أستاذ الرسم
لم يكن الرسم بعيدا عن طفولتي، فقد كنت أعمد لشراء مجلات سوبرمان وغرندايزر وبعد قراءتها كنت أنقل رسوماتها على دفتر الرسم الخاص بي، وقد كنت في المدرسة أنتظر ساعة الرسم الأسبوعية على أحرّ من الجمر، ففضلا عن التشجيع الذي كنت أتلقاه من أستاذ الرسم، كنت أتفاخر على أقراني بموهبتي، وأسعد عندما تراقب البنات نتاجي بعيون ملؤها الإعجاب، وكثيرا ما كان زملائي في الصف يطلبون مني أن أرسمهم، فأخربش على الورقة وجوها تقريبية لهم، وأجد منهم الاستحسان.
لكنّ الحادثة التي شكلت مفرقا بالنسبة إليّ، وجعلتني أتعلق بالرسم وأعشقه، وأتخذ القرار بأن يكون خياري المستقبلي، تمثلت بأنّ فرقة الكشافة التابعة للمدرسة قررت أن تجري لنا نشاطا تخييميا في الطبيعة، وكنت من أول المشاركين، وكان قائد الفرقة قد طلب من كلّ واحد منا -أنا ورفاقي- أن يجلب معه الأدوات التي تساعده على تنمية موهبته، من أدوات الموسيقى، إلى أدوات الرسم…
إلى ما هنالك، فتشجعت يومها واشتريت للمرة الأولى كانفاس مشدود على إطار خشبي مع ألوان زيتية، وبالفعل في المساء التخييمي عندما انتهت نشاطاتنا الكشفية طلب قائد الفرقة من كل واحد منا أن يفعل ما يحلو له، فتناولت الكانفاس والألوان الزيتية وشرعت أرسم المخيم، والواقع أن عددا كبيرا من الأصدقاء بالإضافة إلى قائد الفرقة تركوا ما يشغلهم ووقفوا يتابعون عملي وسط جو من الحبور.
وعندما انتهيت من الرسم نلت تصفيقا شديدا من الحضور. ليس هذا المهم، ولا هذه هي الزبدة من الموضوع، بل الحال أنه عندما عدنا من المخيم، انتظرت جفاف الألوان الزيتية على اللوحة، وأخذتها معي إلى المدرسة ليشاهدها أستاذ الرسم، فما كان منه إلا أن صفّق لي بحرارة وقال لي «برافو نزار» وحملها بيد وأمسك بيدي وأخذني إلى النظارة، حينها خفت وسألته «هل فعلت شيئا؟».