أضواء جديدة على شعرية نزار قباني
يشكل كتاب الناقدة فيروز رشام المعنون بـ”شعرية الأجناس الأدبية: دراسة أجناسية لأدب نزار قباني” إضافة جديدة ومهمة للجهد النقدي للمرأة الناقدة الذي أخذ يتطور ويتسع في السنوات الأخيرة. لكن ما يلفت النظر في هذه الجهود أنها تأتي من الحقل النقدي الأكاديمي. أهمية هذا الكتاب أنه يعيد الحوار حول تجارب الشعر العربي الحديث، في وقت يتحول فيه أغلب النقد باتجاه قضايا الرواية والسرد الروائي.
يتخذ الكتاب من شعرية نزار قباني موضوعا للبحث والتحليل والكشف من خلال المنهج الشعري كأساس معرفي ومنهجي في تحليل الأجناس والأنواع الأدبية، إضافة إلى التقاطعات التي يقيمها هذا المنهج مع مجموعة من العلوم والمناهج النقدية كاللسانيات والبنيوية ونظرية القراءة والتأويل ونظرية التلقي وعلم الاجتماع وعلم النفس الأدبيين.
لا شك أن تجربة الشاعر قباني الطويلة والغنية تعد موضوعا مغريا لكثير من الدراسات النقدية والأدبية لأكثر من سبب تعلق بالقضايا الكثيرة التي تطرحها هذه التجربة على صعيد اللغة والأسلوب والموضوعات والأنا في هذه التجربة، الأمر الذي جعل النقاد والناقدات يحاولون في كل مقاربة استخدام المنهج الذي يرون أنه الأكفأ في الكشف عن مناطق لم تكتشف بعد أو تأويل جوانب مهمة من هذه التجربة وفحصها. لذلك فإن أيّ مساهمة نقدية جديدة تمتلك قيمتها المنهجية والنقدية من خلال تحقيق هذه الأهداف بحيث تضيف ما هو جديد إلى رصيد المحاولات النقدية التي سبقت.
يتوزع الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول تتناول فيها أولا مسألة الأجناس الأدبية بوصفها القضية الأقدم وأعقد مشكلات الشعرية ثم تناقش الإشكالات النظرية والمعرفية التي تطرحها نظرية الأجناس الأدبية على صعيد التحولات الأدبية وأشكالها لاسيما بعد التداخل الذي عرفته أجناس الأدب وما تعاني منه الدراسات القليلة الخاصة بذلك من حيث التشتت المعرفي.
سؤال المنهج
على الرغم من استخدام الناقدة للشعرية أساسا منهجيا في مقاربة أدب نزار قباني إلا أنها تستعين لتحقيق أهدافها بمجموعة من العلوم والنظريات النقدية كاللسانية والبنيوية ونظرية التلقي والتأويل والأسلوبية والقراءة والتأويل وعلم النفس وعلم الاجتماع الأدبيين حيثما تجد حاجة لذلك في فهم جوانب هذه التجربة. وتبرر الناقدة اختيارها لمصطلح الشعرية بدلا عن البنية أو الأدبية انطلاقا من رؤيتها لعجز الدراسات الأدبية عن اكتشاف التحولات الكبيرة التي طرأت على الأدب. إن هذه المرونة التي دفعتها لاستخدام هذا المنهج التكاملي ترتبط بجملة القضايا التي تناقشها في مدخل الكتاب الأجناسي مثل مفاهيم وإشكالات نظرية الأجناس الأدبية الأمر الذي يستدعي منها تعريف بعض المفاهيم كالشعرية والجنس والأدب إضافة إلى تقديم عرض تاريخي لنظرية الأجناس ومناقشة أهم قضاياها وإشكالاتها التي تثيرها على صعيد مفاهيم الشعرية والأدب وتاريخ النظرية في النقد ونظرية الأجناس في الأدب العربي.
قضية الأجناس الأدبية
تناقش الدراسة أولا قضية الأجناس الأدبية باعتبارها أقدم وأعقد مشكلات الشعرية والإشكالات المعرفية والنظرية التي تطرحها حول واقع التحولات الأدبية لاسيما بعد التداخل الذي شهدته هذه الأجناس مع التطور التاريخي للأدب، لكن قلة الدراسات ومحدودية العناية بها من قبل دارسي الأدب وما تعانيه هذه الدراسات من تشتت معرفي جعلها عاجزة عن الكشف عن التحولات الجوهرية والعميقة التي طرأت على الأدب العربي. تأتي هذه الدراسة مقدمة لدراسة التداخل الأجناسي الذي تجده في شعره دون أن توضح علاقة هذا التداخل بطبيعة القصيدة الشعرية ولغتها الشعرية عند قباني، خاصة في ما يتعلق باللغة التقريرية والسرد الشعري، ربما لأنها معنية بشعرية هذه الأجناس في تجربته وأثرها على هذه التجربة.
ومع أن هذه القضية تتصل بقضية أخرى هي قضية الأنواع الشعرية التي حافظت في الغالب على سمات خاصة بنيوية وجمالية متقاربة إلا أن فيروز أفردت للبحث الأخير فصلا خاصا ركزت فيه على دراسة الأنواع الشعرية التي تجملها جميعا تحت مسمى الشعر الغنائي، وهي القصيدة العمودية وقصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر.
الأنواع الشعرية
في هذا الفصل تجمع الدراسة بين النظري والتطبيقي في المحاور الثلاث التي توزعت عليها هذه الأنواع، حيث ظهر تركيزها على الوصف أكثر من انشغالها بالتحليل والتأويل كما ظهر ذلك في تركيزها على توزيع مقاطع القصيدة وطولها وقصرها وموضوعاتها. والحقيقة أن هناك إشكالية تطرحها عبر هذا التصنيف الثلاثي لأنواع القصيدة، ففي ما يتعلق بقصيدة النثر تستعين برأي نقدي وأقوال للشاعر حول هذه القصيدة، في حين يمكن اعتبار هذه الكتابات نثرا شعريا أكثر من كونه قصيدة نثر وإن حاول الشاعر أن يقوم بتوزيعه على شكل هذه الكتابة.
إن جماليات هذا النثر وأسلوبه الذي يظل يتقاطع مع أسلوب الشاعر في قصائده الأخرى لا يمكن إدراجه تحت التسمية العريضة التي أطلقتها على هذه الأنواع الثلاثة وهي الشعر الغنائي وإن كان ثمة حس غنائي يتخلل هذه النصوص بصورة متموجة.
وتنتقل الناقدة من دراسة الأنواع الشعرية إلى تحديد التشكيلات النوعية لهذه القصيدة التي تجد فيها تداخلا لأكثر من نوع كما في القصيدة السيرة ذاتية والقصيدة الرسالة والقصيدة الدرامية أو القصيدة الموجزة. ولاستكمال موضوعها تقوم الدارسة بتحديد الخائص الخاصة للقصيدة الغنائية عند الشاعر والتي ساهمت في تشكيلها وتحديد سماتها عبر محاور ثلاثة هي الأنواع الشعرية والتداخل الأجناسي في شعره إضافة إلى شعرية القصيدة الغنائية والسمات الأجناسية التي تميزت بها. لقد نالت القصيدة الحرة من الدراسة في هذا الفصل النصيب الأوفر ربما لاستخدام الشاعر المكثف لهذا النوع من الكتابة في أعماله المختلفة.
الشعر الحر
في دراستها للقصيدة العمودية تشير إلى تحطيم الشاعر للتناظر القائم بين شطري البيت الشعري فيها ولجوئه لاستخدام الشطر الواحد مع أن هذا الشكل من الكتابة لم يكن جديدا. كذلك تتحدث عن تقسيم القصيدة إلى مقاطع شعرية تقصر وتطول وفق الحالة التي يقررها الشاعر. وإذا كان هذا الأسلوب في الكتابة هو الشائع عند الشاعر في قصائده المختلفة، إلا أنه كان مرتبطا بحالة الدفق الشعوري والفكرة التي كانت تلح على الشاعر أثناء كتابة القصيدة أكثر من علاقتها بأسلوب حافظ الشاعر على استخدامه في قصائده المختلفة. وتتميز القصيدة الحرة عند الشاعر من منظور الدارسة بالتكثيف الشديد والاختصار والوحدة في حين أن الشاعر في قصيدته الطويلة رثاء بلقيس يستفيض في استجلاء معاني هذا الاغتيال ويستحضر الكثير من التفاصيل الخاصة بأثره على حياته وحياة أبنائه كما يظهر من خلال اللغة التقريرية التي تميزت بها لغة القصيدة.
وتفرد لشعرية الأنواع كما تجلت في السيرة الذاتية والمقال الصحفي والأدبي والحوارات والمقدمات النثرية فصلا خاصا تحاول فيه استنطاق هذه الشعرية عبر التوقف عند كل نوع أجناسي ودراسة تاريخه وأغراضه.
النوع الأدبي
تحاول الدراسة في الفصل الثالث والأخير تجميع الخلاصات التي توصلت إليها حول المقومات الأساسية التي ساهمت في تشكل النوع الأدبي في أدب الشاعر نزار قباني، كما ظهر ذلك في بساطة لغته الشعرية المتصلة بالحياة اليومية، إضافة إلى أسلوبه السهل الممتنع والذي لا يخلو من طرافة وجمال إلى جانب استخدام تقنيات تصويرية وإيقاعية مختلفة. وما تضمنته مقدمات كتبه من إشارات أجناسية ودلالية وجمالية. لذلك توزع هذا الفصل على محاور ثلاثة تتناول فيها اللغة والأسلوب وتقنيات بناء الصورة والإيقاع وشعرية العتبات، ثم تجمل ما توصلت إليه الدراسة في مجموع استنتاجات مع الإشارة إلى الأسئلة التي ما تزال تطرحها تجربة الشاعر.
في النهاية تعترف الناقدة بالمغامرة التي انطوى عليها هذا الكتاب بسبب العقبات والعراقيل التي واجهتها أثناء الدراسة وكان صعبا تجاوزها بسبب غياب المراجع النظرية الواضحة والكاملة التي تتعلق بنظرية الأجناس الأدبية في النقد العربي والمراجع التي تعنى بتطور الأنواع الأدبية، إضافة إلى اتساع حجم المدونة التي اشتعلت عليها، وكان حريّا بها أن تختار منها ما يمكن أن يحقق للدراسة أهدافها وللجهد المبذول غاياته خاصة بالنسبة إلى تجربة تعترف هي بأنها تطرح من الأسئلة ما لم تتم الإجابة عنها حتى الآن.