أطياف المسرح العربي لعواد علي
في كتابه الجديد “أطياف المسرح: عروض وتجارب ومنعطفات” يواصل الناقد المسرحي والكاتب عواد علي قراءته في المشهد المسرحي العربي تجارب ورؤى وتحوّلات. يتوزّع الكتاب على ثلاثة فصول يتناول في كل فصل موضوعا خاصا بالواقع الراهن لهذا المسرح الذي ما زال كتابه ومخرجوه يحاولون على موقعه الفاعل في الحياة الثقافية العربية ما زالت تعاني من تراجع الاهتمام الرسمي بها. الدراسة الأولى في الكتاب تتناول واقع العروض المسرحية التي قدمت خلال السنوات الماضية في محاولة للتعريف بهذه العروض بغية التعرف إلى الهواجس والموضوعات التي ما زالت تشغل تفكير القائمين على هذا المسرح وتعكس القضايا والمشاكل التي يواجهها الواقع العربي الرّاهن. لكن الناقد يتوسّع في قراءته للرؤى الإخراجية والحلول التي قدّمها مخرجو هذه الأعمال أو كتابها لاسيما للنصوص المسرحية العالمية التي حاولوا إسقاطها على الواقع العربي. في هذا السياق يلاحظ العدد الكبير من الأعمال المسرحية التي تتناولها الدراسة والتي تتوزّع على أقطار عربية عديدة بهدف الإحاطة بواقع المسرح العربي في ضوء ما سمحت به فرص المشاهدة لهذه العروض.
يناقش الناقد أولا أثر لوركا في هذا المسرح ويحاول أن يحدد الأسباب التي تغري المخرجين العرب للاهتمام بمسرح لوركا. أول هذه الإغراءات تكمن في عوالم أعماله الدرامية بينما تظهر الإغراءات الأخرى في الموضوعات والقضايا الاجتماعية والسياسية التي تتماثل مع قضايا الواقع العربي.
وقد عزّز هذا الإقبال طبيعة أعمال لوركا التي ارتقي فيها من المحلية إلى الكونية وتميزت بشخصياتها المأساوية التي تتمتع بالرهافة والحيوية والقسوة والهيجان والمشاعر الحادة. ومن الأعمال الأكثر إقبالا عند المخرجين مسرحية “بيت برنارد ألبا” التي قدمها أكثر من مخرج عربي.
وإلى جانب أعمال لوركا المسرحية قدم المخرجون العرب أعمالا لكتاب غربيين آخرين. من هذه الأعمال التي يتوقف عندها نقديا مسرحيات “برج لوصيف” للمخرج الشاذلي العرفاوي و”المهاجران” للسوريين محمد آل رشي وسامر عمران و”سأموت في المنفى” للمخرج الفلسطيني غنام غنام و”رائحة حرب” للمخرج العراقي عماد محمد ومسرحية “من هنا وهناك” للعراقي صفاء الدين حسين و”العرس الوحشي” لفلاح شاكر.
ويتركز الاهتمام أكبر على المسرح العربي في هذا الكتاب في الفصل الثاني الذي حمل عنوان “تجارب عربية” فيبدأ بدراسة تجربة سليمان البسام الشكسبيرية كما يسميها نظرا لانشغالها بعوالم شكسبير المسرحية. لكن عواد قبل أن يناقش هذه التجربة يبحث في الأسباب التي جعلت أعمال شكسبير تجتذب إليها المخرجين العرب لتقديمها من خلال رؤى ومقاربات مختلفة.
هنا يتوقف عند طبيعة القضايا الإنسانية التي تعالجها أعمال شكسبير وهي قضايا تتناول النزعات العامة العابرة للزمن في الحياة الإنسانية كقضايا الشر والطغيان والطمع في السلطة والخيانة.
ويرى الناقد أن هذه الأعمال جرى العمل عليها كثيرا من قبل المخرجين العرب وقدمت عبر قراءات إخراجية جريئة فنيا. من هذه التجارب تجربة الكويتي سليمان البسام الذي قدم خمس تجارب من أعمال شكسبير.
ويفرد مساحة خاصة لتجارب الكاتبة والمخرجة العراقية عواطف نعيم نظرا لما تتمتع به من موهبة خاصة جعلتها تمثل حالة خاصة في المسرح العربي. العمل الأول الذي ثبتت أقدامها من خلاله في الكتابة المسرحية كان مسرحية “لو” التي أخرجها زوجها عزيز خيون. كتبت عواطف أكثر من عشرين عملا كان بعضها معدا عن أعمال عالمية لتشيخوف ولوركا وكامو وفي جميع هذه الأعمال أظهرت موهبة خلاقة من حيث منحها صفات محلية كما يؤكد الكاتب.
أما في الإخراج فيتناول ما يزيد على عشرة أعمال ينتقل بعدها إلى تجارب التونسي جعفر القاسمي الثلاث التي رسخت حضوره في المسرح العربي من خلال الجوائز التي فازت بها هذه الأعمال.
تتناول القراءة أيضا موضوع مسرحة التجارب الذاتية التي أفتتحها يعقوب صنوع في مصر، في حين أن التجارب الحديثة ظلت في إطار محدود كمسرحية “من قطف زهرة الخريف” كتابة وإخراج ريمون جبارة ومسرحية “ألقى زيك فين يا علي” لرائدة طه ومسرحية “سأموت في المنفى” للفلسطيني غنام غنام. أما مسرحة السيرة الغيرية التي تناولت حياة شخصيات ذات حضور واسع في الذاكرة والوجدان الجمعي فهي تظهر في المسرح الديني ومسرحية شكسبير وعنترة بن شداد، بينما تمثلت حديثا في شخصيات واسعة كالزير سالم وسليمان الحلبي ورفاعة الطهطاوي وأبي خليل القباني وبدر شاكر السياب والمتنبي ورامبو وسواهم الكثير.
وتحت عنوان “منعطفات مسرحية” يتناول الناقد في الفصل الثالث أثر النظريات النقدية والأدبية الحديثة في المسرح الحديث سواء على مستوى الشخصيات أو العمل المسرحي ككل.
ويرى أن هذه النظريات أسهمت في جعل التنوع في هذا المسرح غير محدود وهو ما تجلّى في خرق مواصفات المسرح وأعرافه. ويضيف الناقد أن مهمة القراءة الإخراجية الحديثة تمثلت في ملء فجوات النص المسرحي وإضافة قدر من التحديد إلى موضوعاته.
وفي هذا السياق يحدد مجال اشتغال القراءة النقدية للنص على أساس الفعالية التي تمنح عناصره الفنية وتراكيبه التعبيرية المتتابعة والنص ككل معناه.
إن أشكال التحول التي يراها الناقد تتمثل في مخالفة توجهات النص على مستوى سلوك الشخصية وانفعالاتها. كما يتجلى هذا التحول في ما يسميه التحول التتابعي والتحول البنيوي والتحول الكلي حيث يعد الأخير هو الأكثر شمولا لكونه يتضمن النوعين السابقين من التحول. وينتقل من تناول تجارب مخرجين أجانب قامت على اجتهادات لا حدود لها يتناول موضوع الجسد في المسرح من حيث الطاقة والجمال باعتبار الجسد هو مهد الحركة وأداة التعبير البلاغية في المسرح.
ويتوسع في مجال هذه الدراسة فيدرس موضوع الجسد في المسرح الدرامي والقائم على الجدل بين الجسد الواقعي والجسد المتخيل للشخصية، وكذلك الجسد في المسرح ما بعد الدرامي الذي ينتقل من وظيفته كناقل للمعنى إلى الاكتفاء بذاته.
ويفرد للنقد المسرحي وفوضى المصطلحات حيزا خاصا يحاول فيه أن يكشف عن أسباب هذه الفوضى التي يحدّدها في ضعف الثقافة ومحدودية الخبرة من جهة وفي تعدد ترجمات المصطلحات في العربية من جهة ثانية.
ويقدم الكاتب نماذج عديدة من هذه الفوضى ثم يحاول مقاربة المسرح التفاعلي والمسرح الرقمي كاشفا عن الخلط الحاصل بينهما عند الكتاب العرب. كذلك يتناول بالدراسة موضع الأسطرة في المسرح العربي.