أربعاءُ الحواس
هُرُوبٌ
تَذْهَبُ
وَعَمَّا قَلِيلٍ يَسْحَبُ النَّهَارُ يَدَهُ مِنْ يَدِي
وَيَتْبَعُكَ
فِي ظُلْمَةِ الشَّارِعِ الكَبِيرَةِ
جَسَدِي تِمْثَالٌ بُنِّيٌّ
لاَ يَرَى
وَلاَ يُرَى.
هذا اليوم
اليَوْمَ
أَفتحُ رَاحَتِي
فَيَمْتَصُّ الصيف نَبَاتَاِت شَهْوَةٍ نَابِضَة
يَوْمٌ نَاِدرٌ
كَعِرْقٍ أَحْمَرَ فِي جَسَدِ السَّنَة
يُمْكِنُكَ أَنْ تُعِيرَ فَرَحِي للعَالَمِ كُلِّهِ
أنَا لَكَ اليَوْمَ
للعَالَمِ
أَعْطِنِي قَنَادِيلَ يَدَيْكَ
أَعَلِّقُهَا فِي الغُرَفِ الجَرِيحَةِ التِي تُفَكِرُ في الانهِدَام
أَصَاِبعُكَ تَكْفِي لِتَنْدَى الصَّحَارَى المُنْتَفِخَةُ تَحْتَ جِلْدِي
خُذُوا بَعْضَ القَطَرَات
خُذُوا مِنِّي نَظَرَاتٍ تَضَعُ قُلُوبَكُمْ فِي إِطَارَاتِ شَبَابِيكَ خَشَبِيَّةٍ خَضْرَاءَ
قَلْبِي لِلأَخْضَرِ اليَوْمَ
لِلأَشْجَارِ
وَالشَّوَارِعِ
وَالحَافِلاَتِ التِي تَحْمِلُ حُزْنَنَا
وَتُسَلِّمُهُ لِيَدِ النِّسْيَان.
جُسُورُ يَقِينِي بِكَ اليَوْمَ
تَمْتَدُّ
تَمْتَدُّ
لِيَعْبُرَ العُشَّاقُ
وَالغُرَبَاءُ
نَافِضِينَ عَنْ أَخْيِلَتِهِمْ رِمَالَ أَمْسٍ قَاحِلٍ.
بصوت خافت
حِينَ تُغَاِدرُ السَّكِينَةُ رُوحِي
جَنَاحُهَا سَوْفَ يُغَطِّي
شَجَنًا قَدِيماً،
شَمْسًا تَدْعُوكَ لِلضَّجَر مِنِّي،
وَنَوَايَاكَ التِي تَخْتَزِنُهَا لِسَنَوَاتٍ قَادِمَةٍ
بَعْدَ أَنْ يَكُونَ البُعْدُ
مَزَّقَ حَنَاجِرَ أَيَّامِنَا.
وَحِينَ تَلْمَسُ أَيَّ زِرٍّ فِي حَيَاتِكَ
لاَ تَجِد إِلاَّ الصَّمْت
عِنْدَ ذَلِكَ
رُبّمَا أَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ خَافِتٍ عَنْ أَحْلاَمٍ تَرَكْتَهَا غَيْرَ مُكْتَمِلَةٍ
وَأُذَكِّرُكَ بِقُرَى حَمْرَاءَ شَهِدَتْ أَوَّلَ اللَّمَسَات
وَالخَطَايَا البِكْر
عِنْدَ ذَلِك.
لَوْ بَقِيَتْ عَيْنَاكَ تَقْذِفَانِ نَحْوِي تِلْكَ السِّيَاط
سَأَنْسَحِبُ ثَانِيَةً مِنْ بَقَايَا ضَجَرِك
وَأَرْمِي بِنَا فِي مَنَازِلِ الخَرَاب.
هَذَيَانٌ
حِينَ يَخْرُجُ الجَمِيعُ مِنْ بُيُوتِهِمْ
لِيُعَبِّرُوا عَنْ فَرَحٍ مُبَاغِت
أَعْرِفُ أَنَّكَ فِي البَيْتِ البَعِيد
تُوَاصِلُ الوُقُوف
وَالسَّجَائِر
النَّهَارُ بَعْدَ قَلِيلٍ سَيَخْتَنِقُ بِحِبَالِ صَمْتِك
وَيَهْوِي
صَرْخَتُهُ تَضِجُّ فِي رَأْسِي
وَهْوَ يَسْقُطُ
فَوْقَ
سَرِيرِي
جَسَدُه المُغْمَى عَلَيْه
وَحُضْنِي
يَمُرُّ فِيهِمَا هَوَاءٌ حَارِقٌ يأتي مِنْ جِهَتِك
هَلْ تَسْمَعُ هَذَيَانَ المَسَاء؟
تَحْتَ العَالَم
قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ
النَّبْتَةُ الأَخِيرَةُ فِي العَالَم
سَوْفَ تَشْرَئِبُّ مِنْ بَيَاضِ عُنُقِك
يَدِي المُشْتَاقَةُ تُمْسِكُهَا
يَدِي تَلْمَعُ
وَتَأْخُذُهَا إِلَى عَتْمَةِ التُّرَاب
فِي بَيْتِي الصَّغِير تَحْتَ العَالَم
سَوْفَ تَفُوحُ رَائِحَةُ جِلْدِك
حَلِيبِي أَخْضَرُ
سُرَّتِي نَافِذَةٌ سَعِيدَة
وَنَهْدَايَ قِنْدِيلاَنِ لِلأَرْوَاحِ التِي تَضِلُّ الطَّرِيق
وَبَعْدَ سَنَوَات..
حِينَ تَسْكُنُ فِي بَيْتٍ قَرِيب
سَوْفَ تُطْبِقُ جَفْنَيْكَ الصَّغِيرَيْن
وَلَنْتَعْلَمَ شَيْئًا عَن ذَلِكَ كُلِّه.
اِرْتِطَام
لِقَاءٌ قَصِيرٌ لاَ يَكْفِي
لِأُفْرِدَ ضَوْئِي عَلَى حُزْنِك
وَوَدَاعٌ مِثْلَ هَذَا بَيْنَ سَيَّارَاتٍ مُسْرِعَة
وَأُنَاسٍ غَاضِبِين
يَرْتَطِمُ
وَلاَ يُحْدِثُ إِلاَّ الصَّدَى الخَفِيف.
كَانَ يُمْكِنُ أَنْتَنْهَضَ مِنْ الكُرْسِيِّ الأَسْوَد
وَتَفْتَحُ أَوْرَاقًا مُنْكَمِشَةً فِيَّ
لِأَتَنَفَّسَ بِهُدُوء
وَأَرَى مَلاَمِحَ نَهَارِكَ تَتَّضِح
وَتَرْعَى هَوَسِي بِعِنَاقٍ طَوِيل
لَكِنّكَ بَقِيتَ تُوَاصِلُ كِتَابَةَ نَصٍّ عَن السِّينِمَا
ثُمَّ لَعَنْتَهَا
وَحِينَ غَادَرْتُ
كَانَ يَصِلُ مِنَ الغُرْفَة
صَوْتُ أَعْضَاِئكَ الهَشَّة
تَسْقُطُ
فِي الهَاوِيَة
وَوَحْدِي كُنْتُ أَسْمَع.
وَدَاعٌ
نَسِيتُ فِي بَيْتِك
نَبَاتَاتِ اللَّيْلِ الدَّاكِنَةِ التِي لَنْ تَحْرُسَها
تَمَاثِيلُ أَصْوَاتٍ مُبْتَهِجَةٍ سَوْفَ تَنْكَسِر
كِتَابًا مُوَقَّعًا وَمُرْهِقًا خَلْفَ لَوْحَةٍ صَفْرَاء
رُبَّمَا مِظَلَّة
رُبَّمَا قَطَرَات قَلِقَة قُبَيْلَ الصُّبْحِ
رُبَّمَا شَمْسَ قُبْلة،
لَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ خَلْفِ الجِبَاِل أيٌّ مِنْ عُشَّاقِي المُقْبِلِين
سَتَمُوتُ قُبْلَتِي فِي وِحْدَتِهَا
وَأَنَا أَخْرُجُ بَعْدَ صَوْتِكَ العَالِي
الذِي كَانَ يَنْتَظِرُ خُرُوجِي
عِنْدَ الأَدْرَاج.
هَذَا هُوَ اِسْمِي
خَفِيفَةً تَنْهَضُ عُزْلَتِي
وَتَفْسَحُ المَكَانَ لَك
اِقْتَرِبْ
اِخْلَعِ الغَلاَلاَت عَنْ جَسَدِ العَاطِفَة
اُسْكُبْ عَيْنَيْكَ فِي بِئْرِي
وَبِفَمِ عَارٍ تَحَدَّث
أَيُّهَا المُتَأَخِّرُ!
النَّبْضُ الأُنْثَوِي فِي صَدْرِ الأَرْض
أَحْسَنُ القِصَص
مَنْ يُفَسِّرُ أَحْلاَمِي التِي رَكَضْتُ فِيهَا بَيْنَ السَّنَاِبل
عُرْيُكَ؟
قَدَمَايَ بَيْنَ الكَائِنَات
وَرُوحِي لَمْ تُغَادِرْ بُرْجَ الرُّؤْيَا
يَدِي الوَحِيدَةُ تَلُوذُ بِفَيْرُوزِ القِرْمِيدِ فَوْقَ الرُّفُوف
بِظِلاَلِ آهَاتٍ
بِمَغَارَاتٍ هَجَرَهَا الرُّسُل الصِّغَار
يَدي سَتَخْرُجُ
وَتُفْرِدُ آيَاتِهَا فَوْقَ هِضَاِبك.
وَحِينَ تُغْوِينَا فِتْنَةُ البُعْد
مَنْ غَيْرُكَ سَيَقُومُ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا
صَوْتُكَ عَتْمَةُ اِسْمِي
تَنْفَطِرُ
يَلْهَثُ وَيَلْمَعُ
أَيَّتُهَا الأَعَالِي العَمْيَاء،
أَنْصِتِي
هَذَا هُوَ اِسْمِي
اِسْمِي فَمُهُ
اِسْمِي صَمْتُ فَمِه.
مَنْطِقُ الطَّيْر
القِطْعَةُ الأَخِيرَةُ مِنَ الرَّحِيل،
أَنْتَ
الطُّرُقُ شَظَايَا مُهْمَلَةٌ
الجُسُورُ أَقْوَاسٌ يَائِسَةٌ
السَّرَابُ شَاحِبٌ
وَأَنَا نِصْفِي حِصَانٌ مُسَرَّج
وَنِصْفِي صُخُورٌ صَامِتَةٌ
بِشَفَتَيْنِ مَرْسُومَتيْن
بِجَفْنَيْنِ مُطْبَقَيْن
أُلْقِي فَاكِهَةَ أُنُوثَتِي فِي مَا يَحْدُثُ بَعْدَك
تَحْتَ سُقُوفِ السُكْر
دُخَانُ الآخَرِين
وَالنَّجْوَى التِي تَنْتَشِلُنِي مِنَ الذَّاكِرَة
وَتَحْمِلُنِي نَحْو العَالَم السُّفْلِي
هُنَاكَ
ظِلاَلُكَ صَيْفُ النِّسْيَان
عُشِّي الصَّغِيرُ يَحْتَرِق
وَالرَّحِيل،
مِرْآةٌ تَتَوَحَّدُ فِيهَا أَرْوَاحُنَا
أنا ثَلاَثُون طيراً
ثَلاَثُون درباً
ثَلاَثُون قِمَّةً.
كُنْ وَاحِدًا
وانظُرْ.
كُلُّ نجْمَةٍ
فِي الحُضْن الذي لا أَنَالُه
نَهْدَايَ يَحْتَسِيَانِ حَلِيبَ اللَّحَظَات
عِظَامِي طُيُورُ العَتمَة
والتُّرْبةُ الصَّامِتةُ تَحْت جِلْدِي
تَتَطَايرُ فِي الهَوَاء
وتَتَنفَّسُ
كُلُّ حُفْرَةٍ صَغِيرةٍ شَفَةٌ لاسْمِك
هَلْ تَسْمَعْ؟
وَتحْتَ الغَلاَلاَتِ
ثَمّةَ مَلاَكٌ مُشَرَّدٌ
يُهَيِّئُ المِرْآةَ لِعُرْيِكَ
الخُطُوطُ
الدَّوَائِرُ
زَوَايَا الظِلِّ والضَّوْءِ
تَنْغَمِسُ فِي لَوْحِ اللَّيْلِ
كُلُّ نَجْمَةٍ أُذُنٌ لاَمِعَةٌ
أَهْمِسُ
أَهْمِسُ.
أَرْبِعَاءُ الحَوَاس
يَدْلُفُ الصُّبْحُ إِلَى الأرْبِعَاء
لاَ تَعْرِف..
لاَ تَعْرِف..
وَمِنَ الأَيَّامِ الذَّاهِبَةِ التِّي لاَ تُرِيدُ لَهَا الحَيَاةُ
تَخْرُجُ المِيَاهُ والرِّيَاحُ
وَتُجَالِسُ كَتِفَيَّ
والحَوَاسُ تَرْعَى الطَّبِيعَةَ فِي غِيَابِك
الرَّصِيفُ،
حَرِيرُ الصَّبَاحِ تَحْتَ قَدَمَيّ
الأَشْجَارُ فِي الأَزِقَّةِ النَّائِمَة،
سَلاَلِمُ النِّسْيَانِ
وَحَلِيبُ اللَّيْلِ،
يَقْطُرُ مِنْ أَبْقَارٍ مُمْتَلِئَةٍ تُحِبُّنِي
مُغْرَمُونَ بِقُلُوبٍ صَغِيرَةٍ
وَبَيْتٌ بِلاَ أَسِرَّةٍ
أَرْقُصُ وَحْدِي وَسَطَ هُدُوئِهِ
هَكَذَا،
هَلْ أُهَيِّئُ العَالَمَ لِمَجِيئِكَ
أَمْ يَبْقَى قَلْبِي جَرَّةً زَرْقَاءَ فَوْقَ الرَفِّ
لَنْ تَلْمَسَهَا أَصَابِعُكَ
وَلَنْ تَنْكِسَرَ؟
وَاحِدٌ اثْنَان
المَكَانُ الفَارِغُ الذِي يَتْبَعُنِي
يَكْبُرُ كُلَّ مَسَاء
وَيُزِيحُ المُرَافِقِينَ
وَالأَشْجَارَ
وَالتَّمَاثِيلَ التِي تَرْمِي المَاضِي فِي وُجُوهِ العَابِرِينَ
المَكَانُ یَسِیرُ
…
جِسْمِي وَاحِدٌ..
وَكَأَنِّي اثْنَان.
لاَ يَدَ تَسْتَيْقِظُ فِي الذِّكْرَى
لاَ يَدَ مِثْلَ يَدِك
لَكِنَّنِي أَتْرُكُهَا عَابِقَةً وَعَذْرَاءَ
كَوَجَعٍ غَيْرِ مُبَالٍ بِأَيْدِي الآخَرِين
أَهَبُهَا لِفَتَيَاتٍ هَرِمْنَ فِي مُنْتَصَفِ العُمُر
وَأَسْكُنُ بِلاَدًا بَعِيدَة
يَدَايَ ثُقْبَانِ كَبِيرَانِ فِي الكُرَةِ الأَرْضِيَّة
يَنْقُلاَنِ العُشَّاقَ الحَزَانَى إِلَى وَهْمِ الشَّهَوَات
وَيَنْتَظِرَانِكَ كَيْ تَدْخُل
يَدَايَ لَكَ حِينَ تَشِيخ
وَتَسْقُطَ مِنْ أَغْصَانِكَ الثِّمَارُ وَالعَاشِقَاتُ وَالنَّغَمَاتُ وَالخُمُورُ
وَفِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ مِنْ عُمرِ العَالَم
الشَّجَرَةُ الوَحِيدَةُ التِي يَخْرُجُ مِنْ رِئَتَيْهَا هَوَاءُ الضَّلاَلَةِ الطَّاهِر
أَنْتَ
وَأَنَا فِي البَعِيدِ
أَتَنَفَّسُ
وَأُمْسِكُ اليَدَيْن.
الغُرَبَاءُ
بِقَبْضَةٍ طَفَحَتْ بِهَمْسِ الغُرَبَاء
أَهْبِطُ بَيْنَ جُدْرَانِ أَطْبَقَتْ عَلَى آثَارِك
قَلْبِي ظِلُّ مَدِينَةٍ
أَتْرُكُهَا
وَأَلْتَحِقُ بِهِمْ مُسْرِعَة..
الغُرَبَاءُ الذِينَ لاَ يَعْرِفُونَك
يَجْلِسُونَ عَلَى أَرِيكَتِكَ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَر
يَخْدِشُونَ الرَّوَائِحَ القَدِيمَةَ بِقُمْصَانِهِم
يَلْعَقُونَ عَسَلَ النَّهَارِ وَيَبْتَسِمُون
وَفِي اللَّيْلِ حِينَ يَحْتَسُونَ خَمْرَكَ المُتَبَقِّي
لاَ يَسْكَرُونَ
لاَ يُطِيلُونَ الحَدِيث
وَلاَ يَنَامُونَ مُبْكِرًا
إِنَّهُمْ ظِلاَلٌ فَقَطْ.
تِلْكَ النَّظْرَةُ
عَاقِبَةٌ حَارِقَة
نَظْرَتُكَ
حِينَ تَهْبِطُ مِنَ السَّلاَلِمِ
وَتَقِفُ لِي فِي الزُّقَاقِ
تَصْقِلُ الأَوْهَامَ وَالنَّدضم
سِدْرَةُ المُنْتَهَى
تَذْبُلُ فِي ظِلِّك.
بَابٌ مُوارَب
هُنَا خُلُودُ الخُمْرِ
خُلُودُ الذِينَ يُغْرُونَنِي بِالقَمَرِ الصَّغِيرِ فِي ضَحَكَاتِهِم
خُلُودُ الفَوْضَى..
شُمُوعُ المَسَاءَات..
نَجْمَةُ الفِتْنَةِ القَرِيبَةِ مِنْ صُورَتِي
وَالنَّبَاتَات الحَافِظَة الأَسْرَار
خُلُودُ غَفْلَتِك
حِينَ تَقْرَأُ الحُرُوف المُوهِمَةَ بِالذُّبُول
تَرْحَلُ
وَلاَ تَدْخُلُ البَابَ المُوَارِب.
أَيُّهَا الشَّاعِرُ
الآبَاءُ يَحْمِلُونَ الأَطْفَالَ بِمَلاَبِسَ رَثَّة
وَبِظُهُورٍ مُنْحَنِيَةٍ.. يَسْتَلُّونَ الزَّوْجَاتِ مِنْ غِوَايَةِ الصَّيْفِ وَلَيَالِيهِ
وَيَرْحَلُون
العُشَّاقُ يَرْمُونَ كَلِمَاتِهِمْ وَالشُّكُوكَ الجَّمِيلَةَ خَلْفَ الأُفُقِ الشَّاحِب
وَيَسْعَوْنَ خَلْفَهَا
المَجَانِينُ يَنْسَوْنَ كُلَّ مَا يَرَوْنَ وَيُتَابِعُونَ سَيْرِهِمْ فِي الشَّوَارِع
وَإِثْرَ الصَّوْتِ المُخِيفِ
النَّائِمُونَ
يَتَخَلَّوْنَ عَنْ بَقَايَا أَحْلاَمِهِم
وَيَهْرَعُونَ نَحْوَ مُدُنٍ الشَّمْسُ فيها أَقَلّ
وَالدَّمُ وَالنَّدَمُ وَالدَّمْعُ
أَقَلّ
يُغَادِرُونَ
وَاحِدًا
تِلْوَ
الآخَرِ
وَحْدَهُنَّ العَاشِقَاتُ
يَتْرُكْنَ الشَّبَابِيكَ مُشْرَعَةً فِي بُيُوتِهِنَّ
وَيَذْهَبْنَ إِلَى بَغْدَادَ.
هُنَاكَ، وَهْيَ تَبْدَأُ يَوْمَهَا
قَادِرَةٌ يَدِي أَنْ تَلْمَسَ فَمَكَ الصَّارِخَ أَيُّهَا الكَوْنُ
كَيْ تَهْدَأَ قَلِيلاً
وَتَسْتَظِلَّ بِكَلِمَاتِ الشُّعَرَاءِ الذِينَ يُصْبِحُونَ أَجْمَلَ حِينَ يَثْمَلُونَ
يَدِي التِي تَصِلُ مَغْرُورَةً وَحَائِرَةً
فِي بَغْدَادَ -أَكْثَر مِنْ أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ-
تَعْرِفُ كَيْفَ تُشَذِّبُ عُزْلَتَهَا
كَيْفَ تَحْضُنُ
كَيْفَ تَصْحُو لاَمِعَةً فَوْقَ السَّرِيرِ
وَكَيْفَ تَنْفُضُ الأَوْرَاقَ الصَّفْرَاءَ عَنْ رُوحِكَ
وَأَنْتَ تَنْتَظِرُ أُولَى أَمْطَارِ الخَرِيفِ
أَيُّهَا الشَّاعِر.
دَمِي الأَخْضَرُ
الآنَ
وَالكَائِنَاتُ الخَائِفَةُ تَتَجَرَّأ
وَتُتَمْتِمُ كَلِمَاتِ الصَّبَاحِ فَوْقَ رَأْسِكَ
دَمِي يُفْرِغُ ذَاكِرَتَهُ المُضْطِرَبَةَ الحَمْرَاءَ
يَخْرُجُ إِلَى الشَّارِعِ
وَيَبْدَأُ بِالتِقَاطِ مَا تَرَكَهُ الخَرِيفُ
دَمِي الأَخْضَرُ
سَوْفَ يُنْقِذُ الفَرَاغَ الأَبْيَضَ
فِيكَ
فِي المَرّةِ المُقْبِلَةِ
حِينَ نَلْتَقِي.
فَرْقُ المَسَافَةِ
رَائِحَتُكَ
الغَيْمَةُ التِي كَانَتْ تَهْرُبُ كُلَّ مَسَاءٍ
مِنْ صُدُورِ النِّسَاءِ المُشْرِفَاتِ عَلَى المَوْتِ
إِلَى عُنُقِي
لِتُعَشِّشَ رُوحِي الصَّغِيرَةَ فِيهَا
ذَهَبْتُ
وَبَقِيَتْ رُوحِي الصّغِيرَةُ
تَجْهَلُ الفَرْق بَيْنَ مَنْ يَذْهَبُ
وَمَنْ تَذْهَبُ رَائِحَتُه.
رَجُلٌ آخَرُ
حِينَ تَخْرُجُ مِنَ القَمِيصِ الأَبْيَضِ
الغَرِيبِ
الذِي لاَ يَعْرِفُنِي
القَمِيصُ الحَزِينُ الذِي لاَ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَنِي،
وَتَخْرُجُ مِنَ الكَنَبَةِ التِي تُكَوِّرُ نَفْسَهَا مِثْلَ عَجُوزٍ مَنْسِيَّةٍ فِي رُكْنِ الغُرْفَةِ
وَتَقِفُ
لِتُنْبِتَ العُرُوقَ الطَّرِيَّةَ عَلَى جَبِينِكَ
أَتَذَكَّرُ حِينَهَا أَنْ أَشُمَّ صَدْرَ الرَّبِيعِ
الرَّبِيعُ،
الرّجُلُ الوَحِيدُ الذِي أُعَانِقُهُ دُونَ أَنْ أُتِيحَ لَكَ أَنْ تَشُكّ.
حَافَّةُ الوَقْتِ
أُفْرِغُ الحَقَائِبَ
وَالمِزْهَرِيَّاتِ
الرُّفُوفَ
وَالأَرَائِكَ
أُفْرِغُ بَيْتِي الذِي هُوَ جَسَدِي
وَطُرُقِي الصَّغِيرَةَ التِي أَمُرُّ بِهَا كُلَّ يَوْمٍ
أُفْرِغُ حَيَاتِي
لِتَجْلِسَ فِيهَا كَلِمَاتُكَ
قَبْلَ الحُزْنِ
قَبْلَ الرَّحِيلِ الخَادِعِ
قَبْلَ أَنْ تُطَوِّحَ بِهَا غَاضِبًا
لِأُرَاهَا مِثْلَ أَغْصَانٍ يَابِسَةٍ عَمْيَاءَ
هَائِمَةٍ
فِي الفَرَاغِ الكَبِيرِ.
عَامٌ آخَرَ
عَامِي التَّاسِعُ وَالعِشْرُونَ
دَرْبِي فِي رَحِيلِكَ
يَعْتَرِضُهُ الدُّخَانُ
كُؤُوسُ لَيْلِكَ
عَطَشُكَ لِقَطَرَاتٍ نَادِمَةٍ
وَدِيكٌ يَصِيحُ لَيلَ نَهَارَ
يَصِيحُ
يَصِيحُ
وَيرْعُشُ دَمُكَ/دَمِي…
فِي الأُفُقِ الأَحْمَرِ
هُنَاكَ مَنْ يَرْقُصْنَ لِي بِتَنَانِيرَ بَيْضَاءَ
وَفِي الهُيَامِ
يَرْسُمْنَ لِي دَوَائِرَ النِّسْيَانِ
الأَصْوَاتُ تُوَرِّدُنِي
وَوَاحِدًا وَاحِدًا يَطُوفُ بِي الطَّائِفُونَ
التَّصَاوِيرُ تَخْرُجُ مِنْ رَأْسِي وَتَخْتَفِي فِي ضَبَابِ الدَّوَائِرِ
هُنَا
أَشْعُرُ بِأُمِّي
تَصْرُخُ فِي العَالَمِ
وَتُحَاوِلُ أَنْ تَلِدَنِي فِي صَحْرَاءَ بَيْضَاءَ.