حديقة‭ ‬الحيوانات

الأحد 2017/01/01
تخطيط: حسين جمعان

شجرة‭ ‬في‭ ‬الريح

‎بكلِّ‭ ‬هذا‭ ‬الرّصيدِ‭ ‬من‭ ‬الأوْهامِ

‎بنيت‭ ‬حديقتي‭ ‬الأرضيّةَ

‎مستعينا‭ ‬بجيشٍ‭ ‬من‭ ‬معماريّين‭ ‬فرس،

‎ورسّامين‭ ‬من‭ ‬النهضة‭ ‬الإيطالية

‎وعبيد‭ ‬فراعنة،‭ ‬وخطّاطين‭ ‬من‭ ‬الصّين‭ ‬والعرب

‎وبستانيّين‭ ‬من‭ ‬بابل‮…‬

‎جمعتهم‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬واللّوحاتِ

‎وأجّرتهم‭ ‬مقابل‭ ‬تحريرهم

‎من‭ ‬قيود‭ ‬مخيّلتي‭.‬

‎جلبت‭ ‬لحديقتي‭ ‬نمورا‭ ‬ناعسة‭ ‬من‭ ‬غابات‭ ‬إفريقيا

‎ثعابين‭ ‬مرحة‭ ‬من‭ ‬سهول‭ ‬أستراليا،

‎قافلة‭ ‬جمال‭ ‬من‭ ‬بادية‭ ‬اليمن

‎نسورا‭ ‬تغذّت‭ ‬على‭ ‬ضحايا‭ ‬الحروب‭ ‬والمجاعات‭.‬

‎واقترحت‭ ‬نفسي‭ ‬أسدا

‎أنام‭ ‬في‭ ‬مغارة‭ ‬حفرها‭ ‬إنسان‭ ‬بدائيّ

‎كنت‭ ‬قد‭ ‬صرعته‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬شتاء،

‎وأفيق‭ ‬لأجد‭ ‬غزالةً‭ ‬مقيّدة‭ ‬إلى‭ ‬شجرة‭ ‬هرمةٍ

‎أكتب‭ ‬على‭ ‬جذعها‭ ‬بمخالبي

‎وصيّتي‭ ‬للرّيح‭ ‬التي‭ ‬ستحطّم‭ ‬الشّجرة

‎وللمطر‭ ‬التي‭ ‬ستغسل‭ ‬دماء‭ ‬ولائمي

‎وللسّائح‭ ‬الذي‭ ‬سيتفرّج‭ ‬فيّ‭ ‬داخل‭ ‬قفص

‎ويدفع‭ ‬أمواله

‎مقابل‭ ‬خوف‭ ‬مصطنع‭ ‬بائخٍ‮ ‬

‎أرض‭ ‬الكتب

‮ ‬

‎في‭ ‬طريق‭ ‬سفري‭ ‬إلى‭ ‬الله

‎سقطت‭ ‬منّي‭ ‬توبتي،‭ ‬واختفت

‎بين‭ ‬الأعشابِ‭ ‬والجنايات‭ ‬اليابسة

‎ولمّا‭ ‬رأى‭ ‬شيخي‭ ‬حيرتي

‎دلّني‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬أبدأ‭ ‬منها

‎حيث‭ ‬أبني‭ ‬كوخي،

‎وأغرس‭ ‬شجرتي

‎ثمّ‭ ‬أجلس‭ ‬منتظرا‭ ‬أوّلَ‭ ‬عابر‭ ‬سبيلٍ

‎تدلّه‭ ‬عليّ‭ ‬المتاهةُ

‎ليقاسمني‭ ‬فيءَ‭ ‬الشّجرة

‎ودفء‭ ‬الكوخ‭.‬

‮ ‬

‎وانتظرت‭ ‬هناك،‭ ‬عمرا‭ ‬كاملا

‎وكان‭ ‬كلّ‭ ‬قمرٍ‭ ‬يأفل

‎أجمع‭ ‬شعاعه‭ ‬الذّائبَ‭ ‬من‭ ‬البحيرةِ،

‎لأحاججَ‭ ‬به‭ ‬النّائمين‭.‬

‎وكلّ‭ ‬شجرة‭ ‬تموت

‎أخبّئ‭ ‬أوراقها‭ ‬الذّابلةَ‭ ‬بين‭ ‬ثيابي‭ ‬المتّسخة،

‎لأتأكّد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عافية‭ ‬الرّبيع‭.‬

‎وفي‭ ‬حياتي،

‎فتحت‭ ‬كتبا‭ ‬صفراءَ‭ ‬تبلّلها‭ ‬حيرتي

‎وأغلقت‭ ‬كتبا‭ ‬صفراءَ‭ ‬تحرقها‭ ‬معرفتي

‎ولم‭ ‬يأت‭ ‬عابر‭ ‬السّبيل‭ ‬الذي‭ ‬انتظرته‭ ‬عمرا‭ ‬كاملا‭.‬

‎والحقيقة،‭ ‬أنّني‭ ‬كنت‭ ‬أجتهد

‎في‭ ‬إخصاب‭ ‬مخيّلتي‭ ‬بالزّيف‭ ‬والكذب

‎حتّى‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭!‬

‎ثمّ‭ ‬إنّني‭ ‬نسيت‭ ‬كلام‭ ‬شيخي

‎وضيّعت‭ ‬علاماتِه‭ ‬بين‭ ‬أقمار‭ ‬تأفل،

‎وأوراق‭ ‬تذبل،‭ ‬وكتبٍ‭ ‬تُغلق‭ ‬وتُفتح

‮ ‬

‮ ‬

‎العمر

‮ ‬

‎ينزل‭ ‬الرّبيعُ‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬العمر

‎وفي‭ ‬يده‭ ‬تفّاحة

‎نصفها‭ ‬أخضر،‭ ‬ونصفها‭ ‬الآخر‭ ‬أحمر

‎يمنحها‭ ‬لأوّل‭ ‬امرأة‭ ‬تأتي‭ ‬حافيةً‭ ‬من‭ ‬الصّحراء

‎تظلّ‭ ‬تتخاصم‭ ‬مع‭ ‬رغباتها‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬تقضم‭ ‬التفّاحةَ‭!‬؟

‎ولا‭ ‬تنتبه،‭ ‬إلاّ‭ ‬وقد‭ ‬أتلفتها‭ ‬الدّيدانُ‭ ‬ونقرتها‭ ‬الغرْبانُ

‎تنادي‭ ‬الرّبيع‭ ‬لكنّه‭ ‬يكون‭ ‬بعيدا

‎تضع‭ ‬نظّاراتٍ‭ ‬حتّى‭ ‬تتأكّد

‎فلا‭ ‬ترى‭ ‬غير‭ ‬ظلّه‭ ‬النّحيف‭ ‬تأكله‭ ‬المساربُ

‎تضع‭ ‬سمّاعاتٍ‭ ‬حتّى‭ ‬تتأكّد‭ ‬أكثر

‎فلا‭ ‬تسمع‭ ‬غير‭ ‬حفيف‭ ‬نعليه‭ ‬ممزوجا‭ ‬برائحة‭ ‬الأعشاب‭ ‬والسّفر

‎يقدّ‭ ‬لها‭ ‬جارها‭ ‬النّجّار‭ ‬عكّازا‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬شجرتها‭ ‬الهرمة

‎وفي‭ ‬حين‭ ‬تحاول‭ ‬جاهدة‭ ‬اللّحاق‭ ‬بالرّبيع

‎تغطّي‭ ‬العاصفةُ‭ ‬روحها‭ ‬المتعبةَ‭ ‬بما‭ ‬تناثر‭ ‬من‭ ‬أوراقها‭ ‬الذاّبلة‭.‬


تخطيط: حسين جمعان

‮ ‬

‮ ‬

‎الشّوكة‭ ‬المسمومة

‮ ‬

‎وصف‭ ‬لي‭ ‬العماءُ‭ ‬الأرضَ‭ ‬التي

‎سوف‭ ‬أبلغها‭: ‬حقول‭ ‬من‭ ‬النّرجس

‎تحرسها‭ ‬مصابيح‭ ‬ضاحكة‭!‬

‎ووعدتني‭ ‬الفاقةُ‭ ‬بالكنز

‎والغريب‭ ‬أنّني‭ ‬صدّقت،‭ ‬وسعيت

‎وكلّما‭ ‬بلغت‭ ‬سرابا

‎نحتُّ‭ ‬من‭ ‬عطشي‭ ‬مزمارا

‎وكلّما‭ ‬بلغت‭ ‬نهرا

‎ألقيت‭ ‬مزمارَ‭ ‬العطش‭ ‬للمقتفين،‭ ‬وعبرت‮…‬

‮ ‬

‎على‭ ‬بعد‭ ‬متر‭ ‬من‭ ‬خطّ‭ ‬الوصول

‎الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬العماء

‎حيث‭ ‬تدفن‭ ‬الفاقةُ‭ ‬كنزَها‭.‬

‎نفضْتُ‭ ‬‮ ‬آخرَ‭ ‬قشّةٍ

‎من‭ ‬مخلاة‭ ‬الصّبر

‎هجم‭ ‬عليّ‭ ‬حنيني

‎وداستني‭ ‬شعوب‭ ‬مثخنة

‎بالحروبِ‭ ‬والأميّة‭.‬

‮ ‬

‎جاءت‭ ‬امرأةٌ‭ ‬متأخّرة

‎متأخّرة‭ ‬جدّا‭ ‬كالسّعادة

‎انتزعتني‭ ‬من‭ ‬كفّ‭ ‬التّراب

‎وقالت‭: ‬هذا‭ ‬لي‭.‬

‮ ‬

‎المسكينة،‭ ‬كانت‭ ‬تظنّ

‎أنّ‭ ‬حضنها‭ ‬أكثر‭ ‬دفئا‭ ‬من‭ ‬الضّياع‭!‬

‮ ‬

‎نازعتها‭ ‬عليّ

‎مآس‭ ‬نحيفةٌ

‎مثل‭ ‬ماشية‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي

‎قالت‭:‬‮ ‬اتركي‭ ‬لي‭ ‬قلبه‭ ‬يا‭ ‬أرملة‭ ‬العدم‭!‬

‎وخذي‭ ‬أصابعه‭ ‬ومزماره‭ ‬وكنزه‮…‬

‎ودارت‭ ‬حولي‭ ‬حروب‭ ‬ضارية

‎انتهت‭ ‬بخسارة‭ ‬الحبّ

‎وبسيطرة‭ ‬اللّغة‭ ‬البذيئة

‎على‭ ‬جسدي‭ ‬المرهق‭.‬

‮ ‬

‎وقبل‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬المصير

‎آخر‭ ‬حرفٍ‭ ‬من نصّه‭ ‬القدريّ

‎أسفل‭ ‬جبيني

‎تاركا‭ ‬عينيّ‭ ‬مشنوقتين

‎سقطت‭ ‬من‭ ‬يديه‭ ‬الدّواة

‎حين‭ ‬رفعتها‭ ‬إليه

‎كانت‭ ‬شوكةً‭ ‬مسمومةً‭!‬

‮ ‬

‮ ‬

‎باب‭ ‬التّعيس

‮ ‬

‮ ‬‎أعرف‭ ‬أنّها‭ ‬ستأتي‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة

‎وأنّها‭ ‬لن‭ ‬تجدني‭ ‬بالبيت

‎سوف‭ ‬تضع‭ ‬علامةً‭ ‬على‭ ‬بابي

‎مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬قصّة‭ ‬علي‭ ‬بابا‭ ‬واللّصوص

‎وسوف‭ ‬تنتبه‭ ‬حبيبتي

‎فتضع‭ ‬علاماتٍ‭ ‬مشابهة

‎على‭ ‬أبواب‭ ‬العزّاب‭!‬

‮ ‬

‮ ‬

‎أعرف‭ ‬أنّها‭ ‬ستحاول‭ ‬ثانية

‎وترسل‭ ‬إليّ‭ ‬حمامةً‭ ‬زاجلةً

‎وسوف‭ ‬تنتبه‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬القلقة

‎التي‭ ‬تراجعت‭ ‬من‭ ‬وظيفة‭ ‬الحبيبة

‎إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬الزّوجة‭.‬

‎فتذبح‭ ‬الحمامةَ

‎وتقدّمها‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬طبق‭ ‬العشاء

‎سأكون‭ ‬ساعتها‭ ‬مثل‭ ‬كلّ‭ ‬الرّجال

‎أفكّر‭ ‬بمعدتي

‎وأنظر‭ ‬إلى‭ ‬زنْدي‭ ‬زوجتي

‎من‭ ‬خلف‭ ‬البخار‭.‬

‮ ‬

‮ ‬

‎أعرف‭ ‬أنّها‭ ‬ستأتي‭ ‬كلّ‭ ‬ليلة

‎وأنّها‭ ‬لن‭ ‬تجدني‭ ‬بالبيت

‎وسوف‭ ‬يتعجّب‭ ‬الجيران‭ ‬خلف‭ ‬النّوافذ‭:‬

‎ترى‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬السّعادة‭ ‬كلّ‭ ‬ليلة

‎قدّام‭ ‬باب‭ ‬التّعيس‭!‬؟

‎المصير

‮ ‬

‎ولدْتَ،‭ ‬وفي‭ ‬عينيك

‎عائلة‭ ‬من‭ ‬شياطين‭ ‬تتعانق

‎وفي‭ ‬صدرك‭ ‬موسيقى‭ ‬وحشية

‎هي‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬البؤساء

‎وعذاب‭ ‬القبر

‎لذلك‭ ‬تبرّأت‭ ‬منك‭ ‬أمّك‭ ‬الشّابةُ

‎وألقت‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬كسولٍ

‎تصله‭ ‬الشّمس‭ ‬مرهقةً

‎فتغسل‭ ‬فيه‭ ‬أطرافها‭ ‬من‭ ‬غبار‭ ‬النّهار

‎وتنام‭ ‬تحت‭ ‬كرمة

‎تُعلّق‭ ‬عليها‭ ‬أحلامُ‭ ‬المخلوقاتِ‭.‬

‎دفعتك‭ ‬الرّيحُ‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬نائيةٍ

‎حيث‭ ‬أرضعتك‭ ‬غزالةٌ

‎اصْطدتهَا‭ ‬حين‭ ‬اشتدَّ‭ ‬عودُك

‎رميتَها‭ ‬على‭ ‬كتفك‭ ‬الهزيل

‎ومضيت‭ ‬إلى‭ ‬كوخك‭ ‬المعزول

‎تاركا‭ ‬خلفك‭ ‬مسربا‭ ‬من‭ ‬دمٍ

‎اقتفاه‭ ‬ضميرك‭ ‬القَلِقُ

‎وشهد‭ ‬ضدّك‭ ‬أمام‭ ‬الله‭.‬

‮ ‬

‎أنت‭ ‬لم‭ ‬تشتك‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬أمّك

‎أو‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬الشياطين‭ ‬لعينيك

‎أو‭ ‬من‭ ‬غبار‭ ‬الأيّام‭ ‬الحزينة

‎فقط،‭ ‬دخلت‭ ‬الجحيم‭ ‬صاغرا

‎وتبعك‭ ‬إخوانك‭ ‬الذين‭ ‬رمتهم‭ ‬أمّهاتهم‭ ‬أيضا

‎في‭ ‬النّهر‭ ‬نفسه،

‎حاملين‭ ‬على‭ ‬أكتافهم‭ ‬غزالاتهم‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.