رغبات‭ ‬هاربة

الجمعة 2016/07/01
لوحة: ريما سلمون

من‭ ‬قلب‭ ‬الدوامـة

خرجتُ‭ ‬عـلى‭ ‬عَجَـل‭. ‬لم‭ ‬يمـهلني‭ ‬أثـر‭ ‬الفـراغ‭ ‬فـي

المـرايا‭.‬ في‭ ‬الطريـق‭ ‬دفـنتُ‭ ‬آلهـتي‭ ‬بكامل زينتِهـا‭.‬

وما‭ ‬إن‭ ‬شـعّ‭ ‬تـرابي‭ ‬البـكرُ‭ ‬حتى اختـفت الكلمـات

في‭ ‬قـواقـعها‭. ‬وربـما‭ ‬أعـمتـني‭ ‬حاجـتي‭ ‬إلى‭ ‬سـرّ

يغـدر‭ ‬بي‭ ‬أو‭ ‬مـوجة‭ ‬تـوجزني‭. ‬هـكذا‭ ‬لم‭ ‬يكـن‭ ‬لـي

سـوى‭ ‬أن‭ ‬أشـيّد‭ ‬فـي‭ ‬النـسيـان‭ ‬قـلاعـا‭ ‬لا تـُرى

وأن‭ ‬أخطـط‭ ‬لخسـارات‭ ‬باهـرة‭. ‬لم‭ ‬يكـن لي‭ ‬سـوى

أن‭ ‬أغـدو‭ ‬وأروح‭ ‬بـين‭ ‬حجَـريْن،‭ ‬وأن‭ ‬أدّخـر صمت

الـذاهبـين‭ ‬إلى‭ ‬حتـفهم،‭ ‬ومن‭ ‬يولدون‭ ‬ليـُلـْدَغوا‭ ‬مـن

الجحر‭ ‬نفسه‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭.‬

أفـتح‭ ‬عينيّ‭ ‬في‭ ‬متاهـات‭ ‬مـرجأة‭ ‬وأصغي‭ ‬إلى‭ ‬صدى

أبـواب‭ ‬تـُصفـَق‭ ‬كي‭ ‬أتبـيّن‭ ‬مـن‭ ‬أي‭ ‬سـفح‮ ‬يهـبّ

عـليّ‭ ‬الصمت‭. ‬أرى‭ ‬الجثة‭ ‬نفسـَها‭ ‬تـتمرّغ‭ ‬في‭ ‬التراب

الأسود،‭ ‬والدودة‭ ‬العمياء‭ ‬تدب‭ ‬في‭ ‬الطين‭ ‬المعجون

بالدماء‭. ‬أهبـط‭ ‬الدرجات‭ ‬الأخيرة وأطـل

عـلى‭ ‬جسـدي‭ ‬من‭ ‬قلـب‭ ‬الـدّوّامـة‭ ‬عـاريا‭ ‬من‭ ‬كـلّ

سـماء‭ ‬ومن‭ ‬أخـاديع‭ ‬الظـلال‭. ‬صدِئ‭ ‬الضوءُ‭ ‬لفرط‭ ‬ما

لعِـق‭ ‬الحلبـات‭. ‬يا‭ ‬لعُرْيي‭ ‬النـّاقص‭ ‬فـي‭ ‬النـار‭.‬

ربّمـا‭ ‬تـفـتـّحتْ‭ ‬لأجلـي‮ ‬هـذه‭ ‬الـزهـرة‭.‬

كيف‭ ‬ينجـو‭ ‬بـريقها‭ ‬مـن‭ ‬رثـاثـة‭ ‬الكلمـات؟

أمشـي‭ ‬عـلى‭ ‬قسـمات‭ ‬وجهي‭ ‬لفـرط‭ ‬مـا

تغـيّرت‭ ‬أسـماء‭ ‬قـتـلاي‭ ‬وما شربَـتـْني‮ ‬الـكؤوس

والنـوافـذ‭ ‬الغـبراء‭. ‬قـانعا‮ ‬‭ ‬باليـأس،‭ ‬أسـتدلّ‭ ‬الدّربَ

بـأثـَر‭ ‬مَـحْـوٍ،‭ ‬يبـلّ‭ ‬دمـي‮ ‬‭ ‬شـوقُ‭ ‬السـراب‭ ‬إلـى

السـراب‭. ‬لـن‭ ‬أدرك‮ ‬‭ ‬معـنى‭ ‬الفجـر‭ ‬المرتجف‭ ‬مهـما

زارتـني‮ ‬هـواجسُـه‭.‬‮ ‬مـاذا توشـوشـني‮ ‬هـذه

الأكـمـات‭ ‬التي‭ ‬وُلـدتْ‭ ‬في‭ ‬غـفـلة‭ ‬مني؟‭ ‬أيّ‭ ‬ريـح

سـأجنيهـا‭ ‬من‭ ‬شجـر‭ ‬لا‭ ‬يألفـني‭ ‬ولا‭ ‬يعْـلم‭ ‬بنهـايتي؟

ولـن‭ ‬يهجـع‭ ‬هـذا‭ ‬اللمـعان‭ ‬الذي‭ ‬يتـمرغ‮ ‬في‮ ‬قطرة

الـسّم‭. ‬وحـده‭ ‬الصـباح‭ ‬المتعـثر‭ ‬بعمـاي‭ ‬سـيرثيني

بظـلالـه‭ ‬المتصـدّعـة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جدار‭.‬

غيبوبة

كمثل‭ ‬ثمـرات‭ ‬متخـفـّية‭ ‬في‭ ‬أغصـان‭ ‬شـجرة،‭ ‬لاحـت

صـور‭ ‬أيـامي‭ ‬البعيـدة‭. ‬تَـأرْجَحَ‭ ‬فـراغ‭ ‬كثـير‭ ‬يسـابق

سـطوري،‭ ‬مـازجا‭ ‬ذهـول‭ ‬الزهرة‭ ‬المسـمومـة بلـون

ألـمي‭ ‬المخبّـإ‭ ‬في‭ ‬ذرى‭ ‬الرغبات‭ ‬الهـاربة‭. ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬ميّـت

منـذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيـد‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هبـط‭ ‬من‭ ‬أشرعة‭ ‬لم‭ ‬يكن‮ ‬‭ ‬ليطرد

هـذا‭ ‬النـوم‭. ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬تضطـجع‭ ‬غابات‭ ‬من‭ ‬الصرخـات

التي‭ ‬لا‭ ‬يُسْـمَعُ‭ ‬لها‭ ‬أدنى‭ ‬صدى،‭ ‬ودروبُ‭ ‬نار‭ ‬لا‭ ‬تـُرى‭ ‬منـها

سوى‭ ‬بُقع‭ ‬ناشـفةٍ‭ ‬على‭ ‬الجدران‭. ‬مـاذا‭ ‬يحفـر‭ ‬الليل فـي

بؤبؤ‭ ‬العين‭ ‬ولِمَ‭ ‬لا‭ ‬ينـهدم‭ ‬مـلاذيَ‭ ‬الوحيـد‭ ‬؟‭ ‬الحشـرجات

مبدَّدة‭. ‬يسيح‭ ‬ظل‭ ‬فانوس‭ ‬على‭ ‬البَلاط‭ ‬متأففا‭ ‬بين‭ ‬أشباح

تغـدو‭ ‬وتـروح‭. ‬كأنـّني‭ ‬أغـادر‭ ‬جسـدي‭ ‬وأرتـفع

إلى‭ ‬السّـديم‮ ‬‭ ‬حيـث‭ ‬لا‭ ‬ضـوء‭ ‬ولا‭ ‬عتـمة،‭ ‬لا‭ ‬غبطـة‭ ‬ولا‭ ‬نـكد‭.‬

لم‭ ‬أكترث‭ ‬لأطياف‭ ‬تناديـني‭ ‬باسـمي‭.‬

كنت‭ ‬أصـغي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تفتـّت‭ ‬أنفـاسي‭ ‬من‭ ‬بعيـد‭.‬

وأجتـاز‭ ‬أبـوابا‭ ‬تـُفضي‭ ‬إلى‭ ‬أبـواب‭.‬

كيف‭ ‬لم‭ ‬أفـكر‭ ‬مطـلقا‭ ‬بطـريق‭ ‬تـُرجعـني؟

يوليو‮ ‬2007

كنوز‭ ‬الفلاة

صعدوا‭ ‬باتجاه‭ ‬الجذور‭ ‬الناعسة‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬زمجرة‭ ‬الطريق‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬حفرت‭ ‬لهم‭ ‬متاهات‭ ‬جديدة‭.‬

وليست‭ ‬هذه‭ ‬الدعسات‭ ‬سوى‭ ‬آثار‭ ‬أرواحها‭ ‬في‭ ‬التراب‭.‬

حين‭ ‬تفتّتتْ‭ ‬فراشاتهم‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬الرعشة‭ ‬الأولى،

مزّقوا‭ ‬أصابعهم‭ ‬في‭ ‬المهابّ،

كيف‭ ‬قايضوا‭ ‬عصارة‭ ‬سكراتهم‭ ‬بهواء‭ ‬شاحب،

واختبأوا‭ ‬في‭ ‬روائح‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تصدّقهم؟

قد‭ ‬تكون‭ ‬العاصفة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬رتـّبتْ‭ ‬لهم‭ ‬هذه‭ ‬الحلبات

وخططتْ‭ ‬لمصادفات‭ ‬أيقظها‭ ‬حجرٌ‭ ‬نائم‭ ‬في‭ ‬العتبات‭.‬

لطالما‭ ‬حوّم‭ ‬الصهيل‭ ‬ليحطَّ‭ ‬على‭ ‬جباههم‭.‬

في‭ ‬نسيئة‭ ‬العمر‭ ‬جلسوا‭ ‬يدرّبون‭ ‬الليل‭ ‬على‭ ‬فخاخهم‭ ‬وستائرهم

ويستبسلون‭ ‬في‭ ‬أنات‭ ‬الصخور،

لكنهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلمّظوا‭ ‬قطراتِ‭ ‬السراب،

قلـّبوا‮ ‬‭ ‬بأعينهم‭ ‬المدماة‭ ‬رفوف‭ ‬النسيان،

ثم‭ ‬توارَوْا‭ ‬خلف‭ ‬صرخات‭ ‬القتلى‭.‬

لو‭ ‬أنهم‭ ‬أعْوَلوا‭ ‬كريح‭ ‬لاهتدَوْا‭ ‬إلى‭ ‬كنوز‭ ‬الفلاة‭.‬

ديسمبر‭ ‬2011

قد‭ ‬أكون‭ ‬حيا‮…‬

كلما‭ ‬قلتُ‭ ‬اهتديتُ،‭ ‬رحتُ‭ ‬أنظر‭ ‬خـلسة‭ ‬إلى‭ ‬الفراغ‭.‬

هل‭ ‬أغمضُ‭ ‬عينيّ‭ ‬كي‭ ‬أنجوَ‭ ‬من‭ ‬بقعة‭ ‬الصمت‭ ‬التي‭ ‬تثرثر‭ ‬على‭ ‬الجدار؟‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬قد‭ ‬ألقمتُ‭ ‬نظرتي‭ ‬لزرقة‭ ‬البحر‭ ‬ونسيتُ‭ ‬أن‭ ‬أطرب،

ما‭ ‬دام‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬طعم‭ ‬رماد‭ ‬ليس‭ ‬كالرماد،

فقد‭ ‬أكون‭ ‬حيّا‭.‬

أنا‭ ‬الذي‭ ‬غسلتني‭ ‬مياه‭ ‬الغبش‭ ‬بطعناتها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تجفّ‭ ‬مراياها،

لن‭ ‬أقنع‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬الزبد؟

ديسمبر‭‬2010

الأعمى

‮ ‬

بنظرة‭ ‬واحدة‭ ‬أسقطتُ‭ ‬غيمتين‭ ‬ثم‮ ‬‭ ‬انعطفت‭ ‬إلى‭ ‬غصن‭ ‬مبلل‭ ‬بهمس‭ ‬براعم‭ ‬ممزقة‭. ‬من‭ ‬مَحْجِرَيَّ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ترشِف‭ ‬النوافذ‭ ‬رغوة‭ ‬العتمات‭. ‬ليس‭ ‬لي‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬أتمـدّد‭ ‬في‭ ‬حشرجات‭ ‬الظلال لأصحّـح‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬صمتي،‭ ‬لأرى‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬يرى‭ ‬حفيف‭ ‬اللون‭: ‬الأثرَ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقتفيه‭ ‬أحد‭ ‬والمصباح‭ ‬المهشّم‮ ‬‭!‬

فيفري ‭ ‬2012

وردة

عندما‭ ‬هرع‭ ‬إلى‭ ‬الهوّة،‭ ‬لم‭ ‬يجدها‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬ولم‭ ‬تعلق‭ ‬بشباك‭ ‬النور‭ ‬سوى‭ ‬ذرى‭ ‬أمواج‭ ‬وتمتمات‭ ‬طيور‭ ‬مطعونة‭ ‬بالزبد‭. ‬استنفد‭ ‬الغرقَ‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬قطرة‭ ‬ولم‭ ‬تنتش‭ ‬أشلاؤه‭. ‬أيّ‭ ‬أثر‭ ‬يتهجّى‭ ‬موتَه‭ ‬المستحيل؟‭ ‬لن‭ ‬يطمئن‭ ‬إلا‭ ‬لِما‭ ‬لا‭ ‬يُكتب،‭ ‬لهذه‭ ‬الوردة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬أحد‭ ‬غيره‭ ‬وهو‭ ‬ينسُجها‭ ‬بيديه‭ ‬من‭ ‬لهب‭ ‬يتنفّسه‭ ‬الجميع‭.‬

مارس ‭ ‬2012

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.