أعداء جميع الأعداء
أعتقد أن لحظة الدّم تحديدًا هي ما تحدّد إن كان الرّوائيّ يكتب فنًا بالفعل أم تأريخًا، إن كان مشغولًا بقلق كوني أم قلق فردي محدد. لم تكن وظيفة الفن يومًا نقل الواقع ولا نقده وتعريته حتى، الفن هو وسيلة الفنان الوحيدة التي يعرفها لفهم العالم، للمساهمة بزيادة حجم التعاطف الإنساني مع وجوده في المخيلة والوعي دون الكثير من الدروس. إن كنت ناشطًا سياسيًا ستتكلم عن السياسة، إن كنت عالمًا اجتماعيًا ستتكلم عن علاقات الأفراد والسلطة، وإن كنت فنانًا ستنقل كل ذلك لتحلل هم الوجود في هذا الكون، سترى الظالم والمظلوم والجلاد والضحية وستبحث عن الطرق التي يسيرون بها إلى منازلهم ليلًا، وربما إن حالفك الحظ، ستصنع للقارئ واقعًا موازيًا لكل ما يحدث، لتنشله من وحل الدّم الذي يراه ويغوص فيه يوميًا.
لقد أصبحت متأكدة أننا نحتاج لكثير من السخرية لاحتمال كل هذه الفيديوهات التي تتفنن بنقل طرق الموت المجاني الأكثر فظاعة، نحتاج لمواجهة الاستبداد بالضحك، إنها مهمة صعبة بل المهمة الأصعب، من السهل أن تكون بطلًا في العالم العربي ما عليك إلا أن تكتب خطبة جيدة تشعل بها كل الغرائز الوطنية عن التمجيد والتخليد والوطن الذي لا يقدر بثمن، وتقلل من قيمة الإنسان الذي يتم محوه معنويًا مع كل خطاب، من السهل الحصول على التصفيق واللايكات وأوسمة البطولة هذه، بل سيتغاضى عنك العدو قبل الصديق لأنك تلعب معه في الحارة ذاتها، تؤجج الفتن وتزيد من مستوى الدّم، لكن من يحتاج إلى هذا، إنها مهمة صعبة أن تكون مهمشًا وفردًا ولا تتكلم كما تريده الجماعة، المهمة الأصعب أن تكون فنانًا في لحظة دم.
الأعداء لا يخشون بعضهم.
الخوف الفعلي من هؤلاء الأوغاد
من لا أعداء لهم
الذين يمشون في جنازات الأعداء جميعا
مرددين على مسامعنا
” كم هي تافهة وصغيرة وقابلة للتجاوز عداواتكم الكبرى”
هؤلاء هم فعلًا
أعداء جميع الأعداء.