عن جارتي الجميلة

الجمعة 2015/05/01
رسمة لجميل ملاعب

نَهْرٌ فِي إِبْرَة

كَفَى، اِمضِ، ابتعدْ كجوادٍ يخبُّ

حَامِلاً فِي دَاخِلكَ أَسْرَارَك اللَّيْلِيَّة:

لَمْ تَكُنْ سِوَى مِشْذَبِ أَغْصَانٍ وَأَخِيراً تَجَرَّأْتَ

ودَخَلْتَ نَهْراً لِتَبْحَثَ عَنْ إِبْرَة.

***

كيفَ تَكْتُبُ قَصِيدَةً جَيِّدَة؟

كَيْ تَكْتُبَ قَصِيدَةً جَيِّدَة

اِذْهَبْ إِلَى المَطْبَخ، قَشِّرْ بُرْتُقَالَة

اِسْتَرْخِ، لاَ تُفَكِّرْ وَأَنْتَ تَكْتُبُ

تخيّلْ كثيراً، لا تتذكرْ إلا القليلَ عن أُمّكَ

وطفولتكَ الضَّائِعة

الأفضل أن تفتحَ شباكاً ـ ألْقِ فتاتَ رغيفٍ

إلى طيورٍ في شرفتك، تحدّقُ فيك أو تتلفتُ خائفة:

كنْ كريماً معها، كما هي الكلمات معك

أليست هذه قصيدة جيدة؟

نار الصحف

في أواخر الليلِ يحرقُ باعة صحفٍ

جرائدهم الباقية. أراهم وأنا أبحثُ عن ببغاء هاربٍ

من أحدى قصائدي وألحظُ أيضاً باعة أفيون، فؤوسٍ

وأكوام مفاتيح تفيدُ لصوص المدينة.

*

أعالجُ أمراضي بالماء وعلى جدران غرفتي زخارفُ

كثيرة تحميني من ثعابين جميلة

اليوم استيقظتُ في حافلةٍ كهربائيةٍ معطّلة بين جبلين ورأيتُ

تحتها عدّائينَ يركضونَ لا أدري من أينَ إلى أين.

كلاب معدنية

“كلابٌ معدنية تنبحُ طوال الليلِ

في ضواحي هذه المدينة”

مقطعٌ كتبهُ شكسبير في أيّامه الأخيرة

وهو يحتضرُ في أحد سجون الملك ماكبث

لكنّ أحد الحراس وثّقهُ، بينما كانَ يستمعُ إلى هذيانه.

ظهرَ هذا المقطع، لأولِ مرّة،

قبل زمنٍ طويل.

وها أنذا أترجمه وفاءً لشاعرٍ علّمنا الكثير.

رجل لن يذهب إلى الحرب

أنا لن أذهبَ إلى أيّ حرب

في أيّ بلد عربيّ بائس.

سببي بسيط، ذكرتهُ سابقاً، أكررهُ الآن:

الحربُ تلطِّخُ جواربي النظيفة

إما بالوحلِ أو بالدم.

هم يقاتلونَ، يهدمونَ مدناً ويذعرونَ حيواناتٍ

في الأرياف.

أنا لاجئٌ في هذه الجزيرة

أكتبُ أشعاراً ويزورني المحيطُ في نهاية الأسبوع.

أخرجُ في الليلِ لأتسلى

نجوتُ من أكاذيب أوهامي

حينَ بقيتُ في غرفتي لزمنٍ طويل

ساعدني كتابُ رحلاتٍ خيالية، لم يكتبهُ أحد

جلبهُ غرابٌ من سفينةٍ غرقتْ

وكان جسدي قبلهُ حزيناً

رغم ارتدائهِ ثياباً دافئة.

*

ما هو غريزيّ فيّ هو موهبة مهرّب مصابيح،

رخيصة، لسكان الوديان.

بعضهم تسلّقَ صخوراً في ذاكرتي

ليأخذَ واحداً في الأقل، ولم أمانعْ في ذلك.

أخرجُ في الليلِ لأتسلى

نعيشُ حياةً تافهة، يثيرنا رنين شوكاتٍ

تسقطُ من أيدينا لسبب ما.

أتذكرُ أبي غاضباً عندما حدث هذا

لا زالَت صورته، وهو في تلك الحال،

ثابتة في مرآةٍ كبيرة رغم رحيله قبل سنوات.

قراصنة متأنقون

السياحُ ينشدونَ في المطار، كجنودٍ مبتدئين،

إذا تعمّد المطرُ الهطولَ لساعات

هذا يتعبني أيضا ـ أنتظركِ عند خلّاطة إسمنت

وأعرفك لن تأتي.

*

سأرتدي أفضل ثيابي

لأجلسَ أمام التلفزيونِ هذا المساء

وأشاهد شريطاً عن حيتان المحيطات، وآخرَ

عن قراصنةٍ متأنقينَ في حفلِ توزيعِ جوائز نوبل

لهذه السنة.

من يشتري هذه الاكفان؟

لا يكفي أن تغني

لتصيرَ عدّاء مسافاتٍ طويلة

أو تنجو من أمراضٍ معديةٍ للمدنِ: نعيشُ في

قاراتٍ مزدحمة تحرمُ غزلاناً حتى من مراعيها.

*

أعيشُ وحدي في شبه جزيرة

لمعرفة الوقتِ ورثتُ مزولةً عن أبي

بها تعلمتُ أن الزمنَ بين الفجرِ والشروق

هو نفسهُ بين المغربِ والعشاء.

*

وجبتي الليلية جيدة، التقطتها من مكبِ

سوبرماركت للأجانب وأعثرُ هناك على كتبٍ

فلسفيّة، روايات، قصائد بخط اليد ولمجهولينَ

أضعُ اسمي عليها وأنشرها كل يوم

*

أشاهدُ أكفاناً مستخدمة، مستوردة

من أفريقيا أو الصين

- من يشتريها؟ أسألُ البائعَ

ـ مطلوبةٌ وتباعٌ جيداً للعراق، ليبيا، لبنان

سوريا، اليمن وغيرها

نملة في موكب جار ميت

الخطانِ المتوازيانِ يلتقيانِ في النهايةِ

والرايةُ التي تتدلى في المبنى المقابل هي أذنُ فيلٍ.

أشغلُ نفسي بهذا وذاك لأني غاضبٌ ـ

رجلٌ يرمي حصى في البحر، أتفاداهُ وأبتعدُ

فأصادفُ جنازةَ أحد جيراني

وأرى في الموكبِ نملةً تمشي أيضاً.

عن جارتي الجميلة

ذهبتُ اليوم إلى مدينةٍ قريبة

آملاً العثورَ على الصيفِ هناك

لكني وجدتُ أمامَ سينما تمثالاً يشتري معطفاً

من جنديّ طردوهُ من الجيش: لم أسأل عن السبب.

*

أتذكرني مقملاً في كهفٍ

أكلتُ غراباً في معركة وعشبَ ثيران

قاتلتُ أعدائي بقيثارة وصفعني أبي مرةً واحدة:

رفضتُ أن أنحني لضيفهِ حمورابي.

*

أتناولُ وجباتي في الفراش

مثل مريضٍ في مستشفى

أشتري معلباتٍ لفهدي، أفتحها، يقتربُ وبينما يأكلُ

أسرعُ إلى قفصهِ، أغلقهُ وأنامُ على سريره الوثير.

*

جارتي أرملةٌ جميلة

تتبرجُ كل مساء، تجلسُ في شرفتها

وتتطلعُ إلى مقبرة. يمرّ شبحٌ ويومئُ لها

ربما هذا زوجها أو عشيقها: أراها تبتسمُ.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.