شاعر‭ ‬يأتيك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تتوقع

الثلاثاء 2018/05/01

لم أكتف‭ ‬بموقف‭ ‬قار‭ ‬وانطباع‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬الرّاحل‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭. ‬كانت‭ ‬مواقفي‭ ‬وانطباعاتي‭ ‬متلونة‭ ‬وغير‭ ‬حاسمة‭. ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الشاعر‭ ‬مبثوث‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الجدّات‭ ‬والأخوات،‭ ‬ومردّد‭ ‬بالأسواق‭ ‬أين‭ ‬لا‭ ‬تتوقع‭ ‬وجود‭ ‬ولو‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭. ‬فهذا‭ ‬الشاعر‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬تسمع‭ ‬صوته‭ ‬مترنّما‭ ‬بثقة‭ ‬في‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الأسطوانات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتّ‭ ‬للشعر‭ ‬بصلة،‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬«سامعي‮»‬‭ ‬قباني‭ ‬وقارئيه‭ ‬ويا‭ ‬للعجب‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستهلكون‭ ‬ما‭ ‬لذّ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأغاني‭ ‬الهجينة‭.‬

نزار‭ ‬قباني‭ ‬النجم‭ ‬المتلألئ‭ ‬المقترن‭ ‬بالشعر‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يخطر‭ ‬ببال،‭ ‬ولو‭ ‬لدى‭ ‬الشريحة‭ ‬البسيطة،‭ ‬حتى‭ ‬يتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الحبّ‭ ‬والمرأة‭ ‬أساسا‭. ‬هذا‭ ‬الرّجل‭ ‬الذي‭ ‬جعلني‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬مغامرات‭ ‬عاطفية‭ ‬شتّى‭ ‬بغية‭ ‬أن‭ ‬ألمس‭ ‬ما‭ ‬لمس‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬المرأة‭ ‬وأن‭ ‬أعيش‭ ‬ما‭ ‬عاش‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬عاطفيّ‭. ‬وجعلني‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬مغامرة‭ ‬السفر‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬التونسية‭ ‬إلى‭ ‬الوسط‭ ‬بالقيروان‭ ‬لحضور‭ ‬أمسية‭ ‬له‭ ‬وأنا‭ ‬بعدُ‭ ‬طفل‭ ‬صغير،‭ ‬وأن‭ ‬أبيت‭ ‬ليلتي‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الرّئيسيّ‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬كبيرة‭ ‬أتلهى‭ ‬بصورته‭ ‬اتقاء‭ ‬للبرد‭.‬

هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قلدته‭ ‬في‭ ‬كتاباتي‭ ‬الأولى‭ ‬الساذجة‭.‬

مَن‭ ‬مِن‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬جاؤوا‭ ‬بعد‭ ‬قباني‭ ‬لم‭ ‬يتأثروا‭ ‬بسحر‭ ‬بساطته‭ ‬العميقة،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬لإتمام‭ ‬نضج‭ ‬تجربته؟

قباني‭ ‬ذو‭ ‬الشّعر‭ ‬الذي‭ ‬يجعلك‭ ‬مندفعا‭ ‬مقدما‭ ‬على‭ ‬الأحاسيس‭ ‬كثور‭ ‬هائج‭. ‬يعلّمك‭ ‬السلوك‭ ‬المرهف‭ ‬والحبّ،‭ ‬يشبه‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬شخوص‭ ‬الرّوايات‭ ‬الفرنسية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬كرولان‭ (‬Roland‭) ‬الفارس‭ ‬البطل‭ ‬الباكي‭ ‬أمام‭ ‬جمال‭ ‬حبيبته،‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬العشاق‭ ‬في‭ ‬أوبرا‭ ‬«بيفاروتّي‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬النبل‭ ‬أن‭ ‬يضعف‭ ‬ويهان‭ ‬الرجل‭ ‬أمام‭ ‬المرأة‭.‬

صور‭ ‬قباني‭ ‬كثيرة‭ ‬لكنها‭ ‬متوحدة‭ ‬وسط‭ ‬دائرة‭ ‬كبرى‭ ‬تدعى‭ ‬الجمال‭.‬

إنك‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬قراءة‭ ‬قباني‭ ‬بل‭ ‬يأتيك‭ ‬شعره‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تتوقع؛‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬دواوينه‭ ‬الصّغيرة‭ (‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬الكتب‭ ‬الدينيّة‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭) ‬تحت‭ ‬مخدة‭ ‬أختك‭ ‬المراهقة‭ ‬أو‭ ‬أخيك‭ ‬العاشق‭. ‬فهذا‭ ‬الرّجل‭ ‬سند‭ ‬العشاق‭ ‬إذ‭ ‬يوفر‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬يريدون‭ ‬قوله‭ ‬بالضبط‭ ‬ويعينهم‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬رسائلهم‭ ‬المتيّمة‭. ‬أما‭ ‬كلماته‭ ‬المغناة‭ ‬فلا‭ ‬تملك‭ ‬حدودا‭ ‬فلقد‭ ‬غنى‭ ‬له‭ ‬الكبار‭ ‬كما‭ ‬الصغار‭ ‬ولا‭ ‬أكاد‭ ‬أتوقع‭ ‬فردا‭ ‬يتقن‭ ‬العربية‭ ‬ولو‭ ‬إتقانا‭ ‬بسيطا‭ ‬لا‭ ‬«يرتّل‮»‬‭ ‬عليك‭ ‬ما‭ ‬يملأ‭ ‬خمس‭ ‬صفحات‭ ‬من‭ ‬شعره‭.‬

الرّجل‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬انتشاره‭ ‬عن‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بل‭ ‬و»تجار‭ ‬الفن‮»‬‭ ‬اهتدوا‭ ‬لذلك‭ ‬الأمر‭ ‬فأنجزوا‭ ‬أسطوانة‭ ‬شهيرة‭ ‬بين‭ ‬الصرحين‭ ‬في‭ ‬تخاطب‭ ‬غنائيّ‭ ‬شعريّ‭.‬

والشاعر‭ ‬اشتهر‭ ‬بمناصرته‭ ‬للكائن‭ ‬العربيّ‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬وتأثيرا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬القراءة‭ (‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أعتقد‭ ‬يمثل‭ ‬الشريحة‭ ‬الأكثر‭ ‬قراءة‭ ‬وترويجا‭ ‬لقبّاني‭) ‬ونقصد‭ ‬المرأة‭. ‬المرأة‭ ‬الكائن‭ ‬العربيّ‭ ‬الثوريّ‭ ‬الطالع‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬للتوّ،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يحاكيك‭ ‬دون‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬انتصاره‭. ‬وجدت‭ ‬المرأة‭ ‬نصيرا‭ ‬رجاليا‭ ‬قويا‭ ‬قوة‭ ‬نزار‭ ‬قبّاني‭ ‬هنا‭.‬

وله‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬قصائد‭ ‬وطنيّة‭ ‬مشهورة،‭ ‬منها‭ ‬المغناة‭ ‬وعلى‭ ‬عدم‭ ‬رفعتها‭ -‬كما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭- ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬جعلته‭ ‬منافسا‭ ‬لأسماء‭ ‬نعرفها‭ ‬جميعا،‭ ‬قد‭ ‬عُرفت‭ ‬بإنتاجها‭ ‬لهذا‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬جمهورا‭ ‬واسعا‭ ‬على‭ ‬النطاق‭ ‬العربي‭.‬

فالشاعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وأنت‭ ‬تعرفه‭ ‬دون‭ ‬قصد‭ ‬لأنّك‭ ‬لم‭ ‬تعثر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬بحث‭ ‬ذاتيّة،‭ ‬بل‭ ‬جاءك‭ ‬للبيت‭ ‬وللبرنامج‭ ‬المدرسي‭ ‬ولصحف‭ ‬بلدك‭ ‬اليوميّة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬رسالات‭ ‬حبيبتك،‭ ‬وحفظت‭ ‬شعره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الامتحانات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غزوه‭ ‬لسمعك‭ ‬الموسيقيّ‭.‬

لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬لم‭ ‬أحسم‭ ‬شخصيا‭ ‬في‭ ‬موقفي‭ ‬من‭ ‬شعره‭ ‬ومما‭ ‬يكتب‭ ‬ومن‭ ‬رؤيته‭.‬

ككل‭ ‬مراهق‭ ‬عشقته‭ ‬ورددت‭ ‬أشعاره‭. ‬وككلّ‭ ‬شاعر‭ ‬ربما‭ ‬تململت‭ ‬فيّ‭ ‬غيرة‭ ‬من‭ ‬انتشاره‭ ‬واستحواذه‭ ‬على‭ ‬الذائقة‭ ‬العامة،‭ ‬فأمك‭ ‬تعرف‭ ‬شعر‭ ‬قباني‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬شعرك‭. ‬بعدها‭ ‬تحوّل‭ ‬وجه‭ ‬قباني‭ ‬وما‭ ‬يكتب‭ ‬إلى‭ ‬ذكرى‭ ‬جميلة‭ ‬أنظر‭ ‬لها‭ ‬بحنان‭. ‬مما‭ ‬يجعلني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬شعر‭ ‬مرحلة‭ ‬عمريّة‭ (‬تكاد‭ ‬تشبه‭ ‬المراهقة‭) ‬ضروريّ‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تمرّ‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬به‭.‬

ولطالما‭ ‬تساءلت‭ ‬عن‭ ‬الأسرار‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬هذا‭ ‬الرّجل‭ ‬منتشرا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الانتشار‭ ‬الخياليّ،‭ ‬ألبساطة‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬كما‭ ‬يروّج؟‭ ‬أم‭ ‬لمناصرته‭ ‬المرأة‭ ‬وما‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬ضجيج‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربيّ؟‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬وسعاد‭ ‬الصباح‭ ‬وغيرهما‭ ‬كثيرات‭ ‬انتشار‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬وهن‭ ‬نساء‭ ‬يدافعن‭ ‬عن‭ ‬صوت‭ ‬النساء؟

وماذا‭ ‬عن‭ ‬تشابه‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬مع‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬بريفير‭ (‬Prévert‭)‬؟

كنت‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬قباني‭ ‬صورة‭ ‬الشاعر‭ ‬المنشد‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عكاظ‭ ‬«أيام‭ ‬الكلاسيكية‮»‬‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاختلاف‭ ‬أهمّها‭ ‬بساطة‭ ‬لغته‭ ‬الشعريّة‭ ‬وطرافته‭. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬قباني‭ ‬صورة‭ ‬الشاعر‭ ‬تلك،‭ ‬مع‭ ‬شك‭ ‬بسيط‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أبونواس‭ ‬سيثير‭ ‬نفس‭ ‬الضجة‭. ‬وهو‭ ‬الشاعر‭ ‬المحاط‭ ‬بحشد‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬العاشق‭ ‬كما‭ ‬بمغنّ‭ ‬شهير،‭ ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬حضوري‭ ‬لأمسية‭ ‬أقامها‭ ‬بالقيروان‭ ‬وأنا‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬أواسط‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬أيّ‭ ‬جهد‭ ‬خيالي‭ ‬بذله‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬ليكون‭ ‬بسيطا‭ ‬ومستساغا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأذواق؟‭ ‬أي‭ ‬تجارب‭ ‬عاش‭ ‬وأي‭ ‬كتب‭ ‬قرأ‭ ‬حتى‭ ‬يشغلنا‭ ‬ويثير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬دهشتنا؟

لقد‭ ‬عرفنا‭ ‬كلّ‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬الشاعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬بُثّ‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬الشاشات‭ ‬العربية‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حكاياتنا‭ ‬اليومية‭. ‬فمن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬قصص‭ ‬حبه‭ (‬مع‭ ‬بلقيس‭ ‬مثلا‭) ‬ونوادره‭ ‬ومواقفه؟

صورة‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬التي‭ ‬ستذكرها‭ ‬بالألوان‭ ‬على‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬والجرائد‭ ‬وشعره‭ ‬المكتوب‭ ‬بالخط‭ ‬الغليظ‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الجرائد‭ ‬والصحف،‭ ‬صورة‭ ‬تكاد‭ ‬تغازلك‭ ‬بإمكانية‭ ‬نجوميتك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬كشاعر‭ ‬أو‭ ‬ككاتب‭. ‬تطمئنك‭ ‬وتغيظك‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬تؤنسك‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬لاجدواك‭ ‬ويأسك‭ ‬وتوحي‭ ‬إليك‭ ‬بوجود‭ ‬جمهور‭ ‬الكلمة‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬تجعلك‭ ‬تشك‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬العملية‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭.‬

لا‭ ‬أكاد‭ ‬أعتبر‭ ‬الراحل‭ ‬قد‭ ‬رحل‭. ‬فموته‭ ‬كان‭ ‬سهلا‭ ‬وجميلا‭ ‬كشعره‭ ‬لكني‭ ‬ألاحظ‭ ‬تكاثر‭ ‬مقلّديه‭ ‬منذ‭ ‬رحيله‭. ‬وأكاد‭ ‬ألمس‭ ‬الضيق‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬فيه‭ ‬قباني‭ ‬تجربته‭ ‬الشهيرة،‭ ‬ذاك‭ ‬الضيق‭ ‬الذي‭ ‬يجعلك‭ ‬أحيانا‭ ‬لا‭ ‬تفرّق‭ ‬بين‭ ‬قصيدة‭ ‬وأخرى‭ ‬للشاعر،‭ ‬فهل‭ ‬تسع‭ ‬المساحة‭ ‬نفسها‭ ‬مقلديه؟

تجربة‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬تجربة‭ ‬وحيدة‭ ‬وعلى‭ ‬حدة‭ ‬مشت‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬هشة‭ ‬ونجحت،‭ ‬لذلك‭ ‬يصعب‭ ‬تكرارها‭ ‬كالمتنبّي‭ ‬أو‭ ‬كجاك‭ ‬بريفير،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يكتسب‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬أهميته‭. ‬وأظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬شهرته‭ ‬كانت‭ ‬بنتا‭ ‬لعفويته‭ ‬الشعرية‭ ‬والإنسانية‭ ‬ولحساسيته‭ ‬العالية‭.‬

تقترن‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬فكرتا‭ ‬الجمال‭ ‬والشهوة‭ ‬مع‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬وأتساءل‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة؟‭ ‬إذ‭ ‬اختار‭ ‬شاعرنا‭ ‬التجوال‭ ‬برفاهية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬فكرة‭ ‬المرأة،‭ ‬وصبّ‭ ‬عمقه‭ ‬الوجوديّ‭ ‬والشعريّ‭ ‬فيها‭. ‬المرأة‭ ‬استعارة‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬المدللة‭ ‬والرّئيسية‭. ‬سافر‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬قوله‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬بلسانها،‭ ‬وتكلم‭ ‬عن‭ ‬هزاتها‭ ‬وعواطفها‭ ‬حتى‭ ‬تظنه‭ ‬عالما‭ ‬نفسيّا‭ ‬مختصّا‭ ‬في‭ ‬الأنوثة،‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬بكل‭ ‬أنماطه‭ ‬وأحاسيسه،‭ ‬وتجد‭ ‬أحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬كلامك‭ ‬في‭ ‬قصائده‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.