فنون المانجا

الجمعة 2018/06/01
تعود أصول فن المانغا إلى القرن الـ12 لكن المصطلح ولد في القرن الـ18

مازالت “المانجا” اليابانية بالنسبة للكثيرين، لا تتعدى كونها بعض القصص المرسومة التي تشبه قصص الأبطال الخارقين، والكوميكس الأميركية مثل الرجل الوطواط “باتمان” و”سوبر مان”، وغيرهما من الصور النمطية التي يحتفظ بها هؤلاء عن المانجا، لكن الواقع يؤكد أن المانجا كأحد أشكال الفن الخاص باليابان تملك تاريخا أطول، وخصوصية كبيرة تمنحها الشعبية الكبيرة التي تملكها في اليابان والعالم. هذه الخصوصية والمميزات التي تحتفظ بها المانجا جعلتها صناعة تدر المليارات، ففي عام 2012 نشرت المؤسسة الأميركية اليابانية تقريرا، قالت فيه إن أكثر من 40 بالمئة من المطبوعات في اليابان هي كتب ومجلات مانجا.

أصول المانجا ككلمة يابانية هي عبارة عن حرفين في لغة الكانجي اليابانية هما “مان” وتعني المتحركة أو المتغيرة و”جا” وتعني الصور أو الرسوم وتكتب بالشكل التالي: 漫画 وتعود جذور رسم المانجا إلى عهود قديمة منذ القرن الثاني عشر، لكن مصطلح “مانجا” كوصف للرسوم التي تروي قصة معينة لم يبدأ استعماله إلا في عام 1798، فيما تعتبر فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي الفترة التي اتخذت فيها المانجا اليابانية شكلها ونمطها الخاصين اللذين تُعرف بهما اليوم.

ويمكن تقسيم تاريخ المانجا في اليابان إلى ثلاث فترات رئيسية: العهود القديمة التي سبقت القرن الثامن عشر، فترة حكم “الإيدو” وصولا إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية ومن ثمّ الفترة المفصلية في تاريخ المانجا وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

القرنان الثاني عشر والثالث عشر شهدا ظهور أحد الأشكال البدائية والأولى من رسوم المانجا في اليابان، حيث كان العديد من الفنانين يقومون برسم بعض القصص والمشاهد المرتبطة بالأساطير اليابانية والتراث الخاص باليابان خصوصا قصص الحيوانات، لعل أشهر ما تبقى من تلك الفترة هي رسومات تدعى لفائف الحيوانات الراقصة “تشوجو جينبتسو جيجا 鳥獣人物戯画” وأصدرها العديد من رسامي تلك الفترة حيث كانت تحكي قصص العديد من الحيوانات خصوصا الأرانب والضفادع، وفي حقيقة الأمر فإن أسلوب الرسم في مثل هذه الأشكال القديمة من المانجا، خصوصا في ما يتعلق بحركات الركض والأطراف، لا يزال مستعملا حتى اليوم في بعض قصص المانجا الحالية.

فترة “الإيدو” من تاريخ اليابان والتي استمرت بين عامي (1603 – 1868) خلال حكم سلالة توكوجاوا، كانت هي الفترة التي شهدت استعمال مصطلح المانجا للمرة الأولى في تاريخ الرسم في اليابان، حيث ظهر المصطلح بالتزامن مع صدور كتاب الفصول الأربعة “شيجي نو يوكيكاي 四季交加” في عام 1798 وهو يعتبر من أشهر كتب الرسومات في فترة الإيدو.

مصطلح المانجا عاد للظهور بقوة في عام 1814 مع ظهور رسومات الفنان الياباني هوكوساي، والذي ذاع صيته في مختلف أنحاء اليابان في تلك الفترة ولسنوات طويلة بعدها، حيث تعتبر “سكيتشات هوكوساي 北斎漫画” من الأشهر في تاريخ عصر الإيدو وتحتوي على العديد من الرسومات التي تعبّر عن الطبيعة والنباتات والمخلوقات الخيالية، كما تعتبر من الرسوم الأولى في اليابان التي حاولت تجسيد الحالات النفسية البشرية والأمراض النفسية من خلال تعابير الوجه.

أسلوب المانجا منذ انتهاء عصر الإيدو وحتى الحرب العالمية الثانية استمر على ما هو عليه من خلال الرسوم المنفصلة التي تعبّر عن حالات وأفكار مختلفة، ولم يُبد أيّ من رسامي تلك الفترة اهتماما كبيرا بإنشاء قصص مرتبطة بحبكات متسقة عبر الرسومات التي يقدمونها، لكن الحرب العالمية الثانية وما خلفته من نتائج على اليابان شكّلت نقطة مفصلية في تاريخ المانجا إلى يومنا الحالي.

فبعد الهزيمة الكبيرة التي تعرّضت لها اليابان ومأساة هيروشيما وناغازاكي مرّت اليابان بفترة احتلال قوات الحلفاء لها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى أن نالت البلاد استقلالها عام 1952، هذه الفترة شهدت اطلاع الفنانين ورسامي المانجا اليابانيين على الرسوم الكرتونية الأميركية ورسوم الكوميكس الشهيرة في تلك الفترة، مثل رسوم شركة ديزني وغيرها.

الكوميكس الأميركية كان لها تأثير لا يمكن إنكاره في انطلاق المانجا بعد الحرب العالمية الثانية بقوة كبيرة، لكن ذلك لم يمنع رسامي المانجا اليابانيين والذين يدعون بلقب “مانجاكا” من تأسيس طراز الرسم والقصص الخاص بهم، والذي يمكن إسناده بشكل كبير لواحد من ألمع الأسماء في تاريخ المانجا وهو أوسامو تيزوكا.

تيزوكا هو رسام المانجا الذي أطلق المانجا الشهيرة فتى الفضاء “Astro Boy” وذلك في عام 1952، وهو أول من استعمل أسلوب الرسم الذي يركز على زيادة حجم العيون في المانجا، وهو الأسلوب الذي يعتبر من أبرز صفات المانجا منذ ذلك الوقت، كما تعتبر مانجا فتى الفضاء قفزة نوعية في هذا المجال بسبب تقديمها قصة مترابطة ومتكاملة مع شخصيات عديدة وحوار متكامل والإصرار على نمط الرسم بالأبيض والأسود دون استخدام الألوان كما هو الحال في الكوميكس الأميركية، هذه الأسباب جميعها دفعت بمجتمع المانجا في اليابان إلى إطلاق لقب “إله المانجا” على أوسامو تيزوكا، والذي لا يزال أسطورة حتى اليوم في نظر رسامي المانجا في اليابان.

سلاسل كتب وقصص المانجا استمرت بالانطلاق بقوة في تلك الفترة حيث بدأ نمط الرسم الذي أوجده تيزوكا بالتطور من خلال إضافة كل رسام مانجا لطابعه الخاص، وطريقة الأجزاء التي يعتمدها رسامو المانجا في رواية القصص الخاصة بهم، ومع الوقت بدأت ظاهرة مجلات المانجا الأسبوعية أو الشهرية في الظهور، وأشهر هذه المجلات هي مجلة “شونين جامب 週刊少年ジャンプ” التي صدرت في عام 1968، وهي تحتوي على العديد من أجزاء المانجا المختلفة التي تنشرها المجلة أسبوعيا، ولا زالت مستمرة حتى يومنا هذا وتعتبر من أشهر مجلات المانجا عالمياً، وتملك نسخة باللغة الإنكليزية تصدر في الولايات المتحدة الأميركية.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم صدرت الآلاف من سلاسل المانجا في اليابان والتي تتفاوت شعبيتها وقصصها وأرباحها، وشهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ظهور التصنيفات العمرية والنوعية للمانجا في اليابان وهو ما جعلها على مدى السنوات فنا يستقطب اهتمام الملايين حول العالم من مختلف الفئات العمرية.

الشونين والشوجو: الفصل الديموغرافي في المانجا

بالطبع تملك المانجا كما هو الحال في الكوميكس وأي رواية بصرية تصنيفات مرتبطة بنوع القصة والأحداث وأهم التصنيفات الرئيسية للمانجا هي الحركة والإثارة “الأكشن” والمغامرات والدراما والخيال العلمي والفنتازيا والتاريخ والقصص النفسية والبوليسية والرومانسية والقصص المدرسية وغيرها الكثير، لكن التصنيف الأساسي والأكثر بروزاً عندما يتعلق الأمر بالمانجا هو التصنيف النمطي المرتبط بجنس القراء وشريحتهم العمرية والذي يرتبط بالكلمتين اليابانيتين “شونين 少年” و”شوجو 少女″.

مصطلح مانجا “شونين” يشير إلى سلاسل المانجا التي تستهدف القراء الذكور والذين تتراوح أعمارهم بين 13 – 18 عاماً، حيث ترتكز معظم سلاسل مانجا الشونين حول موضوع الأبطال الخارقين والقدرات الخاصة غير البشرية ومواضيع الفنون القتالية وغيرها، وترتكز قصص مانجا الشونين بشكل عام على الإثارة والقتال وتطور شخصية البطل، كما تحوي العديد من سلاسل المانجا الطويلة والتي يستمر بعضها منذ أكثر من عشرين عاما.

أما “شوجو” فهو مصطلح يعني قصص المانجا التي تستهدف الإناث بين عمر 13 – 17 عاما ولكونها تستهدف الإناث فإن طبيعة قصص مانجا “الشوجو” تميل بشكل كبير إلى قصص الحب والرومانسية وبعض الكوميديا الرومانسية، كما تعتبر المانجا المدرسية والتي تعايش قصص طلاب المدارس في اليابان من أشهر تطبيقات مانجا الشوجو، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض سلاسل مانجا الشوجو التي يكون فيها دور البطولة والقدرات الخارقة ممنوحا لبطلة القصة الرئيسية.

هذه التصنيفات تتدرج عنها تصنيفات فرعية عديدة مثل تصنيف “سينين 青年” الذي يتوجه نحو القراء البالغين والذين تجاوزوا الثامنة عشرة، حيث تحتوي مانجا السينين على العديد من الموضوعات التي لا يمكن تناولها في مانجا الشونين، كما تحوي الكثير من المشاهد الجنسية والإيحاءات المرتبطة بها بشكل واضح، أيضا نجد تصنيفا فرعيا عن مانجا “شوجو” المخصصة للإناث وهو تصنيف “جوسي 女性” الذي يستهدف جمهور الإناث فوق عمر الثامنة عشرة، حيث يكون تناول هذه المانجا للمواضيع المرتبطة بعلاقة الجنسين ومشاكل الحياة وغيرها أكثر وضوحا ومباشرة، خصوصا في ما يتعلق بالموضوعات المرتبطة بالجنس.

بالتأكيد فإن كل هذه التصنيفات ليست صارمة بطبيعة الحال، ومانجا “الشونين” بمختلف الأسماء التي تمثلها تملك شهرة عالمية كبيرة بين قراء المانجا من الجنسين، كما أن هناك العديد من قصص مانجا “الشوجو” التي تملك جمهورها من القرّاء الذكور، إضافة إلى أن الكثير من قرّاء المانجا من المراهقين في اليابان وخارجها يقرؤون بشكل أو بآخر المانجا التي قد لا تناسب أعمارهم، وبالتالي فإن تصنيفات المانجا العمرية والجنسية لا تتعدى كونها مجرّد حبر على ورق حينما يتعلق الأمر بميول القارئ وتوجهاته.

أشهر سلاسل المانجا

المانجا ومنذ بداية عصرها الذهبي في خمسينات القرن الماضي استطاعت تحقيق أرقام قياسية في المبيعات داخل اليابان وخارجها في مختلف دول العالم، ففي عام 2014 وصل حجم مبيعات المانجا عالميا إلى مليار دولار، وهو ما يجعلها أحد الأعمدة الرئيسية لصناعة المطبوعات في اليابان، وهذا النجاح الكبير مكّن العديد من سلاسل المانجا من امتلاك شهرة عالمية كبيرة.

مانجا “ون بيس One Piece” المنتمية إلى تصنيف “شونين” تعتبر أكثر سلاسل المانجا مبيعا في تاريخ العالم حيث بلغت مبيعاتها حتى اليوم إلى حوالي 430 مليون نسخة حول العالم منذ صدورها عام 1997 على يد رسام المانجا إيتشيرو أودا، وتحكي ون بيس قصة الشاب اليافع مونكي دي لوفي والذي يملك حلما بأن يصبح ملك القراصنة ضمن عالم خيالي يتصارع فيه القراصنة وأمراء البحر للوصول إلى الكنز الأكبر في العالم والذي يدعى “ون بيس″.

بدورها تعتبر مانجا “دراغون بول Dragon Ball” من تصنيف “شونين” واحدة من سلاسل المانجا الأكثر شعبية في العالم من رسم أكيرا تورياما وباعت طوال مسيرتها ما بين عامي 1984 – 1995 ما يصل إلى 240 مليون نسخة حول العالم، وتتحدث قصة دراغون بول عن فتى صغير يدعى “جوكو” ينتمي إلى نوع من الكائنات الشبيهة بالبشر وتدعى “السايان” ويبحث جوكو عن جمع كرات التنين التي تحقق لمن يجمعها أي أمنية يريدها.

مانجا “ناروتو Naruto” المعروفة حتى لدى أولئك الذين لا يقرؤون المانجا تمتلك ثالث أعلى مبيعات في تاريخ المانجا حيث بدأت المانجا الشهيرة التي تحكي قصة النينجا “أوزوماكي ناروتو” في عام 1999 على يد الرسام ماساشي كيشيموتو قبل أن تختتم قصتها في عام 2014 بعد أن باعت أكثر 235 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم.

مانجا الشونين البوليسية الأشهر المحقق كونان “Detective Conan” أو كما تعرف باسم “Case Closed” هي واحدة من السلاسل الطويلة والتي لا زالت مستمرة منذ عام 1994 وتحكي مغامرات وقصص المحقق الشهير “شينتشي كودو” والذي يتحول لطفل صغير الحجم بفعل عقار أعطته إياه إحدى العصابات الكبيرة، وتملك مبيعات ضخمة تصل إلى أكثر من 200 مليون نسخة حول العالم.

رغم كون سلاسل “شونين” هي الأكثر شعبية ومبيعات حول العالم إلا أن مانجا “Golgo 13″ والتي تنتمي إلى تصنيف “سينين” استطاعت كسر هذه القاعدة حيث تعتبر مانجا السينين الأكثر مبيعا في التاريخ بأكثر من 200 مليون نسخة حول العالم، كما تعتبر من أطول السلاسل المستمرة حتى اليوم منذ عام 1968، حيث تروي قصة القاتل المأجور جولجو والذي لا يعرف أحد اسمه الحقيقي، وتعتبر من سلاسل المانجا البوليسية والنفسية المفضلة للكثيرين.

بالعودة إلى “شونين” لكن بعيدا عن الأبطال والقوى الخارقة لا يمكن تجاهل مانجا “سلام دانك” التي غيرت ملامح المانجا الرياضية في اليابان للأبد، حيث حققت شعبية هائلة ومبيعات ضخمة بلغت 121 مليون نسخة مقارنة بعمرها الذي لم يتجاوز ستة أعوام ما بين 1990 – 1996، وهي تحكي قصة الشاب “ساكوراغي” الذي يرغب بأن يصبح أفضل لاعب كرة سلة في اليابان من بوابة فريق المدرسة الثانوية التي يدرس فيها، وتقدم سلام دانك لقرائها خليطا رائعا من الكوميديا والدراما في حياة شاب يافع.

بالطبع المبيعات ليست كل شيء فهناك العديد من سلاسل المانجا التي لم تحقق نفس النجاح في المبيعات، لكن ذلك لا ينقص من قيمتها الفنية شيئا، أحد أبرز الأمثلة على ذلك هي “الهائج Berserk” لأحد أفضل رسامي المانجا في اليابان كينتارو ميورا وتحكي قصة سياف مقاتل يعيش ضمن بيئة فنتازيا مظلمة شبيهة بالعصور الوسطى، وهي من أكثر السلاسل عنفاً ودموية.

أيضاً تعتبر مانجا الكوميديا “المعلم العظيم أونيزوكا Great Teacher Onizuka” التي لم تزد مبيعاتها عن 50 مليون نسخة واحدة من سلاسل المانجا التي تستحق تقديرا أكبر بكثير مما تحصل عليه، وتروي قصة “إيكتشي أونيزوكا” رجل العصابات السابق الذي يرغب بأن يصبح معلما في مدرسة ثانوية.

جمالية التفاصيل

بالتأكيد فإن القصة الجيدة والحبكة المتقنة والشخصيات هي الأسس التي تمكن القراء من التمتع بالمانجا وتجلب لها الشعبية الكبيرة على مستوى العالم، لكن المانجا كأحد أشكال الفن تملك عوامل جمالية خاصة تتعلق بالتفاصيل الشكلية لها.

أسلوب الرسم الخاص بالمانجا والاعتماد على فنون التظليل والتلوين باستخدام الأبيض والأسود فقط يمكّن رسامي المانجا من إبراز الكثير من التفاصيل في الشخصيات والمشاهد دون أن يتشوش القارئ بالتباين الذي قد تحدثه الألوان في بعض الأحيان.

تفاصيل العيون التي تعتبر من أشهر السمات التي تتسم بها رسوم المانجا هي فن بحد ذاته، حيث تستعمل عيون الشخصيات في الرسم لإظهار المشاعر المختلفة من خلالها كالرعب والحزن والسعادة واليأس، العيون هي لغة بحد ذاتها وتساعد رسامي المانجا بشكل كبير على تقديم رسائل مختلفة من خلال الشخصيات.

كذلك فإن المشاهد القتالية والدموية في المانجا ورغم وجود العنف الشديد في بعض الأحيان، إلا أنها تقدّم شكلا مختلفا وغريبا من الجمالية في المشاهد الدموية، خصوصا مع اللون الأسود للدم، حركات الجسد، تعابير الوجه وكل ذلك يمنح مشاهد العنف جمالية مختلفة لا يمكن إيجادها إلا في المانجا اليابانية.

هذا النمط الخاص من الرسم يمكّن القارئ من التمتع ليس فقط بالقصة أو الأحداث التي تجري أمامه بل بجمالية المشهد والتفاصيل المرسومة، بالطبع مشهد المانجا سيبقى أمامك ما شئت من الوقت حيث يمكنك مراقبة كل التفاصيل ومعايشة الموقف كاملا.

لكن رغم كل الميزات الخاصة بالمانجا فإن العديدين لا زالوا يخلطون بينها وبين رسوم “الكوميكس″ الأميركية، باعتبار أنها تملك بعض عوامل التشابه، لكن الواقع هو العكس تماماً حيث أن الفروق بينهما عديدة ومتنوعة.

قبل كل شيء فإن قصص الكوميكس الأميركية تكتب باللغة الإنكليزية وهو ما يعني أن قراءة صفحاتها تتم من اليسار إلى اليمين، والعكس تماما يحصل عند قراءة المانجا التي كتبت بالأساس باللغة اليابانية، وحتى في الترجمات الخاصة بها بمختلف اللغات فإن المانجا تقرأ من اليمين لليسار.

قبل سنوات عديدة ظهر اتجاه لدى شركات ترجمة المانجا اليابانية للعمل على قلب الصور في رسومها لجعلها تتسق مع اللغة الإنكليزية التي تقرأ من اليسار لليمين، لكن هذا التوجه اصطدم باعتراض كبير من العديد من رسامي المانجا اليابانيين وعلى رأسهم أكيرا تورياما رسام “دراغون بول”.

من جانب آخر فإن المانجا اليابانية تصدر بصيغتين أساسيتين، إما من خلال إحدى مجلاتها الأسبوعية أو الشهرية وإما من خلال مجلدات المانجا التي تضم عادة ما يتراوح بين 8 – 12 جزءا لكل مجلد، فيما لا تملك الكوميكس الأميركية مجلات لها بحد ذاتها، بل تصدر كل واحدة منها في مجلة خاصة بها على حدة يكون عدد صفحاتها عادة 32 صفحة، ومن النادر أن يتم جمع أجزاء عديدة من الكوميكس في كتاب واحد كما هو الحال في المانجا.

من الناحية الشكلية فإن هناك العديد من الفروق بين الطرفين، ففي حين تعتمد المانجا بشكل رئيسي على الرسم القائم على الأبيض والأسود وفن التظليل وتباين اللونين فإن الكوميكس تعتمد على الألوان في مجال الرسم، وهو ما يقدّم انطباعين مختلفين جذريا بين الشكلين، ويتحكم بالطبع في قدرة الرسام على إظهار تعابير ومواقف وموضوعات معينة تبعا لنمط الرسم الذي يعتمد عليه.

مقاييس الأجسام بدورها تختلف كثيراً بين المانجا والكوميكس، فالمانجا تميل نحو الأشكال المثالية كثيرا من ناحية الجمال خصوصا في العديد من الشخصيات الرئيسية، وخير مثال على ذلك الشخصيات الأنثوية حيث يميل رسامو المانجا إلى إظهار المفاتن الجنسية لدى الكثير من الشخصيات عبر تكبير حجم العيون والصدر والأجسام الرشيقة بشكل مبالغ به، أما في الكوميكس ورغم استعمالها لبعض تقنيات الرسم التي تجعل البطل شبه مثالي إلا أنها تبتعد عن المبالغة المثالية التي تعتمدها المانجا في العديد من الجوانب.

أخيرا فإن الفارق الأبرز بين الجانبين هي القصص التي تتناولها، ففي الوقت الذي تشبه فيه الكوميكس بيئة مانجا “الشونين” بشكل كبير حيث التركيز على شخصية البطل الخارق ومفهوم البطولة والعدالة، فإن المانجا والتي تصل أعدادها اليوم إلى الآلاف من السلاسل في اليابان تملك تنوّعا كبيرا جدا في مجال القصص كالدراما والكوميديا والرعب والدراما النفسية وغيرها الكثير من التصنيفات، كما تتوجه إلى فئات عمرية أكثر توسعا بكثير من الكوميكس، هذا لا يلغي بالطبع وجود العديد من قصص الكوميكس التي تتناول موضوعات خارج مفاهيم البطولة الخارقة و”سوبرمان” لكن التركيز الأساسي لفن الكوميكس يعتمد على هذه الموضوعات على عكس المانجا التي تملك العشرات من الموضوعات في جعبتها.

اليوم ورغم تعرّضها للعديد من الأزمات خصوصا مع ظهور شبكة الإنترنت والقرصنة، إلا أن المانجا لا زالت فنا تفتخر به اليابان وتملك شعبية هائلة ومتزايدة على مستوى العالم، إضافة لأن هذا الفن يستند إلى صناعة قوية تدر المليارات على اليابان، وبالتالي فإن الخبر السار يتلخص في كون المانجا كفن يقدّم اليابان للعالم ككل لا زال مستمرا ولا يبدو أنه سيرحل في وقت قريب!

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.