أساطير‭ ‬معاصرة.. حرب‭ ‬الكينا‭ ‬والكورونا‭ ‬في‭ ‬نيكاراغوا

الاثنين 2020/06/01

ما إن أعلن أحد الأطباء عن أهمية استنشاق أوراق الكينيا المغلية للجهاز التنفسي ومقاومتها لفايروس كورونا، حتى هرع كثيرون لقطف الأوراق من الأشجار المزروعة في شوارع العاصمة النيكاراغوية مناغوا، وبيعها للمارّة. أبدت المعارضة اهتماما بكل ما يُثبت انتشار الفايروس على عكس الرواية الرسمية، متجاهلة المعايير والمحاذير في التعامل مع الطب الشعبي. وهكذا، ساهمت في تأكيد فعاليّتها. ونكاية بالمعارضة لاحقت الشرطة البائعين وحمّلتهم في سياراتها مع بضائعهم “المصادرة” وكأنها شحنات من المخدرات، بحجة الحفاظ على البيئة وحماية أملاك الدولة.

على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أوراق الكينيا “ترند” ومجالا لتبادل الضربات بين الحكومة والمعارضة التي تساءلت: ماذا عن قطع ذوي النفوذ لآلاف الأشجار لبيع أخشابها بطرق غير قانونية ولحساب بعض الشخصيات الفاسدة في الحكومة؟ وفي حين انتشرت صور الشرطة وهي تقبض على “قاطفي أوراق الكينيا” غزت مواقعَ التواصل صورٌ لشاحنات محملة بجذوع الأشجار المقطوعة، تمرّ بسلام.

الرئيس قام، حقّاً قام

صورة

ببطء، اعترفت الحكومة النيكاراغوية وعلى رأسها الرئيس دانييل أورتيغا بوجود إصابات بالفايروس. وبعد اختفائه (الرئيس) لأكثر من شهر منذ بدء انتشار أخبار الفايروس، حتى تناقل المواطنون إشاعات موته.

ظهر الرئيس بعد عيد الفصح مباشرة ليدحض تلك الإشاعات. ثم أعلنها صراحة، لا إغلاق ولا حجر صحيا. للرئيس مبرراته، فالموت لا يأتي على شكل كورونا فقط.. “قد يتصارع اثنان فيقتل أحدهما الآخر في السوق، أو قد يأكل أحدهم إجاصة من شجرة مرشوشة بالمبيدات، فيموت!”

أوصاف جديدة برزت لوصف الحالات المصابة، منها “حالة اتصال مستوردة” لإثبات أن نيكاراغوا خالية من الفايروس والحالات المصابة من الخارج. ووصفٌ آخر للحالات المصابة “وضعها معقّد لكنه مستقر”، “وضعٌ مستقرٌّ ومُراقب” أو “تحت المسؤولية والعناية” و”تحت العناية والرصد المسؤول المستمر”. وفي محاكاة ساخرة لتلك المصطلحات، يعلن النيكاراغويون عن موت أحدهم بالقول “ميّت لكن حالته مستقرة”. البعض يلمّح إلى أن هذه المصطلحات ليست نتاج متخصصين في الطب والصحة بل قادمة من نائب الرئيس وزوجته روساريو موريّو وهي أصلا شاعرة وكاتبة.

صورة

كلما نقصت المعلومات، زادت الإشاعات. وقد باتت المقاطع المصوّرة لسيارات تحمل من قضوا بالفايروس إلى المقابر ليلا، تتكاثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وسائل الإعلام المعارضة لا تتوقف عن نشر هذه المقاطع وإجراء لقاءات مع أطباء وخبراء صحة يشددون على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر حزما ويشككون بالأرقام التي تعلنها الحكومة، والتي قفزت من 14 حالة مصابة منذ شهر أبريل إلى أكثر من 100 حالة شفاء من الفايروس قبل أسبوع. وقد اتهمت الحكومة تلك الوسائل بفبركة المقاطع المصورة للتحريض ضدها.

طرق تعامل مختلفة

وعلى منوال المقولة الأشهر لماري أنطوانيت “إن لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت”، انتشرت مقولات تنسب للسيدة الأولى، روساريو موريّو، تسعى فيها لطمأنة النيكاراغويين إلى أن أمرا لن يصيبهم، لأنهم معتادون على شراب نوع من المشروبات الروحية رخيصة الثمن وذات نسبة كحول مرتفعة، فإذا كانوا يتحملون ذلك المشروب، فسيصمدون أمام الفايروس، أو المقولة المنسوبة إليها بأن البطل النيكاراغوي القومي أوغستو ساندينو (1895 – 1934) يحمي نيكاراغوا.

كلٌّ على طريقته، كان مستعدا لمواجهة الفايروس. بعض الكنائس أكدت أن “من آمن بيسوع لن يصيبه شيء”، وعليه جهزت الزيوت والمياه المقروء عليها من الإنجيل. وعلى ذكر المواجهة، فقد نظَّمت الحكومة مظاهرة في مناغوا ضد الفايروس تحت شعار “بالحب، نقاوم الفايروس”. وكانت قد شجّعت الناس للخروج والاحتفال خلال أيام عيد الفصح.

صورة

وفيما الفزع يعمّ الأرجاء كان دون لويل الجنايني، هادئا كأن الأمر لا يعنيه، ينصحه الآخرون بعدم الخروج من المنزل وهو يقترب من الثمانين عاما، هو يردد أنه عاش حياته كاملة ولا يطمح بالمزيد.

وهي المرة الأولى التي أرى فيها الفزع في عيني جوهانا المعاونة المنزلية منذ 16 عاما، أي منذ وصلت نيكاراغوا. ظلّت تتابع الأخبار عن كثب، وكانت قلقة بشأن وفيات إيطاليا، ثم زاد قلقها حين أصبحت مدينة غواياكيل في الإكوادور بؤرة انتشار الفايروس. شاهدتْ على التلفاز جثثا ملقاة في شوارع تلك المدينة وتوابيت كرتونية تنقل الجثث، وجثثا تُحرق. تناولتْ المهدئات وتفاقمت لديها حرقة المعدة. قالت لي إنها لا تفهم لماذا لا يدفن الناس موتاهم في بيوتهم بدل انتظار السلطات التي تتأخر أو لا تصل أبدا في غواياكيل، ثم نظرتْ باتجاه حديقة البيت الخلفية وأردفت: على الأقل لدينا مكان نُدفَن فيه.

صورة

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.