مَرْثيةُ المدينة التي ضَيّعت
لا تنبشوا قبري، قال شيكسبير
هل هؤلاء اللاعبون في الهواء الطلق ممثلون هزليون
أم قتلة محترفون استأجرهم الأمير هاملت،
ووزع عليهم الأقنعة؟
لا تنبشوا قبري، قال شيكسبير
إن كنت أنا نصف الأعمى،
بعيني الكليلتين عرفتهم واحداً واحداً
وميزتهم من ظلالهم..
الراشحة دماً
فكيف لا أعرف الشخص الذي أعطى الشاهد النصل ليستأصل لسانه.
هكذا تكلم مخرج النسخة الأخيرة من "المسرحية".
والآن،
يا لحيرتنا،
قال النظّارةُ
لدينا وثائق كثيرة عن ممتلكات وضرائب تخص شيكسبير،
وما من كلمة واحدة عن عطيل أو ماكبث أو حتى عن مهرج الملك لير.
لا تبحثوا في الكواليس قال شرلوك هولمز، في مقاعد النظارة، هناك، يجلسُ كاتب الظل القتيل.
*لم يعثر في وثائق شيكسبير على أي إشارة إلى أعماله المسرحية. وهذا مصدر شكوك في أن تكون ثم شخصية أخرى تحمل الاسم نفسه كتبت الأعمال الموقعة باسم شيكسبير.
أكاذيب المريد
لو تعلق الآلهة كلهم، ومعهم صبيان المدينة بطرف السلسلة
وكنت أنت في الطرف الآخر
لاخترت أن أكون معك،
متدلياً
كما تتدلى أنت،
ومن تحتنا تلوب سبعة أسود جائعة.
لن يخيفني اضطراب البحر، ولا زلزلة الجبل!
مرثيةُ المدينةِ التي ضيَّعتَ
من سيسكنُ هذه المدينة بعد ألفِ عام؟
أَيّ بشرٍ وأَيّة كائناتٍ، وبأَيّ كلماتٍ سيتبادل السكان التحيات والأخبار؟
وفي الاحتفالات، عندما تدمع من الوجد عيون الرجال الواقفين تحت الأعلام
ما الاسم الذي اختاروه للمدينة التي كان اسمها دمشق؟
بأصواتٍ تغص بالدمع سينشد الطلاب في مدارس المدينة نشيدهم الوطني
ولكن بأي لغة سيتكلم أولئك الذين يدلفون إلى الحوانيت؟
إذا كانت 10 سنوات من حياتي لا أكثر دوختها خمسة جيوش أجنبية
أشعل جنودها النار في كل روض وسوق ومعبد
ولم يتركوا بيتاً إلا وفيه صورة مجللة بالسواد
فكيف لي أن أخال هذه المدينة بعد ألف عام؟
إدفع، يا رجل الزورق،
دع عصاك المقدسة تغوص في النهر
وتعاونك في طرد هذه المدينة
من خيالي
وراء، مع الماء،
وراء
وبلا عودة...
دع الزورق يشرئب، وينهض، كما لو أن أرواح شجر الحور أهدته أغصانها الخافقة..
لا أريد لعيني الكليلتين أن تريا من بعد هذه البساتين
ولا لقلبي أن يخفق مرة أخرى بحب هذه المدينة.
انتحار صَفَنْبَعْل في سرتا
سنة 203 ق.م
لمَ أنتِ هنا،
وراءَ سبعةِ أبوابٍ،
حتى لكأنّكِ استدرجتِ الموتَ إلى بهوٍ ورحتِ تُرشدينَ خطوتَهُ.
الستائرُ مرفوعةٌ، والنُّورُ يغمرُ البهوَ والكأْسُ مترعةً تلمعُ في شمسِ يدكِ،
سمراءَ
بعصبٍ نزقٍ.
صدرُكِ الخافقُ بالفِكْرةِ أُرْسِلُ إلى جفنكِ
الذي لمْ يُغمض طوال ليلةٍ
رَجْفَةً رَهِيفَةً،
هنا أنا هنا، الجَسُد والصَّخْرَةُ، والرُّوحٌ الهاربةُ.
***
الهِضابُ تنهضُ لتراك وأَنْتِ تَخرجينَ من حُجرةٍ وتتوارين في أُخرى،
لسانُ النّار يلتهمُ الصورةَ
والهواءُ يلهثُ
الهواءُ يعصفُ، الهواء يلهمُ الحرائقَ، والضحى يصطخب بصرخات المتقهقرين على أبواب القصر..
***
ما من رسولٍ آخرَ، هنا، في هذه السَّاعةِ، سوى الموتِ،
ما من خطواتٍ لنزيلٍ آخرَ في المدينة والقصرِ سواه..
***
ويا لهذا المطلع اللاهب، وقد بلغتْ عرباتُ روما ساحاتِ سرتا،
وعلى درجاتِ الرخامِ، سُمِعَتْ سنابكُ الخيلِ وهي تقدحُ بحدواتِها الشررَ، وصليلُ السيوفِ وهي تلهو بالمصائرِ..
***
لم أنتِ هنا..
وابتسامتك التي هربت بالشعاع، ملأت وجهك اليافع.. بالشحوب
وفي كل خطوة لقدمك الصغيرة على رخام الموت تهدّمتْ صرخة امرأة في شرفة تحترق، وضَوّى أنين فارس يسقط عن فرس.
لا مزيد
لامزيد
لامزيد
حتى لكأنك وأنت توصدين باباً نوميدياً على باب قرطاجي، وفي قبضتك كأس النهاية، كنت تودعين صخرة سرتا، لتطأي بقدمك السمراء تراب الفكرة الأولى في كنف جبال بعيدة في سوريا البعيدة.
***
هل رحت تطلبين هناك في أعالي الشرق جثمان حنا بعل، أم رمتِ مصيره الخاطف.
***
ما من فنيقي في نوميديا أو بونيقي في ليبيا يسلم سيفه لروما...
أو معصمه للقيد..
شكراً لك، يا عشتارُ
لالتفاتتكِ الفاغيةِ بطيبِ الحقول، وكرمك الهادي، وأنت تضيئين للنصل خفقةَ القلبِ في صدر الملك، لئلا يصل بيده إلى الباب، لئلا يفتح ذلك الباب أبدا،
ويرى قبلة شفتيه الراجفتين على اليد السمراء الناحلة والكأس الفارغة قربَ راحتها الهامدة على الرخام.
*صفنبعل: ابنة ملك قرطاجي وزوجة الملك الافريقي صفاكس، ملك نوميديا.. دفعت بزوجها لمحاربة روما، وعندما خسر الحرب أمامهم واحتلت عاصمته سرتا. انتحرت.
لندن 20-9-2021
فتيانٌ دمشقيون في نزهة
شَجَرَةٌ تلك، أَمْ سَرابٌ يتمرأَى في شَجَرَةٍ،
بَلغنا الحافَّةَ ورَأَينا لِسَانَ الهَاويةَ
فلنعط أَيدينا، لعلَّنا نعودُ بقربة الماءِ، أو بفاكهةِ صَيْفٍ في صِحافٍ.
هضبةٌ وراءَ هضبةٍ
وأَقْدامُنا الغائِصةُ في لاهِبِ الرَّملِ سَرابٌ يَلْهو بسَرابٍ.
ارتوينا من عطشٍ، ووتَّرْنا الأقواس..
وها سَهْمُ الفِكْرَةِ يَلْهَثُ
ويسبقُ
ويَطْلُبُ الأَسْوار.
هلْ نَحْنُ جنودٌ في نُزْهَةٍ،
أَمْ منشدونَ عميٌ في جوقةٍ تائهةٍ بَعْدَ مقتلةٍ في خلاءٍ؟
فُتِحَت البواباتُ وهُرِعَ شُبَّانُ، في إثرهم صَبايا مكحَّلاتِ العُيُونِ طائشاتٍ كالمَناديلِ
السَّنابِلُ تَتَطاوَلُ والشَّمْسُ تَلْمَعُ على أَسِنَّةِ الحِرابِ.
اليومَ نذهبُ إلى الحَقْلِ، ولنْ نَجِدَ أَرْضَ المَعْرَكَةِ،
لا نِبالَ، ولا أَقْوَاسَ،
لا حِرابَ،
ولا طَعَنَاتْ.
تَرَكْنا السِّيوفَ في الخَزَائِن،
والدُّرُوع التي كَتَبَتِ القَصَصَ تَرَكْنَاها في الظِّلالِ..
الترابُ غَيّبَ الحِرابَ المَكْسُورَةَ في الأَعْنَاقِ،
والجريحُ الذي تَقَلّبَ قُرْبَ مَصْرَعِهِ، مَرّ على جَبْهَتِهِ هَواءُ الأَصِيْلِ، ولَمْ يَكُنْ في صَدْرِهِ أَثَرٌ مِنْ طَعْنَةٍ.
أَحُلُمٌ ما أَرَاهُ؟ قالَ المُسَافِرُ للطَّريقِ، وقَدْ طَالَتْ وقَصُرَت.
وطالَتْ
وقَصُرَت،
قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ السَّرابُ ويَفْتَحَ لهُ الأَبْوابَ.
***
البَنَاتُ الَّلواتي تَشَبَّثْنَ بدُرُوعِنا وأَجْهَشْنَ عِنْدَ البواباتِ،
ومَيَّزْنَ مِنْ وراء الأَسوارِ صُراخَ الهالكينَ مِنْ صَيْحَاتِ النَّاجِينَ،
وصَلْنَ إِلى الحَقْلِ بخُوانِ الخُبْزِ وجِرارِ المَاءِ،
ووجَدْنَ المِعْوَلَ في جِوارِ الشَّجَرَةِ..
والهواءَ مسترخياً في الظلِّ.
كيفَ أُفَسِّرُ، إِذَنْ، ذلكَ الجُرْحَ الذي يَنْزِفُ في قَصِيدَتي؟
***
أَخْطو وأَخَالُ أَنَّنا لَمْ نَكُنْ هُنا يَوْماً
وهذهِ الكُسُورُ في الأضْلاعِ،
والشَّمْسُ التي اْسّوَدَّتْ في دَمِنَا، ويَبِسَتْ على أَرْضِ المَقْتَلَةِ،
لَمْ تَكُنْ سِوى سَطْرٍ في حِكايةٍ رُويتْ على فِتْيَةٍ اضطجعوا في ظلالِ شَجَرَةٍ على الطَّرِيق..
سَطْرٌ هارِبٌ مِنْ صَيْفٍ مُفْعَمٍ بهَوَاءِ سَمَرٍ في صَيْف.
مَشَيْنا النَّهاراتِ، وخَطَونا الَّلياليَ طالبينَ دِمَشْقَ التي تَرَكْنا في الأَصْيافِ.
كلمات لايوس
لماذا أخرج من البيت وأعود إلى البيت؟
أخرج وأعود،
ثم أخرجُ
وأعود..
لماذا أفعل ذلك، مراراً،
ما دمتُ أعرف
أنني..
سأضجع في السرير المرأة التي ستنجب لي قاطع طريق
يقف لعربتي،
بين البيت والسوق،
ويضع في عنقي السيف،
ثم يذهب أخيراً، ليزين عنقها بالأزهار.
*لايوس الملك: والد أوديب الملك.
حنا بعل من على هضبة في سوريا
من سواكَ أخاطبُ عندما ما من سواك ينظرني إذ أخاطبُ،
أعطيت صوتي للريح، وخطوتي للصخرة الهاربة
وللجبال الشاهقة أعطيت عيني اللتين نظرتا الأرض من شواهق الجبال.
يد لخصر المرأة
أعطيت
وأخرى لمقبض السيف،
وحيثما شعت شمس وأعشت عين الناظر،
رأيت الجمال يختطف القلب والشعاع يتكسر على الدرع المشبَّع بالسهام.
***
والآن،
من على هضبة في سوريا المحلِّقة بين الأرض والسماء أنظرُ قرطاجَ التي اقتطعت بالسيف قلبي.
***
بعلُ، بعلُ..
يد لمقبض السيف وأخرى لكأس الشوكران.
*حنا بعل: المحارب القرطاجي/الفينيقي، بعد سقوط قرطاج أمام الرومان عاش سنواته الأخيرة لاجئا في شمال سوريا. انتحر عندما حاولت روما استعادته من منفاه. قبره الرمزي موجود اليوم في أنقرة/تركيا.
الزائر
ما أفعل بيدي أنا الذي ولدت بلا يدين؟
ما أفعل بأيامي التي يعتصرها الالم
ويقدمها لي في كأس؟
أنا هنا،
على مقعد في جوار نافذة
موصدة
من عام
أسمع، لكنني لا أرى.
في النهارات، أعني ليس في وقت كهذا الوقت
صخبُ أناس أحياء في الجوار
يملا أسماعي.
المجهول يقترب، المجهول يصعد الدرجات
أسمع الباب يبكي، والجدران ترتعد
المجهول يفتح بالمفتاح
العتبة ترتجف
أنفاس الدهليز تتهدج.
المجهول
كائن بسلطات استثنائية
وإلا كيف قيض له أن يملك مفتاح بيت لشخص اختفى منذ عام؟
لعله جاء يتأكد إن كانت نبتت لي يدان
وما أزال ساكن هذا البيت.
ما الذي سوف يحدث
تَخَيَّل لو أَنَّهُ وَصَلَ
أَخيراً،
ولَمْ نَكُنْ
لا أَنا ولا أَنْتَ
هُنا.
تَخَيَّلْ ما الذي سوفَ يَحْدُثُ
لي ولكَ
عندما يَصِلُ ولا يَجِد أَحَداً في انْتظارِهِ!.
تَخَيَّلْ أَنْ نَعُودَ إلى هذا المكانِ
ولا نَجِد في انتظارنا أحداً
لا أَنا
ولا أنتَ
ولا هؤلاء النظّارة،
ولا حَتّى قاطع التذاكرِ المحبوسِ وراءَ الزجاجِ في انْتظارِ غودو.
تَخَيَّلْ يا فلاديمير!
*فلاديمير: حدى الشخصيتين في مسرحية "بانظار غودو" لصامويل بيكيت
جنازةُ قوس قزح
أُذَكِّرُكِ بأَسمائكِ،
يا دمشق..
لعلي أهزُّ رُقادَ مَن دُفنوا تحتَ تلك الأَسماء
وذهبوا
عميقاً في الأرضِ..
لأَراهُمُ وهم يرفعونَ التُّرابَ عن قاماتِهم،
ويَخرُجونَ
باللآليءِ والأَصواتِ،
وفي جنازةِ قوسِ قُزح يطوفونَ بكِ الأَرْضِينَ
وعلى وجوههِمُ وراحاتِهُمُ أَسماؤكِ القتيلة.
***
أُذَكِّرُكِ بأَسمائكِ، بالسماوات التي ارتجفت وتخبطت على حجارة الجبل،
وبالأجنحة التي فاضَ بها النهر،
صبيتك الذين أعطوا أصابعهم للمطارق،
يرقدون، الآن، في طمي النهر،
وعيونهم التي فَقأتها المخارز، بأسى تنظرك،
يا دمشق.
فتيتكِ الذين خرجوا من الكَهف
ملأوا البحار بالمراكب،
والموانىء بالأمنيات.
أُذَكِّرُكِ بالجرارِ المُحَطَّمةِ
وبالشرقِ الذي ضَجَّ بأشواكِ العَطش.
خطبة تيمورلنك
لماذا بعد مائة عام يا هولاكو، أحتاج إلى أمراء مسيحيين يتقدمون جيشي
لتُفتح لي الأبواب ويأمن الدمشقيون سيفي؟
قضاة المدينة المخطوفي الالوان من الرعب يتسلقون الأسوار في الليل..
وينتشلهم جنودي بالسلال،
ويدلفون عليَّ خيمتي بالعروض..
ذكاؤهم الوقاد لن يعصمهم طويلاً، من لهفة السيف هنا
ولا من غضب القلعة هناك..
لو كنت مكانهم ونظرت إلى هذا الجيش الجرار على أبواب المدينة
لما رأيتُ إلا ما رأوا، وما لما فعلتُ إلا ما فعلوا..
***
وداعاً لشهامتك الوثنية،
يا هولاكو
أنا تيمور المسلم حاججتُ العلماءَ في خيمة غازلتها السماء تحت أسوار دمشق،
وبلسان محمدي انتصرت على الفلاسفة القضاة.
***
أولم تكن حماقة تلك، أن ينتحر شجعان القلعة برماح جنودي وكرات النار المرسلة من الشواهق؟
***
أين أنتَ يا برقوق الهارب لأريك منجنيقاتي التي تركت لها ظهرك وفررت إلى مصر؟
سأسمعك وأنت في قصرك على النيل أصوات الحجارة وهي تتفتت من حصون دمشق وأنين أبراجها المنيعة وهي تردم الخنادق بالمدافعين.
سأرسل لك في جحرك القاهري رؤوس أمرائك المذعورين الذين تخلفوا عن نجدة القلعة وتخفوا بملابس الدراويش في المدراس والبيمارستانات.
***
ثلاثة أمراء مسيحيين تقدموا في دمشق جيش هولاكو قبل مائة عام:
“هيثوم” الأرميني، و“كتبغا نوين” المغولي، و“بوهمند” الأنطاكي.
لكنني أنا تيمور الأعرج،
لم يعوزني لأهزم القلعة في لؤلؤة الشرق سوى حيلتي التي هي صلاتي
وبراعتي وأنا أردد اسم محمد.
***
ما على الفاتح حرج إن هو أطلق السيف في رقبة المستأمن،
بالسيف يكتب الفاتح التاريخ، ليكتب المؤرخ بالقلم.
***
حفاة، سأسوق هؤلاء المفاوضين الحاذقين تحت عمائمهم الغليظة، إلى سمرقند وبخارى،
ومن كل دمشقي في قافلتي المتلألئة على طريق الحرير
سأباري الأمم بما ستراه الأمم:
الصائغ، والوراق، والحائك، والنساج، والخياط والفانوسي، والزجاج والفواخيري، والنقاش والحداد، والنجار، والقواس والاقباعي والفلاح والبيطري والخيمي والموسيقي، ومعهم القضاة الأربعة، وكاتب الديوان، وحامل دفتر الخراج، ونافخ البوق، وفي طليعتهم صانع السيف.
سيجرد جنودي لؤلؤة الشرق من أسوارها، ويحملونها على أكفهم إلى أقصى الأرض،
لتتلألأ - بإذني أنا تيمور- هي ومآذنها في صحارى التتار.
اليوم الذي جاء بالأمس
كيف ليوم غدٍ أن يأتي من الخلف،
أن لا يقبل أبداً من الوجهة التي توقعتَ،
أن يهجم من الخلف، ويحمل إلى عينيك الأشياء نفسها التي عُرفت من قبل،
التوقعات التي لا يريد أحد أن تظهر له مرة أخرى.
سأرخي الستائر،
لا أريد لضوء النهار أن يعيد علي المنظر نفسه،
ولا لهذا الباب الذي أحكمت إغلاقه
أن يفتح مرة أخرى
للطارق الرسول
وفي يده اللفافة نفسها للمرة الألف.
نشيد آموري
لو عرفتُ أنا آموري
أَنَّ مَصيري أَنْ أقِفَ على صَخْرَةٍ
وأَنْظُرَ الخليقَة التّائهةَ
هذه،
لربطتُ نوحًا إلى الصَّاري
وحَشَوْتُ أُذُنَيه بالخَشَبِ.
العاصفةُ تَأْكُلُ السَّفينَ، والبَحْرُ يَلْتَهِمُ السَّماءَ
ولو عَرَفْتُ، أَنَّني سأَقِفُ،
أنا الملَّاحُ العَرِيقُ
وأنظر ألسنةَ القاعِ تلتهم العُلَى
لَمَا رَجوتُ الله، أن يُرسِلَ ذلكَ الطَّائِرَ.
***
ولأنني أنا آموري نَزِيلُ قطعةِ ليلٍ، أسيرُ قلعةٍ في جزيرة
سأرمي بجسدي ورائي مثل ملابس خَلِقَةٍ
وأخرجُ،
أنا صُورَتُه الممزَّقَةُ،
وهو المندوبُ السامعُ، رجلُ ما قَبْلَ الطوفان
والقبضةُ التي وَجَّهتِ السفينَ إلى جبلِ قاسيونْ.
*قاسيون: جبل في دمشق تقول أسطورة أن سفينة نوح لامست قمته.