المسلمون والأنسنة‭ ‬المفقودة

الأحد 2015/03/01
موفق قات

داعش والقاعدة والتفجيرات الإرهابية والتكفير وغير ذلك من معاداة الإنسانية، كلها ارتبطتْ بالإسلام ممّا يستدعي ذلك منّا أن نقف عند حقيقة هذه الظاهرة التي جعلت المسلمين أمّة تمثل الرعب والتأخر والرجعية بكل المستويات‭.‬

إننا هنا نقف على وضع المسلمين الذين جمدوا على القديم وحاولوا أن يجعلوا حاضرهم ماضياً وأن يهتموا بالطقوس والشكليات التي تظهر فيها العبادات وتغيب فيها الإنسانية وأن يعمّموا الدين على كل مظاهر الحياة حيث يدخلونه في العلم والسياسة والاقتصاد والطبيعة والفيزياء والكيمياء ولا يمر علم أو جانب من جوانب الحياة إلا عبر جسر الدين ويتم مطابقته بالنصوص فما كان منصوصاً عليه – ولو من بعيد- كان علماً، وما لم يجدوا له نصاً يثبته يتم رفضه بحجة أن الدين لم يفرّط الله فيه من شيء مستندين إلى الآية القرآنية التي تقول: “ما فرطنا في الكتاب من شيء” وهم فوق ذلك كله يعتمدون على إثارة العاطفة ويغيّبون العقل ويتعاملون مع الآخر بقسوة وإقصاء بل يقومون بتخوينه وإباحة دمه، بالإضافة إلى ذلك فهم يتطلّعون إلى العالم الآخر ويصبحون بذلك غائبين عن الدنيا التي هي في نظرهم محطة يمارسون فيها ما يعتقدون أنه جهاد‭.‬

ولست هنا أتعمّد التعرّض للمسلمين دون غيرهم فاليهود يكاد يكون العنف محصوراً لديهم في الحركة الصهيونية والمسيحيون يكاد يكون العنف عندهم محصوراً لدى السياسيين الذين تحركهم المصالح المادية والرغبة في التوسّع إلا أن المسلمين أصبح العنف لديهم مرتبطاً بالمجتمعات والشعوب الإسلامية حتى أطلق الغرب مصطلح (إسلاموفوبيا) للتعبير عن حالة الخوف من المسلمين الذي يمثّلون خطراً على الإنسانية جمعاء‭.‬

وعلينا أن نعتقد بضرورة أن تكون الأصالة للإنسان ليبدأ الفرد من خلال احترامه وحبه وتعاطفه مع كل الناس باعتبارهم شركاء له في الإنسانية‭.‬ وحينما يبدأ المجتمع بهذه الأصالة بعيداً عن كلّ المؤثرات الخارجية التي تشوه إنسانيته فإنه سيكون مجتمعاً قويماً صالحاً؛ لذلك يجب أن تتم أنسنة كل معتقد ديني وكل فكر إنساني ليتخلّى الفرد عن وحشيته الحيوانية التي كانت تتمثّل فيه قبل أن ينشأ إنساناً عاقلاً‭.‬

ولتتحقق هذه الأنسنة في الفكر الإسلامي فإنه يجب التصحيح والتنقيح للماضي وأن يتقبّل الإنسان المسلم المتغيّرات بعقلانية وأن يتماشى مع روح العصر ومتطلّباته وأدواته وبهذا يمكنه أن يتسلّح بالعلم وما فيه من أدلّة ثابتة لا تقبل الشك رغم تعارض بعضها مع موروثه الثقافي ولقد مرّ الغرب بهذه الأزمة سابقاً فتمتْ محاكمة كوبرنيكوس وغاليليو وغيرهم إلا أن المسيحيين اليوم أصبحوا يتماشون مع العلم حتى وجدنا الآن بابا الفاتيكان يصرّح بإيمانه بفكرة التطوّر وبالانفجار العظيم وأصبح بذلك الماضي لديهم نسياً منسياً عفا عليه الزمن، وليس هذا فحسب فهم الآن يؤمنون بمفاهيم الدولة الحديثة التي فرضتها طبيعة العصر مثل الإيمان بحقوق الإنسان وبالديمقراطية ومفاهيم الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة والتسامح والمساواة في الحقوق والواجبات وتدعو للتعايش مع جميع أفراد المجتمع بغض النظر عما يعتقدونه أو يدينون به‭.‬

لتحقيق الأنسنة لابد أن يعيش الفرد باستقلالية فكرية حرة بعيدة عن التبعية لرجال الدين الذين قد يدفعون به إلى الموت وقد يزجّون به في عداء للإنسانية باسم الدين عبر غسل دماغه وتعبئته بأفكار هدامة

ولتتحقق هذه النزعة الإنسانية يجب أن يتخلّى الإنسان عن تحكيم عاطفته وأن يتحلّى بالعقلانية والتأمل والتفكّر كي يبدأ بتغيير المعتقدات التي لا تتماشى مع إنسانيته أو مع العصر الذي ينتمي إليه، كما أنّ عليه أيضاً ألا يجعل التاريخ الذي كان وليد ظروف معيّنة متحكّماً في حاضره الذي يختلف عنه في كثير من المتغيرات؛ لذلك لم يعد الآن فرض الجزية على أهل الكتاب مقبولاً، وكذلك لم يعد مقبولاً التكفير أو القتل بحكم الردّة لمن رأى فكراً آخر يتبنّاه وهو حكم تفرّد به المسلمون دون غيرهم، ولم يعد مقبولاً استعادة التاريخ العربي والإسلامي بما فيه من حروب وعصبيات قبلية وعبودية وجنس وسبي للنساء ليبدأ الإنسان حداثة ترفض أن يعيش في أحافير الماضي وليكون جزءًا لا يتجزّأ من عصره الذي ينتمي إليه‭.‬

ويجب أيضاً لتحقيق تلك الأنسنة أن يعيش الفرد باستقلالية فكريةٍ حرّة بعيدة عن التبعية لرجال الدين الذين قد يدفعون به إلى الموت وقد يزجّون به في أضاليل وعداء للإنسانية باسم الدين عبر غسل دماغه وتعبئته بأفكار تهدم لا تبني وتفسد دون أن تصلح‭.‬

وعلى الفرد –أيضاً- أن ينظر للدنيا ويقوم بتعميرها وبنائها بدلاً من الانغماس في العالم الآخر انغماساً أعمى يجعله لا يرى في الحياة شيئاً يمكن أن يغتنمه مما قد يدفعه للقتل والتفجير من أجل آخرته وإذا به لم يحظَ في عمله هذا بدنيا ولا بآخرة‭.‬

ولا شك عندي في أنّ مثل تلك القرارات الحاسمة صعبة جداً ولا يمكن أن تبدأ إلا من خلال إصلاح المجتمع وإلغاء تبعيته الفكرية ليكون مجتمعاً مستقلاً يفكر في حاضره ومستقبله دون أن ينغمس في الماضي وأن يفكّر بعقلانية لا باندفاعات عاطفية وأن يعيش بما يتماشى مع روح العصر وأن يبدأ بإنسانيته بما فيها من قيم نبيلة ثم ينطلق بعد ذلك بأيّ معتقد لا يشوّه صورته الإنسانية المشرقة، فالبوذيّ الإنسان خير من المسلم السفّاح والشيوعيّ الإنسان خير من المسلم التكفيري الذي يعادي الإنسانية إذ أنّ كل إيمان يغيب فيه الإنسان يكون إيماناً مشوّهاً.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.