اختيار الطوفان

الثلاثاء 2015/09/01
لوحة: بشار العيسى

كنت أعمل في دمشق حيث كان الذعر ناطقاً بشكل خاص. بدت البلاد كأنها تترنّح على حافة الهاوية. لكن الحياة كانت تمضي بشكل روتيني على السطح. الحديث عن الوضع علناً لم يكن ممكناً. حتى التلميح إليه كان خطراً. عندما كان أحد ما يتكلم، كان الآخرون يغيّرون الحديث مباشرة. كانت مؤامرة الصمت هي النظام اليوميّ للأمور.

هذه المرحلة طبعت انحطاطاً واضحاً في العلاقات بين السوريين. الخنادق الطائفية توطدت، مقوّضة صداقات طويلة الأمد، مؤثرة في الانسجام بين زملاء العمل والتفاعل اليومي بين المواطنين.

حتى طرقنا بالمزاح تغيّرت. مثل الكثيرين في دمشق، وجدت نفسي أبدأ، بطريقة لاشعورية، بوزن كل كلمة أقولها لتتناسب مع الانتماءات الدينية للمعارف الهامشيين كما للأصدقاء المقربين. فقدت اللقاءات الاجتماعية عفويتها. الثقة بالنفس وبالآخرين تلاشت، وكان رفض النقد يجري بسرعة أشدّ من قبل. تسارعت جرعة الاشتباه إلى داخل تقاليد التضامن ضد القمع بين أفراد الأنتلجنسيا السورية. خلال عامي 2009-2010، كان مستحيلا أن يمر يوم من دون أن تسمع من الناس العاملين معنا أقوالاً تتكرر مثل “كل ما تحتاجه هو كبريت لتشتعل”، “شرارة واحدة ويشتعل كل شيء”، و”الأمر بحاجة إلى مفرقعة نارية لينفجر”.

الناس الأعلى تعليماً، وخصوصاً المثقفين منهم، كانت لديهم استعاراتهم ومجازاتهم التي يفضلونها. الاستعارة التي كنت أفضلها كانت طنجرة الضغط عندما تزداد الحرارة فيما صمامات الأمان مدمّرة. ياسين الحاج صالح، وهو سجين سياسي سابق وأكثر النقاد السريّين أهمية فيما يخصّ التعليق على مجريات الثورة، إضافة إلى كونه كاتبا مبدعا في أدب السجون، أطلق إنذاراً للناس أنهم إذا لم يعبّروا عن “سوريّتهم” فإن البلاد ستمضي نحو الأسوأ. رسام الكاريكاتير علي فرزات قال عام 2007 في مقابلة مع مجلة “نيوزويك”، “إما الإصلاح أو الطوفان”. هوجم علي فرزات عام 2011 من قبل بلطجية النظام وتُرك ليموت مرميّا في الشارع، لكنه نجا من الموت. زميل بارز وصديق لي في قسم الفلسفة شدد على أن لا مفرّ من الحرب الأهلية لأن الأسوأ قد حصل فعلاً قائلا إن النزاع السني العلوي صار أمراً واقعاً. الحرب كانت محتومة. البعض الآخر حافظ على رأيه في النظام معتبرا أنه هو الأمر الوحيد الذي يمنع السوريين عن قتل بعضهم البعض. لو أن أحداً سألني ماذا كان سيحصل لو أن التسونامي الذي ضرب تونس وصل إلى سوريا لكنت أجبت: السنّة في حماه سيسنّون سكاكينهم وسيهاجمون القرى العلوية المجاورة للانتقام من اغتصاب وتدمير مدينتهم على يد قوات الأسد عام 1982. لكن المذبحة الطائفية لم تحصل. بدلاً من ذلك حصل ما لم نفكر به: ثورة شعبية ضد النظام.

كيف فشلنا بشكل ذريع في التنبؤ بهذه النتيجة؟ لم يكن الإنكار هو العامل الوحيد؛ عدد من الأفكار والأسئلة كانت تدور في البلاد خلال هذه المرحلة الحاسمة، في كل الأوساط الاجتماعية. الكثير من هذه الأفكار، خصوصاً بين المثقفين والنخب، كانت خاطئة. البعض أحس أن تحالف الطبقات العليا بين السنّة والعلويين سينتهي، مما سيؤدي إلى إضعاف النظام في غياب أيّ ثورة. سمّيت هذا التحالف مرة تحالف المركّب العسكري التجاري؛ جيل جديد من الناشطين والمحللين يصفون المركب العسكري التجاري بالمركب الأمني المالي. هذه هي الطبقة الحاكمة. كل دمشق تعرف أن الجيش، حزب البعث، وجهاز إدارة الدولة -كلّه تحت سيطرة العلويين- يمثل جانباً واحداً من هذه التركيبة. الطرف الآخر- رجال أعمال مدنيون- يسيطر عليه السنّة. الناس الذين يديرون هذا المركّب شكّلوا عبر السنين نخبة فاسدة ومتغطرسة. كان هؤلاء يديرون أوضاع سوريا اليومية، وفي أوقاتهم الخاصة يوقّعون الصفقات، ويتفاعلون اجتماعيا، ويرتّبون الزيجات بين أولادهم. كانوا يحضرون حفلات بعضهم البعض، ويرتادون المطاعم والنوادي نفسها. زوجاتهم، أمهاتهم، أخواتهم، وبنات أعمامهم وأخوالهم يتواجدن في الحفلات الخيرية والثقافية نفسها. كل طرف من الطرفين يحتقر الآخر، لكنهم يخففون من كراهيتهم لبعضهم لأن علاقاتهم مفيدة لهما معا. كانت التجارب اليومية تنبئ عن أزمة يحاول أغلب السوريين أن ينكروها. والإنكار هو ما فعلناه.

بحسب المحللين الحاليين الأصغر سناً، فإن التئام الطرفين حوّلهما إلى طبقة متغطرسة تشبه طبقة البراهما الهندية. طبقة تعتبر نفسها خارج أيّ محاسبة، وتملك حقاً لا ينازع في حكم الناس العاديين، الذين تعتبرهم من طبقة دنيا-جاهلة، متخلفة، وغير مؤهلة للديمقراطية، ولا تستحق أيّ شكل من أشكال الحرية. كل طرف من الطرفين قويّ في قدرته على هزّ المؤسسة لكنه ضعيف في قدرته على البناء، ولذلك فهما يجتمعان معاً في وجه أيّ معارضة محتملة.

مثل مثقفين سوريين آخرين، أحسست بعجز شامل أمام هذا الوحش الفاغر فاه، الذي يمنع أيّ فكرة قادمة، أو حتى ممكنة، لقول “لا” جماعية. كنت متفاجئاً بالثورة، لكن ما كان يجب أن أتفاجأ

قبل الانتفاضة، اعتقد المثقفون، مخطئين، أن الطبقة البرجوازية السنيّة سوف تشدّ السلطة من الطرف الآخر، لإنهاء هذه العلاقة المكلفة. وهي مكلفة لأن التجار ملّوا من الابتزاز؛ على شكل أعطيات، سمسرات، رشاو، دفعات تحت الطاولة ومبالغ للحماية؛ وقبول شركاء مزيفين. غير أن هذه التركيبة أثبتت أنها أقوى من كل التوقعات. “التجارة والسياسة هي جوهر دمشق”، كما لخصها شاعر سوريا الأشهر، أدونيس. الطبقة الصلدة لبرجوازية دمشق بقيت وفيّة لجوهرها. الاعتقاد الزائف الآخر ضمن النخبة المفكرة كان أن الفساد في سوريا يمكن أن يتراجع لصالح حكم القانون. تدعّمت هذه الفكرة بنظرية تقول إن الفساد الوحشيّ في الأعلى هو شكل من أشكال “التراكم الرأسمالي البدائي”، كما شرح كارل ماركس الظاهرة. في نهاية المطاف فإن الأفراد الذين يمارسون هذا التراكم الوحشي يصلون إلى مرحلة تتزايد فيها المصلحة لتأسيس نظام قانوني لحماية غنائمهم التي نهبوها. كانت هذه النظرية تستخدم الأميركيين الذين لجأوا إلى الغرب الأميركي كمثال، حيث ذهب رجال العصابات بمنهوباتهم إلى مكان بعيد وأعادوا استثمارها بصفتهم رجال أعمال شرعيين، وأعمدة للمجتمع، ولاحقاً حماة للقانون بأنفسهم. غير أن هذا الافتراض كان خاطئاً.

فكرة أخرى أثبتت خطأها، وهي أن السلطات التي امتلكها النظام عبر التصدّعات التي أسسها في النسيج الأهلي السوري -وهو نظام سابق على النظام الاجتماعي المدني ويشبه نظام “غيمنشافت” Gemeinschaft الألماني- جعلت من أيّ معارضة شعبية منظمة من قبل هذا النظام الأهلي غير المفكر فيه تتجسد في اللوذ بالعلاقات العائلية وأشكال التنظيم الاجتماعي الأقدم -القرابة، العشيرة، القرية، الإثنية، الطائفة الدينية- بعصبياتها المختلفة. مفهوم العصبية الخلدوني يترجم في اللغات الأجنبية عادة إلى “تضامن الجماعة”. لكن هذه الترجمة ضعيفة؛ ولا تستطيع تفسير التعصب الأعمى ومقاومة تغيير الأفكار الذي يحتويه مفهوم العصبية. شرذم النظام ما بقي من المجتمع الأهلي السوري بإعطاء القوة للعصبيات المجددة. قام بذلك من خلال التحكّم عبر تأليه العائلة الحاكمة، وباستجرار الزعامات المحلية للجماعات الأهلية المختلفة وبتأجيجهم ضد بعضهم البعض، وبالسماح لبعضهم بالترسمل السريع على حساب الأكثرية، وخصوصاً السنّة.

هكذا تم أيضاً سحق ربيع دمشق بسرعة وبوحشية. سوريون في أعلى مقامات السلطة أحسّوا ربما بالتغيير قادماً، لكنهم لم يرغبوا في تغيير ما اعتادوا عليه. قبل الثورة، تساءل بعض العقلاء الذين لم يصدقوا أن الوضعية المتأججة لم تصل إلى الحلقة الضيقة في المؤسسة الحاكمة، رغم كل مخبريها وجواسيسها، بما فيها أجهزة الأمن التي تبدو موجودة في كل مكان بفروعها وتمدّداتها التي لا حصر لها. بعض المتفائلين حسني النية اعتبروا أن السلطات ستستفيق في النهاية وستقوم، في سبيل الحفاظ على نفسها وليس لسبب آخر، بعمل شيء ما لمنع الأسوأ. بعض المثقفين اعتبروا أن الحلقة الضيقة -والمتعاونين معها- ترفض أيّ شكل من الإصلاح لظنها أن أيّ تغيير سيؤدي إلى انهيار النظام كله. النخب العلوية كانت تتهامس حول الأهمية القصوى للبقاء. ومع عام 2005 تراجعت وعود الأسد بالإصلاح لتصبح كلاماً غامضاً حول التنمية والتحديث. هذا التراجع تمّ تلخيصه في ذاك العام بحديث نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري عن “خطة خمسية للخصخصة”، والتي شرحها للسيناتور جون كيري في حفل عشاء في دمشق أقامته السفيرة الأميركية مارغريت سكوبي. وحين أشار كيري إلى أن الخصخصة والخطط الخمسية لا يعملان معاً، رد الدردري “يجب أن نسميها هذا”. كنت في تلك الفعالية وتدخلت متسائلاً، “لماذا لا تخبرونا، نحن الشعب، ماذا تفعلون بالضبط؟” وساد بعدها الصمت. كان من المفترض أن أفهم أن الخصخصة كانت كذبة لا يفترض بأحد أن يلاحظها. والآن نحن نعلم أن هذه الخديعة فشلت تماماً. خلال العامين الأخيرين، كانت لديّ فرصة مناقشة الأزمة السورية مع أفراد من نخبة رجال الأعمال -بعضهم أقارب بعيدون لي- تورطوا بقبولهم أن يكونوا جزءا من الفساد العالي المتزايد سوءاً. وقد اعترف الجميع أنهم، حتى قبل أشهر من الانتفاضة كانوا متفائلين حول مستقبل البلاد والاقتصاد. كانوا يستثمرون بكثافة، ويتفاوضون حول كل أنواع الصفقات مع المستثمرين الألمان، وينهون عقوداً عظيمة الربحية مع وفود هولندية. باستفادتهم من أعمالهم كالعادة، كانوا يعتقدون أن النظام غير قابل للاختراق وأن إخضاع الناس العاديين الكبير جعلهم غير قادرين على الاحتجاج. رجال الأعمال الكبار هؤلاء قالوا إنهم ما كانوا يعلمون بأيّ تغيير قادم. كلهم لم يصدقوا ما حصل لهم متأسفين على قصر نظرهم. لقد خسروا الكثير -وأهمه أفضلية التعامل معهم من قبل سوريا الأسد- وسرعان ما هاجروا إلى مراع أكثر اخضراراً. في النهاية، كانت الأكثرية السنية تأمل وتعتقد أن الولايات المتحدة ستساعد في تسليمها سوريا، كما حصل في العراق مع الأغلبية الشيعية. وتهامست دمشق متسائلة: إذا استطاع الشيعة استلام الحكم في العراق، لماذا لا يستطيع السنة استلام الحكم في سوريا؟

في الواقع، فإن القلق الذي حصل بسبب التغيير السياسي في العراق عزّز قبضة الأسد. أما بالنسبة إلى التوقعات من الولايات المتحدة، فإن سوريا ستكون مخطئة بشكل شديد. حين بدأت الانتفاضة في يناير 2011، قامت تظاهرات صغيرة بكسر الهدوء في سوق مدينة دمشق الرئيسي وباحة جامعها الأموي. غير أن المفاجأة الكبيرة أن الانفجار الحقيقي حصل في الريف الجنوبي لسوريا، في سهل حوران وعاصمته درعا. هذا الإقليم مشهور تقليديا بكونه “خزّان البعث”، الذي زوّد الحزب والدولة بعدد كبير من مسؤوليه الأوائل وقادة الدرجة الثانية فيه. كان الحزب قد قدّم نفسه باعتباره حزب العمال والفلاحين، لكن هذه الأفكار المسبقة أثبتت زيفها حين ثار العمال والفلاحون ضد السلطة علانية. لن أعيد هنا قصة درعا، كونها صارت مشهورة وتمت تغطيتها إعلامياً بشكل جيد: تلاميذ المدرسة الذين خططوا شعارات ضد النظام على حائط، اعتقالهم وتعذيب المخابرات لهم، الإهانات التي تعرض لها آباؤهم وأهاليهم. بعد حوادث درعا والقمع والقتل الذي تعرضت له، أغلب سوريا وجدت نفسها في احتجاج شامل وعلني ضد النظام. في البداية، حاولت الأجهزة الأمنية والعسكرية أن ترهب المتظاهرين السلميين باستخدام تكتيكات الصدمة والرعب. هذه المرحلة وصلت ذروتها في حمص، حيث حاول المتظاهرون نسخ تجربة ساحة التحرير المصرية باعتصام حاشد كبير في الساحة الرئيسية للمدينة. واجه النظام ذلك بأول مجزرة كبرى ضد المدنيين السلميين. مع امتداد الاحتجاجات رغم تزايد الضحايا، انتقل النظام إلى ما يمكن تسميته بمرحلة بينوشيه: تحولت المدارس، الملاعب الرياضية، المستشفيات، والمرافق العامة إلى مراكز اعتقال جماعية؛ السجون امتلأت بمعتقلين عشوائيين؛ ووصل التعذيب إلى مرحلة قصوى. حين فشل تكتيك بينوشيه أيضاً ضد حركات التظاهر، انتقل النظام إلى خيار شمشون: محطّما هيكل سوريا فوق رؤوس الجميع. قرى، مدن، وساحات مدن تم تدميرها وجعلها أنقاضاً؛ محاصيل وغابات تم حرقها؛ مدارس، مستشفيات، جامعات، ومراكز صحية تم قصفها وتدميرها بشكل منهجي. أطباء، صيادلة، ممرضات وعناصر طبية أخرى تم اعتقالها وقتلها. وصلت مرحلة شمشون قمتها مع الهجوم بالسلاح الكيميائي على الغوطة، في حركة إجرامية يائسة. هذا القمع الهمجي لم يكن عفوياً بل كان مخططاً له ومتوقعاً. تذكر الكثيرون كلمات بطانة رفعت الأسد في أيام عزّه في سبعينات القرن الماضي: إن عشيرة الأسد والعلويين اقتحموا دمشق بالقوة، وإذا أراد السنة استعادتها، فسيستلمونها أنقاضاً مدمرة. وهو ما تجسد في شعارات النظام الحالية عن “الأسد أو لا أحد” و”الأسد أو ندمّر البلد”. حين أصبح الحفاظ على حركة موحدة مستحيلاً بسبب القمع الفظيع، اتهم مراقبون الثورة بفقدان القيادة والاستراتيجية. غير أن هذا كان خطأ. قيادة الثورة كانت مختلفة ببساطة عما يتوقعه المرء. الأحزاب المنظمة والشخصيات ذات الجاذبية تم استبدالها بلجان تنسيق محلية. هذه اللجان قادت ونظمت حركة الشارع واستمرت بإدارة ما بقي من الطابع السلمي للثورة. رغم عفوية التنسيقيات، فقد استطاعت خلق شبكة وطنية وبالتواصل مع فعاليات مماثلة لها في سوريا، وفي العالم العربي، والعالم. وبخبرتها المتزايدة، استطاعت استخدام الأكثر حداثة في وسائل التواصل الإلكتروني لدفع أجندتها الثورية. استطاعوا، كذلك، أن يحبطوا محاولات النظام العسكرية منع تدفق المعلومات بإنتاج سيل متدفق من الصور الآنية والمعلومات حول ما يحصل حقيقة على الأرض. أضف إلى ذلك العمليات الإبداعية، الموسيقى، الرسوم المتحركة، والتعليقات الساخرة، والغرافيتي الناقد، وكل ما لجأ إليه هذا الجيل الثوري، وسترى ما أسمّيه أفضل ساعة للمجتمع المدني السوري. الروح الكرنفالية في تلك الفعاليات -بالمعنى الباختيني للسخرية لتنفيس قمع قوى السلطة العليا المدعاة- لم تكن شيئا معروفاً في الصراع ضد الاستعمار ولكنها صارت سمة قارّة في الاحتجاجات المعاصرة، خلال الربيع العربي. النظائر العسكرية للجان التنسيق انتشرت عبر سوريا كلها، وأجبرت النظام على نشر القوات أيضا بشكل شرذم هذه القوات وأنهكها من انتقالاتها من درعا في الجنوب إلى الحدود التركية في الشمال ثم لتعود الى الجنوب من جديد. ولهذا السبب سمعنا أن الجيش اجتاح، احتل، ثم تراجع من درعا أكثر من عشرين مرة خلال أقل من خمسة عشر شهراً. حالياً يبدو الأمر وكأن لا أحد من الطرفين قادر على هزم الطرف الآخر. غير أن هناك أمرا خادعا حول هذا المظهر. فإذا نظرت إلى أين بدأت الأحداث قبل الانتفاضة، ستجد أن أجهزة الأمن كانت تعتبر نفسها محصّنة من الهزيمة، مثل جدار صلد؛ أي شيء كان يواجهها كان يتحوّل إلى رماد. الكثير من المعارضين الذين سجنوا ذكروا بعد الإفراج عنهم أنهم خلال التحقيق والتعذيب كان ضباط المخابرات يوبخونهم قائلين: “لماذا تعذّبون أنفسكم بالانتقاد والمعارضة والاحتجاج رغم معرفتكم أنه لا يمكن هزيمتنا، وأن إرادتنا فولاذية وقادرة على سحق أيّ شيء أو أيّ شخص يقف في وجهنا؟ يجب أن تجدوا شيئا أفضل بدلاً من محاولة المعارضة وممارسة السياسة”. الثورة دمرت هذه الصورة التي لا يمكن كسرها داخل وخارج النظام. هذا ما جعل الأسد يطلب نجدة حزب الله من لبنان والميليشيات الشيعية من العراق وإيران لتعزيز قبضته على البلد. هذا أيضاً ما جعل قواته الخاصة، وحزب الله، وميليشيات أخرى تقاتل فترة طويلة لاحتلال بلدة ريفية صغيرة مثل القصير، رغم التفوق الكبير في الأعداد والطاقة النارية.


لوحة: فرح علي

أهل دمشق، خصوصاً، كانوا في دواخلهم يعتذرون لمراقبتهم من مسافة بعيدة التدمير الوحشي ونهب حماة وسكانها عام 1982؛ ولأنهم تسامحوا كل هذا الوقت مع الاعتقالات العشوائية، السجن، التعذيب، الإجرام، والاختفاء القسري لأعداد غير معروفة من المواطنين؛ ولأنهم قبلوا تصفية أكثر من ألف روح بشرية في سجن تدمر في يونيو 1980؛ ولكونهم ابتلعوا عار تحويل الجمهورية، في لحظات، إلى حكم وراثي؛ ولأنهم شاهدوا ربيع دمشق -آخر لمحة أمل للسوريين- يحطم بوحشية دون أن تطرف أعينهم.

كما أن إساءة الفهم من قبل السوريين جعلتهم غير قادرين على توقع الانتفاضة، فإن الخطابات العالمية حول الثورة فشلت أيضا، ربما بشكل مقصود، كي نستطيع أن نفهمها ونرد عليها بشكل مناسب. مسألة واحدة في قلب هذا الغموض: كيف تحوّلت حركة احتجاج سلميّة شابة ومدنية إلى ثورة مسلحة في أقل من سنة واحدة. هذه مسألة ملحّة إذا أخذنا في الاعتبار لغة الرئيس باراك أوباما الاحتقارية التي استخدمها لوصف حركة الاحتجاج الشعبية العامة. في مارس 2014 وخلال مقابلة طويلة وصريحة مع جيفري غولدبرغ من “بلومبرغ فيو”، وصف أوباما النزاع السوري باعتباره بين “جيش رسميّ ومسلّح جيدا ومدعوم من قبل دولتين كبيرتين (روسيا وإيران).. يقاتل فلاحا، ونجارا، ومهندسا، بدأوا حركتهم كمحتجين وفجأة وجدوا أنفسهم في وسط نزاع أهلي”. هذا التوصيف خاطئ. لم يكن هناك شيء مفاجئ في التحول من الاحتجاجات السلمية إلى “نزاع أهلي” مسلح. كان ذلك نتيجة لترك المحتجين من قبل المجتمع الدولي رغم التصاعد المتزايد في العنف الممارس ضدهم من قبل نظام الأسد، وللتضامن بين الجنود السوريين المنشقين والناس العاديين، ولتدفق المتطرفين المسلحين لملء الفراغ في مناطق يائسة.

عقلية “السياسة الواقعية” (Realpolitik) التي تهتم بالوقائع الطارئة لا بالمبادئ أو الأخلاق في المنظومة الدولية خفضت شأن الأزمة في سوريا لتصبح مجرد سحب الأسلحة الكيميائية من يد الأسد و-عملياً- إعادة تثبيته، رغم الأوصاف التي يقوم أوباما وكيري بوصفه بها: مجرم، قاتل، طاغية، وحتى هتلر جديد.

فهم السوريون هذا. ولا يوجد سوري يؤمن بأن الولايات المتحدة هي بطل صفقة الأسلحة الكيميائية. يعلم السوريون أن ترسانة الأسلحة الكيميائية جعلت القوى الكبرى تتأهب منذ بداية الانتفاضة. روسيا أعطت تأكيدات علنية وضمانات خاصة إلى “شركائها” أن الأسلحة الكيميائية السورية كانت تحت السيطرة الكاملة ولن تقع في الأيدي الخطأ. حين قام الأسد باستخدام محدود للعناصر الكيميائية المخففة ضد مراكز المدنيين لامتحان الغرب، قامت روسيا بمضاعفة تأكيداتها. هذا ما ساعد أوباما على وضع خطه الأحمر المشهور بإعلانه أن استخدام هذه الأسلحة “سيغيّر من قواعد اللعبة”، لكن تهديده لم تكن له علاقة بالاتفاق اللاحق حول هذه الأسلحة. في الواقع، كما أقر أوباما في مقابلته مع “بلومبرغ فيو”، فإن سوريا كانت تستجيب للضغط من قبل إيران وروسيا “خلال 10 أيام أو أسبوعين، قام رعاته، الإيرانيون والروس، بإجبار الأسد على التخلص من أسلحته الكيميائية، وتقديم قائمة بها للمجتمع الدولي، والموافقة على جدول زمني للتخلص منها”. أكثر من ذلك، يتذكر السوريون أن كيري، محاولاً تقوية مبرراته في لوم النظام، ذكر أن الولايات المتحدة عرفت قبل ثلاثة أيام من هجوم الغوطة أن العناصر الكيميائية تم مزجها، وإعدادها، وتم تذخيرها على أسلحة الاستخدام للهجوم. بكلمات أخرى، فإن كيري علم مسبقاً ما هي الجريمة المقبلة لكنه فشل في عمل أيّ شيء لوقفها.

كل هذا يكشف نمطاً اعتياديا: حين يواجهون بتهديد جدّي، يوافق الطغاة على التراجع. حافظ الأسد، والد بشار الأسد، فعل ذلك حين سلّم رئيس حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) عبد الله أوجلان إلى تركيا عام 1998. بعد سنين من المقاومة والإنكار، أدرك حافظ اقتراب اللحظة الحرجة حين تحوّل الهجوم التركي إلى خطر أكيد. النمط نفسه تكرر عام 2005 حين تراجع بشار الأسد أمام ضغط الرئيس جورج دبليو بوش والاتحاد الأوروبي، خصوصاً فرنسا، وسحب قواته من لبنان.

تنطبق على الأسدين القاعدة التي شرحتها قبل زمن طويل مدرسة فرانكفورت حول الشخصية الفاشية الصغيرة التي تستلم السلطة: قسوة واحتقار للأضعف وخضوع جبان أمام القوي. بعد أن قام الأقوياء بالاستيلاء على الأسلحة الكيميائية، بدأ النظام باستخدام سلاح ليس أقل إبادة: تكتيكات الحصار لإجبار السكان على الخضوع. يدعو النظام هذا “اركع أو مت جوعاً”. رد الفعل العالمي على هذا كان الصمت.

يفهم السوريون أيضاً لماذا تحتاج “السياسة الواقعية” ⊇(Realpolitik) أن تستخدم المجموعة الدولية وضعها المؤثر في سوريا الحالية “دعهم ينزفون”، كما قال الصحافي كريستوفر ديكي. المتنافسون في هذه الدراما الدموية هم -سوريا، إيران، حزب الله، القاعدة إضافة إلى تشكيلة من الإسلاميين والجهاديين- وكلها أطراف لديها تاريخ طويل ومؤكد من كره الغرب. لماذا الوقوف في وجه هؤلاء الأعداء فيما يقتلون بعضهم البعض؟ أوباما نفسه يقول إن سوريا “تستنزفهم” وهم إيران، حزب الله، والمتطرفون السنة المتقاتلون في سوريا. الفائدة السياسية للولايات المتحدة لا يمكن تجاهلها. باقي الغرب ابتعد أيضا لأسباب مشابهة. وهكذا رفع الرئيس أوباما يديه، جزئياً على قاعدة تبرير مريح ولكنه خاطئ حول أطباء الأسنان والمزارعين مظهراً جهله في كيفية تحول الاحتجاجات السلمية إلى ثورة مسلحة، مثبتاً موقفه الخاطئ حول أن القتال كان تحوّلاً “مفاجئاً” في الأحداث.

هناك ثلاثة عناصر على الأقل إضافة إلى قمع النظام ساعدت في تحويل التظاهرات السلمية إلى حرب، كلها كان يمكن لأجهزة الأمن الغربية رؤيتها. الغرب فشل، متقصداً ربما، في فهم الثورة. بداية فإن أغلب القادة المتعلمين والمهنيين الذين أججوا البدايات السلمية للانتفاضة انتهى بهم الأمر في السجون، أو تمّت إعاقتهم بشكل دائم، أو غادروا إلى المنافي، أو قتلوا. وحل في أمكنتهم قادة أقل تعليماً وتقدمية وقناعاتهم بالطابع السلمي للثورة أضعف. ثانيا، أدى تشكيل وتضخم الجيش السوري الحر إلى تشجيع الثورة المسلحة. كان ذلك أيضاً أمراً يمكن رؤيته قادما – سلسلة من الانشقاقات، من كل الرتب العسكرية، من الجيش الرسمي بعد أن تم استدعاؤهم لقمع الانتفاضة بعنف غير محدود. رغم المخاطر الكبيرة على أرواحهم وحيوات عائلاتهم، رفض هؤلاء الأوامر لقصف القرى والبشر الذين هم مثلهم. وعلى السوريين أن يكونوا شاكرين لأن جيشهم ما زال جيشاً للمجندين غير المتطوعين وليس جيشاً محترفاً. أخيراً، فإن الخسارة بالنسبة لطرفي الصراع عالية بشكل كاف لدرجة أن اللجوء إلى السلاح لا يجب أن يكون مفاجأة. من جهة، فإن العلويين لديهم الكثير مما سيخسرونه حيث أنهم لن يتوقفوا عن فعل أي شيء للاحتفاظ بالسلطة. من جهة أخرى، فإن الثوار السنة بعد أن دفعوا إلى هذه الوضعية، مصممون على استعادة سوريا بأيّ ثمن. كل ذلك يبدو وكأننا نصل إلى المفارقة القديمة: ما الذي يحصل عندما تلتقي قوة لا يمكن مقاومتها مع شيء لا يتحرك؟ أيّ شيء وكل شيء.

إضافة إلى هذه المجموعة من سوء التقديرات حول من يقاتل في سوريا وكيف انحدرت الحركة السلمية إلى العنف، فإن الخطابات العالمية مخطئة أيضاً فيما يخص طبيعة النزاع. سوريا يتم ضمّها بشكل خاطئ إلى نزاعات طائفية أخرى، مثل النزاع في لبنان. في لبنان تقاتل الجماعات، الطوائف، والتنظيمات بعضها البعض بقوة فيما تبقى الدولة دون تدخل. المثال الآخر هو العراق، حيث قامت الولايات المتحدة بإزالة الدولة، الجيش، والحزب الحاكم، تاركة الشيعة، السنة، والأكراد يتحركون ضد بعضهم البعض. في سوريا هناك جهتان متحاربتان: النظام، والدولة، والجيش والحزب الحاكم في طرف، والانتفاضة الشعبية في طرف آخر. ليست هناك إشارات إلى تنافس طائفي. دروز سوريا لن يقوموا بمهاجمة جيرانهم السنة في حوران، كما أن السنة ليسوا في وارد اجتياح المناطق الإسماعيلية والمسيحية، كما أن الإسماعيليين لا يستعدون لإنهاء نزاع عنيف قديم مع العلويين وهكذا دواليك. لا جماعة سورية، أو طائفة، أو إثنية قامت بتحشيد قواتها جماعيا للقتال في طرف النظام أو الدفاع عنه. سوريا ليست في حالة حرب أهلية عمومية. إذا كانت هناك سابقة تاريخية أو تحليل نحتاجه، فلنستدع الثورة الهنغارية المسلحة ضد النظام الستاليني هناك في عام 1956، وهي ثورة تم سحقها من قبل الدبابات الروسية كما حاولت الدبابات السورية أن تسحق الثورة. بعد أن انتهت الثورة الهنغارية، لم يقل أحد إن البلاد كانت متجهة إلى حرب أهلية لأن الهنغار كانوا يقتلون هنغاراً.

إن عشيرة الأسد والعلويين اقتحموا دمشق بالقوة، وإذا أراد السنة استعادتها، فسيستلمونها أنقاضاً مدمرة. وهو ما تجسد في شعارات النظام الحالية عن “الأسد أو لا أحد” و”الأسد أو ندمّر البلد”

ربما يعود الأمر إلى أن المجتمع الدولي ينظر خاطئاً إلى العنف الطائفي خارج سوريا فهناك قلق حول الأقليات فيها -أكراد، مسيحيون، علويون، دروز، إسماعيليون، تركمان، شركس، وهكذا- وحول حقوقهم. يجيء هذا في الوقت الذي تتعرض فيه الأكثرية السنّية إلى ضرب وحشي من القوات الخاصة، الميليشيات، صواريخ سكود من أقلية مسلحة تحتكر سلطة وثروة البلاد. المدن التي تم تدميرها كلها مدن سنية، بينما بقيت جماعات الأقليات في أمان نسبي. الأغلبية الكبرى لأكثر من 200 ألف قتلوا حتى الآن، ومن الجرحى، ومن المعاقين بشكل دائم، ومن الذين اختفوا وتبخروا، ومن المسجونين والمعذبين هم من السنة. أغلب الملايين الذين هجّروا خارجياً وداخلياً هم من السنة. لذلك فإن ما يدهس تحت الأقدام في سوريا الآن هو الأكثرية.

ما يختفي تحت هذا الصمت هو افتراض أن الأكثرية السنية تنتظر اللحظة المناسبة للهجوم على الأقليات كي تضطهدهم وتقمعهم. لكن، في هذه اللحظة، كل سوريا، بحاجة إلى حقوق، حماية، واهتمام. هذا الخطاب العالمي حول حماية أقليات سوريا يعود بي إلى أوروبا القرن التاسع عشر، ودبلوماسية السفن الحربية الشهيرة. كل قوة أوروبية معتبرة كانت تبحث عن أقلية في هذا المكان من العالم لترعاها وتحميها: فرنسا، كلّفت نفسها حماية الكاثوليك والعلويين. روسيا، ألحقت بها الروم الأرثوذكس. بريطانيا، القلائل من البروتستانت والأنغليكان إضافة الى الأقلية الدرزية، وهكذا دواليك.

روسيا اليوم تريد أن تحمي كل هذه الأقليات وتحلّ مكان فرنسا باعتبارها حارس الأقليات المسيحية والعلوية، على وجه الخصوص.

كما في الماضي، تريد أوروبا حالياً دفع سوريا إلى المراحل الأثيرية للجغرافيات السياسية الكبرى، بتحويلها إلى بيدق في لعبة الأمم. القليل من الاهتمام يزجى إلى الربيع الداخلي ولديناميات الثورة نفسها، وهو أمر أحاول أن أؤكد عليه. استراتيجيات “الواقعية السياسية” للقوى العظمى ليست وحدها التي تفكر بهذه الطريقة. هناك جزء من اليسار، العربي والعالمي، ابتاع هذا النموذج من التفكير مردداً أن الثورة هي مؤامرة إمبريالية ضد النظام الوحيد الذي ما زال واقفا ضد إسرائيل والصامد كعقبة ضد السيطرة الغربية على الشرق الأوسط، وعلى بلدانه ومصادره الطبيعية.

أغلب اليسار العربي يدعم طروحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، لكن أقلية، تريد أن تستمر في القتال ضد الإمبريالية. يدخل هذا اليسار سوريا وانتفاضتها ضمن النزاعات الاستراتيجية الكبرى، ويتجاهل بذلك، إذا أحسنّا النيّة، حقيقة قمع الشعب؛ وإذا أسأنا النية يصبح قمع الشعب أمراً غير مهمّ. هذا خطأ جسيم لأنه بقدر ما يطول بقاء بشار الأسد ودولته الأمنية في السلطة مع طائرات السوخوي وصواريخ سكود، بقدر ما يزداد خطر المتطرفين.

في كل المجتمعات، وفي حالات الأزمة الشديدة، يلتفت الناس إلى الله. هذا يبعث الطمأنينة والقدرة على التحمل، وفي بعض الأحيان يستحضر اليأس والانتقام الإلهي. إن التوتر العالي للإسلام الذي يندفع عبر سوريا يحشّد الإسلاميين الشباب، والإخوان المسلمين، والجهاديين، والطالبانيين، والانتحاريين، والمتطرفين من كل الأنواع. حين يقوم طغاة بإبادة شعوبهم ويخاطبهم موالوهم بعبارات العبادة والتخليد، هل يفاجئنا أن يقوم المقموعون بمواجهة ذلك برفع رايات الألوهة هم أيضا؟ وحين يتعرّض نظام وقانون التعسف في دولة البعث الأمنية للازدراء والتحقير فهل من المفاجئ أن الناس يعودون إلى نظمهم وقوانينهم المعتادة، والتي هي، بشكل طبيعي، تحتوي جرعة مكثفة من الشريعة؟ المخرج من هذا الطريق المسدود لا يتعلق فقط ببتر رأس النظام من خلال إزاحة الأسد وترك الدولة الأمنية المجرمة مصانة، وكل ذلك باسم الاستقرار، والاستمرارية، والانتقال المنظم للسلطة. كما أنه ليس “انتظار غودو” مؤتمرات جنيف. الحل يمكن أن يأتي فقط مع إنهاء العلوية السياسية. هذا يشبه إلى حد كبير ما حصل في مؤتمر الطائف، عام 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان ⊇من خلال التخلص من المارونية السياسية وسيطرتها على لبنان.

في حالة سوريا، هذا يعني نهاية الحكم الوراثي ونهاية السيطرة العلوية، ونهاية حكم الأقلية، وإعادة ولادة الجمهورية. الغرب لديه دور يقوم به. بدلاً من ترك سوريا تنزف، الغرب بحاجة الى المساعدة في رفع قبضة الأسد عن البلاد ومستقبلها والتفاوض على إعادة موضعة سياسية للعلويين داخل نظام ديمقراطي يكون بالضرورة في صالح الأكثرية السنية. الغرب سيضطر للتدخل لأن القوى العظمى لن تسمح بوقوع سوريا في أيدي الإسلام الجهادي. السؤال هو هل سيقود هذا التدخل إلى الفهم الصحيح للحرب. فيما أكتب الآن، لا أحد يدعي معرفة كيف تسير الأمور في سوريا أو كيف سينتهي هذا الصراع الدموي. مع ذلك، أنا متأكد أن الأسد وسلالته لن تحكم سوريا مرة أخرى

ترجمة: حسام الدين محمد

عن "بوسطن ريفيو"، وتنشر بالتزامن مع مجلة "الجديد"

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.