عيون الآخرين

الثلاثاء 2015/12/01

امرأة شابة تعيش في قرية ببلد بعيد،

تزوجت لتوها، وهي حامل. تحب زوجها

يجتهد في العمل، يعاملها بلطف ولا يضربها

تنتظر ولادة طفلتها بفارغ الصبر، تحس بها، في أحشائها

تكبر قليلاً كل يوم، كبذرة تنمو، تنمو،

سوف تكون فتاة، تعلم أنها ستكون فتاة، وهي تحبها بالفعل

بكل ما أوتيت من قوة، مثلما تحب حياتها الصغيرة، صحيح أن

أحلاماً مجنونة تراودها أحياناً، وخصوصاً عندما تشاهد التلفزيون،

تود هي الأخرى أن تلف العالم لتزور المدن،

تلتقي بأمير وسيم وتقف هناك في الثلج لتغنّي

أغنية رومانسية حلوة. تحدِّث نفسها بأنها مجنونة لتفكيرها

في كل تلك الأمور، إنك مجنونة، مجنونة، ولكنها تحب بالطبع

حياتها الصغيرة. حماتها المزعجة، ولكن هناك، -كما تخبرها

شقيقتها بقهقهة ذكية- آلاماً أسوأ في مكان آخر، وهي تحب حقاً

حياتها الصغيرة، لعل أكثر ما تحبه هو ارتياد البحر

كل صباح، تمضي وحدها منذ انشقاق الفجر ثم تبدأ تجري،

تجري سريعاً، في منتهى السرعة، بسرعة تشعر معها وكأنها

تفقد عقلها، تطفق في الصراخ، فسعادتها طاغية

حتى إنها تشوش كل حواسها، تحب أيضا الأشجار

غاية في القوة والصلابة، عميقة الجذور في الأرض منذ البداية.

وتروقها أيضاً النجوم، جمالها أخّاذ. تتساءل عن

ماهيتها الحقيقية، مَن ذهبوا إلى المدرسة يقولون إنها

كرات من نار، لا تفهمها بحق كما يجب غير أنها متأكدة

أنها آية في الجمال، وأنها ترغب في لمس نجم

والسفر إليه والحياة هناك، ولكنك مجنونة، نعم، مجنونة،

ذلك ما تُردده لنفسها، إنك مجنونة لتفكيرك في كل تلك الأشياء،

تعرف في أعماقها. هناك أشياء كثيرة لا تود الحديث عنها، لا تثق

في الرجال لأنهم خائفون من النساء، لا تثق في ثرثرة

القرية، تعلم أن لا دراية لهم بهذا، ولكن يصعب عليها

استيعابها، سبْر كل المعاني في عيونهم، وبوسعها

أن تبصر فيها أشياء كثيرة، كالحب، حب كبير أحياناً، والحب

كالأطفال حين يشرعون في الرقص، يذهبون في كل

اتجاه، مفعم بالضحك يجعلك دائخاً من السعادة، ولكن هناك كذلك

الكراهية والكراهية مخيفة، تجعلها راغبة في الفرار، إنها مثل

حريق في دَغَل يلتهم الأشياء. تقول لنفسها

إنها مجنونة ولا شك، إنك مجنونة، نعم، مجنونة، ليس

طبيعياً حقاً أن تكوني على هذا الحال، تضحكين على أتفه شيء،

ومنذ أن حبلتْ، ونوع من الموسيقى يداخلها، شيء

رخيم، سحري، يغمر جسدها، شيء فاتن وقويّ

تعرف أنها فتاة، سوف تكون مثلها

ولكن زوجها هو من يؤكد، يا لسذاجته أحياناً،

أنها ستغدو في مثل جمالها. تقول لنفسها يوماً إنهما ستذهبان

لتتأملا الأشجار والنجوم بعيون الإعجاب، سوف تجريان في الحقول،

تجريان سريعاً، في منتهى السرعة، أسرع وأسرع، وستشرعان

في الصراخ بسرعة تبث فيهما شعوراً رائعاً

سوف تبهجها الأشياء الجميلة، سوف تحيك لها

ملابس جميلة، وسوف تعانقها بقوة لتمتص

براءتها، تحب حياتها الصغيرة. وذات يوم وقعت واقعة

في القرية، عصية على التحديد في البداية،

يبدو أن أشخاصاً من البلدة يختلقون أمراً،

يقولون إنها وطفلتها مختلفتان، إنهما مثل الصراصير

أو الميكروبات، تسمعهم فترغب في الضحك

لأن الكل هنا في القرية سواء. يقولون أيضاً إن أسلافهما

كانوا لصوصاً، ولكن ماذا تعرف هي عن أسلافها،

يقولون إنهما ليسا أهلاً للثقة، وإنهم جميعاً بوجهين، يرغبون في

سرقة نسائنا، إنهم ينجبون أطفالاً كثر من قبيل العناد

وإن رائحتهم كريهة، تتناهى إليها كلمة مختلسة تنبثق،

تلك الكلمات المتفجرة المترششة، مثل “نحن”، كما تقول أقرب

صديقاتها لها، “نحن” مختلفون عنكم. تتساءل من

هم “نحن”، “نحن” الشهيرة تلك، لا تفهم، وذات يوم

وهي على وشك أن تغفو، تسمع صرخة،

صرخة شخص تنقطع حنجرته، صرخة تشق السماء

وشيء في باطنها يتهشم، هذا الخوف المكبوح طويلاً، هذه المعرفة

المخنوقة طويلاً، ثم تشرع في الجري، الهروب،

الذهاب حيث يمكنها الذهاب، لا فكرة لديها إلا أن الأوان فات،

يسعها أن تراهم قادمين، ولكنهم تحولوا من رجال إلى حيوانات،

وفي أياديهم يحملون البلطات والكلاليب، عُدَّة التعذيب،

وعيونهم جوفاء، ثقوب محل العيون، يدنون،

يهينونها، ولكنها لم تعد تستطيع سماعهم، لن تسمعهم،

لن تموت، ليس الآن، وليس بهذه الطريقة، تهمهم باسم

الله، اِحْمِ طفلتي، اِحْمِ طفلتي. أحدهم صغير في السن،

تتعرف عليه، إنه جارها، يقترب منها ويبصق عليها،

يأمرها بأن تركع على ركبتيها، أيتها العاهرة،

لقد جلبته الآن على نفسك، فقط انظر إليها، الوسخة، تريدنا جميعاً

أن نرْكبها، تشتهي قضباننا الكبيرة، على ركبتيك قلتُ، سوف

نُعَلمك احترامنا، احترام أسيادك، على ركبتيك

أيتها العاهرة الوسخة، وبينما يشق بطنها، يمزق جنينها، ويسكب

عليها بنزيناً ثم يشعله. وإزاء عينيّ هذه المرأة الشابة – القادمة من بلد

بعيد، وإنما ليس مختلفاً عن بلدنا – لا يزال يتريث، وسوف يتريث دائماً،

عرضٌ ساحر لأضواء البحر، الأشجار، النجوم.

ترجمة: هالة صلاح الدين

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.