أذهب إلى اللغة لأعرف اسمك

الاثنين 2021/02/01
لوحة أمل بشير

الضوء المطفأ بحجر

بقطعة صغيرة ملقاة عرضا في الفضاء ينتهي

كل شيء،

ينتهي الليل وينفض النهار

بين كل طريقين معلق أعلاهما حجر غير مرئي يطفئ الحياة بطريقته

في دائرة تسع قدمين واقفتين تنهال الحجارة حتى تسقط القدمان،

المشهد الدامي لأقران يذبحون أخاهم.

الضوء المطفأ بحجر.

==============

اللعبة

أحيانا مارسنا هذه اللعبة:

كانت تضع رأسها على الوسادة

في منتصف السرير

وأنا جالس خلف الوسادة

أرى وجهها مقلوبا.

تبدأ بالكلام ويظهر فكها السفلي

متحركا حرا في الهواء

ثم الضحكة

تبرز الأسنان

فاللثة والعين غير مرئية

ثم نقلب الوضع ونضحك.

حذار من هذه الألعاب

فمرة انعقدت في رأسي

تلك الصورة للفك السفلي

متحركا في الهواء

وبدت فيها بوضوح تلك الفكرة القائلة

إن الحياة بلا معنى.

الفك السفلي متحركا في الهواء

في حياة بلا معنى.

============

قصيدة

سأموت مباشرة بعد أن أقرأ قصيدة واحدة

قد تكون لشاعر مرّت عليه القرون

أو مرّت عليه أيام

أو لم تمرّ بعد.

قد تكون في لغة أجيدها

وقد تكون منقولة

قد تكون طويلة أو قصيرة

لا يهم.

لكنني سأقرأها بتمعن

ولن تجيب لي عن سر الحياة،

وأنا بدوري لن أبحث فيها عن أيّ أسرار

ولن أحمّلها ما حمّلته لتلك المرأة الصغيرة

التي أحببتها لاهثا وأحبتني لاهثة.

وهي بدورها لن تحمّلني شيئا

لن تداور وتناور

ستتقدم ناحيتي هادئة

في الجلال الذي يحيط بموتي الوشيك

على الفراش.

لن أتمسك بها بعد قراءتها

سأتركها تفلت من بين أصابعي،

سأدع حروفها تغيم حرفا وراء آخر

حتى لا تصبح قصيدة في النهاية

وساعتها سأغمض عيني عليها نهائيا.

 ============

رحلة

كنت في رحلة لا أعرف متى تنتهي

لكنّني لم أكن مسافرا

ولا منفيا ولا مناضلا

كنت في رحلة يعود البعض منها

لم أكن مهاجرا

هذا ما قلته للجميع

وعين السائح، العميقة أحيانا

كانت معصوبة لدي

عصبتها بنفسي

ماذا أفعل بعين كهذه؟

بعد أن نسيت الهجرة

نسيها الجميع

بل وأكد أصدقائي الجدد

أن أيّ إشارة إليها

سوف تزعجهم

هم أيضا يريدون التصديق

أنني أبدا لم أخرج من البيت ساعة الظهيرة

وأنه لم تكن هناك أبدا دموع وقلوب منكسرة وألم رهيب في الأعمدة الفقرية

لم يكن هناك شيء من هذا

فقط سقطت من القطار

كما سقط أبي من قبل

ولم يعد إلا زائرا

حيث حمله القطار في ليلة بعيدة.

==============

ترتيب اليوم

قبل الذهاب في الغيبوبة الأخيرة

لا بد من ترتيب اليوم:

رؤية الزيف القابع في كل فعل نبيل وغيره،

تحليل الخيانة والوصول إلى أنها لم تحدث أساسا بوصفها مفهوما غير قابل للتطبيق،

تصديق الكذب والمبالغة وإعلاء الذوات البشرية،

عدم تصديق المشاعر العاطفية المختلطة بالدموع،

تصديق الجسد الذي يئن لذة وتعبا،

ثم تكذيبه بعدها،

فهم الألوان المجتمعة عشوائيا في حيّز واحد،

معرفة وتأكيد معرفة أن العالم فانٍ،

رؤية النجوم من الشرفة والتلويح لها،

زيارة افتراضية لمقبرة العائلة،

وضع زهور افتراضية أمام بيت الحبيبة السابقة،

التخلص من الحبيبة السابقة بتمريغ الزهور الافتراضية بالتراب،

ممارسة الحب مع فتيات يخدمن العجائز

درجة الاتساق لديهن عالية،

تذويب قطعة جديدة من الأنا،

الوداع الداخلي دون إعلان لعدد من الناس،

ليسوا موتى تماما على أيّ حال.

===========

لغة أجنبية

كان اللصوص يقتربون من البيت

كانوا تحته مباشرة

يتحدثون لغة أجنبية

لكنها مفهومة.

كان عليّ الصراخ فقط دون كلام

كان عليّ إفزاعهم إذا كان ضوء البيت لا يردعهم

كانت الصرخة للداخل لا تصل حتى إليّ،

فخرجت إلى الشرفة شاهرا عصا وضاربا العماليق المحيطين بالبيت

محطمًا كل ما تطاله يدي

دون صوت.

===========

الشمال

في الطريق إلى الشمال

كانت العربة تقترب

وكلما اقتربت كان الهواء يخفّ وتغيب الشمس قليلا

ويهطل المطر.

لكن عند الوصول

هناك عينان عظيمتان بانتظاري

في لحظة الوصول أكون أنا نفسي خفيفا كالهواء

غائبا قليلا كالشمس

وأتصبب عرقا.

لكن العينين الحبيبتين هناك

على بعد أمتار

هناك تختفي العربة ويصير الشمال جنوبا.

أنا في مكان لا أعرفه وقد لا أعرفه أبدا

لكن ماذا يهم إذا كانت العينان الحبيبتان

تنظران إليّ على بعد أمتار

وحيث بعد قليل

ستكون حبيبتي كاملة بين ذراعي.

===============

بين الحين والآخر

أحب أحيانا أن تفكري بي

لا أقول كل يوم وكل ليلة

لكن أحب أن تفكري بي

بين الحين والآخر.

مثلا عندما تبدئين لوحة جديدة

عليك أن تتذكري

لكن ليس دائما

أن أول لوحة لك رسمتِ فيها قدميّ.

ومع ذلك

ليس عليك أن تتذكري ذلك

في كل مرة تبدئين فيها لوحة جديدة.

================

لحظة الأرض

فهمت من ذلك اليوم

بعد أن أكملت الخامسة بقليل

أنني سأقف وحدي دائما

ثم يحييني الجميع بعد ذلك.

أيّ تحية لا يمكنها محو السنوات الخمس

حيث أقف أنا

دون ألم ودون دموع.

فقط أقف هناك كما وقفت دائما عشرات السنين بعدها،

دائما الشيء نفسه بتغييرات طفيفة.

تلك كانت لحظتي الأبدية

اللحظة المسجلة باسمي على الأرض

واللحظة التي أمحوها يوميا.

================

لوحة
لوحة أمل بشير

منطق

صحوت في منتصف الليل

وكلمتا استقراء واستبطان تطنان في رأسي،

وقبلها رأيت كائنات خفية تهاجم بيتي وتشعل الأضواء.

كان ذلك من جراء معركتنا الأخيرة قبل ساعات

حيث تقولين إننا يمكننا عبور العالم متجنبين مناطقه الخطيرة البائسة

وأنا قلت لك إن الخوف الأكبر في الأمتار القليلة التي تفصلنا عن البيت،

البيت المرعب في مثل هذا الوقت من الليل.

================

أوراق

من وراء مكتبها العالي

تنظر السيدة عميقا في عيني

قبل وضع توقيعي على أوراق كثيرة.

تقول لي في حالة موتك

يؤول الأمر إلى الورثة.

أتوسل إليها ألا أموت الآن

لكنها بعينيها الكبيرتين

تغرز نظرتها أكثر في عظامي

وأنا أتهاوى أمامها على الكرسي

وأخترع توقيعا جديدا

لا يشبه بتاتا توقيعي الحقيقي.

================

البحيرة

ثم كانت الغرفة كبيرة

إلى درجة أن حوائطها كانت جبالا شاهقة

وسقفها سماء مضيئة

في تلك الأيام التي كانت فيها الطبيعة بيتا

ثم جاء يوم اصطدم فيه رأسي بالسقف

وانجرحت

ثم صغر الشارع

والحي والمدينة.

وفي بلاد أخرى

في البدء

لم يكن السرير كبيرا

ولا الحجرة شاهقة

ولا البيت

ولا الشارع

ولا الحي ولا المدينة

كان كل شيء في موضعه

والحياة عادلة وجميلة

لكنني أصحو كل ليلة وأنتظر

لأسقط من جديد في

تلك البحيرة من القطن المضغوط

في تلك الجبال الشاهقة والسماء المضيئة.

==============

خوف

كنّا نضحك والأسى يعتصر قلوبنا، ها نحن على وشك مغادرة الحياة. ليتنا ما عرفنا ذلك أبدا. أعلنوا أن تهديدا عظيما يحيق بالمدينة، وفِي غضون ساعات ستبدأ المنازل بالانهيار والجميع سيموتون تحت الأنقاض. مرّت عربات ضخمة تحمل تماثيل الميادين إلى مكان غير معلوم والخوف بلغ الحناجر. صعدنا جميعا إلى سطح بيتنا القديم وقلنا لنكن معا لحظة السقوط، فرشنا حصائر ووضعنا أطباقا صغيرة وفكرنا أن العمارة الكبيرة بجانبنا ستتكفل سريعا بموتنا.

==================

أبدية

قد يكون غدا صباحا، فجرا، بعد منتصف الليل.

لكن الأفضل بعد غد، بعد شهر، بعد أربعين سنة.

فقط تؤلمني ضحكتي وضحكات البشر التي صاحبتني طوال الحياة.

كان لا بد للضحكة أن تكون الأبدية،

أو على الأقل أن تكون هناك في الأبدية،

لكن أبدية محدودة، مثلما ننام تماما أو نطفئ الضوء.

كل ليلة أطفئ الضوء وأتمدد في تابوت السرير،

منتظرا بكل لطف القلب وبكل الحنان ألا يعود الضوء من جديد

كي لا أضطر إلى إطفائه مرة أخرى

==============

محبة القدر

القدر

يظهر هناك في موضع ما

نقطة عرق تسقط في العين

نقطة غريبة مالحة

وباردة

تسقط من مكان ما

لكنها تبقى في العين

لا تفضل الفم بل العين

نقطة حارقة لا يُعرف مصدرها

لكنها مع ذلك قريبة

كأنها سقطت من العين في العين.

أمام البحيرة الاصطناعية بجانب البيت،

شاهدت الماء يصعد ويهبط في عود أبدي مؤقت في النافورة.

رأيت أجزاء صغيرة من قدري في انكشاف نادر

كانت تطل من وراء الماء،

رأيتها بوضوح وابتسمت لأقداري وللمياه وعدت إلى البيت.

================

 إلى ياسر عبد الطيف وهيثم الورداني

بعد أكثر من عشرين سنة،

عرفت كلمات الأغنية،

لكنني لم أعرف الأغنية حقيقة.

بعد أكثر من عشرين سنة أحاول الوصول إلى ذلك الدماغ،

إلى لحظة تيهكما الكبرى،

لكن لا أصل إلاّ إلى نتف صغيرة،

لعلها النتف نفسها التي سقطت منكما

وأنا جالس بينكما في تيه آخر

أحاول الوصول إلى تلك النغمات الغريبة

التي تزلزلكما

لكنها تأتي لتضرب نفسي المعدنية وترتد من جديد

ولا أصل ولا تصل وتنام العين.

ربما تأتي في لحظة تيه أخرى

وأنا أتدثر بمعطف

في بيت يشبه منازل أهالينا التي اختفت.

ولعلها لن تعود، ستختفي هي أيضا في تيه أكبر.

على الأقل لحقت بالكلمات،

هذا ما أظنه، مطمئنا نفسي،

الكلمات التي أكلت رؤوسنا طوال الحياة.

تطلقين فوقها صوتك الغريب العائش بين الماء والتراب،

صوتك سجادة تطير وحدها،

صوتك نافورة تسقط على نفسها،

صوتك دخان يتشكل ويضيع ويتشكل من جديد،

وأنت الصوت الذي يتقدمك والذي يتخلف عنك.

أنت الكلام عند الشفة العليا التي لا تنطبق تماما على السفلى

لأن النهر يجري هناك.

أنت الواقفة في حيّز يرتبط مباشرة بسرتك،

بحبلها غير المرئي الذي يلفك كاملة

وأنت تتقدمين بنهديك غير منتبهة أن الحبل غير المرئي يحملهما

وأن الحبل القادم من مركز في الوسط يتدلّى إلى فخذيك

وينتهي عند الأصابع النائمة كحمامة عينيك

ويصعد من جديد رافعا ظهرك النحيل

وجاعله يرتاح على قاعدتين عظيمتين من الرمال المبلولة المتحركة

ويمضي إلى مثلث يقف شامخا دون حاجة لأضلاع

قبل أن يصعد حتى يربط الخصلات المتطايرة وحدها.

أنت الحبل الذي يلفك كاملة

وأنت الكاملة في الحبل

أنت لا تأتين من مكان

أنت تندلقين مرة واحدة كماء يسقط من الأعالي.

 ============

الشرق والغرب

1

 

أذهب إلى اللغة لأعرف اسمك، اسمك راسخ مشدود إلى قاع الجبل، مقيم في أسفل الجبل وفِي أعلاه، مقيم في المكان وفي الزمان، زمان الجبل، الإقامة كفعل لا يضاد الرحيل ولا يناقضه، لأنك راحلة ومقيمة، في الأسفل وفِي الأعلى، أنت باقية هنا وباقية هناك.

2

اليدان، الأصابع، الأظافر، الذراع، الكتف ثم الأصابع من جديد، ثم اليدان، الأظافر وحدها، ثم اليدان مرة أخرى فالأصابع، كتلة العظام، كتلة الحنان، كتلة الغرام في كل ثنية، في كل ارتفاع لليد وكل انخفاض لها. كتلة الحياة، الحياة في العظام، العظام التي في اليدين وفِي الأصابع وفِي الأظافر وفِي الذراع وفِي الكتف.

3

 

تنطبق شفتاي وأرقب شفتيك منطبقتين، في لحظات الانطباق هذه ليس أقل من النوم داخل فمك، هناك كان لا بُدّ أن أكون أنا في الداخل بين اللعاب وبين الفرجات غير المحسوسة بين عظام الأسنان، هناك حيث اللسان وسادة كبيرة وحيث الحياة كانت ستكون عظيمة.

4

كنت تطيرين، مع ذلك الجسد الغريب الذي يحيطك أكثر من عائلة وأكثر من حبيب، جسدك الطائر الملتصق مؤقتا بجسد غريب سيعود مرة واحدة وحده، وحده يطير ويهبط إلى الأرض التي لا تسعه، وصولك إلى الأرض كلسعة سرعان ما تختفي وتقفين وحدك ناظرة إلى الأعلى حيث كنت منذ قليل. ستقفين وحدك دائما، عليك أن تعرفي هذا من الآن، لن يحيط بك علما أحد، لن يصل أحد إليك لأنه ما من موضع يمكنه الوصول إليه وإذا وصل واحد إلى أحد أعضائك فعليه أن يكون ممتنا وحزينا وعليه أن يسرع بالخروج وأن يترك ذلك العضو في مكانه، المكان الذي لا يمكن الوصول إلا إلى منتصفه كحد أقصى.

5

اليوم لمحت خيطا قديما يمتدّ على عرض جبهتك، خيطا لن يراه غيري ليس لأنني من وضعه لكنني من وجده. الخيط الذي يصل جبهتك بحاجبيك المشرعين المستعدين لالتهام الحياة، التهام الحياة مثل أم قديمة تلتهم أطفالها. كان الخيط يمتد وحده ليصل إلى البريق الذي يتلوى كمحيط ناعم في عينيك، عينيك اللتين تغمضان وتنفتحان وتعودان صغيرتين وكبيرتين وواسعتين وضيّقتين في الأوقات نفسها، عينيك اللتين لمحت الخيط يحيطهما كأب، كحبيب ذهب مرة هناك وهناك اختفى لأن الجميع سيختفي هناك، هناك في تلك العينين، يا لهما من عينين.

6

لم يكن ثمة شرق وغرب

لأنك في لحظة واحدة

تضعين الاثنين على رأسك

كذلك الثور الذي يرفع العالم على قرنيه

الثور الذي يعبر بحارا وأنهارا وصحارى وليلا طويلا

وأنت تضعين الشرق والغرب في شعرك الفاحم الغريب

وتضعين الغرب والشرق في أسنانك الصغيرة

كأن الشعر الفاحم الغريب والأسنان الصغيرة

مطلق الشرق ومطلق الغرب.

لم يكن ليلا كذلك

لكنك كنت أنتِ

كما لا يمكن لأحد أن يكون

سوى مرة واحدة

سوى ليل واحد

مرة واحدة تكونين ومرة واحدة تذهبين

دون أن ينتظر أيّ مغنِّ أن يغني تحت نافذتك

ودون أن تنتظر نافذتك من يغلقها فهي مغلقة من نفسها

بحديدها المصنوع في أزمنة بعيدة

وخشبها الذي يقفل على نفسه

والقادم من أشجار لها رائحة الماضي،

كوحش يطلق نيرانه على رأسه نفسها ولا تمسه

وحش قابع في غابة الأشجار القادمة من الماضي

ودون أن تكوني هنا كاملة

يعبر طيفك ذات مساء في شارع لا ينتهي إلا ويبدأ من جديد

ويبقى الطيف هناك ملوحا للعابرين

دون أن ينظر لأحد

وفِي لحظة واحدة

يختفي الطيف أولا في الليل ثم في الشارع

ثم يختفي الوحش وغابة الأشجار والماضي

ثم يختفي الثور والعالم من فوقه

ثم يختفي الكلام والصمت

ثم يختفي الشرق والغرب

وتعودين أنت من جديد

طاغية وحدك

في مطلق الطغيان.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.