آدم حنين.. نبض الأحجار

الخميس 2018/02/01

تعرّف حنين على شغفه الخاص بالنحت في طفولته المبكرة، بعد ذلك قرر أن يدرس في كلية الفنون الجميلة بدءاً من عام 1948، إلا أن الدراسة في ذلك الوقت لم ترو ظمأه وتطلعاته إلى التعرف على فنون مصر القديمة التي أسرته باكرا، فكانت المنحة التي حصل عليها إلى مدينة الأقصر (جنوب القاهرة) هدية قدرية له؛ إذ تعرف فيها على الفن الفرعوني عن كثب، لينطلق في ما بعد إلى ألمانيا لدراسة الفنون لمدة عامين، عاد بعدها إلى “النوبة” على ضفاف النيل المصري، ثم إلى باريس في رحلة امتدت لأكثر من عشرين عاما، تعرف فيها عن كثب على المدارس المختلفة في الفنون.

لم ينقطع حنين عن العمل بالنحت أو الرسم على مدار حياته، حتى عندما أصابته وعكة صحية عام 2009 وقبل عامين من انطلاق الثورة المصرية، ظل طوال مدة إقامته بالمستشفى يعمل على رسم عدد من اللوحات خصص لها قاعة حملت اسم “الشهود” وفيها وجوه مكممة وصور معبرة عن أزمات وأحداث مرت بها مصر، وأخرى أحداث ارتبطت بتغيرات عالمية في تلك الفترة.

قبل ذلك وفي باريس عمل حنين على تنفيذ عدد من الأعمال التي باع الكثير منها هناك، كما أن فترة إقامته بالأقصر خرج منها بعدد من الأعمال المبتكرة التي وضعها في متحفه في قاعة حملت اسم “البشارة”.

شارك حنين في عدد من المعارض الجماعية الدولية منها بينالي الإسكندرية وبينالي فينيسيا وبينالي القاهرة الدولي، ومعارض جماعية محلية منها المعرض القومي للفنون التشكيلية في دورتيه الـ26، والـ28، والمعرض العام للفنون التشكيلية عامي 2016، و2017. فضلا عن معارضه الخاصة التي كان آخرها عام 2013، وقد افتتح بعدها معرضه ومتحفه الدائم داخل منزله.

 

خصوصية التراث

 

لعل من أبرز ما يمكن ملاحظته على أعمال حنين سواء النحتية أو التصويرية هو تمكسه بالجذر المصري الفرعوني في أعماله التي لن يخفى على من يشاهدها حس المصري المتمسك بالتراث، والذي لم ينجرف وراء المدارس الغربية. يحضر الحس المعماري في منحوتاته فضلا عن الاختزال والتجريد الذي زاد تفضيله له خصوصا بعد فترة إقامته في باريس.

في الخمسينات، وفي ظل اهتمام أكبر بالتشخيص، أنتج حنين عددا من الأعمال النحتية منها “فاطمة” وهو تمثال لرأس امرأة، و”حصان”، و”الزمار” وهو تمثال لرجل ينفخ في مزمار غير موجود، و”راحة” لشاب مستلق على ظهره واضعا يديه تحت رأسه، و”أم الشهيد”. أما الرسومات فكان من أهمها “البشارة” وهي غزالة على خلفية بيضاء.

وفي الستينات، كان لحنين عدد من الرسومات المتعلقة بالنباتات ومنها “الحديقة1″، والرسومات التي أبدعها حنين لتوضع في كتاب رباعيات صلاح جاهين، والتي احتلت قاعة في متحفه يتصدرها تمثال برونزي لجاهين، هذا بالإضافة إلى بداية اهتمام حنين بمنحوتات عن الحيوانات، ومنها “البومة”، “الحمار”، “طائر أسطوري”.

في السبعينات، وهي الفترة التي شهدت انتقال حنين إلى باريس، وفي ظل اهتمام أكبر بالتجريد والاختزال، أبدع حنين عددا من المنحوتات منها “نسمة”، “شيخ البلد”، “مراقبة صامتة”، “انتصار يتصاعد”، ومن الرسومات “جسر عائم”، “الصخرة”. وفي الثمانينات والتسعينات يمكن ملاحظة الجمع ما بين التشخيص والتجريد في عدد من الأعمال على نحو واضح، ومن أبرز الأعمال خلال تلك الفترة منحوتة “امرأة وحصان” و”صبية بضفيرة”.

في هذا الحوار مع “الجديد” يستعيد حنين أبرز محطات رحلته الفنية منذ الطفولة وحتى اللحظة الراهنة، متطرقا إلى الحديث عن علاقته الخاصة بالأحجار التي يستنطقها في عمله ليقد منها إبداعات مبتكرة وحالات وجدانية لم يخطط لها مسبقًا، فضلا عن رؤيته إلى واقع الفن التشكيلي والنحت في الوقت الراهن خصوصا بعد تجربته الهامة في سمبوزيوم أسوان الذي تأسس منذ العام 1996 ولا يزال مستمرا حتى الآن.

 

قلم التحرير

 

 

 

الجديد: تجمع في عملك الفني ما بين التركيز على التراث المصري القديم والفن الفرعوني على وجه الخصوص والانفتاح على تيارات الحداثة والإفادة من مختلف المدارس الفنية.. كيف تأسس لديك هذا الوعي الجمالي؟ وكيف تنظر إلى ذلك النزوع لدى الكثير من الفنانين إلى الابتعاد التام عن التراث؟

 

آدم حنين: هذا الوعي الجمالي وليد تجربة قديمة بدأت عندما كنت طفلا لم يتجاوز الثامنة من عمره. في درس التاريخ بمدرستي الابتدائية في الفجالة تعرفت على صور فرعونية من مصر القديمة، وفي إحدى الزيارات التي صحبنا فيها مدرس التاريخ إلى المتحف المصري بميدان التحرير انبهرت بالتماثيل هناك، وانتابني شعور غريب تجاه كل الأعمال المعروضة في المتحف، كأنها لامست شيئا دفينا بداخلي. تركت المدرس وزملائي وأخذت أطوف في المتحف وأتأمل الأعمال الفنية المصنوعة من معادن وخشب وأحجار ملونة، ظلت تلك الأعمال عالقة في ذهني وراسخة في وجداني، منذ ذلك اليوم انتابني رفض واستنكار لكل مظاهر القبح المحيطة بي في الشوارع والميادين والأزقة، وبدأت أولى محاولات محاكاة النماذج التي شاهدتها في المتحف بتنفيذ مجسمات صغيرة من الطين الأسواني، وأعجب أبي بها وعرضها في ورشته التي كان ينفذ فيها مشغولات من الفضيات.

فلا يمكن تجاهل روح العصر ومنجزاته لكن لا بد من الخروج من ذلك بنظرة مختلفة تتماشى مع ماضينا وتراثنا وتخرج فنا جديدا مرتبطا بجذورنا

 

منذ تلك اللحظة أدركت أن الجمال موجود في الفن القديم ولا بد من اكتشافه والتعرف عليه بعمق، وقررت أن أدرس النحت في كلية الفنون الجميلة، ولكن بعد عامين من الدراسة أردت أن أتركها، بعدما وجدت أن اهتمامهم منصب على الفنون الأوروبية والتقليدية، ولا يوجد اهتمام بالفن المصري الذي أراه أصيلا جدا وشديد التأثير، وقتها تحدثت مع عميد الكلية عن ضرورة دراسة الفن المصري، وقرر تخصيص جزء من الدراسة في أعمال المتحف المصري وعمل محاكاة لتلك الأعمال.

الروح الحداثية طبعا مهمة ولا يمكن تجاوزها. تعرفت على الفن الأوروبي عن قرب في باريس وتأثرت به، لكن كنت مؤمنا بضرورة التوازن بين الاثنين؛ فلا يمكن تجاهل روح العصر ومنجزاته لكن لا بد من الخروج من ذلك بنظرة مختلفة تتماشى مع ماضينا وتراثنا وتخرج فنا جديدا مرتبطا بجذورنا.

أما بخصوص نزوع البعض نحو الابتعاد عن التراث برمته فأنا أرفضه لأن الميلاد والأصل والتاريخ بل وملامح الوجه تعزز فكرة الاختلاف عن الآخر التي يجب أن يتم مراعاتها واحترامها، بدلا من محاولة إنتاج نسخ مكررة مما أنتجه الآخر خصوصا وأن هذه الاختلافات لا بد أنها تصنع إحساسا داخليا ومناطق شديدة الذاتية يجب مراعاتها.

 

الجديد: الكثير من اختياراتك في النحت سواء في الفكرة أو التناول يلوح فيها تأثرك وولعك بالفن الفرعوني.. ما الذي منحه لك الفن الفرعوني من أبعاد جوهرية في عملك؟ وإلى أي مدى صارت نظرتك الفنية متأثرة بالمعتقد الفرعوني ذاته؟

 

آدم حنين: يمكن القول إن حضور الفن الفرعوني في أعمالي يأتي دون قصد وبغير افتعال، لأن هذا الفن صار جزءا من تركيبتي النفسية والشخصية، ومن ثم فما يلاحظه المتتبع لأعمالي لا تكون فيه قصدية من قبلي، سواء في اختيار الموضوعات أو في التناول من منظور ما. بالطبع تأثرت بالفن الفرعوني وبكل الفنون القديمة لكن ظهوره في أعمالي يحدث تلقائيا دون قصد.

الجديد: ثمة مراحل فاصلة في مغامرتك الفنية كانت أولاها مرحلة الطفولة ثم الدراسة الجامعية ثم مرحلة الاطلاع على الفنون في الغرب من خلال الدراسة أولا في ألمانيا ثم فترة الإقامة الطويلة في باريس.. كيف تركت كل مرحلة بصماتها على شخصيتك ومن ثم فنك؟ وما الذي منحته لك فترة إقامتك في باريس؟ وهل ثمة فنانون تأثرت بهم في تلك المرحلة؟

حضور الفن الفرعوني في أعمالي يأتي دون قصد وبغير افتعال، لأن هذا الفن صار جزءا من تركيبتي النفسية والشخصية، ومن ثم فما يلاحظه المتتبع لأعمالي لا تكون فيه قصدية من قبلي

 

 

آدم حنين: أظن أن تاريخ الفن توقف بعد الفراعنة ومع تغيرات وطنية في فترات معينة، ولكن هذا لا يعني اتباع المدارس الأوروبية وتجاهل هذا التاريخ. في مرحلة الطفولة بدأت باكرا التعرف على التراث الفني المصري، وبعد زيارتي الفارقة للمتحف المصري ومحاولاتي الأولى في محاكاة الأعمال الفنية، وجدت تشجيعا كبيرا من قبل والدي وأساتذتي، ونفذت أعمالا صغيرة. وبعد الدراسة الجامعية تم اختياري لمنحة إلى الأقصر، وتعرفت هناك عن قرب على أشكال الفن الفرعوني ورسمت عددا من اللوحات منها “بشارة” التي أضفت لها في ما بعد أشكالا هندسية ملونة بالأحمر والأزرق، وبدأ اهتمامي من هنا بالتجريد يظهر.

بعد ذلك، كانت زيارتي لألمانيا لدراسة الفن لمدة عامين، وأقمت معرضا هناك بلوحات ومنحوتات من أعمالي في الأقصر، ثم عدت إلى مصر وتحديدا إلى النوبة وهناك تأثرت بالمباني القديمة والفن المصري الأصيل. بعد هزيمة 1967 وفي ظل روح القنوط واليأس المهيمنة اتجهت إلى باريس وهناك اطلعت على العديد من تجارب الفنانين والمدارس المختلفة، وكنت أشاهد الأعمال والتغيرات الجديدة لكن لا أتبعها، ونفذت عددا من الأعمال التي تم بيعها. هناك طبعا الكثير من الفنانين الذين تأثرت بهم ومنهم هنري مور وقسطنين برانكوزي وأرتولد مارتيني وغيرهم الكثيرون.

 

الجديد: لم جاء رفضك لاستخدام الألوان الزيتية على القماش في مقابل اهتمام بإحياء تقنيات قديمة كالرسم على أوراق البردي بأصباغ طبيعية أو تقنية الرسم على الجص؟ هل يمكن اعتبار ذلك جزءا من اهتمامك الكلي بالفن الفرعوني؟

 

آدم حنين: الخامات عندي لها دور كبير جدا في الفن؛ كل مادة لها روح مختلفة عن الأخرى، فالخشب يختلف عن الجرانيت أو البازلت أو غيرهما، وحسب الروح أختار المادة. في أعمالي لم أحب استخدام الزيت لأنه يتأكسد ويغمق لونه، في الفن المصري القديم أعمال من الفريسك على الحوائط بمواد طبيعية لا تتغير، وتعطي تأثيرا مختلفا. أحببت العمل بالأشياء القديمة وخرجت منها بأشياء مميزة، فكان لي أعمال بالفحم والنسيج. الخامات لها دور كبير في إبراز روح الفنان، وفي الكثير من الأحيان العمل يظهر ويترجم بالخامة المستخدمة أكثر من الرسم نفسه.

 

الجديد: هل تختار الخامات بناء على الفكرة أم العكس؟ وما هي المراحل التي تمر بها في عملية التكوين الفني بدءا من الفكرة وحتى التنفيذ؟ وما أكثر المنحوتات التي تذكر أنها أرهقتك واستغرقت وقتا أطول مما كنت تظن؟ وما السبب؟

 

آدم حنين: على أساس الخامة أختار وأنفذ الفكرة، كل خامة يخرج منها شكل مختلف وفكرة جديدة. أما بخصوص مراحل التكوين الفني فيكون لدي تصور عام أبدأ في العمل من خلاله، وأثناء العمل يحدث نوع من الحوار بيني وبين المادة، وأوقات تخرج أشياء مختلفة لم أكن أتصورها في البداية، فليست هناك قرارات حاسمة يتم تنفيذها في كل الأحوال.

بصفة عامة، ليست لدي مراحل واضحة في عملي، هناك دوما متغيرات، وهناك أعمال أبدأ العمل فيها ولا أستطيع إكمالها فأتركها سنوات حتى أكون قد نضجت فيها معلوماتيا وأعود إليها مرة أخرى. الآن أعمل على عملين كنت قد بدأت فيهما منذ أكثر من عشرين عاما وتركتهما وقتها لأنني لم أستطع الوصول إلى تصور نهائي لهما، وليست لدي فكرة التكرار في الأعمال؛ فكل عمل نتاج رؤية تنمو وتختلف باختلاف المرحلة.

لوحة: آدم حنين

 

 

الجديد: حضور مفردات الحيوان والنبات في أعمالك الفنية بشكل عام هل جاء تأثرا برسومات مماثلة في الفن الفرعوني؟ وما سبب اهتمامك بتجسيد البومة تحديدا في أكثر من عمل وبأشكال مختلفة؟

 

آدم حنين: الحيوانات والنباتات موجودة أمامي طوال الوقت، ومن الطبيعي أن أتأثر بوجودها وتتكون لدي مشاعر تجاه الكائنات أسعى لتجسيدها، من الممكن أن يكون جزء من هذه المشاعر متأثرا بحبي للفن الفرعوني لأنه جزء مني. وكل تلك المشاعر المختزنة والتي تتداخل في تكوينها روافد مختلفة تختزن داخلي وتخرج في عمل في وقت لاحق. مثلا شاهدت كلبا يتأمل في صرصار، وبعد ذلك خرج هذا المشهد المختزن في عقلي في لوحة هنا. أما بخصوص البومة فأراها كائنا متفردا، غريبا ومثيرا جدا، فرغم ما تثيره في نفس البعض من شعور بالتشاؤم إلا أنها شديدة التفرد؛ تظهر ليلا وتختفي نهارا ومعبرة عن العزلة بشكل ما.

 

الجديد: على مدار مشوارك الفني صرت أكثر ميلا للتجريد؛ في الخمسينات كانت أعمالك النحتية أكثر تركيزا على الموضوع وفي الستينات صرت أكثر اهتماما بالدلالة والرمز وفي السبعينات والثمانينات نزوع أكبر نحو التجريد وفي التسعينات تركيز على إنجاز أحجام متباينة من المنحوتات، كيف جاء هذا التحول؟ وإلى أي مدى كان ممنهجا؟ وما الذي جعلك أكثر ميلا للتجريد عن مرحلة البداية؟

 

آدم حنين: اتجاهي نحو التجريد واستخدامه بأشكال متباينة جاء استجابة للتطور الفني الحديث الذي لا يمكن أن نغض الطرف عنه بأي حال، وأظن أن التجريد له دور في الألوان والأشكال وفي تجسيد مشاعر لا يمكن وصفها في لغة بعيدة عن التشخيص، وفي فترة من الفترات كنت أنفذ أو أرسم أشكالا هندسية وأعطي لها اسما فكانت تتم مشاهدتها وفهمها وفق الاسم الذي كتبته، ولا أظن أن ذلك خطأ بشكل ما. التجريد بشكل عام استجابة للتطور الراهن لكنه لا يمنح قدرا أكبر من الحرية أو أقل لأن كل عمل فني هو حرية بشكل ما وإلا فلا طائل منه.

 

الجديد: رأى إدوار الخراط في منحوتاتك “توقا إلى التسامي في صياغات مختلفة”، هل يمكن الحديث عن هاجس ما يسيطر على آدم حنين ويحركه في كل ما أنجزه وما ينجزه من أعمال فنية؟ وما الذي تنتظره من عملك الفني؟

 

آدم حنين: لا أستطيع أن أرى معاني ما كالتسامي أو غيرها في عملي، والحقيقة أنني لا أريد أن أعرفها، لأن ذلك سيضعني في مأزق القصدية وستضيع التلقائية التي أعمل بها وسيعني ذلك الكثير من التوقف والتعطيل بغية تنفيذ المعنى المقصود. التعويل دوما يكون على المشاهد للعمل الفني في أن يفهمه ويتلقاه بطريقته، أما بالنسبة لي فأثناء العمل أدخل في حالات لا أعرفها.

ثمة علاقة خاصة بيني وبين المادة الخام التي أعمل عليها، عندما تلمس يدي المادة يتولد إحساس ما بها وتخرج الفكرة من التماس مع المادة لتتبلور في المخ، المسألة غريبة والفكرة قد لا تكون واضحة وضوحا كاملا. يمكن اعتبارها علاقة تفاهم متبادل، أو على الأرجح علاقة حب يحركها الإحساس وليس أوامر العقل. أحيانا بعدما ينتهي العمل أخشى أن أعاود النظر فيه، وقد أستغرق الكثير من الوقت للتعرف عليه لأن هذه الدفقة من المعاني التي تولّدت في العمل تعطي إحساسا ما ليست له صياغة.

 

الجديد: ما الذي أفادتك به تجربتك في تأسيس سمبوزيوم النحت في أسوان والعمل به على مدار سنوات؟ وما الذي كشفته لك عن راهن فن النحت في مصر؟ وإلى أي مدى تتابع إبداعات الشباب والشابات العرب الحديثة؟ وما هو تقييمك لها؟

 

آدم حنين: أظن أن سمبوزيوم أسوان تسبب في إحداث حراك فني كبير، ففي سنوات سابقة لم يكن بقسم النحت سوى أفراد معدودين، أما الآن فهناك العشرات. من جهة أخرى، أطلقت مؤسسة آدم حنين جائزة لشباب النحاتين، في العام الماضي دخل التصفيات 20 نحاتا من أصل 50، وهذا العام تقدم للجائزة 70 ووصل إلى التصفيات 37 نحاتا سيشاركون في المعرض.

عندما تلمس يدي المادة يتولد إحساس ما بها وتخرج الفكرة من التماس مع المادة لتتبلور في المخ، المسألة غريبة والفكرة قد لا تكون واضحة وضوحا كاملا

 

أرى أن ثمة تطورا حدث في الفن، وهذا لم يكن موجودا منذ عقدين على سبيل المثال. اليوم يمكن الحديث عن روح فنية جديدة في فن النحت خصوصا وسعي للمزج بين الأصول المصرية والغربية. السمبوزيوم ساهم في مشاركة الخبرات بين الفنانين المصريين والأوروبيين وهذا صنع تغييرا واضحا في حركة النحت.

في مجال الفن التشكيلي عموما هناك بالضرورة أعمال مهمة لكن أرى أن النقلة القادمة ستكون في النحت لأنه كان ضعيفا وغير موجود، والحركة التي خلقها السمبوزيوم ساهمت في تقدم النحت بصورة أكبر من التصوير.

 

الجديد: كيف تنظر إلى التقنيات الحديثة في مجال الفن التشكيلي؟ هل ترى تأثيرها إيجابيا أم سلبيا؟

 

آدم حنين: لا أحب هذه التقنيات وأرى فيها الكثير من المبالغة، وقد تسهم في تراجع الفن بشكل ما، ولا أهتم بها بأي حال لأنها بعيدة عن قواعدي وأسلوبي الذي أعمل به في النحت أو الرسم.

 

الجديد: كانت لديك مشاركة مؤخرا في معرض جماعي بعنوان “هي في إبداعاتهم” وفيه عرضت بعض منحوتاتك الخاصة بالمرأة، هل من منظر خاص يشكل رؤيتك إلى المرأة في كل أعمالك عنها؟

 

آدم حنين: نعم شاركت بعدد من الأعمال لكن لا أعتقد أن ثمة منظورا خاصا يحكمني في تناول المرأة، وبشكل عام فكل لوحة هي حالة منفردة ورؤية خاصة يستطيع المشاهد أن يقرأها ويفهمها وفق منظوره الخاص.

 

الجديد: إلى أي مدى تعتقد بانعتاقك من القيود الفكرية والمجتمعية ووصولك إلى درجة من الحرية الفنية تظن أنك راض عنها؟ وكيف تنظر إلى موجات التضييق على الفنون عموما والنحت خصوصا بالاستناد إلى أفكار دينية متطرفة؟ هل امتثلت لمثل تلك الضغوط في فترة ما؟

 

آدم حنين: كنت حرا طبعا لأنه لا قيمة للعمل دون حرية، وعموما لا أعتقد أن عملي يتماس مع نقاط تثير مشاكل، واختياراتي لا تتصادم مع شيء مجتمعي. هنا لوحات لجسد لا يتضح إن كان رجلا أو امرأة، وفي تصويري للمرأة لم يكن من اختياراتي المفضلة التصريح وكان الاعتماد بشكل أكبر على مثل هذا الاختزال.

أما بخصوص موجات التضيق على الفنون والأفكار المتطرفة فأنا متفائل بأن هناك أجيالا جديدة من الفنانين والمبدعين ستساهم في خلق حالة من التوازن في مواجهة الإرهاب بالفن.

 

الجديد: ما الذي حملته ثورات الربيع العربي وميدان التحرير للفن مع فترات الصعود؟ وكيف كان تأثير الانهيار على الفن التشكيلي العربي؟

 

آدم حنين: لا أعرف، وفي عملي لا أهتم بتصوير وتجسيد لحظات آنية أو أحداث معاصرة، وإن حدث ذلك تكون له معان متعددة يمكن قراءتها في ظروف مغايرة ولها تأثير ممتد.

 

الجديد: اليوم وبعد انقضاء أكثر من ستة عقود على بدايات عملك الفني، كيف تنظر إلى هذه الرحلة الحافلة؟

 

آدم حنين: أنا راض عن الرحلة تماما لأنها منحتني حرية في إخراج تعبيرات لم أكن أعرفها برزت كلها بالفن، وأخذت مني الكثير من العمل والجهد والانتظار.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.