كحبّات‭ ‬الخرز‭! ‬‭[‬8‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هذا‭ ‬صحيح،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تنسي‭ ‬أنّكِ‭ ‬الأقوى،‭ ‬شبابكِ‭ ‬مولاتي،‭ ‬شبابكِ‭ ‬وجمالكِ‭ ‬يقهران‭ ‬المستحيل‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬نعم‭ ‬أنا‭ ‬الأقوى،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬هيليوس،‭ ‬سأخدّر‭ ‬ذلك‭ ‬الزوج،‭ ‬وسأغوي‭ ‬الضيف،‭ ‬سأجعله‭ ‬كالخاتم‭ ‬في‭ ‬إصبعي،‭ ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬سآمره‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬ذلك‭ ‬المتقاعس‭ ‬زوجي،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يزجّه‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬السجن‭ ‬بعيدا،‭ ‬ويلقي‭ ‬إليه‭ ‬بحثالات‭ ‬أوراقه‭ ‬تلك،‭ ‬عساها‭ ‬تغنيه،‭ ‬وتنير‭ ‬له‭ ‬دربَ‭ ‬الحقيقة‭ ‬كما‭ ‬يدّعي‭ ‬دائما‮…‬‭ ‬بعدها،‭ ‬تعلمين‭ ‬ماذا‭ ‬سأفعل؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تبتسم‭ ‬بصمتٍ‭ ‬متواطئ‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وبعدها‭ ‬سيحين‭ ‬دورُه‭ ‬هو‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سيحين‭ ‬دوره‭ ‬سريعا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هل‭ ‬تذكرين‭ ‬حكايات‭ ‬صديقتنا‭ ‬اليهوديّة‭ ‬‮«‬أستير‮»‬؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ومَنْ‭ ‬ينسى‭ ‬حكايات‭ ‬‮«‬أستير‮»‬؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بانتشاء‭)‬‭ ‬آه،‭ ‬يا‭ ‬إيراستا،‭ ‬لحدِّ‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬أيّ‭ ‬طريقة‭ ‬أختار،‭ ‬ما‭ ‬رأيكِ؟‭ ‬هل‭ ‬أجزّ‭ ‬شعرَه‭ ‬كالشاة؟‭ ‬أم‭ ‬أدقّ‭ ‬في‭ ‬صدغه‭ ‬الكريه‭ ‬وتدا،‭ ‬أعني‭ ‬مسمارا؟‭ ‬أم‭ ‬أحزّ‭ ‬رأسَه‭ ‬حزّا‭ ‬بسيفي؟‭ ‬‭[‬‭ ‬9‭]‬‭. ‬هل‭ ‬أنتهي‭ ‬من‭ ‬أمره‭ ‬هنا،‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬‮«‬بابله‭ ‬الفاجرة‮»‬‭: ‬روما؟‭ ‬‭[‬10‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬على‭ ‬رسلكِ‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أم‭ ‬أبتكر‭ ‬لموته‭ ‬شكلا‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬يَدُرْ‭ ‬في‭ ‬خلد‭ ‬الغابرين‭ ‬أو‭ ‬الآتين؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بضراعة‭)‬‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بغضبٍ‭)‬‭ ‬ما‭ ‬بكِ؟‭ ‬ماذا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تجرفنا‭ ‬الحماسة‭ ‬بعيدا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتنهّد‭ ‬بألم‭)‬‭ ‬أعلم‭ ‬فيما‭ ‬تفكرين‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬تخشيْن؛‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هيليوس،‭ ‬ولم‭ ‬يرضخ‭ ‬أوكتافيو،‭ ‬فلن‭ ‬يبقى‭ ‬أمامي‭ ‬سوى‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تئنّ‭ ‬بجزعٍ‭)‬‭ ‬سيعود‭ ‬هيليوس‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬قبل‭ ‬قليلٍ‭ ‬قلتِ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬شيء‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬مولاتي،‭ ‬ولكنْ‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أف‭! ‬لا‭ ‬تتعبي‭ ‬نفسَكِ،‭ ‬فكّرتُ‭ ‬وتدبّرتُ‭ ‬كلَّ‭ ‬شيء‭. ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬النبوءة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هيليوس،‭ ‬وإنْ‭ ‬تمنّع‭ ‬العجوز‭ ‬‭[‬11‭]‬‮ ‬وأهرِق‭ ‬الرحيقُ،‭ ‬وأثبت‭ ‬هذا‭ ‬الجمالُ‭ ‬عقمَه،‭ ‬وتبيّنتُ‭ ‬لاجدواه،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬أمامي‭ ‬سوى‭ ‬حلٍّ‭ ‬وحيد،‭ ‬تعرفينه؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تحني‭ ‬رأسَها‭ ‬وتصمت‭)‬‮………‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تعرفينه؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تستمرّ‭ ‬في‭ ‬صمتها‭)‬‮…………‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬كمَنْ‭ ‬فقد‭ ‬صوابَه‭)‬‭ ‬حينها‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬سوى‭ ‬الدم‮…‬‭ ‬أتعلمين‭ ‬لماذا‭ ‬انهارت‭ ‬أمّي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بضراعة‭)‬‭ ‬أرجوكِ‭ ‬مولاتي‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬حزنا‭ ‬على‭ ‬حبيبها‭ ‬أنطونيو؛‭ ‬أبي؟‭ ‬كلا،‭ ‬قلبُها‭ ‬الجريء‭ ‬كان‭ ‬حريّا‭ ‬بإيجاد‭ ‬ألف‭ ‬عاشقٍ‭ ‬وعاشق‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬دعكِ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬امرأةٌ‭ ‬تتجلّد‭ ‬ولا‭ ‬يقهرها‭ ‬مقتل‭ ‬عشيقها‭ ‬الأول‭ ‬لن‭ ‬تنهار‭ ‬أبدا‭ ‬لمقتل‭ ‬أو‭ ‬اندحار‭ ‬عشيقٍ‭ ‬ثانٍ،‭ ‬إنّه‭ ‬أبي،‭ ‬أحبّه‭ ‬حقا،‭ ‬وأحنّ‭ ‬إليه،‭ ‬ولكنْ‭ ‬شتّان‭ ‬ما‭ ‬بينه‭ ‬ويوليوس‭ ‬العظيم‭!‬

‭(‬تتنهد‭ ‬بأسى،‭ ‬وتصمت‭ ‬قليلا،‭ ‬ثمّ‭ ‬تواصل‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬قهرا‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬ضاعت؟‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬كنوزها‭ ‬التي‭ ‬انتهكت؟‭ ‬أو‭ ‬خشية‭ ‬العار‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرها‭ ‬في‭ ‬روما‭ ‬أسيرة؟‭ ‬كلا،‭ ‬مثلها‭ ‬حريٌّ‭ ‬بأنْ‭ ‬يروّض‭ ‬الجحيمَ‭ ‬وطنا،‭ ‬إنْ‭ ‬تمنّع‭ ‬الفردوس،‭ ‬مثلها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليقهره‭ ‬شيءٌ‮…‬‭ ‬حتّى‭ ‬إن‭ ‬ذبحونا‭ ‬نحن‭ ‬أبناؤها‭ ‬أمام‭ ‬عينيْها،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬جذوة‭ ‬الحياة‭ ‬لتنطفئ‭ ‬فيها‭ ‬بتلك‭ ‬السهولة‭! ‬هل‭ ‬تعلمين‭ ‬لماذا‭ ‬انطفأت‭ ‬فجأة؟‭ ‬هل‭ ‬تعلمين؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تبكي‭ ‬بصمت،‭ ‬ولا‭ ‬تردّ‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هو‭ ‬مَنْ‭ ‬قتلها‭ ‬‭[‬12‭]‬،‭ ‬عليه‭ ‬اللعنة،‭ ‬لم‭ ‬تحدّثيني‭ ‬بهذا‭ ‬لكنّني‭ ‬لستُ‭ ‬غبيّة،‭ ‬أنا‭ ‬أعرف‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬عنها،‭ ‬وعنكِ،‭ ‬وعنّي،‭ ‬وعن‭ ‬أيّ‭ ‬امرأة‭ ‬أخرى‭ ‬تشبهها،‭ ‬هو‭ ‬مَنْ‭ ‬قتلها،‭ ‬طعنها‭ ‬بقناع‭ ‬الفضيلة‭ ‬الكريه‭ ‬الذي‭ ‬ارتداه،‭ ‬يا‭ ‬لنذالته‭! ‬ما‭ ‬ضرّه‭ ‬لو‭ ‬تملّى‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬جمالها‭ ‬الباذخ‭ ‬ذاك؟‭ ‬ما‭ ‬ضرّه‭ ‬لو‭ ‬استجاب‭ ‬ولو‭ ‬قليلا؟‭ ‬أهناك‭ ‬ما‭ ‬يقهر‭ ‬امرأةً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬أهناك‭ ‬ما‭ ‬يدمّرها‭ ‬كهذا؟‭ ‬تكلّمي؟‭ ‬أهناك‭ ‬امرأةٌ‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬مسخا‭ ‬تحتمل‭ ‬هذا؟‭ ‬فكيف‭ ‬بكليوباترا‭ ‬العظيمة،‭ ‬الأنثى‭ ‬الكونيّة‭ ‬العظمى؛‭ ‬مدلّلة‭ ‬إيزيس‭ ‬الأولى،‭ ‬كيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحتمل‭ ‬الحياة،‭ ‬وقد‭ ‬أتى‭ ‬رجلٌ‭ ‬يشيح‭ ‬بناظريْه‭ ‬عنها،‭ ‬ويعاملها‭ ‬كما‭ ‬يُعامل‭ ‬كرسيّا‭ ‬أو‭ ‬حذاءً،‭ ‬تبّا‭ ‬له،‭ ‬تبا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بأسى‭)‬‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬فوق‭ ‬طاقتها‭ ‬على‭ ‬الاحتمال‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولهذا‭ ‬سأنتقم‭ ‬لها،‭ ‬ولكلِّ‭ ‬امرأةٍ‭ ‬أصيبت‭ ‬بهذا،‭ ‬أقسم‭ ‬بإيزيس‭ ‬إنّني‭ ‬سأجعله‭ ‬يركع‭ ‬تحت‭ ‬قدميّ،‭ ‬أقسم‭ ‬إنني‭ ‬لن‭ ‬أرحمه‭ ‬أبدا،‭ ‬وسأجعله‭ ‬أحدوثة‭ ‬التاريخ،‭ ‬تاريخي‭ ‬أنا،‭ ‬وتاريخ‭ ‬أمي،‭ ‬لا‭ ‬تاريخهم‭ ‬الفاجر‭ ‬ذاك،‭ ‬أقسم‭ ‬إنّني‭ ‬سأذلّه‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يُذلّ‭ ‬رجلٌ‭ ‬قبله‭ ‬أو‭ ‬بعده‭ ‬أبدا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬بقايا‭ ‬بائسة‭ ‬من‭ ‬رجل‭! ‬أقسم‭ ‬أن‭ ‬أحرق‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬إنْ‭ ‬تمنّع،‭ ‬وأنْ‭ ‬يكون‭ ‬احتفالي‭ ‬الدمويّ‭ ‬هادرا،‭ ‬ومعربدا،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخ‭ ‬دما‭ ‬قبل‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تشهق‭ ‬مرتعبة‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬بكِ؟‭ ‬لا‭ ‬ترتعبي‭ ‬هكذا،‭ ‬لن‭ ‬أطلب‭ ‬منكِ‭ ‬أن‭ ‬تموتي‭ ‬معي‮…‬‭ ‬سترحلين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬احتفالات‭ ‬الدم‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أفديكِ‭ ‬بروحي‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬توقفي‭ ‬عن‭ ‬الكذب،‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحدٍ‭ ‬يفدي‭ ‬أحدا‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أفديكِ‭ ‬مولاتي،‭ ‬جرّبيني‭ ‬فقط‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لن‭ ‬أجرّب‭ ‬أحدا،‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬لديّ‭ ‬للجسّ‭ ‬والتجريب،‭ ‬حسمتُ‭ ‬قراري،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ما‭ ‬زلتِ‭ ‬شابّة‭ ‬مولاتي،‭ ‬وثمّة‭ ‬ألف‭ ‬وسيلةٍ‭ ‬ووسيلةٍ‭ ‬لنيل‭ ‬المراد‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬مثلا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬الاتصالُ‭ ‬بثوّار‭ ‬الجبال‭ ‬هنا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تبّا‭ ‬لهم‭! ‬عنيدون،‭ ‬ومزعجون‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولكنّهم‭ ‬مقاتلون‭ ‬شرسون‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬مفكّرةً‭)‬‭ ‬شرسون‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ويكرهون‭ ‬الرومان‭ ‬كرهكِ‭ ‬لهم،‭ ‬وأكثر‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬يكرهونهم،‭ ‬ويكرهون‭ ‬زوجي،‭ ‬ويكرهونني‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أنتِ‭ ‬غيرُ‭ ‬زوجكِ‭ ‬يا‭ ‬مولاتي،‭ ‬فكّري‭ ‬بالأمر،‭ ‬وأضيفيه‭ ‬احتمالا‭ ‬جديدا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كلا،‭ ‬لن‭ ‬أتعامل‭ ‬معهم،‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الأخير‭ ‬لا‭ ‬يهتمّون‭ ‬بغير‭ ‬جبالهم‭ ‬القاحلة‭ ‬هذه‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكنّهم‭ ‬سيكونون‭ ‬مفيدين‭ ‬جدا‭ ‬يا‭ ‬مولاتي،‭ ‬لو‭ ‬عرفنا‭ ‬كيف‭ ‬نستميلهم‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بغضبٍ‭)‬‭ ‬كفى‭! ‬لا‭ ‬تلحّي،‭ ‬قلتُ‭: ‬لا،‭ ‬يعني‭: ‬لا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬عفوكِ‭ ‬مولاتي‭! ‬ولكنْ‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬ابنكِ؟‭ ‬إنّه‭ ‬غضٌّ‭ ‬طريٌّ،‭ ‬ويمكنكِ‭ ‬أن‭ ‬تجعليه‭ ‬خيرَ‭ ‬معينٍ‭ ‬لكِ‭ ‬في‭ ‬مهمّتكِ‭ ‬الجليلة‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬باشمئزاز‭)‬‭ ‬وهل‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أنتظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬ذاك‭ ‬الصغير،‭ ‬وأشيخ‭ ‬أنا؟‭ ‬كلا‭ ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬أنتقم‭ ‬اليوم،‭ ‬وإلا‭ ‬فالأشرف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬يهلكني‭ ‬‮«‬ست‮»‬‭ ‬‭[‬13‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬نفسي‭ ‬فداؤكِ‭ ‬مولاتي‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬شر‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تتنهّد‭ ‬بألمٍ‭)‬‭ ‬تعلمين‭ ‬إيراستا،‭ ‬لقد‭ ‬فشلتُ‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬في‭ ‬إثناء‭ ‬ذلك‭ ‬الزوج‭ ‬عن‭ ‬تقاعسه،‭ ‬ولم‭ ‬آسف،‭ ‬فهو‭ ‬بطبعه‭ ‬ساذجٌ،‭ ‬وعنيدٌ‭ ‬كالبغل‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تحاول‭ ‬كتمَ‭ ‬ضحكةٍ‭ ‬تفاجئها‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬اضحكي‭ ‬كما‭ ‬شئتِ،‭ ‬زوّجوني‭ ‬بغلا،‭ ‬يعتلف‭ ‬الأوراق،‭ ‬لا‭ ‬رجلا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكنّه‭ ‬مثقّفٌ‭ ‬يا‭ ‬مولاتي‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تبّا‭ ‬له‭ ‬ولثقافته‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وعالمٌ،‭ ‬ومحترَمٌ‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬هل‭ ‬نسيتِ‭ ‬مظاهرَ‭ ‬التبجيل‭ ‬التي‭ ‬أحيط‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أثينا‭ ‬لدى‭ ‬زيارتكما‭ ‬الأخيرة‭ ‬لها؟

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تلوّح‭ ‬بيدها‭ ‬متأفّفةً‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وذلك‭ ‬التمثال‭ ‬الجليل‭ ‬الذي‭ ‬نصبوه‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬شوارعها‭ ‬وأزهاها‭. ‬‭[‬14‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أذكر‭ ‬ذلك‭ ‬المسخ‭ ‬الذي‭ ‬يشبهه‭ ‬كثيرا‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أنتِ‭ ‬تقسين‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا‭ ‬مولاتي،‭ ‬لا‭ ‬تنسي‭ ‬أنّه‭ ‬يعشقكِ‭ ‬أيضا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولكنّه‭ ‬لا‭ ‬يفهمني،‭ ‬إنّه‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬شيئا،‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬نقاوم‭ ‬الرومان،‭ ‬يجيب‭ ‬بغباء‭: ‬نقاوم‭ ‬بالفكر‭! ‬بالمعرفة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إنّه‭ ‬رجلُ‭ ‬فكرٍ‭ ‬مولاتي‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬نحارب‭ ‬الرومان،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نغتال‭ ‬زعيمهم،‭ ‬فلا‭ ‬ريح‭ ‬لهم‭ ‬دونه،‭ ‬فيثغو‭ ‬أمامي‭ ‬بغباء‭: ‬‭(‬تلوي‭ ‬الحروفَ‭ ‬بلثغة‭ ‬ساخرة‭)‬‭ ‬يذب‭ ‬تذنّب‭ ‬الدم‭ ‬عذيذتي‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تفاجئها‭ ‬ضحكةٌ،‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬سريعا‭)‬‭ ‬ربّما‭ ‬له‭ ‬رأيٌ‭ ‬غيرُ‭ ‬رأينا،‭ ‬إنّه‭ ‬رجلُ‭ ‬سياسةٍ‭ ‬قبل‭ ‬كلِّ‭ ‬شيء‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬عليه‭ ‬اللعنة،‭ ‬وعلى‭ ‬فكره،‭ ‬وسياسته‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬وهو‭ ‬يشرف‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مقامٍ‭ ‬فرعونيّ‮ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬البربر‭ ‬على‭ ‬شرفكِ‭ ‬أنتِ‭ ‬وحدك‭. ‬‭[‬15‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تقصدين‭ ‬المدفن‭. ‬اللئيم‭ ‬يتعجّل‭ ‬موتي،‭ ‬ليخلو‭ ‬له‭ ‬الجوّ‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الحمقاوات‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أنتِ‭ ‬تظلمينه‭ ‬مولاتي،‭ ‬إنّه‭ ‬يحبّكِ‭ ‬وحدكِ،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬أحدا‭ ‬سواكِ،‭ ‬أقسم‭ ‬بإيزيس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كفى،‭ ‬مَنْ‭ ‬طلب‭ ‬رأيكِ؟‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يحبّني‭ ‬بحقٍّ‭ ‬لشعر‭ ‬بحرقتي‭ ‬وعذاباتي،‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يحبّني‭ ‬ولو‭ ‬قليلا‭ ‬لسمح‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الأقلّ‭ ‬أن‭ ‬أنادي‭ ‬ابني‭ ‬الوحيد‭ ‬بالاسم‭ ‬الذي‭ ‬أريد‭: ‬ماركوس‭ ‬أنطونيوس‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬أبي؛‭ ‬جدّه،‭ ‬لكنّه‭ ‬يخشى‭ ‬غضبَ‭ ‬مولاه،‭ ‬كلّما‭ ‬سمعني‭ ‬أناغيه‭ ‬باسمه‭ ‬الجميل،‭ ‬ارتعب،‭ ‬وصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهي‭:‬‭ ‬‮«‬اششششششش،‭ ‬فضحتِنا‭! ‬للجدران‭ ‬آذان‭!‬‮»‬‭ ‬حتّى‭ ‬وهو‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬قصره،‭ ‬وفي‭ ‬مملكته،‭ ‬وبين‭ ‬رعاياه،‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أسياده‭ ‬الرومان،‭ ‬ويختار‭ ‬لابننا‭ ‬الوحيد‭ ‬ذلك‭ ‬الاسم‭ ‬البغيض‭: ‬بطليموس‭. ‬يريده‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نسخةً‭ ‬عن‭ ‬خاله‭ ‬السكّير،‭ ‬زير‭ ‬النساء‭! ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كلّه‭ ‬أنّه‭ ‬يريد‭ ‬إجباري‭ ‬على‭ ‬تسمية‭ ‬ذلك‭ ‬الأوكتافيو‭ ‬الكريه‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬الإمبراطور‭ ‬أغسطس‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬هل‭ ‬رأيتِ‭ ‬ذلا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬‭[‬16‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬تنسي‭ ‬مولاتي‭ ‬أنّه‭ ‬مَنْ‭ ‬ربّاه،‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬تعليمه‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬ربّتني‭ ‬تلك‭ ‬الحرباءُ‭ ‬الكريهة‭ ‬أخته‭! ‬كلا‭ ‬سيظلّ‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬وعلى‭ ‬لساني‭ ‬‮«‬أوكتافيو‮»‬‭ ‬الانتهازيّ،‭ ‬المتآمر‭ ‬على‭ ‬أبي،‭ ‬ومغتصب‭ ‬مجده‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لكنّه‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬سياسيٌّ‭ ‬ناجحٌ‭ ‬جدّا،‭ ‬وحاكمٌ‭ ‬صالحٌ،‭ ‬لقد‭ ‬استطاع‭ ‬ترويض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجبليّين،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬وطئت‭ ‬قدماه‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬لم‭ ‬تقمْ‭ ‬حربٌ‭ ‬واحدةٌ،‭ ‬ولا‭ ‬حتّى‭ ‬ثورةٌ‭ ‬صغيرةٌ،‭ ‬لقد‭ ‬استطاع‭ ‬كسبَ‭ ‬ودِّ‭ ‬الناس‭ ‬هنا،‭ ‬وقلّما‭ ‬نجح‭ ‬أحدٌ‭ ‬في‭ ‬هذا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقاطعها‭ ‬بعنف‭)‬‭ ‬واستطاع‭ ‬أيضا‭ ‬ممالأة‭ ‬أسياده‭ ‬والتودّد‭ ‬إليهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬كرامته،‭ ‬وعنفوانه‭. ‬عليه‭ ‬اللعنة‭! ‬ستظلّ‭ ‬ريشته‭ ‬خفيفةً‭ ‬أبدا،‭ ‬ولن‭ ‬يفعم‭ ‬خواءها‭ ‬شيءٌ‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يحبّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرومان‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭! ‬‭[‬17‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬عفوكِ‭ ‬مولاتي،‭ ‬لكنّه‭ ‬يحبّكِ‭ ‬أنتِ،‭ ‬ولا‭ ‬يستحقّ‭ ‬منكِ‭ ‬كلَّ‭ ‬هذا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬فليبتلعه‭ ‬‮«‬ست‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬لنا‭ ‬وما‭ ‬له‭ ‬الآن؟‭ ‬لقد‭ ‬يئستُ‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬بلادته،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬أمرُه‭ ‬يعنيني،‭ ‬أنا‭ ‬أصلا‭ ‬لم‭ ‬أحبّه‭ ‬يوما،‭ ‬ولم‭ ‬أختره‭ ‬زوجا،‭ ‬بل‭ ‬تلك‭ ‬الداهية‭ ‬‮«‬أوكتافيا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬مَنْ‭ ‬أصرّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬داهيةً‭ ‬حقا‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أما‭ ‬قلتُ‭ ‬لكِ‭: ‬تاريخنا‭ ‬يكتبه‭ ‬الغالبون‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخُ‭ ‬أدهى‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ولا‭ ‬أقبح‭! ‬أذكر‭ ‬عينيْها‭ ‬الحولاويْن تتفحّصانني،‭ ‬أنا‭ ‬وشقيقيّ‭ ‬الباكييْن،‭ ‬كان‭ ‬وجهها‭ ‬كريها‭ ‬جدّا‮…‬‭[‬18‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بصوتٍ‭ ‬ضاحك‭)‬‭ ‬كان‭ ‬وجها‭ ‬مجدورا،‭ ‬وكانت‭ ‬القبيحة‭ ‬تريدني‭ ‬أن‭ ‬أصفّف‭ ‬لها‭ ‬شعرها‭ ‬الأشعث،‭ ‬الأشيبَ‭ ‬ذاك‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كنتُ‭ ‬أصفّف‭ ‬جدائلَ‭ ‬أمكِ‭ ‬السوداء‭ ‬الجميلة‮…‬‭ ‬كم‭ ‬كنتُ‭ ‬أعاني‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬جاهدةً‭ ‬كتمَ‭ ‬ضحكاتي‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقهقه‭)‬‭ ‬أتخيّل‭ ‬منظرها،‭ ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬تقليد‭ ‬أمّي،‭ ‬وتحشر‭ ‬جثتها‭ ‬السمينة‭ ‬تلك‭ ‬فيما‭ ‬سطا‭ ‬عليه‭ ‬خدمها‭ ‬من‭ ‬ثيابها‭ ‬الجميلة‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تواصل‭ ‬ضحكها‭)‬‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬مسخا‭ ‬حقيقيّا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الثياب‭ ‬الضيّقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تلائم‭ ‬مقاسَها‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هل‭ ‬تذكرين‭ ‬يوم‭ ‬أصرّت‭ ‬الحمقاءُ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ترتدي‭ ‬ذلك‭ ‬الثوبَ‭ ‬الحريريّ‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬قيل‭ ‬لها‭ ‬إنّ‭ ‬أمّي‭ ‬ارتدته‭ ‬لدى‭ ‬أول‭ ‬لقاءٍ‭ ‬لها‭ ‬بأبي‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬أذكر‭ ‬هذا‭ ‬جيّدا،‭ ‬والأسوأ‭ ‬حين‭ ‬لطخت‭ ‬سحنتها‭ ‬بتلك‭ ‬المساحيق‭ ‬الكثيرة،‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬قيل‭ ‬لها‭ ‬إنّ‭ ‬كليوباترا‭ ‬العظيمة‭ ‬كانت‭ ‬تضع‭ ‬مثلها‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ترى‭ ‬مَنْ‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تغوي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬طبعا‮…‬‭ ‬عدا‭ ‬عبيدها‭ ‬المساكين‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬سمعتُ‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬وصيفاتها‭ ‬المقرّبات‭ ‬أنّها‭ ‬حاولت‭ ‬تقليد‭ ‬كليوباترا‭ ‬العظيمة،‭ ‬فلفّت‭ ‬نفسها‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بساطٍ،‭ ‬وطلبت‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الخدم‭ ‬أن‭ ‬يحملوه‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬المسكين،‭ ‬الذي‭ ‬شاء‭ ‬حظه‭ ‬الأعمى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قرين‭ ‬تلك‭ ‬السمينة‮…‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬ضاحكة‭)‬‭ ‬كانوا‭ ‬ستة‭ ‬رجالٍ‭ ‬أشدّاء،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كادت‭ ‬أنفاسهم‭ ‬تتقطّع‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الثقل‭ ‬الذي‭ ‬كلّفوا‭ ‬بحمله‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬المسكين‭ ‬أبي‭! ‬كان‭ ‬حينها‭ ‬مختليا‭ ‬بنفسه،‭ ‬أو‭ ‬بطيف‭ ‬أمّي،‭ ‬كان‭ ‬حزينا،‭ ‬يستعين‭ ‬على‭ ‬الشوق‭ ‬بالخمر،‭ ‬وبالتنهّدات‮…‬‭ ‬حين‭ ‬اقتحم‭ ‬أولئك‭ ‬التعساءُ‭ ‬مجلسَه،‭ ‬وبسطوا‭ ‬أمامه‭ ‬ذاك‭ ‬الثقل،‭ ‬لوهلةٍ‭ ‬ظنّها‭ ‬أمّي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬روما،‭ ‬فانتفض‭ ‬مسرعا،‭ ‬يحلّ‭ ‬البساط،‭ ‬ودموعه‭ ‬تسحّ‭ ‬شوقا‭ ‬وحبّا،‭ ‬ويا‭ ‬لهول‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‮…‬‭ ‬يا‭ ‬لهول‭ ‬ما‭ ‬رأى‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬رأى‭ ‬القبحَ‭ ‬مجسّدا،‭ ‬والشحمَ‭ ‬طافحا،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬ليلتها‭ ‬عن‭ ‬التقيّؤ‭ ‬اشمئزازا،‭ ‬وغيظا‭! ‬‭[‬19‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬باشمئزاز‭)‬‭ ‬العجيب‭ ‬والمثير‭ ‬للشفقة‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬تصرّ‭ ‬وهي‭ ‬الأدرى‭ ‬بدمامتها‭ ‬وسماجتها‭ ‬على‭ ‬التسميّ‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يلائمها‭: ‬‮«‬مينرفا‮»‬‮ ‬كم‭ ‬هذا‭ ‬بذيء‭! ‬‭[‬20‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كنّا‭ ‬نحن‭ ‬الوصيفات‭ ‬نناديها‭ ‬بهذا‭ ‬اللقب‭ ‬في‭ ‬حضورها،‭ ‬وحين‭ ‬تغيب‭ ‬كنّا‭ ‬نسمّيها‭: ‬‮«‬ميدوسا‮»…‬‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬اسمٍ‭ ‬يلائمها،‭ ‬لأنّ‭ ‬مَنْ‭ ‬يراها‭ ‬فجأةً‭ ‬يتحجّر‭ ‬وجهُه‭ ‬كلّه‭ ‬هكذا‮…‬

‭(‬بحركةٍ‭ ‬تهريجيّة‭ ‬تجحظ‭ ‬عيناها،‭ ‬ويخرج‭ ‬لسانها،‭ ‬وتظلّ‭ ‬كذلك‭ ‬لحظاتٍ،‭ ‬ثمّ‭ ‬تنفجران‭ ‬معا‭ ‬بضحكٍ‭ ‬صاخب‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬أبغضها‭! ‬هل‭ ‬تذكرين‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬وجهها‭ ‬بلون‭ ‬الرماد‭ ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬بين‭ ‬يديْها‭ ‬‮«‬فنّ‭ ‬الهوى‮»‬‭. ‬‭[‬21‭]‬‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تضحك‭)‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬قبيحةً،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬حينها‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كنتُ‭ ‬حينها‭ ‬أتلصّص‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الستار،‭ ‬وكانت‭ ‬البدينة‭ ‬تسترخي‭ ‬كالفيل‭ ‬على‭ ‬فراشها‭ ‬الذي‭ ‬يئنّ‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬ثقلها‭ ‬‭(‬لا‭ ‬تتمالك‭ ‬ضحكها‭)‬‭ ‬وقد‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الوصيفة‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬لها‭ ‬بضع‭ ‬مقاطع‮…‬‭ ‬ما‭ ‬زلتُ‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬أتساءل‭: ‬مَنْ‭ ‬كانت‭ ‬تودّ‭ ‬أن‭ ‬تغوي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬مواصلةً‭ ‬بحبور‭)‬‭ ‬لسوء‭ ‬حظها،‭ ‬كانت‭ ‬وصيفتها‭ ‬بلهاء‭ ‬مثلها،‭ ‬ولم‭ ‬تحسن‭ ‬انتقاء‭ ‬ما‭ ‬تقرأ‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تنفجر‭ ‬مقهقهةً‭ ‬بتشفٍّ‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بصوتٍ‭ ‬خطابيّ‭ ‬ساخر‭)‬‭:‬

‮«‬مَنْ‭ ‬كانت‭ ‬بدينةً‭ ‬أصابعُها،‭ ‬أو‭ ‬غليظةً‭ ‬أظافرُها،

فلتكفّ‭ ‬عن‭ ‬التلويح‭ ‬أثناء‭ ‬الحديث‭.‬

ومَنْ‭ ‬كانت‭ ‬بخراءَ،‭ ‬فلتشحْ‭ ‬بثغرها‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬عشيقها،

ولتغلقْ‭ ‬فمَها‭ ‬حتّى‭ ‬تأكل‮»‬‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تواصل‭ ‬قهقهتها‭ ‬بصوتٍ‭ ‬أعلى‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‮«‬وإن‭ ‬اسودّ‭ ‬في‭ ‬فمكِ‭ ‬ضرسٌ،

‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬شاه‭ ‬حجمُه

‮ ‬‭ ‬أو‭ ‬انحرف

‮ ‬‭ ‬فخيرٌ‭ ‬لكِ‭ ‬ألا‭ ‬تضحكي‮»‬‭.. ‬‭[‬22‭]

‭(‬تنفجران‭ ‬معا‭ ‬ضاحكتيْن‭ ‬بصوتٍ‭ ‬عالٍ‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لحسن‭ ‬الحظ،‭ ‬لم‭ ‬تسمعني‭ ‬وأنا‭ ‬أضحك‭ ‬عليها،‭ ‬لكأنّما‭ ‬كان‭ ‬يصفها‭ ‬هي‭ ‬دون‭ ‬سواها‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬حاولتُ‭ ‬تنبيه‭ ‬تلك‭ ‬الوصيفة‭ ‬الغبيّة،‭ ‬بعينيّ،‭ ‬ولكنّها‭ ‬لم‭ ‬تنتبه،‭ ‬وواصلت‭ ‬القراءة‭ ‬وليتها‭ ‬لم‭ ‬تفعل،‭ ‬فقد‭ ‬انتفضت‭ ‬القبيحة‭ ‬فجأةً،‭ ‬وانهالت‭ ‬عليها‭ ‬ضربا‭ ‬ولكما،‭ ‬ثمّ‭ ‬انهالت‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬تمزقه‭ ‬بحقد‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بتشفٍّ‭)‬‭ ‬ثمّ‭ ‬انهارت‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬متشنّجةً،‭ ‬والزبد‭ ‬يتدفّق‭ ‬من‭ ‬شدقيْها‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولم‭ ‬نرَ‭ ‬تلك‭ ‬الوصيفة‭ ‬المنكودة‭ ‬بعدها‭ ‬أبدا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬أخذت‭ ‬كلِّ‭ ‬يومٍ‭ ‬تلحّ‭ ‬على‭ ‬أخيها‭ ‬المأفون،‭ ‬حتى‭ ‬أصدر‭ ‬قرارَه‭ ‬بنفي‭ ‬أوفيد‮…‬‭ ‬أوفيد‭ ‬الوسيم‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كان‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬رجال‭ ‬روما‭ ‬وأوسمهم‭!


لوحة: مايسة محمد

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬كان‭ ‬كاهنَ‭ ‬حبّ‭ ‬حقيقيّ‭! ‬عليها‭ ‬اللعنة،‭ ‬لم‭ ‬أكره‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬أحدا‭ ‬مثلما‭ ‬كرهتها‭.‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولم‭ ‬تكره‭ ‬هي‭ ‬أحدا‭ ‬بعد‭ ‬أمّكِ‭ ‬سواك‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أخذتني‭ ‬إلى‭ ‬قصرها،‭ ‬وجعلت‭ ‬أولئك‭ ‬الدجّالين‭ ‬يسجّلون‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬ولإخوتي‭ ‬الأمّ‭ ‬الرؤوم‭. ‬تبا‭ ‬لهم‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬كي‭ ‬تكوني‭ ‬تحت‭ ‬بصرها،‭ ‬وبين‭ ‬يديْها‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬المرّات‭ ‬التي‭ ‬تمنّت‭ ‬فيها‭ ‬موتي‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لم‭ ‬تتمنّ‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬فكّرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرةٍ‭ ‬في‭ ‬قتلكِ،‭ ‬ولم‭ ‬يمنعها‭ ‬سوى‭ ‬خوفها‭ ‬من‭ ‬أخيها‭ ‬الإمبراطور‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يغيظها‭ ‬أن‭ ‬تراني‭ ‬أكبر‭ ‬أمام‭ ‬عينيْها،‭ ‬وأن‭ ‬ترى‭ ‬ملامح‭ ‬غريمتها‭ ‬تنضح‭ ‬أمامها‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ولهذا،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تبلغي‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬وهي‭ ‬تلحّ‭ ‬على‭ ‬أخيها‭ ‬كي‭ ‬يزوّجكِ‭ ‬من‭ ‬يوبا‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬خطةٌ‭ ‬محكمةٌ‭ ‬من‭ ‬الاثنيْن،‭ ‬يتخلّصان‭ ‬من‭ ‬ابنة‭ ‬عدوّتهما،‭ ‬ويروّضان‭ ‬ابن‭ ‬عدوّهما،‭ ‬ويكسبان‭ ‬الشمالَ‭ ‬الأفريقيّ‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬صفهما‮…‬‭ ‬يقتلانني‭ ‬دون‭ ‬قتلٍ،‭ ‬ويريقان‭ ‬دمي‭ ‬دون‭ ‬قطرةٍ‭ ‬واحدةٍ‭ ‬تُراق‭ ‬حقّا‮…‬‭ ‬ولكنْ،‭ ‬أحيانا،‭ ‬يثور‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬السؤال‭: ‬لماذا‭ ‬رفض‭ ‬قتلي‭ ‬بكلِّ‭ ‬ذاك‭ ‬العناد؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إنّه‭ ‬أفعوانٌ،‭ ‬ماكرٌ،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬عقله‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هل‭ ‬تفكرين‭ ‬فيما‭ ‬أفكر‭ ‬فيه؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬إنّه‭ ‬أفعوانٌ‭ ‬كما‭ ‬أخبرتكِ‮…‬‭ ‬ولا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬تفسير‭ ‬أفعاله‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ألا‭ ‬تريْن‭ ‬أنّه‭ ‬استبقاني‭ ‬تكفيرا‭ ‬عن‭ ‬جريمته‭ ‬النكراء‭ ‬في‭ ‬حقّ‭ ‬أمّي؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بإصرار‭)‬‭ ‬أعتقد‭ ‬ألاّ‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬فهمه‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تواصل‭ ‬غير‭ ‬مبالية‭)‬‭ ‬مَنْ‭ ‬يدري‭! ‬لعلّه‭ ‬نادمٌ‭ ‬أشدَّ‭ ‬الندم‭ ‬لمسرّات‭ ‬الحب‭ ‬الضائعة‭ ‬مع‭ ‬أمي،‭ ‬ويودّ‭ ‬أن‭ ‬يعوّض‭ ‬ما‭ ‬فاته‭ ‬مع‭ ‬الابنة،‭ ‬مَنْ‭ ‬يدري‭! ‬ربّما‭ ‬زيارته‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬لرؤيتي‭ ‬أنا،‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّ‭ ‬الأخبار‭ ‬وصلته‭ ‬سريعا‭ ‬عن‭ ‬جمالي،‭ ‬وقد‭ ‬حالت‭ ‬اللئيمة‭ ‬أخته‭ ‬دونه‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يراني‭ ‬حين‭ ‬كنتُ‭ ‬أسيرةً‭ ‬لديهما‭ ‬في‭ ‬روما،‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّه‭ ‬حانقٌ‭ ‬جدّا‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬مولاتي‭ ‬يمكنه‭ ‬الذهاب‭ ‬بعيدا،‭ ‬غامضةٌ‭ ‬هي‭ ‬النفس،‭ ‬وعجيبة‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬غامضةٌ،‭ ‬وعجيبة‭! ‬صدقتِ،‭ ‬ولكنّني‭ ‬سأنال‭ ‬ما‭ ‬أريد،‭ ‬ولن‭ ‬يمنعني‭ ‬أحد‭! ‬ولكن،‭ ‬إيراستا،‭ ‬ماذا‭ ‬أريد‭ ‬أنا؟‭ ‬خبّريني‭ ‬ماذا‭ ‬أريد؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬بقلقٍ‭)‬‭ ‬مولاتي،‭ ‬أنتِ‭ ‬متعبةٌ‭ ‬جدّا،‭ ‬لمَ‭ ‬لا‭ ‬ترتاحين‭ ‬قليلا،‭ ‬أعطني‭ ‬يدَكِ،‭ ‬ودعيني‭ ‬أساعدكِ‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬معكِ‭ ‬حقٌّ،‭ ‬ما‭ ‬أحوجني‭ ‬إلى‭ ‬غفوةٍ‭ ‬قصيرة‭!‬

‭(‬تقود‭ ‬إيراستا‭ ‬سيّدتها‭ ‬نحو‭ ‬سريرها،‭ ‬وتساعدها‭ ‬على‭ ‬الاضطجاع‭)‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سأسدل‭ ‬الستائر‭ ‬مولاتي،‭ ‬وأدعكِ‭ ‬ترتاحين‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬نعم،‭ ‬افعلي،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬أرتاح،‭ ‬تسلّلي‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬زوجي،‭ ‬وتقصّيْ‭ ‬لي‭ ‬آخر‭ ‬الأخبار‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬سأفعل‭ ‬مولاتي،‭ ‬وسآتيكِ‭ ‬بكلِّ‭ ‬جديد‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬الوقتُ‭ ‬يمضي‭ ‬بسرعةٍ‭ ‬إيراستا،‭ ‬وغدا،‭ ‬غدا،‭ ‬وليس‭ ‬بعده،‭ ‬أحسم‭ ‬أمري،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬كلَّ‭ ‬شيء‭ ‬قبل‭ ‬غيرنا‭.‬

‮ ‬–‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬ثقي‭ ‬مولاتي،‭ ‬أنّني‭ ‬لن‭ ‬أدخر‭ ‬جهدا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬هيا‭ ‬إذن،‭ ‬اخرجي‭ ‬الآن‭.‬

‮ ‬‭(‬تخرج‭ ‬إيراستا،‭ ‬وتظلّ‭ ‬سيليني‭ ‬مسترخيةً‭ ‬بمفردها‭ ‬في‭ ‬الظلام‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬بصوتٍ‭ ‬كالأنين‭)‬‮ ‬‭[‬ما‭ ‬أتعسني‭ ‬دون‭ ‬كلِّ‭ ‬النساء‭ ‬حظا‭! ‬ما‭ ‬أتعس‭ ‬حظي‭! ‬رأسي‭ ‬يدور،‭ ‬وما‭ ‬أزال‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬أريد‭! ‬أخادع‭ ‬نفسي‭ ‬بانتظار‭ ‬هيليوس‭ ‬المسكين،‭ ‬الذي‭ ‬نسيتُ‭ ‬ملامحه،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يعنيني‭ ‬حقا‭ ‬حضوره‭ ‬أم‭ ‬غيابه،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬من‭ ‬أخيه‭ ‬التافه‭ ‬بطليموس،‭ ‬أخادع‭ ‬نفسي‭ ‬بهذا،‭ ‬وأستجلب‭ ‬السحرة‭ ‬والدجّالين‭ ‬كي‭ ‬يدلّوني‭ ‬على‭ ‬مكانه،‭ ‬أو‭ ‬يتنبّأوا‭ ‬لي‭ ‬بموعد‭ ‬ظهوره،‭ ‬وقلبي‭ ‬معلّقٌ‭ ‬بالآخر‭...‬‭]‬‭.‬

‭(‬تتنهّد‭ ‬بأسى،‭ ‬وتصمت‭ ‬قليلا،‭ ‬ثمّ‭ ‬تواصل‭)‬

‭[‬قلبي‭ ‬يدقّ‭ ‬بعنفٍ‭ ‬لمجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬الآخر‭... ‬سيحلّ‭ ‬علينا‭ ‬ضيفا‭ ‬غدا،‭ ‬وسأسحره‭ ‬بجمالي،‭ ‬سيأسره‭ ‬جمالي،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أحقق‭ ‬ما‭ ‬عجزت‭ ‬عنه‭ ‬كليوباترا‭ ‬العظيمة‭... ‬كم‭ ‬هو‭ ‬بائسٌ‭ ‬حظي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬ابنتها‭ ‬هي‭ ‬دون‭ ‬كلِّ‭ ‬النساء‭! ‬الجميع‭ ‬يلهجون‭ ‬بجمالها‭ ‬هي،‭ ‬ويعمون‭ ‬عنّي‭ ‬أنا،‭ ‬إنّها‭ ‬فرصتي‭ ‬الوحيدة‭ ‬كي‭ ‬أنتزع‭ ‬الثمرة‭ ‬التي‭ ‬تمنّعت‭ ‬عليها‭ ‬هي‭... ‬أوكتافيو‭ ‬العظيم،‭ ‬أقوى‭ ‬رجلٍ‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭! ‬ستخرّ‭ ‬ساجدا‭ ‬تحت‭ ‬قدميّ‭ ‬أنا،‭ ‬وسيلهج‭ ‬الناسُ‭ ‬بحكايا‭ ‬ذلكَ‭ ‬على‭ ‬يديّ‭ ‬أنا،‭ ‬سينسون‭ ‬كليوباترا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬وسيبدأ‭ ‬مجد‭ ‬سيليني‭! ‬سيبدأ‭ ‬مجدُ‭ ‬سيليـ‭...‬‭]‬

‭(‬فجأةً،‭ ‬يُسمَع‭ ‬وقعُ‭ ‬خطواتٍ‭ ‬سريعةٍ‭ ‬قادمة،‭ ‬تطلّ‭ ‬بعدها‭ ‬إيراستا‭ ‬بحذرٍ،‭ ‬وتوجّس‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬ترفع‭ ‬رأسَها‭ ‬بتوّجس‭)‬‭ ‬هذا‭ ‬أنتِ‭ ‬يا‭ ‬إيراستا‭! ‬لماذا‭ ‬أنتِ‭ ‬مسرعةٌ‭ ‬هكذا؟‭ ‬ماذا‭ ‬لديكِ؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬‭(‬تلتقط‭ ‬أنفاسَها‭)‬‭ ‬مولاتي،‭ ‬خشيتُ‭ ‬أن‭ ‬أوقظكِ،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬أيَّ‭ ‬تأجيل‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تنتفض‭ ‬من‭ ‬فراشها‭ ‬متوثبة‭)‬‭ ‬تكلّمي‭ ‬ما‭ ‬الأمر؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬حين‭ ‬خرجتُ‭ ‬من‭ ‬عندكِ‮ ‬‭ ‬مولاتي‭ ‬كان‭ ‬القصرُ‭ ‬كلّه‭ ‬قائما‭ ‬قاعدا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬منذ‭ ‬أيّامٍ‭ ‬استعدادا‭ ‬لاستقبال‭ ‬الضيف‭ ‬الـ‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬‭(‬تقاطعها‭)‬‭ ‬أعرف،‭ ‬أعرف،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬ماذا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬تسلّلتُ‭ ‬يا‭ ‬مولاتي‭ ‬كما‭ ‬أمرتني‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الكوة‭ ‬الخفيّة‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬مولاي‭ ‬الملك،‭ ‬وهناك‭ ‬هالني‭ ‬ما‭ ‬رأيت‭!‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ماذا‭ ‬رأيتِ؟‭ ‬ماذا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬كان‭ ‬مولاي‭ ‬مكفهرَّ‭ ‬الوجه،‭ ‬بصحبة‭ ‬رسولٍ‭ ‬توحي‭ ‬ثيابه‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬‮«‬أغسطس‮»‬‭ ‬أعني‭ ‬‮«‬أكتافيو‮»…‬‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬جاهدا‭ ‬أن‭ ‬يخفي‭ ‬ضيقه،‭ ‬ويبتسم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الرسول‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬عجيب‭! ‬لماذا؟

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬فهمتُ‭ ‬من‭ ‬كلامهما‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬أوكتافيو‮»‬‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬إلينا،‭ ‬إنّه‭ ‬يتاخم‭ ‬على‭ ‬حدودنا،‭ ‬ويرفض‭ ‬الحضور‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬ما‭ ‬المشكلة‭! ‬نذهب‭ ‬نحن‭ ‬إليه‮…‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أيّا‭ ‬منّا،‭ ‬ولا‭ ‬حتّى‭ ‬مولاي‭ ‬الملك،‭ ‬سيعود‭ ‬غدا‭ ‬إلى‭ ‬روما،‭ ‬يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬ثمّة‭ ‬ما‭ ‬أزعجه‮…‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬يخشى‭ ‬لقائي‭!‬

‭-‬‭ ‬إيراستا‭:‬‭ ‬فهمتُ‭ ‬أنّه‭ ‬مستاءٌ‭ ‬جدّا‭ ‬من‭ ‬تساهل‭ ‬مولاي‭ ‬مع‭ ‬سكّان‭ ‬الجبال‭ ‬هنا‭.‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬ينهزم‭ ‬أمامي‮…‬

‭(‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الاضطجاع‮…‬‭ ‬تصمت‭ ‬متفكّرةً‭ ‬لحظات،‭ ‬ثمّ‭ ‬تقهقه‭ ‬بلا‭ ‬مبالاة‭)‬

‭-‬‭ ‬سيليني‭:‬‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يأتنا،‭ ‬ذهبنا‭ ‬نحن‭ ‬إليه‮…‬‭ ‬أما‭ ‬زلتِ‭ ‬تحتفظين‭ ‬بذاك‭ ‬البساط؟‭ ‬أف‭! ‬دعكِ‭ ‬من‭ ‬البساط،‭ ‬ناوليني‭ ‬المرآة،‭ ‬بل‭ ‬دعيني،‭ ‬سأنام‭ ‬الآن‮…‬‭ ‬دعيني‭.‬

‭(‬تغفو‭)‬

انتهت‭.‬

‮ ‬إشارات:

‭[‬1‭]‬‮ ‬اخترتُ‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬لأهمّيتها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬‮«‬سيليني‮»‬‭ ‬الأنثى‭ ‬‭(‬40ق‭.‬م‭ ‬–‭ ‬5م‭)‬‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بلغت‭ ‬الثلاثين‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬أمّا‭ ‬الإمبراطور‭ ‬‮«‬أغسطس‮»‬‭ ‬فكان‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬والخمسين،‭ ‬‭(‬63ق‭. ‬م‭-‬‭ ‬14م‭)‬‭ ‬وهي‭ ‬تقريبا‭ ‬السنّ‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬يوليوس‭ ‬قيصر‮»‬‭ ‬حين‭ ‬قابل‭ ‬كليوباترا‭ ‬الأم‭.‬

‭[‬2‭]‬‮ ‬هو‭ ‬الأخ‭ ‬التوأم‭ ‬لسيليني،‭ ‬ويعني‭ ‬اسمُه‭: ‬الشمس،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعني‭ ‬اسمُها‭: ‬القمر،‭ ‬تذكر‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخيّة‭ ‬أنّه‭ ‬اقتيد‭ ‬مع‭ ‬شقيقته‭ ‬سيليني،‭ ‬وأخيه‭ ‬الأصغر‭: ‬بطليموس‭ ‬إلى‭ ‬روما‭ ‬أسرى،‭ ‬وأنّهم‭ ‬ربّوا‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬أوكتافيا،‭ ‬شقيقة‭ ‬‮«‬أوكتافيو‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬اختفت‭ ‬أخبارُ‭ ‬الشقيقيْن،‭ ‬بينما‭ ‬يرجّح‭ ‬البعضُ‭ ‬أنّهما‭ ‬رافقا‭ ‬أختهما‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزوجت‭ ‬الملك‭ ‬الأمازيغيّ‭ ‬‮«‬يوبا‭ ‬الثاني‮»‬

‭[‬3‭]‬‮ ‬كانت‭ ‬سيليني‭ ‬تحتفظ‭ ‬في‭ ‬قصرها‭ ‬بإفريقيا‭ ‬بتماسيح‭ ‬ملكيّة‭ ‬مدلّلة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬أمّها‭ ‬كليوباترا‭.‬

‭[‬4‭]‬‮ ‬المعروف‭ ‬أنّ‭ ‬أنطونيو‭ ‬حين‭ ‬أراد‭ ‬الانتحار‭ ‬أخطأ،‭ ‬فأصاب‭ ‬بطنه‭ ‬بدل‭ ‬قلبه،‭ ‬وقضى‭ ‬فترة‭ ‬عصيبةً‭ ‬من‭ ‬الاحتضار‭ ‬الطويل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يموت،‭ ‬أمّا‭ ‬ابن‭ ‬كليوباترا‭ ‬من‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر‭: ‬‮«‬قيصرون‮»‬‭ ‬فتذكر‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخيّة‭ ‬أنّ‭ ‬الرومان‭ ‬عذبوه‭ ‬بقسوة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقتلوه‭. ‬أما‭ ‬يوبا‭ ‬الأول؛‭ ‬والد‭ ‬زوج‭ ‬سيليني،‭ ‬الذي‭ ‬هزمه‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر،‭ ‬فقد‭ ‬انتحر،‭ ‬واقتيد‭ ‬ابنه‭ ‬يوبا‭ ‬الثاني‭ ‬إلى‭ ‬روما،‭ ‬ليُربّى‭ ‬هناك‭.‬

‭[‬5‭]‬‮ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬الإغريقيّة‭ ‬القديمة،‭ ‬التي‭ ‬تحدّثنا‭ ‬عن‭ ‬غرام‭ ‬الإله‭ ‬أبولون؛‭ ‬إله‭ ‬الفنون‭ ‬والشمس‭ ‬والنبوءة‭ ‬بكاساندرا‭ ‬ابنة‭ ‬ملك‭ ‬طروادة‭ ‬‮«‬بريام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استغلّت‭ ‬مشاعره،‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يمنحها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التنبؤ،‭ ‬ففعل‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكنّها‭ ‬تنكّرت‭ ‬له‭ ‬حينها،‭ ‬فلعنها‭ ‬بألا‭ ‬يصدّقها‭ ‬أحدٌ‭ ‬أبدا‭.‬

‭[‬6‭]‬‮ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حيلة‭ ‬التفاف‭ ‬كليوباترا‭ ‬في‭ ‬سجادة،‭ ‬وحملها‭ ‬إلى‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مرابطا‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬مملكتها‭ ‬المشتركة‭ ‬هي‭ ‬وأخيها‭ ‬‮«‬بطليموس‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬غرامها‭ ‬فور‭ ‬ذاك‭ ‬اللقاء‭.‬

‭[‬7‭]‬‮ ‬الخادمة‭ ‬الشخصيّة‭ ‬لكليوباترا،‭ ‬وقد‭ ‬انتحرت‭ ‬معها‭.‬

‭[‬8‭]‬‮ ‬الاسم‭ ‬اللاتينيّ‭ ‬لديونيزوس،‭ ‬إله‭ ‬الخمر‭ ‬والخلاعة‭ ‬الإغريقيّ‭.‬

‭[‬9‭]‬‮ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضع‭ ‬إشارةٌ‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأساطير‭ ‬التوراتيّة‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بمكر‭ ‬المرأة‭ ‬ودهائها‭: ‬‮«‬دليلة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تغافل‭ ‬‮«‬شمشون‮»‬‭ ‬القوي،‭ ‬وتقصّ‭ ‬شعرَه‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬شعرةٌ‭ ‬سحريّة‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬قوّته‭.‬‮ ‬‭ ‬و‮»‬ياعيل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬غافلت‭ ‬القائدَ‭ ‬الكنعانيّ‭ ‬‮«‬سيسرا‮»‬‭ ‬ودقّت‭ ‬وتدَ‭ ‬خيمةٍ‭ ‬في‭ ‬صدغه،‭ ‬و‮»‬جوديث‮»‬‭ ‬الفاتنة‭ ‬التي‭ ‬غافلت‭ ‬القائد‭ ‬الآشوريّ‭ ‬‮«‬هولوفيرن‮»‬‭ ‬وأوقعته‭ ‬في‭ ‬غرامها،‭ ‬ثمّ‭ ‬قطعت‭ ‬رأسَه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خدّرته‭.‬

‭[‬10‭]‬‮ ‬يبدو‭ ‬هنا‭ ‬تأثرها‭ ‬الكبير‭ ‬بالفكر‭ ‬التوراتيّ،‭ ‬فهي‭ ‬تصف‭ ‬مدينة‭ ‬روما‭ ‬الكريهة‭ ‬إلى‭ ‬نفسها‭ ‬ببابل،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬العبرانيّون‭ ‬يصفون‭ ‬أيّة‭ ‬مدينة‭ ‬بغيضة‭ ‬إلى‭ ‬نفوسهم‭.‬

‭[‬11‭]‬‮ ‬تقصد‭ ‬أوكتافيو‭.‬

‭[‬12‭]‬‮ ‬المقصود‭ ‬أوكتافيو‭ ‬طبعا‭.‬

‭[‬13‭]‬‮ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬إله‭ ‬الشرّ‭ ‬الفرعوني‭: ‬‮«‬ست‮»‬

‭[‬14‭]‬‮ ‬فعلا‭ ‬أقيم‭ ‬تمثالٌ‭ ‬تكريميّ‭ ‬ليوبا‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أثينا‭ ‬تقديرا‭ ‬لجهوده‭ ‬الفكريّة‭ ‬والأدبيّة‭.‬

‭[‬15‭]‬‮ ‬بنى‭ ‬يوبا‭ ‬الثاني‭ ‬فعلا‭ ‬ضريحا‭ ‬على‭ ‬الطراز‭ ‬الفرعوني‭ ‬بهيئة‭ ‬هرمٍ‭ ‬صغير،‭ ‬دُفنت‭ ‬فيه‭ ‬زوجته‭ ‬سيليني‭ ‬بعد‭ ‬موتها،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬قائما‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬شرشال‮»‬‭ ‬بالجزائر،‭ ‬ويُعرف‭ ‬عند‭ ‬عامّة‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬باسم‭: ‬‮«‬قبر‭ ‬الروميّة‮»‬

‭[‬16‭]‬‮ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استتبّ‭ ‬الأمر‭ ‬لأوكتافيوس،‭ ‬أصدر‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬في‭ ‬روما‭ ‬قرارا‭ ‬بمنع‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬مارك‭ ‬أنطونيو‮»‬‭ ‬من‭ ‬التداول‭.‬

‭[‬17‭]‬‮ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬طقوس‭ ‬الحساب‭ ‬الفرعونيّة،‭ ‬التي‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الموتى‭ ‬–‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬أعمال‭ ‬الميت‭ ‬بريشةٍ‭ ‬خفيفة،‭ ‬فإنْ‭ ‬كان‭ ‬صالحا‭ ‬كانت‭ ‬أعماله‭ ‬أثقل‭ ‬من‭ ‬الريشة،‭ ‬ويذهب‭ ‬من‭ ‬فوره‭ ‬إلى‭ ‬النعيم‭ ‬مع‭ ‬أوزيريس،‭ ‬أمّا‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬فاسدا،‭ ‬فستكون‭ ‬الريشة‭ ‬أثقل‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أعماله،‭ ‬وعندها‭ ‬ينقضّ‭ ‬عليه‭ ‬كلبٌ‭ ‬متوحّشٌ،‭ ‬يُدعى‭: ‬الهمهم،‭ ‬ويكون‭ ‬مصيره‭ ‬الجحيم‭.‬

‭[‬18‭]‬‮ ‬هنا‭ ‬تنساق‭ ‬سيليني‭ ‬وراء‭ ‬حقدها‭ ‬على‭ ‬أوكتافيا،‭ ‬لأنّ‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬تاريخيّا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬امرأة‭ ‬جميلة،‭ ‬وعلى‭ ‬قدرٍ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬والكياسة‭.‬

‭[‬19‭]‬‮ ‬أحدُ‭ ‬الألقاب‭ ‬التي‭ ‬ألصِقت‭ ‬بأنطونيو‭ ‬هي‭: ‬‮«‬الرجل‭ ‬المتقيّئ‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬لأنّه‭ ‬–‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يذكر‭ ‬خصومه‭ ‬–‭ ‬كان‭ ‬متخما‭ ‬ذات‭ ‬يومٍ‭ ‬من‭ ‬وليمةٍ‭ ‬حضرها،‭ ‬وحين‭ ‬فتح‭ ‬فمَه‭ ‬يوما،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يتكلّم‭ ‬ويدلي‭ ‬برأيه‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬تقيّأ‭ ‬بدل‭ ‬ذلك‭!‬

‭[‬20‭]‬‮ ‬الاسم‭ ‬اللاتينيّ‭ ‬لأثينا‭ ‬إلهة‭ ‬الحكمة‭ ‬الإغريقيّة،‭ ‬المعروفة‭ ‬بجمالها‭ ‬وبراعتها‭.‬

‭[‬21‭]‬‮ ‬واحدٌ‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر‭ ‬اللاتينيّ‭ ‬‮«‬أوفيد‮»‬‭ ‬‭(‬Ovide‭)‬‭ ‬وهو‭ ‬نصائح‭ ‬يوجهها‭ ‬الشاعر‭ ‬للرجال‭ ‬كيف‭ ‬يوقعون‭ ‬بالنساء،‭ ‬وللنساء‭ ‬كيف‭ ‬يوقعن‭ ‬بالرجال‭. ‬وبسببه‭ ‬نُفي‭ ‬الشاعر‭ ‬عن‭ ‬روما،‭ ‬بأمرٍ‭ ‬من‭ ‬الإمبراطور‭ ‬‮«‬أغسطس‮»‬

‭[‬22‭]‬‮ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬والذي‭ ‬قبله‭ ‬مجتزءان‭ ‬من‭ ‬‮«‬فن‭ ‬الهوى‮»‬،‭ ‬ترجمة‭: ‬د‭. ‬ثروت‭ ‬عكاشة،‭ ‬دار‭ ‬الشروق‭: ‬القاهرة،‭ ‬‭(‬د‭.‬ت‭)‬‭ ‬ص‭: ‬198‭-‬‭ ‬200‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.