أوراق‭ ‬مجنونة

الأربعاء 2017/03/01
لوحة: سعد يكن

1

‮ ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬عالق‭ ‬مع‭ ‬مفرش‭ ‬الطاولة‭ ‬الدمشقي

ها‭ ‬أنا‭ ‬عالق‭ ‬مع‭ ‬مفرش‭ ‬الطاولة‭ ‬هذا،‭ ‬مفرش‭ ‬باب‭ ‬الحارة‭ ‬وكل‭ ‬المسلسلات‭ ‬السورية‭ ‬نفس‭ ‬المفرش‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وتركتني‭ ‬معه‭ ‬لنعدّ‮ ‬ما‮ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬دقائق‭ ‬وأيام‭ ‬وشهور‭.. ‬لكن‭ ‬مفرش‭ ‬الطاولة‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬العد‭ ‬بل‭ ‬يعرف‭ ‬تجميع‭ ‬الأغبرة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬يزيلها‭..‬

انتشر‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأغطية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬أو‭ ‬الشام‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬السبعين‭ ‬البهية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭.. ‬إلى‭ ‬أين؟‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬“طول‭ ‬عمرك‭ ‬يا‭ ‬زبيبة”‭.. ‬الحدود‭ ‬مقفلة‭ ‬طيلة‭ ‬عمرها‭ ‬وهي‭ ‬مقفلة‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.. ‬لا‭ ‬أمي‭ ‬بقيت‭ ‬ولا‭ ‬الشام‭ ‬سلمت‭ ‬وبقي‭ ‬هذا‭ ‬المفرش‭ ‬المطرز‭ ‬بغير‭ ‬عناية‭ ‬فائقة‭ ‬والشهير‭.. ‬أذكر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أصغر‭ ‬كنت‭ ‬أتراهن‭ ‬مع‭ ‬جدتي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬والدتي‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬مشهد‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مسلسل‭ ‬سوري‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬“البيئة‭ ‬الشامية”‭ ‬أو‭ ‬الدراما‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بأن‭ ‬المفرش‭ ‬سوف‭ ‬يظهر‭ ‬أثناء‭ ‬تجهيز‭ ‬“ست‭ ‬البيت”‭ ‬القهوة‭ ‬للمرة‭ ‬الألف‭ ‬خلال‭ ‬الساعة‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬فكل‭ ‬قطع‭ ‬بين‭ ‬مشهد‭ ‬وآخر‭ ‬ينتهي‭ ‬بفنجان‭ ‬قهوة‭ ‬جاهز‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬يغليه‭ ‬ليقدم‭ ‬على‭ ‬أغطية‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تبقى‭ ‬لي‭.. ‬هنا‭ ‬أمامي‭.‬

***

كأس‭ ‬العرق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬طعم‭ ‬آخر‭.. ‬أسطوري‭ ‬وخرافي‭ ‬وما‭ ‬بينهما،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اللوز‭ ‬الأخضر،‭ ‬أما‭ ‬طبق‭ ‬التبولة‭ ‬فهو‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭.. ‬هو‭ ‬متبل‭ ‬أو‭ ‬فلنقل‭ ‬مجبول‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ساحر‭.. ‬بالخير‭ ‬والوفرة‭.. ‬طبق‭ ‬التبولة‭ ‬كان‭ ‬يصنع‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬بينما‭ ‬يجري‭ ‬نبع‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬تحته‭.. ‬كل‭ ‬طبق‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬له‭ ‬نبعه‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬تحته‭ ‬أثناء‭ ‬تجهيزه،‭ ‬الحمص،‭ ‬البابا‭ ‬غنوج،‭ ‬اليلانجي،‭ ‬المكدوس،‭ ‬والكبة‭.. ‬آخ‭ ‬من‭ ‬الكبة‭..‬

الشلالات‭ ‬تتدفق‭ ‬بين‭ ‬صواني‭ ‬الكبة،‭ ‬أما‭ ‬الماء‭ ‬فطعمها‭ ‬مسك،‭ ‬والقهوة‭ ‬طعمها‭ ‬زنبق،‭ ‬والحليب‭ ‬رائحته‭ ‬ياسمين،‭ ‬والليمون‭ ‬يقطر‭ ‬عسلا‭.. ‬والجبنة‭ ‬البلدية‭ ‬تفيض‭ ‬حنانا‭..‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقوله‭ ‬أبي‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬نجلس‭ ‬سوية‭ ‬لمشاهدة‭ ‬مسلسل‭ ‬سوري‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬المفرش‭ ‬وبعده‭.‬

مات‭ ‬أبي،‭ ‬واتضح‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬كشف‭ ‬الكذب‭ ‬الذي‭ ‬خضع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المطهر‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يكذب‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت. ‬وأنه‭ ‬لم‭ ‬يزر‭ ‬الشام‭ ‬أبدا. ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬اسمه‭ ‬“الشام”‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬أصلا،‭ ‬وأنه‭ ‬مجرد‭ ‬اختراع‭ ‬للرومانسيين‭ ‬المغالين‭ ‬في‭ ‬اشتياقهم‭ ‬لما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبدا‭.‬

ثم‭.. ‬ماتت‭ ‬أمي. ‬فكيف‭ ‬وصل‭ ‬هذا‭ ‬المفرش‭ ‬من‭ ‬الشام‭ ‬إلى‭ ‬هنا؟‭ ‬لا‭ ‬علينا‭.‬

وها‭ ‬أنا‭ ‬أحاول‭ ‬تهوئة‭ ‬البيت‭ ‬وأجلس‭ ‬أمامك‭ ‬أيها‭ ‬المفرش‭ ‬الغبي‭ ‬علّني‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬شرب‭ ‬فنجان‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬القهوة،‭ ‬فنجان‭ ‬واحد‭ ‬قد‭ ‬ألطخك‭ ‬بتفله‭.‬

2

قفص‭ ‬خشبي‭ ‬قديم

عليك‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬بيتا‭ ‬كبيرا‭ ‬يقطر‭ ‬شمعا‭ ‬موجعا‭ ‬عمره‭ ‬60‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬حجرة‭ ‬‭(‬فيما‭ ‬يلي‭: ‬البيت‭)‬‭.. ‬كتبي‭ ‬الكيمياء‭ ‬بجميع‭ ‬اللغات‭ ‬ودفاتر‭ ‬المعادلات‭ ‬الصعبة‭ ‬مثلا. ‬معادلات‭ ‬الأكسدة‭ ‬والحرق‭ ‬والاختزال،‭ ‬وتفتيت‭ ‬اللحم‭ ‬بحامض‭ ‬الكبريتيك‭.‬

عليّ‭ ‬أن‭ ‬أختار‭ ‬معادلة‭ ‬واحدة،‭ ‬دفترا‭ ‬واحد‭ ‬وكتابا‭ ‬واحداً‭ ‬وبعض‭ ‬الروايات‭ ‬والصور‭.‬

كمن‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬محرقة‭ ‬بشرية‭ ‬وعليه‭ ‬اختيار‭ ‬ولد‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬لينجو

•‭ ‬صورة‭ ‬عائلية‭ ‬قديمة‭ ‬في‭ ‬بحيرة‭ ‬طبريا‭ ‬لحظات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬فيها‭ ‬طفل‭ ‬كان‭ ‬يلهو‭ ‬معنا‭ ‬لتبدأ‭ ‬حسابات‭ ‬جديدة‭.‬

•‭ ‬رواية‭ ‬“في‭ ‬بيتنا‭ ‬رجل”‭ ‬لإحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬وقد‭ ‬قضمت‭ ‬أطراف‭ ‬غلافها‭ ‬الفئران‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭.‬

•‭ ‬رواية‭ ‬“لا‭ ‬ليس‭ ‬جسدك”‭ ‬لإحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬وقد‭ ‬تغيرت‭ ‬أحداثها‭ ‬تماما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عدلها‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬مخبأها‭ ‬ولم‭ ‬يخرج‭.‬

•‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬لقرش‭ ‬يلتهم‭ ‬رجلا‭.‬

•‭ ‬أغطية‭ ‬الرأس‭ ‬من‭ ‬الدانتيل‭ ‬تضعها‭ ‬النسوة‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬لحجب‭ ‬دموعهن‭ ‬أو‭ ‬غوايتهن‭ ‬عن‭ ‬النظر‭.‬

•‭ ‬أقراص‭ ‬دواء‭ ‬تغير‭ ‬لونها‭ ‬وتلاشت‭ ‬مادتها‭ ‬الفعالة‭ ‬لتصبح‭ ‬حبات‭ ‬رمان‭.‬

•‭ ‬أسطوانة‭ ‬سوداء‭ ‬قديمة‭ ‬مجرحة‭ ‬لمقامات‭ ‬عراقية‭ ‬لم‭ ‬أسمعها‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

•‭ ‬فيلم‭ ‬بورنو‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬النهضة‭ ‬الإباحية‭ ‬الألمانية‭.‬

كمن‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬مخلفات‭ ‬قصف‭ ‬غادر‭ ‬لبيته‭ ‬وعليه‭ ‬اختيار‭ ‬شيئا‭ ‬واحدا‭ ‬يلخص‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬فات

•‭ ‬دفتر‭ ‬أرقام‭ ‬الهواتف‭ ‬الذي‭ ‬ألفته‭ ‬أمي‭ ‬بخط‭ ‬يدها‭.‬

•‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يخترعوا‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬اشتريت‭ ‬أول‭ ‬هاتف‭ ‬نقال‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬رقمي‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬خانات‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬غيرت‭ ‬رقمي‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬رقمي‭ ‬من‭ ‬9‭ ‬خانات‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬غيرت‭ ‬رقمي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬لدي‭ ‬رقمان‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬كتبت‭ ‬أمي‭ ‬اسمى‭ ‬الشخصي‭ ‬فقط‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬كتبت‭ ‬أمي‭ ‬اسمي‭ ‬الشخصي‭ ‬واسم‭ ‬العائلة‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬انخفض‭ ‬عدد‭ ‬الخانات‭ ‬من‭ ‬9‭ ‬إلى‭ ‬7‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬خسر‭ ‬اسمي‭ ‬الشخصي‭ ‬حرفا‭ ‬واحدا‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬بلا‭ ‬اسم‭ ‬عائلة‭.‬

•‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬رقم‭ ‬هاتفي‭ ‬بدون‭ ‬خانات‭ ‬تذكر‭.‬

كمن‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬ركام‭ ‬سنينه‭ ‬وعليه‭ ‬اختيار‭ ‬يد‭ ‬مبتورة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬صباه‮ ‬‭(‬وفق‭ ‬ما‭ ‬ورد‭: ‬البيت‭)‬

•‭ ‬سأختار‭ ‬قفص‭ ‬عصافير‭ ‬أبي‭ ‬الخشبي‭ ‬القديم‭ ‬هذا‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬فتحة‭ ‬الماء‭ ‬المتشققة‭.‬

•‭ ‬فيه‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬يرويها‭ ‬أحد‭.‬

•‭ ‬سأعبئ‭ ‬في‭ ‬القفص‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭..‬

3

‮ ‬

يبدو‭ ‬أنني‭ ‬آخذ‭ ‬الأمور‭ ‬البديهية‭ ‬بدراماتيكية‭ ‬مفرطة

‮ ‬

1

أعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬لأنتحر

ولكن‭ ‬قبلها

أفتح‭ ‬الفيسبوك

كيلا‭ ‬يفوتني‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬شيء

لأجد‭ ‬صورة‭:‬

ثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬النثر‭ ‬وكتاب‭ ‬النثريات‭ ‬الشعرية

أو‭ ‬فلنقل‭ ‬معارف‭ ‬ممن‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭:‬

“حبيبي”

يجلسون‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬فلسطين‭ ‬العامرة

يشددون‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬كونهم‭ ‬صعاليك‭ ‬يلتئمون‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المدينة‭ ‬المزيفة

ويضعون‭ ‬أمامهم‭ ‬طبقا‭ ‬تبدو‭ ‬محتوياته

كمشهد‭ ‬غير‭ ‬ممنتج‭ ‬من‭ ‬تفجير‭ ‬حدث‭ ‬لتوه‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬بغداد

طبق‭ ‬من‭ ‬لحمة‭ ‬الرأس‭ ‬وفظائع‭ ‬أخرى‭.‬

أقرر‭ ‬تأجيل‭ ‬انتحاري‭ ‬قليلا

يبدو‭ ‬أنني‭ ‬آخذ‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬العادية‭ ‬بدراماتيكية‭ ‬مفرطة

وبإسقاطات‭ ‬كئيبة‭ ‬للغاية‭.‬

2

أدخل‭ ‬إلى‭ ‬غرفتي‭ ‬لأنتحر

ثم‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬غرفتي‭ ‬لأطفئ‭ ‬السخان

كيلا‭ ‬يحصل‭ ‬انفجار

تنقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬البرد

يذكرني‭ ‬ذلك‭ ‬بيوم‭ ‬مخمور‭ ‬بالصقيع

حين‭ ‬دفنت‭ ‬أمي‭ ‬وعدت‭ ‬لوحدي‭ ‬إلى‭ ‬البيت

لأجد‭ ‬العتمة‭ ‬بانتظاري

حين‭ ‬انقطعت‭ ‬الكهرباء

هل‭ ‬الكهرباء‭ ‬أنثى‭ ‬أم‭ ‬ذكر؟

3

أحلق‭ ‬في‭ ‬منطاد‭ ‬لا‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يتفكك‭ ‬لأنتحر‭ ‬داخل‭ ‬جب‭ ‬خواء‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أحد

يبدو‭ ‬أن‭ ‬المنطاد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتمزق‭ ‬بصمت‭ ‬عند‭ ‬ملامسته‭ ‬الأرض

أعرف‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة

على‭ ‬أن‭ ‬أثبّت‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬المقشر

والتهمه‭ ‬ببطء

أطهو‭ ‬لحمه‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬بطيئة

وأوازن‭ ‬الرائحة‭ ‬برش‭ ‬شذرات‭ ‬رقيقة‭ ‬من‭ ‬حامض‭ ‬الكلورين‭ ‬الطبيعي

يخرج‭ ‬العميل‭ ‬المتواطئ‭ ‬من‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬يطهى‭ ‬فيه

ما‭ ‬أجمل‭ ‬هذا‭ ‬الشمعدان‭..‬

هل‭ ‬تحتاج‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬الخلوي‭.‬

نعم‭ ‬أحتاجه،‭ ‬به‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬قريب‭ ‬جارح

أنا‭ ‬ذاهب‭.. ‬حبيبي

أجرتي‭ ‬لو‭ ‬سمحت؟

مئة‭ ‬دولار‭..‬

لكن‭ ‬مقابل‭ ‬ماذا؟

مقابل‭ ‬ما‭ ‬أملكه‭ ‬من‭ ‬عظام‭ ‬غضة‭.‬

”‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬السرد‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الرداءة”‮ ‬أقول‭ ‬لنفسي

‮ ‬كما‭.. ‬يبدو‭ ‬أنني‭ ‬آخذ‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬البديهية‭ ‬بدراماتيكية‭ ‬مفرطة‭ ‬وبإسقاطات‭ ‬كئيبة‭ ‬للغاية‭.‬

***

أخرج‭ ‬محفظتي‭ ‬من‭ ‬جحرها‭ ‬الشقي‭.‬

***

عام‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬أمي‭: ‬أتذكر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬أتذكر‭ ‬شيئا‮…‬أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كنت‭ ‬أتجوّل‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬الملوث‭ ‬بشعور”ماذا‭ ‬تريدون‭ ‬منى”؟‭ ‬الممرضة‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬جهاز‭ ‬المونيتور‭ ‬معطل‭ ‬بسبب‭ ‬ضغط‭ ‬الكهرباء‭ ‬وأن‭ ‬القيم‭ ‬الحياتية‭ ‬تهبط‭ ‬وتلامس‭ ‬الصفر‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك،‭ ‬وأتذكر‭ ‬كيف‭ ‬قرر‭ ‬أقاربنا‭ ‬أنه‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لإحضار‭ ‬الخوري‭ ‬ليصلي‭ ‬عليها‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬متى‭ ‬يعرف‭ ‬الأشخاص‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬إحضار‭ ‬الخوري‭ ‬فيها،‭ ‬كيف‭ ‬يعرفون‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أنا،‭ ‬أتذكر‭ ‬أننا‭ ‬وجدنا‭ ‬خوري‭ ‬روم‭ ‬أرثودوكس‭ ‬كانت‭ ‬والدته‭ ‬تحتضر‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬المقابلة‭ ‬فبادرت‭ ‬بسذاجتي‭ ‬وأحضرته‭ ‬ليصلي‭ ‬على‭ ‬أمي‭ ‬وسط‭ ‬استغراب‭ ‬الجميع‭ ‬لأننا‭ ‬كاثوليك‭ ‬والله‭ ‬لن‭ ‬يتقبل‭ ‬ذلك،‭ ‬فتم‭ ‬إحضار‭ ‬خوري‭ ‬كاثوليك‭ ‬أو‭ ‬لاتين‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬الاحتضار‭ ‬سويا،‭ ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬رجلي‭ ‬دين‭ ‬صلوا‭ ‬على‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬الوعي‭ ‬فتتهاوى‭ ‬الأرقام‭ ‬وثم‭ ‬تستيقظ‭ ‬فجاء‭ ‬وتحرك‭ ‬عينيها‭ ‬بـ180‭ ‬درجة‭ ‬لتبحث‭ ‬عني‭ ‬ثم‭ ‬تستقر‭ ‬عيناها‭ ‬عندما‭ ‬تجدني‭ ‬وتبتسم‭ ‬ثم‭ ‬تغيب‭ ‬مجددا‭ ‬وأنا‭ ‬أقف‭ ‬كالبله‭ ‬مفرغا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتقع‭ ‬عيني‭ ‬عبر‭ ‬النافذة‭ ‬الماطرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬شديد‭ ‬البرودة‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعلم‭ ‬فيها‭ ‬وتحديدا‭ ‬قاعة‭ ‬الفنون‭ ‬وأفكر‭ ‬فيما‭ ‬تفعل‭ ‬الطالبات‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الرتيب‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬الأسبوع،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬هناك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬هذا. ‬تموت‭ ‬أمي‭ ‬وأشعر‭ ‬أن‭ ‬بداخلي‭ ‬كيسا‭ ‬من‭ ‬الكلكار‭ ‬الأبيض،‭ ‬حتى‭ ‬وأنا‭ ‬أنتحب‭ ‬في‭ ‬الممر. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬كل‭ ‬هذا. ‬أريد‭ ‬إلغاء‭ ‬كل‭ ‬أعمالي‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬ومشاهدة‭ ‬فيلم‭ ‬رومانتيك‭ ‬كوميدي‭ ‬ليو‭ ‬غرانت‭ ‬الأحمق‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وكأن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭.‬

ما‭ ‬لا‭ ‬أتذكره‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬أو‭ ‬الساعات‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬وضعي‭ ‬لرأسي‭ ‬على‭ ‬الوسادة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬وغفوتي. ‬وجسد‭ ‬أمي‭ ‬المنتظر‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.