النوم‭ ‬على‭ ‬الأريكة

السبت 2015/08/01
عاصم الباشا

عاد سعيد من عمله متأخرا كالعادة، تناول عشاءه بصمت وجلس على كرسيه الهزاز أمام التلفاز منتظرا أن تأتيه حنان بكأس الشاي‭.‬ دخلت حنان حاملةً صينية عليها كاسات الشاي الفارغة إلى جانب الأبريق الصغير والسكرية‭.‬ وضعتها على الطاولة وذهبت لتحضر منفضة السجائر‭..‬ تململ سعيد من ذهابها وصرخ بقرف: أين الشاي‭..‬؟

عادت حنان وبيدها منفضة السكائر‭..‬ ونظرت إليه وإلى صينية الشاي باستغراب، قال سعيد معربا عن فهمه لنظرتها: إني أراه أمامي ولكن لماذا لا تصبيه؟ قالت حنان: ولماذا لا تصبه أنت بينما أحضر لك بقية طلباتك نظر إليها سعيد بغيظ: أنت لا فائدة فيك‭..‬ لا يمكن أن تكوني امرأة‭..‬ أنت رجل‭.‬

نظرت إليه حنان باستغراب مرة أخرى، فأكمل كلامه موضحاً: لو كنت امرأة لعرفت كيف تعامل المرأة زوجها بعد أن يعود متعباً من عمله‭.‬ قالت حنان: وأنا أيضاً متعبة في عملي وأحتاج منك كلمة طيبة‭..‬

قال سعيد: وماذا تفعلين؟ إنك تجلسين في بيتك معززة مكرمة تنعمين بالهواء العليل تصلك طلباتك دون عناء‭..‬ أما أنا فأعاني طوال النهار تحت أشعة الشمس أتحمل المشاق ومسايرة الآخرين لتكوني بأمان أنت وأولادك، وأنت تبخلين عليّ بالكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة التي تقدمها المرأة المحبة لزوجها‭..‬

قالت حنان مستنكرة انفعاله، لماذا تصرخ هكذا؟ أنا لم أطلب منك شيئا‭..‬ كل ما قلته لك هو أن تصب الشاي إذا كنت مستعجلا ولا تستطيع أن تنتظر ريثما أحضر لك منفضة السجائر‭.‬

قال سعيد: وهل هذا طلب تطلبينه من رجل يعمل طوال النهار‭..‬ لو كنت تعملين لكنت عرفت ماذا يعني ذلك‭..‬ قالت حنان: وهل أنا أنام طوال النهار‭..‬!؟ أليس لديّ أعمال أقوم بها ألا يكفيني العناية بأربعة أطفال ألا أقوم معهم من السادسة صباحا ليذهبوا إلى المدرسة‭..‬ ألا أجلس حارسا على باب غرفتهم بعد عودتهم حتى لا يزعجونك في قيلولتك‭..‬ ألا أبقى ساهرة طوال الليل على مرضهم حتى لا يزعجك بكاؤهم‭..‬ ومن يقوم على إدارة البيت وتنظيفه، وإطعامكم، وراحتكم ألست أنا؟ وبعد كل هذا أنتظر قدومك حتى أجد من أتكلم معه ويشعرني بأنني امرأة ولكنك تبخل عليّ بالكلام وتمضي السهرة محملقا في هذا الجهاز كما يحملق أبو الهول في الصحراء الممتدة أمامه منتظرا عودة كليوباترة بصمت‭..‬ وأنت تبحث عنها في أقنية التلفاز وكأنني لست موجودة‭.‬

أدار سعيد وجهه معربا عن رغبته في عدم سماعها ووضع كأس الشاي التي صبتها وقدمتها له على الطاولة بجانبه بغضب وأشعل سيكاره وحملق من جديد بالتلفاز‭.‬ وضعت حنان كأس الشاي ونظرت إلى التلفاز مدارية دمعة سقطت على خدها الأيسر وهي تسترجع ما دار بينهما من معاتبات لا تدل على أن أحدهما يفهم الآخر‭..‬ وقبل أن تنهي كأس الشاي كان النوم قد سحبها إليه برقة وسحر دون أن تستطيع المقاومة‭.‬ أما سعيد فقد غرق في أفكاره يحاسب نفسه على سوء اختياره، وتذكر صديقته سناء تلك الإنسانة الواعية الموظفة التي تعرف قيمة العمل والتي كانت تحبه بجنون وتحيطه بحنان أمّ‭..‬ ولكنه رفضها لأنها تماثله بالعمر‭..‬ ثم تذكر ابنة خاله التي كانت تتمنى أن ينظر إليها ويفكر فيها كزوجة لكانت خادمة بين يديه بدل هذه الزوجة المناكفة التي حولت حياته إلى جحيم لا يطاق‭..‬ فلا تسكت عن موقف ولا تكف عن إصدار الأوامر له طوال النهار‭..‬ لا تأكل هذا الطعام فهو مضر بالصحة ولا تلبس هذا حتى لا تبرد‭..‬ ولا تشرب السجائر‭..‬ ولا تكثر من القهوة‭..‬ تصرفات كثيرة مزعجة مارستها حنان عليه جعلته يفكر جديا أن يتخلص منها ولولا الأولاد لنفذ قراره سريعا…

ولكن الإنسان يعيش مرة واحدة ‭..‬هذا ما قاله سعيد لنفسه وهو يشجع نفسه على اتخاذ قرار الانفصال لكي يصبح في يوم من الأيام اسما” على مسمى‭..‬ سعيييييييد‭.‬ مطّ شفتيه وهو يقولها ليكشر عن ابتسامة مصطنعة ولكنه سرعان ما شعر بالسعادة تغمره لأنه اتخذ هذا القرار قبل فوات الأوان، واسترخى على الكرسي ممنيا نفسه بحياة جديدة مع إنسانة جديدة تفهمه‭..‬ وبدأت اهتزازات الكرسي تنقله إلى عالم مليء بالأحلام السعيدة‭..‬

بعد مرور ساعات، فتحت حنان عينيها ونظرت إلى الساعة فوجدتها الخامسة صباحا قامت ونظرت إلى سعيد النائم في كرسيه الهزاز وقالت له: سعيد هيا قم إلى غرفة النوم، فتح سعيد عينيه وقام من على الكرسي الهزاز واستلقى على الأريكة‭..‬ أطفأت حنان التلفاز‭..‬ فصرخ فيها سعيد اتركي التلفاز كما هو فأعادته كما كان وسألت سعيد: ألا تريد الذهاب إلى الغرفة؟ فلم يرد عليها‭..‬ تركته وذهبت إلى غرفة النوم وأحضرت غطاء وضعته فوقه بحنان وهي تقول له في سرها: الله يهديك‭..‬

ثم أطفأت الأنوار وذهبت إلى غرفتها لتنام ولكنها نظرت إلى الساعة وقالت في نفسها: لو نمت الآن فربما لن أستطيع الاستيقاظ بعد ساعة من أجل الأطفال‭.‬

ابتعدت عن السرير بسرعة وخرجت من غرفتها إلى المطبخ لتجهز سندويشات الأولاد قبل أن تأخذهم إلى المدرسة وتعود للقيام بأعمالها التي لن تنتهي قبل عودة سعيد إلى البيت في المساء‭.‬ أما سعيد فقد عانق المخدة وشد الغطاء وبدأ يحلم بامرأة جديدة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.