ألق الوجود الإنساني في لحظة عدمية

"أقنعة كوفيد" لعبدالرحمن بسيسو
الاثنين 2021/02/01
لوحة فؤاد حمدي

التحديات الكونية الكبيرة التي فرضها ظهور وباء كورونا جعلت العالم في حاجة إلى مراجعة عميقة ليس على مستوى حقيقة التقدم العلمي وتوظيفاته وحسب، إنما على مستوى إعادة قراءة العلاقات الإنسانية وتحولاتها في ظل تغول سلطة رأسمال المال المتوحشة والعلاقة مع الآخر وموقع الإنسان في التفكير العلمي والحضاري بعد طغيان علاقات الاستهلاك والمادة على كل تفصيل في حياتنا اليومية. في إطار هذا التفكر والتأمل في واقع الحال الذي يعيشه العالم يأتي كتاب الشاعر والناقد الدكتور عبدالرحمن بسيسو “أقنعة كوفيد: حوارية نهر الحياة وإنسان وجود – تأملات وجودية” ( دار خطوط وظلال 2020).

تلعب العناوين الرئيسة والفرعية دورا مهما في توجيه القراءة والكشف عن مضمرات الخطاب الحواري ذي الطابع الدرامي الذاتي الذي يحاول فيه الكاتب أن يستجلي صورة المشهد الكوني بأبعاده الوجودية والإنسانية في مرحلة تواجه فيها البشرية تحديات كبيرة تعصف بوجودها المصادر من قبل قوى الشر والشره المادي والاستعلاء. لذلك يأخذ الحوار أبعادا متعددة كما يظهر من خلال عناوين الكتاب، فهو تارة حوار بين نهر الحياة المتدفق، وتارة أخرى حوار بين الأنا وآخرها في لحظة العدم التي فرضها هذا الوباء الكوني الداهم. في هذه اللعبة الفنية التي يتحول فيها الوجود إلى مرآة معتمة تحاول الذات في تأملاتها العميقة في أحوال هذا الوجود المختل في منظومة قيمه وعلاقاته بسبب السلطة الغاشمة لشهوة المال والسيطرة على حساب القيم الإنسانية والتفاعل الحيّ بين الإنسان والإنسان، والإنسان والطبيعة التي يجري تدميرها بنزوع أعمى للربح.

من هنا يمكن فهم العلاقة الحوارية التي تنشأ بين الدانوب كرمز للحياة والوجود وبين ذات المتكلم في هذه المكاشفات التي تفيض برؤيا سوداء وحزينة ليست سوى حلكة سديمية سوداء تغطي العالم، وتمنع إشراق شمس يضيء يعيد الضوء لشمس الحياة الساطعة.

شعرية اللغة

لعل أهم ما يميز هذا الكتاب هو الطابع الحواري واستخدام تقنتي التجسيد والتجسيم اللتين يؤنسن من خلالهما الأشياء والجمادات ويمنحها فعالية إنسانية تتجلى في هذه العلاقة الحوارية للكاتب مع نهر الدانوب. لكن ما يلفت نظر القارئ أكثر هو تلك اللغة الشعرية التي تتوالد بصورة مدهشة وثرية تجعلها أشبه ما تكون بنهر يتدفق، وهي تحاول أن تعيد للغة دهشتها وعمقها وخصوبتها الكبيرة، ما يضفي على هذه اللغة سحرها الذي يستبطن في عمقه بعدا فلسفيا ورؤية إنسانية تحاول في تأملاتها الوجودية أن تعيد التوازن للحياة والوجود في لحظة وجودية حرجة.

إن ثنائية الذات والمكان والذات وأناها الأخرى في هذه الحوارية ليست سوى استعادة لعلاقة الإنسان بالعالم باعتبار المكان هو حاضن هذا الوجود والطبيعة الثانية للإنسان، الأمر الذي يجعل لعبة الثنائيات ليست سوى تعبيرا عن قراءة مركبة لصورة العالم في مرايا الذات والحياة “والحق أنه ما كان للكلمات والمعاني الآتية من قيعان توحش بشري وعدم مراوغ إلا أن جوهر كينونتي على أن يجهد مثابرا وبلا أدنى وهن لإبعاد فحيحهما وسواد أقوالهما ورخص معانيهما وسموم فيروساتهما واستطارة شرور أوبئتهما عن نفسه وعني ليقي نفسه فيقيني ويعيدن تأهلي لأكونن وقد صيرتني الصيرورة الدائمة”.

الأنا والآخرصورة

تنطلق أنا الذات في حوارها مع الآخر من حالة امتلاء بالمحبة والرغبة في الانفتاح والتفاعل القائم على الاعتراف بالآخر واحترامه. يتأسس مفهوم هذه المحبة الإنسانية على المعاني النبيلة لهذا الوجود وعلى الطبيعة بمعناها الذي يتحقق به هذا الوجود ويكتمل حضوره بوصفه تحريرا للذات الممتهنة واستعادة لها من غربتها ومن شعورها بوجودها المسلوب. لذلك فإن تأملات الكاتب في فيض بلاغتها وعمق معناها تظل في سياق البحث عن إعادة التوازن لهذا الوجود باعتباره استعادة لتوازن الحياة والوجود أن أطاح به التوحش الرأسمالي الجشع.

إن رمزية الدانوب بوصفه حقيقة ومجازا تحيل على الآخر في هذا الحوار المفتوح على إدراك عميق بوحدة الوجود الإنساني وما يواجهه هذا الوجود في لحظة العدم الراهنة من تحديات عاصفة تتهدد المصير الإنساني، ما يجعل صوت الذات في هذا الخطاب صرخة في وجه هذا العدم المراوغ “إني لأدرك تماما أنك تفهمني وأنك تدرك بعمق ما يحفزني على إنهاض فعل أو إطلاق قول لأني أفهم أنك تفهم أني لا أخاطبك في برهة العدم المراوغ والوجود المؤجل الذي يجمعني وإياك هنا والآن بوصفك مثلي حقيقة ومجازا إلا باعتبارك تجليا وجوديا لغويا وثقافيا واقعيا وحقيقيا لذات إنسانية مطلقة تجلي في الأرض كما في شتى مدارات الوجود جوهرة فكرة الإنسان الإنسان”.

تشكل العناوين الفرعية في هذا الكتاب بوصفها تكثيفا واختزالا لمحاور الكتاب علامات تستبطن هواجس الذات وشواغلها الوجودية والإنسانية، ما يكشف عن العلاقة الشعرية التي تجعل كلا منهما يحيل إلى الآخر. الأمر الذي يكشف عن الخيط الناظم لمسار التجربة ورؤاها في سياق البحث عن استعادة عن جوهر هذا الوجود في معناه الإنساني الكبير. وإذا كان فايروس كوفيد الذي يجعل العالم يرتجف هلعا أمام سطوة انتشاره وفتكه يمثل نقطة الانطلاق للتفكر في أحوال العالم وعلاقاته الخاضعة لسلطة التوحش المادي فإن الكاتب يتخذ منه قناعا تتخفى وراءها الذات العميقة لشخصية الكاتب وهي تحاول عبر الكثافة الرمزية للقول أن تقرع أجراس الخطر وتنبه إلى ضرورة استعادة وحدة المصير الإنساني والتأكيد على الحاجة لاستعادة الوعي الإنساني المسلوب بما بات يتهدد هذا الوجود من نزعات عنصرية استعلائية متنامية يعززها سادة النظام العالمي لتأبيد سلطة الشراهة البشرية والاستحواذية التملكية والنفعية الدالة على الأنانية المفرطة والتوحش البشري. ما يجعل هؤلاء السادة يمثلون الفايروسات البشرية، أيديولوجية المنشأ، الحقيقية التي تفتك بالحياة والوجود.

يعود الكاتب في الجزء الأخير من الكاتب إلى رمزية الدانوب بوصفه نهر حياة متجددة ووجها لهذا الوجود وقد سكنته جميع أنهار الحياة في كل مكان. إن هذه الدلالة الرمزية المركبة للدانوب تجعله في مخيلة الكاتب اختزالا لكل مكنز وينبوع في كل مكان من العالم، الأمر الذي يجعل الدانوب في دلالاته ومعانيه اختزالا وتكثيفا لصورة العالم والحياة في امتدادها وعمقها الوجودي. من هنا تتبدى ذات الكاتب في هذه الحوارية الكونية وقد تحولت إلى مرآة حافلة بكل هذه الصور والمعاني بوصفها تجلّ كلي لحقيقة وجودها الإنساني ونزوعه الإنساني المنطلق والغاية. إن انشغال الذات الكبير بالأسئلة الأكثر إلحاحا حول واقع العالم ووظائفه ومنزعه الإنساني في ظل التهديد الكبير الذي تمثله جائحة كوفيد هو تعبير عن الخوف الذي بات يتهدد وجود الإنسان في ظل الاستخدام المطّرد له من أجل خدمة مشاريع الشره المادي والسيطرة. لذلك تزداد الحاجة الإنسانية في ظل التهديد الذي يمثله هذا الوباء لأنسنة هذا العلم من أجل إنقاذ البشرية برمتها والوصول إلى علاج فاعل لكبح خطره الداهم.

إن هذه الأنسنة بمعناها الكبير في نظر الكاتب هي بداية التحول من أجل التأنسن الضميري من أجل عالم أكثر انفتاحا ومعرفة وقيما إنسانية نستعيد معها المعنى الحقيقي لوجودنا المختل والمصادر من قبل قوى الهيمنة والتطرف والشره المادي والسيطرة.

أَبْصَرتُ الدَّانُوبَ

عين المخيلة وجريان الحاضر

عبدالرحمن بسيسو

فَجْأَةً وبِمَا يُشْبِهُ انْغرازُ سِكْيْنٍ قَاطِعٍ في هَشَاشَةِ كَائنٍ بَشَرِيٍّ كُوِّرَ مِنْ مُخَاطٍ مُتَجَمِّدٍ، وكِلْسٍ مَطْحُونٍ، ومَاءٍ آسِنٍ، وطَنِيْنِ ذُبَابٍ أَزْرَقٍ، وهِلْيُومٍ مُقَطَّرٍ عَدِيْمَ النَّفْعِ، وهُلَام حَلَزونٍ وصُبَّارٍ، وَجَدْتُني، واقِفَاً، عَلَى رَأْسِ رَأْسيَ عِنْدَ حَافَّةِ شُرْفَتيَ الْمُسَيَّجَةِ بِنَعِيْقِ غِرْبَانِ إِبَادةِ الإنْسَانِ، وإَماتَة الْحَيَاةِ، وتَعْدِيْمِ الْوُجُودِ، فَأَبْصَرتُ "الدَّانُوبَ الرَّمَاديَّ"؛ آخَرِي وشَريْكِي في بُرْهَةِ الْخَطْوِ الْمتَخَيَّلِ في دَيَاميْسِ أُولَى دَوَّامَاتِ عَدَمٍ حَلَزُونيِّ الدَّهَالِيزِ والأَحْيَازِ والأَقْبِيَةِ، مُسَمَّرَاً عَلَى صَلِيْبِه عِنْدَ حَافَّةِ شُرْفَتِهِ الأَرْضِيَّةِ الْمُسَيَّجَةِ بِأغْلَالِ كَبْحِ الْحَيَاةِ عَنِ الْحَيَاةِ إلى أَنْ تُدَجَّنَ تَمَاماً، فَتُذْعِنَ وتَتُوقَ لِأنْ تُسْلِمَ لِسَالِبِي أَنْفَاسَهَا كُلَّ نَفْسِهَا! أَوْ أَنْ يُمْتَصَّ دَمُهَا ويُمَرَّغَ جَبِيْنُهَا بِزُرْقَةِ الْموتِ الْحالِكِ فَتَتَمَدَّدَ في قَبْرِ الْوُجُودِ جُثَّةً هَامِدَةً، مُقَدَّدةً، بِلَا حَرَاكٍ! أَو أَنْ تُؤْسَرَ وتُسْتَلَبَ لِتُكْسَرَ أَنَفَتُهَا فَيَسْتَأْثِرَ بِهَا سَارِقُوهَا القَابِضِونَ، بتَوحُّشٍ شَرَسٍ، عَلىَ عُنِقِهَا الْهَشِّ الْمَلْوِيِّ الْمَبْذُولِ لِوَخْزِ بَسَاطِيرِ جُنْدِهِمْ، وجُنْدِ أَجْنَادِ جُنْدِهِم، الْمَرئِيِّينَ، وغَيرِ الْمَرْئِيِّينْ!

***

قَدْ أبْصَرتُ "الدَّانُوبَ الدَّامِيَ"، مُمَدَّدَاً عَلَ مَدَى الإبْصَارِ، مُسْمَلَ الْعَيْنيْنِ، مَقْطُوعَ الأُذُنَيْنِ، مَقْصُوصَ اللِّسَانِ، مَكْسُورَ الأَنْفِ، مَغْلُولاً، مَكْبُوحَاً عَنِ السَّرَيَانِ، مَأْسُورَاً، مُسَمَّرَ الْجِسَدِ عَلَى صَليْبٍ مُلْتَهِبٍ يَتَمدَّدُ حَدِيْدهُ الْمُحَمَّى، بِلَا تَوقُّفٍ، عَلَى مَدَى الْمسَاحَاتِ الشَّاسِعَةِ الْمستَلْقِيَةِ، بِرَخَاوَةٍ، أَمامَ السِّيَاجِ، وَورَاءَ السِّيَاجِ، وفِيْ ذَاكِرةِ ذَاكِرَتيَ الْمُحْتَجَزَةِ، وخَلْفِيْ، وأَمَامِيْ! قَدْ أَبْصَرْتُهُ، فَأَبْصَرتُ كُلَّ أَنْهَارِ الْحِيَاةِ الْمُسَيَّجَةِ، الْمغُلُولَةِ، الْمَأْسُورَةِ، الْمُسَمَّرَةِ عَلَى الصُّلْبَانِ، سَواءٌ عَلَى أَسْطُحِ الأُرُوْضِ الْمُغْتَصَبَةِ، أَو تَحْتَ جِنَانِ أَيِّ سَمَاءٍ مِنَ السَّمَاواتِ الْمُصَادَرَةِ الَّتي يُفْتَرضُ أنَّهَا أَنْهَارُ حَيَاةٍ خَالِدةٍ تَجْرِي في جَنَّانِ كُلِّ حَياةٍ وإنْسَانْ!

***

نَعَم، قَدْ أَبْصَرْتُ "الدَّنُوابَ الْأخْضَرَ"، بِأُمِّ عَيْنَيِّ مُخَيِّلَتيْ ورَأْسِيْ، فَأَبْصَرتُ فِيْهِ الْحْيَاةَ الَّتِي تَسْكُنُهُ ويُجَلِّيْها، والأَرضَ الَّتِي تَلِدُهُ فِي كُلِّ لَحَظَةٍ، مِنْ جَديْدٍ، فَيُحْيِيْهَا، والإنْسَانَ الَّذِي يَتَلَقَّاهُ، مُذْ لَحْظَةِ مِيْلادهِ مِنْ رَحْمِ الأرضِ، عَلَى راحَتيِّ كَفَّيْهِ ليَحْنُوَ عَليْهِ، ويُرْضِعَهُ، ويَتَعَهَّدَهُ ويَرْعَاهُ! نَعَمْ، قَدْ أَبْصَرتُ في "الدَّانُوبِ" وجْهَ الْوُجُوِدِ، فَرَأيْتُهُ فَرِحَاً بِمَا تُبْصِرُهُ عَيْنَاهُ مِنْ عَلاقَاتٍ حَمِيْمِيَّةٍ خَلَّاقَةٍ بِيْنَ إنْسَانِهِ والْأَرْضِ الرَّحْبَةِ؛ بَيْنَ إِنْسَانِه وكُلِّ نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْحَيَاةِ الْمُفْعَمَةِ بِهِ، وبكُلِّ أَنْسَاغِ الْحَياة! وهَلْ لِغَيرِ فُيُوضِ هَاتِهِ العَلاقَاتِ الْحَمِيمِيَّةِ الآسِرةِ أَنْ يُرْضِيَ ضَمِيْرَ الْوُجُودِ الْحَقِّ فَيُبْهِجَهُ، ويُضِيءَ فِي الأُروضِ والسَّمَاواتِ شُمُوسَ جَبِيْنِهُ؟! نَعَمْ، قَدْ أَبْصَرْتُ "الدَّانُوبَ" مُبْتَهِجَ الْوجْهِ، بَاسِمَاً، وَضَّاءَ الْجَبِيْنِ، ورَأَيْتُهُ، بأمِّ عَيْنيِّ مُخَيِّلَتي الطَّلِيْقَة، مُنْهَمِكَاً، طِيْلَةَ الْوَقْتِ، بِتَرْسِيْمِ الْوِلَادَاتِ، وبِتَسْمِيَةِ كُلِّ مَولُودٍ جَدِيْدٍ، وبمُبَارَكَةِ جميع الْموالِيد وإِشْهَارِ نَسَبِهِمْ إِليْهِ، وإطْلَاقِهِم فِي مَدَارَاتِهِ، وهَمْسِ وصَايَاهُ الْحَقَّةَ، مُبَاشَرةً مِنْ لِسَانِهِ، وبِلَا أَيِّ وَسِيْطٍ مِنْ أَيِّ مِلَّةٍ أَوْ لَونٍ، فِي آذَانِهم وأَصْلابِ وِجْدَانِهمْ. وكَأَنِّي بِالْوُجُودِ يَغْرِسُ فِي خَلَايَا كُلِّ مَولودٍ مِنْ مَوَالِيْدهِ بُذُورَ إِنْسَانِيَّةِ وُجُودِهُ، ويُزَوِّدُهُ بِأَنْسَاغِ وُجُودٍ إِنْسَانِيٍّ هُوَ عَيْنُ عَيْنِ الْوُجُود!

***

قَدْ أبْصَرتُ "الدَّانُوبَ" نَهْرَ حَيَاةٍ مَسْكُونَاً بِإنْسَانٍ إِنْسَانْ، فَأَبْصَرتُ فِيْهِ كُلَّ أَنْهَارَ الْحيَاةِ فِي كُلِّ الأُرُوضِ وَفِي كُلِّ السَّمَاواتِ، وأَبْصَرْتُ فِيهِ كُلَّ مَكْنَزٍ وكُلَّ يُنْبُوعٍ مِن مَكَانِزِ أَمْوَاهِ الْحَيَاةِ ويَنَابِيْعِهَا فِي شَتَّى الْأَكْوانِ والْكَوَاكِبِ والمَجَرَّاتْ؛ وإِذْ أَبْصَرتُ فِي "الدَّانُوبِ" كُلَّ هَذَا، أَبْصَرْتُهُ فِيَّ، فَأَبْصَرتُ، إِذْ أَبْصَرْتُهُ فِيَّ، حَقيْقَتَهُ الْكُلِّيَّةَ الْكَامِنَةَ فِي حَقِيْقَةِ وُجُوديَ فِيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ فِي مَا قَدْ رأَيْتُ، وفيِ مَا قَدْ تَأمَّلْتُ، سِوىَ تَجَلٍّ حَقِيْقِيٍّ مِنْ تَجَلِّيَاتِ حَقِيْقَةِ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ الْكَامِنَةِ فِي وُجُودِ الإِنْسَانِ الْكَونِيِّ الْكُلِّيِّ الإنْسَانْ!

***

وَبِتَرَوٍّ هَادِئٍ، ومِنْ غَيرِ انْتِظَارٍ مَدِيدٍ، وَجَدْتُ عَقْلِيَ اللَّحُوحَ يُومِضُ بِسِؤَالٍ أَخَذَ يُبلْوِرُهُ، ويَصَوْغُهُ، ويُدَقِّقُهُ، ويُعِيْدُ التَّبَصُّرَ فيه، ويُدَقَّقُ صَوْغَهُ مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ، لِيُقِرَّهُ، ولِيَكُونَ بِمقْدورهِ، إِنْ هُوَ قَد أَقَرَّهُ، أَنْ يُوجِّهَهُ إِلَى مُخَيِّلَتَيْ الْعَائِدَةِ، لِتَوِّهَا، بُصُحْبَةِ مَجَازِ الْحَيَاةِ الْأَعلَى: "النَّهْرُ"، مِنْ رِحْلَةِ بِحْثٍ مُشْتَرَكَةٍ عَنِ أَنْهُرِ حيَاةٍ فِي دَيَامِيْسِ عَدَمٍ قَسْرِيٍّ مُرَاوِغِ! كَانَت ذَاكِرةُ مُخَيِّلَتي الَعَائِدةِ لِتَوِّهَا مِنْ أُولَى دَوائِرِ عَدَمٍ مُرَاوِغٍ وَوجُودٍ مُؤَجَّلٍ، لَمْ تَزَلْ مَوَّارةً بِمَا اكْتَنَزَتْهُ شَرَائِحُهَا النَّانَويِّةُ عَلَى مَدَى بُرْهَةِ تِلْكَ الرِّحْلَةِ الْحَلَزُونِيَّة فِي دَهَاليزِ أَوَّلِ دَائِرةٍ مِنْ دَوائِرِ عَدَمٍ انْتِقَالِيٍّ يُرَاوِحُ بَين مُمْكنَاتِ وُجُودٍ لَمْ يَجْتَثَّهَا عَدَمٌ، ولَمْ يَأْخُذَهَا تَمَامَاً إِلَيْهِ لِيُعْدِمَهَا الْوجُودَ، بَعْدُ، وبَيْنَ مُمْكَنَاتِ عَدَمٍ يَتَحَفَزُ للاسْتِئْثَارِ لِنَفْسِهِ بِوُجُودٍ يَراهُ، في عَيْنِ عَدَمِهِ الْكَسِيْحِ، عَيْنَ عَيْنِ الْوُجُودِ، وجَوْهَرَهُ الأخِيْر! نَعَم، بِتَرَوٍّ هَادئٍ، وِمن غِيرِ انْتظارٍ مَدِيدٍ، أَومَضَ عَقلْيَ اللَّحُوحُ بِسُؤالٍ فَادِحٍ أَجَادَ صَوغَهُ واَلْقَاهُ فِي أُذِنِ مُخَيَّلَتي الْمائِرةِ ذَاكِرَتُهَا الكُوفِيديَّةُ بَالفِ ألفِ سُؤِالٍ وسُؤَال: هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ الْخَالِصِ أَنْ يَكونَ إِنْسَانِيَّاً، عَنْ حَقٍّ، فَيُوقِفُ نَفْسَه، وكُلَّ مُنْتَسِبِيْه، أَمَامَ الْمَرَايَا، ليَشْرعَ وإيَّاهُمُ في اسْتخْلاصِ دُرُوسٍ، وعِبَرٍ، وخُلاصَاتٍ مَعْرِفِيَّةٍ، تَنْبُع مِنْ إِنْسَانِيَّتِهِ الْمُفْتَرَصَةِ، وتسْتَضِيءُ بَانْوارِهَا، وتَسْتِجيبُ لِنِدَاءاتِ الْوجُودِ الْحَقِّ في مُواجَهَةِ اجْتيَاحَاتِ الْجَشَعِ الْوحْشيِّ الشَّرِهِ، والْعُنْصُرِيَّةِ الْفَاتِكَة، وانْدِلَاعاتِ سَدَائِمِ الْفُحْشِ الْبَشَريِّ، والْخَرَابِ، والْهَلاكِ، والْعَدَمْ؟!

***

فَجَّرَ هَذَا السُّؤَالُ الأسْئِلةَ كُلَّهَا، فَشَرَعَتْ ذَاكِرةُ الْقلْبِ في تَحْفِيزِ عَقْلِ المُخَيِّلَةِ، ومُخَيِّلَةِ العَقْلِ، عَلَى ضَفْرِ جَمِيْعِ الأسئلَةِ في سُؤَالٍ وحَيْدٍ عَلَّهَا تَكُفُّ عَنِ الانْهِمَارِ، وتَقِفُ، مُتَوثِّبَةٍ، في انْتِظارِ جَوابٍ يُفْتَحُ كُلَّ سُؤَالٍ عَلى سُؤَالٍ جَدِيْدٍ يَطْلُبُ الْجَوابْ: هَلْ يُمْكنُ لِلْعِلْمِ الْمُؤَنْسَنِ، الْواسِمِ نَفْسَهُ ومُنْتَسِبِيْهِ بِجَوهَرِ إنْسَانيَّةٍ مَنْشُودةٍ، حَقِيْقيَّةٍ وحَقَّة، أَنْ يُسْهِمَ فِي إِنْقْاذِ الْبشَريَّةِ، بِأَسْرِهَا، مِن عَدَمٍ سَاحِقٍ ماحِقٍ يَتربَّصُ بِهَا، اسْمُهُ "كُوفِيدْ التَّاسَعَ عَشرْ"، وذلَكَ عَبرَ نُهُوضِه باكْتشَافِ ما يَتَوجَّبُ عَلَيْهِ اكْتِشَافُهُ مِنْ عِلَاجٍ فَعَالٍ، أَو عَبْرَ الْكشْفِ الْفَوْرِيِّ عَمَّا تَكْتَنزهُ ذَاكِرتُهُ بِشَتَّى مَجالاتِهِ وفُرُوعِهِ، إنْ اخْتارَ أَنْ يَتَأَنْسَنَ فَيُأَنْسِنَهَا، مِنْ أَمْصَالٍ وتَطْعِيْماتٍ وعَقَاقِيرَ نَاجِعَةٍ تُعْدِمُ هَذَا الـ"كُوفِيدْ" اللَّعِيْنَ الْوُجُودَ، وَذَلِكَ عِوَضَاً عَنِ الاسْتِمْرارِ فِي تَجْمِيدِ الطَّبِيْعَةِ، وتَخْريْبِهَا، وتسْويْدِ عَيْشِهَا، وإِنْضَابِهَا، وإِضْمَارِ جَسَدِهَا، وإماتَةِ الْحَيَاةِ البَشَرِيَّة الْجَمْعِيَّةِ، وإِخْرَاسِ نَبْضِ كُلِّ حَيَاةٍ، وإفْقَارِ الْوُجُودِ، وإِفْزَاعِ النَّاسِ وتَرْوِيْعِهِمْ، واحْتِجازِهِمْ، وَعَزْلِهِمْ، وأَسْرِهِم، والْحَجْرِ عَليْهمْ، وعَدِّ أَنْفَاسِهِمْ، وَتَكْرِيْسِ تَبَاعُدِهِم، وتَنْميَةِ شُكُوكِهِمْ الْمَرَضِيَّة إزَاءَ بَعْضِهِمْ بَعْضَاً بِوصْفِهِم نَاقِلِي عَدْوى مُحْتَمَلَينِ، وتَرْكِهِم فِي قَبْضَةِ هَذَا الْوَبَاءِ الْغَامِضِ الأَصْلِ الَّذِي عَرَّى الْكائِنَ الْبَشَريَّ مِنْ كُلِّ قِيمَةٍ، وعَاطِفَةٍ، وشَيءٍ، ونَشَاطٍ، وشُعُورِ، سِوى الْفَزَعِ الْمُرَوِّعِ مِنَ الْمَوتِ، والرَّغْبَةِ الْعَارِمَةِ فِي الْبَقَاءِ الأنَانيِّ الْفَرْديِّ عَلَى قَيْدِ حَيَاةٍ عَارِيَةٍ مِنْ كُلِّ شَيءٍ سِوىَ غَريْزةِ الْبَقَاءِ الْحَيَوَانيِّ النَّهِمِ، ومَوتِ الإنْسَانِ، وتَجْريدِ الْحَيَاةِ مِنْ عُرُوقِ دَمِهَا، ومِنْ كُلِّ أَرْدِيَةِ الْوُجُودِ الْحَقِّ، لِتَصِيْرَ مَحْضَ جُثَّةٍ عَارِيه؟!

***

ثُمَّ هَلْ سَيَكُونُ بِمقدورِ الْبَشَرِيَّةِ، إِنْ شَرَعَتْ فِي اخْتِيَارِ التَّأَنْسُنِ الضَّمِيريِّ الصَّادِقِ، أَنْ تَشْرَعَ فِي الْخَطْوِ الْمُواكِبِ خَطْوَ الإنْسَانِييَنَ الْواعِينَ الْعَارِفِينَ الْأحْرارِ، والْمُضَاءِةِ دُرُوبُهُمْ المُتَنَوِّعَةُ، الْمُتَشَعِّبَةُ، المُتَواشِجَةُ الْبِدَايَاتِ وطرائِقِ السَّعْيِّ والْغَايَاتِ، بِصِدْقِ إنْسَانِيَّتِهم، وصَفَاءِ بَصِيْرَتِهِمْ، ومُسْتَقْبَلِيَّةِ رُؤَاهُم الْوُجُودِيَّةِ الْمُعَزَّزةِ بِأَنْوارِ المْعْرِفَة الإنْسَانيَّةِ الْمُؤَصَّلَةِ، والْعِلْمِ الْحَقيْقيِّ المُؤَنْسَنِ الذِي بَاتَ يُصِرُّ، بِاجْتِهَادٍ مُتَواصِلٍ ودَأَبٍ مُثَابِرٍ مِنْ قِبَلِ مُدْرِكِيْهِ الأَوفِيَاءِ لِجَوهَرهِ، عَلى أَنْ يَكونَ هُوَ الْعِلْمُ الإنْسِانِيُّ المُؤَهِّلُ نَفْسَهُ لإدراكِ جَوهِرِ الإنْسَانِ الْحَقِّ الإنْسَانِ، ولِتَجْلِيَة وُجُوده في أبَّهَى الْهَيئَاتِ وأسْمَاهَا، إثْراءً لِلْحَيَاةِ بِكُلِّ مَعَانِي الوْجُودِ وأغْنَاهَا، وإِغْنَاءً للْوُجود بِكُلِّ مَعَاني الحَياةِ وأَثْرَاهَا؟!

***

ثُمَّ هَلْ سَيَكُونُ لِلْبَشَرِيَّة أَنْ تَنْفَتِحَ عَلى دَيْدَنِ خَطْوٍ لَا يَحُولُ دُونَهَا وعُبُورَ أَيِّ دَرْبٍ يُمَكِّنُهَا عُبُورُهُ الْمحَفَّزِ بِتَوقِهَا اللَّاهب لإدراكِ جَوهَرِهَا إنْسَانِيَّتِهَا مِنَ الاسْتِمرارِ فِي تَمكِينِ نَفْسِهَا عَبْرَ إِدْراكِ جَوهَرِ أَيِّ مُكَونٍ جَديدٍ مِنْ مَكَوِّنَاتٍ هُوِيَّتِهَا الإنْسَانِيَّةِ الْمفْتُوحَةِ عَلَى صَيرورةٍ دَائِمَةٍ، وعَلَى تَجَلِّياتِ كَمَالٍ يُنْقِصُه مَا قَدْ تُدْرِكُه مِنْ كَمَالٍ، فَتُواصِلُ السَّعيَّ لإدراكِ كَمَالٍ أَعْلَى، ولامْتِلَاكِهِ امْتَلاكَاً حَقِيْقيَّاً، ورَاسِخَاً، يُؤَسِّسُ لِتَمْكِيْنِهَا مِنْ إدْراكِ كُلِّ شَيءٍ، وكُلِّ كَائِنٍ، وكُلِّ مُوجُودٍ فِي الْوجُودِ، بِلْ ومِنْ إِدْراكِ الْوجُودِ فِي كُلِّ كُلِّيَاتِهِ الْمتَعَيَّنَةِ فِي شَتَّى تَجَلِّيَاتِهِ، بِوصْفِهِ وُجُودَاً كُلِّيَّاً يَسْعَى، فِي تَواكِبٍ تَفَاعُلِيِّ حَمِيْمٍ مَعْ سَعْيِ الإنْسَانِ الْحُرِّ وتَوهُّجِ أَشْوَاقِهِ، إلى إدْراكِ كَمَالٍ وُجُوديٍّ حَيَويٍّ أغْنَى وأرْحَبَ؛ وُجُودٍ أَغْزَرَ خُصُوبَةً، وأَسْعَدَ عَيْشَاً، وأَبْهَى جَمَالاً، وأَخْصَبَ تَفَاعُلاً، وَأَثْرَى تَبَادُلاً للْبَذْلِ والْعَطَاءِ، وأَجَلَّ إجْلَالاً للحقيْقَةِ السَّاطِعَةِ الْحَقَّةِ، وأَسْمَى مُسَاواةً، وتَسَامُحَاً، وتَعَايُشَاً، وغُفْرَانَاً، وسَلامَاً، وعَدْلاً!

***

الْحَقُّ أَنِّي، وأَنَا أُبْصِرُ كُلَّ شَيءٍ، ولا اتَفَادَىَ إِبْصَارَ شَيءٍ مَهْمَا ضَئُلَ أَوْ تَنَاهَى صِغَراً، لِكَيْ أُحْسِنَ التَّبَصَّرَ، مُتَرَوِيَّاً، ومُوْغِلَاً فِي أَبْعَدِ عُمْقٍ، وجَائِسَاً رِحَابَ أَوسَعِ مَدَىً، فِي كُلِّ مَا يُكَوِّنُ الْحَالِ الَّذِي نَحْنُ وعَالَمنُا عَلَيْهِ الآنَ فِي بُرْهَةِ هَذَا الزَّمَنِ الْأُفِقِيِّ الْميْتِ الْمحْكُومِ مِنْ قِبَلِ "كُوفِيدْ التَّاسِعَ عَشَرَ"، مُبَاشَرَةً، أَو عَبْرَ أَقْنِعَتهِ الْمُوارِيَةِ وجْهَهُ الْخَفِيِّ، أوَ الْمُوارِبَةِ وجُوْهَ الْمُقنَّعِينَ بِوجْهِهِ مِنْ مُسْتَثْمِريْهِ وَوُكَلائِهِ الْمُتَكَاثِرِينَ مِنَ وُحُوشِ الْبَشَرِ الْمَرْئِيينَ؛ الحَقُّ أَنِّي لَأَقْرِنَنَّ السُّؤَالَ عَنْ مَاهِيَّةِ الكَائِنِ الْبَشَريِّ، وهُوِيَّةِ الإنْسَانِ، وصُوْرَةِ الْعالَمِ بَعْدَ الْخَلاصِ مِنَ اسْتِطَاراتِ شُرُورِ "كُوفِيدْ التَّاسِعَ عَشَرَ"، إِنْ كَانَ ثَمَّةً مِنْ خَلاصٍ سَيَفْرجُ مُحْتَجِزوهُ عَنْ حَامِلِهِ "الْمُخلِّصِ" بِإِطْلاقِ سَرَاحِ الإنْسَانِ الإنْسَانِ، لَأقْرِنَنَّه بالسُّؤَالِ عَنْ مَصَائِرِ البَشَرِيَّةِ، وتَحَوُّلاتِ الطَّبِيْعَةِ، ومآلاتِ الحَيَاةِ، ومُمكِنَاتِ الْوُجُودْ إنْ كَانَ فِي الْوجُودِ، بِإرادة الإنْسانِ الإنْسَانِ، بَقِيَّةَ وُجُودٍ، أَو بَدْءَ وُجُودٍ يُرْضِي عَيْنَ عَيْنِ وَاجِدِ الْوُجودْ؟!

***

مَا الْمصَائِرُ، ومَا التَّحَوُّلاتُ، ومَا المآلاتُ، ومَا الْمُمْكِنَاتُ الْوجُوْدِيَّةُ، الَّتي كَانَ يُمْكِنُ للِعَالَمِ الَّذي كَانَ قَائِماً قَبْلَ الآنِ أَنْ يَصَلَهَا، أَوْ يُدْرِكُهَا، أَو يُلاقِيْها، أَو يَكْتَشِفُهَا ويَكْشِفُ لِنَفْسِه عَنْهْا، لَو أَّنَ هَذَا الـ"كُوفِيدْ" الْمَشْؤُومَ لَمْ يَصْعَدْ، أَوْ لَمْ يُصَعَّدْ، مِنْ غَوْر مُحْتَجَزهِ القَابِعِ فِي أَبْعَدِ أَغْوارِ الْجَحِيمِ، مَحْمُولاً عَلَى حَجَرٍ بُركَانيٍّ، أَو لَوْ أّنَّهُ، لَمْ يَسْقُطْ، أَوْ لَمْ يُسَقَّطْ، عالِقَاً بِذَيْلِ مُذَنَّبٍ هَائِلٍ، أَوْ مُتَوارِيَاً في قَبْضَةِ كَائنٍ فَضَائِيٍّ خُرافِيٍّ أَزْرَقِ اللَّوْنِ، كَامِدِهِ، لِيَرْتَطِمَ بِرأْسِ الإنْسَانِ الْكُلِّيِّ السَّاعِيَ، بِصُحْبَةِ كُلِّ أَنْهَارِ الْحَيَاةِ الْحَيَّةِ، وبِاسمِ الْوجُودِ الإنْسَانِ، وبِمُبَارَكَةِ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ الْحقِّ، لإِعَادةِ تَكوينِ العَالَمِ عَلَى نَحْوٍ يَستَجيبُ لِجَوهَرِ الإنْسَانِيَّةِ الْحَقَّةِ، ويُضِئُ مَنَاراتِ رِسَالَتِهَا الْوُجُودِيَّةِ الْمًكْتَنزةِ مَغْزَى وُجودِهَا الْحيَويِّ فِي شَتَّى مَداراتِ الْوجودْ؟! وهَل ثَمَّة مِنْ لإِمكانِيَّةٍ لـ"إعَادةِ تَكوينِ الْعالَمِ" لِيَكُونَ، عَنْ حَقٍّ، عَالَمَاً إِنْسَانِيَّاً، إِلَّا عَبْرَ اجْتِثَاثِ بُؤَرِ كُلِّ فَسَادٍ بَشَرِيٍّ، وإِلَّا عَبْرَ تَطْهِيرِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ دَنَسِ الْعُنْصُريَّةِ، والتَّطَرُّف، والتَّوحُّشِ، والْغَرَائِزِ الْفَاتِكَةِ، والْفُحْشِ، والْجَشَعْ، وذَلكَ فِي جَميْعِ أَرْجَاءِ الأُروضِ، وفي شَتَّى السَّمَاواتِ والْمَجَرَّاتِ، والْكَواكِبِ، والأَكوانِ، وعَلى نَحْوٍ يَكُفُلُ إنْهَاضَ الْحَيَاةِ الْحُرَّةِ الْحَيَّةِ، وإِسْعَادِ الإنْسَانِ الْخَلَّاقِ الإنْسَانِ، وإِثْراءِ حَيَويَّةِ الْوجُودِ الْحَقِّ، وتَوسِيعِ مَدَاراتِ تَجَلِّيْهِ الأَجَلَّ والأَسْمَى، وإِثْرَائِهِ، وإِغْنَاءِ وُجُودِهْ؟!

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.