أنثروبولوجيا المخيّم

حديث البدايات
الجمعة 2021/01/01
غرافيك "الجديد"

في برهة فردوسيّة، كانت تسمى فترة الخمسينات، وحتى أوائل الستينات من القرن العشرين، بُني “مخيم اليرموك” على التخوم الجنوبيّة لمدينة دمشق. وقد بُني ذلك المخيم الشهيد، والذي لفرط بهائه كأنه ما كان ولا يكون مثله في الأزمان، في برهة كان الماضي والحاضر والمستقبل فيها حكايةً تُروى وتُعادُ روايتها في سهرات العائلة وفي الإذاعات. وكان يكفي أن ينظر المرء خلف ظهره كي يرى أوّل التاريخ، وأن يُحدّق في الأفق كي يرى نهايته.

وكانت فترة مدٍّ قوميّ في كُلٍّ من: مصر وسوريا والجزائر واليمن. وفيها جرى تأميم قناة السويس، واندحار العدوان الثلاثي على مصر، وقيام الوحدة بين مصر وسوريا، كما واندلعت فيها ثورة أهل الجزائر الشقيق ضد الاستعمار الاستيطانيّ الفرنسي. وكلّها أحداثٌ صبّت فرحاً في وجدان الفلسطينيين، ورأوها علاماتٍ على قُرب خلاصهم الوطني.

وبالنسبة إليهم، فقد كان كل مسعىً لإنهاء حالة التجزّؤ التي تعيشها الشعوب العربية، وكلّ تحشيدٍ لطاقاتها، بمثابة خطوات تُقرّبهم من استعادة أرضهم السليبة، الأرض التي ينظر لها العرب ومسلمو العالم قاطبةً باعتبارها “أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”.

وهم لم يشكّوا في أيّ يوم مرّ عليهم في تلك الأيام، رغم قساوة شروط العيش، أن الساعة التي سوف تتحررُ فيها أرضهم، ليعودوا بعدها إلى بيوتهم التي ما تزال مفاتيحها في جيوبهم، وإلى حقولهم التي تركوها خلفهم في فلسطين، آتيةٌ لا ريب فيها، وأن المسألة مسألة وقت.

وإلى حينها لم يكن للفلسطينيين أحزابٌ سياسية تعبّر عن مواقفهم وتطلعاتهم السياسية، ولا صحفٌ خاصة تنطق بما تجيش به صدورهم، خلا “الهيئة العربية العليا” بزعامة الحاج أمين الحسيني، وكانت جهازاً تمّ إفراغه من أيّ محتوى، وأُقيم في أعقاب نكبة فلسطين لتمثيل شعبها في اجتماعات جامعة الدول العربية وفي المحافل الدولية، ودعّمته بعض الدول العربية وبالأخص مصر، لمناكفة ملك الأردن عبد الله الأوّل، دون أن تُعطيه فوق الدعم الشفهي، أيّ فرصة للعمل السياسي بين صفوف الفلسطينيين، بما يؤطّرهم اجتماعياً وسياسيّاً، ويلمّ شتات تطلعاتهم.

باستثناء تلك “الهيئة”؛ التي كانت أشبه بشبحٍ متبقٍّ من الماضي النضالي الزاخر للفلسطينيين، فإن كل ما كان لهم من أطر سياسية، وأحزاب، واتحادات، ونقابات، وصحف، ومؤسّسات، كلها اختفت تماماً من حياتهم في أعقاب اللجوء. وفي اللجوء كان عليهم أن يخضعوا لاشتراطات العيش في البلدان العربية التي استضافتهم، وأن لا يأتوا بما يُعكّر صفو وجودهم فيها كضيوف، وأن ينتظروا، وأن يبقوا منتظرين، إلى أن تدقّ ساعة التحرير بأيدي العرب مجتمعين، وهي الساعة التي كانوا يتوقّعونها أن تدقّ مع مطلع كلّ يوم، ومع كل تغييرٍ سياسي بارزٍ يحدث في هذا الجزء من الوطن العربيّ أو ذاك.

وكانت أزماناً أزليّةً، مباركةً، لم تنل الأحداث الجسام من صدقيّتها، لا ولم ينوجد، رغم كثرة الهزائم فيها، ما يزعزع السلام الداخلي للقناعات، أزماناً لم ينكتب في عمق الوجدان العربيّ فيها سوى خربشات تكاد لا تُظهر على السطح. فقد كنّا قادرين أيامها على تخطّي الكوارث مهما عظُمت في أيام أو أسابيع، نعود بعدها إلى أشغالنا، ومقاعد درسنا، ومقارّ عملنا. نعود إلى مشاريع العمار، أو الزواج الذي حان وقته لهذا الولد أو لتلك البنت. وشيئان بارك الله فيهما: “العمار والزواج”.

إبدأ بأيهما، ولن تعرف من أين يأتيك العون. والحياة ملأى بمشاريع لا حصر لها: دراسة، ودراسة فوق الدراسة. أعمال، وأعمال فوق الأعمال. أولاد، وزواج، وأحفاد، ومصاريف طارئة. فكان أن راحت البيوت القديمة في “مخيم اليرموك” تُهدم، ويُعمَّرُ بيوتٌ غيرها، أو تُباع وبحقّها يمكنك شراء بيتين في الضواحي البعيدة لمدينة دمشق. شراءٌ، بيعٌ، تسجيلٌ، فراغٌ، بيوتٌ أحلى، بيوتٌ أوسع. والوظائف تنتظر تخرّج الأبناء من الجامعة كي تمتلئ. والأحفاد يقبعون لنا في بقعة من بقاع المستقبل المجهول في انتظار أن نعثر لآبائنا وبناتنا على عرايس وعرسان. والعرايس والعرسان كانوا على قفا منْ يشيل. وهذا المشروع بحاجةٍ إلى عامين على الأقلّ. ويا سيدي خذ ثلاثة أعوام… خذ أربعة… خمسة… عشرة. فالأعوام في الأفق، وفي انتظار الكلّ.

في ذلك الزمن السرمديّ المبارك، ولا ينجح بناءٌ يُخلّده التاريخُ إلا في زمنٍ يشبه ذلك الزمن، بُنِي “مخيم اليرموك”؛ عاصمة الشتات الفلسطيني. المخيم الذي لم تبنهِ رغبة الفلسطينيين بالانعزال عن المجتمع السوريّ الذي كانوا يعيشون بين ظهرانيه، لا ولم تبنه رغبةٌ من السوريين بعزل أغرابٍ طبّوا في أرضهم كالقضاء والقدر، مثلما رأيناه يعْمَلُ مع المخيمات الفلسطينية في لبنان، بل لقد بَنَتْ “مخيم اليرموك” مع بقية المخيمات في سوريا إرادة مشتركة سورية – فلسطينية؛ رسمية وشعبية، بأن يكون، وبأن يُبنى للفلسطينيين مكانٌ يليق بهم وبمقام أرضهم الطيّبة المباركة، مكانٌ يجمع شتاتهم، ويُخفّف عنهم شروط اللجوء القاسي، ويتيح لهم مواصلة عيشٍ كريمٍ يُشبه العيش الذي تركوه خلفهم.

وهنالك شعوبٌ، كوّنتها جيناتها، وماضيها الصعب، وحاضرها الأصعب، تكويناً جعل طباعها أميلَ إلى الخشونة والتجهّم. فهي تنفُرُ من البشر، حتى ولو كانوا من الأقارب، وتتمنّى لو جرى تركُها وشأنُها في هذا الكون. وليس ذلك هو حال الشعب السوري؛ المعروف بطيبته ودماثته وحُسنِ استضافته للجماعات والإثنيّات ولكلّ من نكبه الزمن، وإغضائه عن الهفوات الصغيرة، ما ظلّت صغيرة. ويكفي أن نعرف، على سبيل المثال لا الحصر، أن معظم سكّان حيّي ” أبو رمانة” و”المهاجرين” في دمشق، هم ممن استوطن أجدادُهم تلك المدينة قبل نحو قرنٍ على وصول الفلسطينيّين إليها. وكانوا أتوها، مثلما أتاها الفلسطينيّون، هاربين من المذابح الدينية والعرقيّة في بقاعٍ شتّى من قارّتي آسيا وأوروبا، وصاروا مع مرور الأيام، أبناء دمشق الأصليين، بل ومن علية القوم فيها. وأن ينشأ الانسان ابناً متعلّماً لعائلةٍ تسكن في واحدٍ من ذينك الحيّيين كان يعني حتى أوائل السبعينات، قبل انقضاض العسكر على سُدّة الحُكم في سوريا، ومجيء أبناء الفلاحين، أنه قد صار قاب قوسين أو أدنى من أن يكون وزيراً، أو عضوا في مجلس النوّاب السوريّ.

كما وليس صدفةً أن يكون دعاة القومية العربية الأوائل من أصول سورية، بالمعنى الجغرافي الواسع لتلك الكلمة. ففي اللاوعي التاريخيّ الدفين لعموم قاطني “بلاد الشام” تستوطن فكرةٌ مؤدّاها أنهم أبناء أرضٍ قدّسها الله، أرض الميعاد التي شهدت أولى فتوحات الدعوة الاسلامية، يوم كان التحرّش بالإمبراطوريات العظمى القائمة آنذاك مغامرة مكلفة وغير مضمونة النتائج.

فكان أن احتضن ترابها أجسادَ الكثير من الصحابة وتابعيهم، كما وكانت قصبتها الكبرى؛ دمشق – الشام، كُرسيّاً لأوّل وآخر إمبراطورية بناها عربٌ أقحاح: دولة الأمويين، وأن ساكن هذه الأرض يحمل من ضمن ما يحمله من أعباء حياتيّة عبء استعادة أراضي العرب السليبة في “فلسطين” و” لواء الإسكندرون” و”عربستان”، وصولاً، إذا أمكن، إلى استعادة الأمجاد الزاهرة في ربوع “الأندلس”. وفوق تراب سوريا، وأينما سكن المرء، يتشرّب مع حليب والدته، وفي السرديات المحكية في المضافات، والأقاصيص التي تسبق النوم، أنه ابن أرضٍ بارك الله فيها: أرض المنشر والمحشر، وهذا في نطاق نشأته البيتيّة والشعبية بين أهله وأبناء ديرته، وأما في مدارسه، وفي جميع الحقب السياسية التي عرفها تاريخ سوريا، بما فيها حقبة الانفصال التي اتُّهِمَت ظُلماً وعدواناً بالعمالة للغرب، يتعلّم الطفل منذ أوّل يومٍ دراسي له، مع تحيّة العلم، وفي الحصص الدراسية المتعاقبة، وبين دفّات الكتب، أنه يعيش فوق أرضٍ كُتب على ساكنيها أن يتحمّلوا قسطاً كبيراً من واجب الدفاع عن أمتهم العربية، وعن قضاياها المصيرية الكبرى، يتعلّم ذلك إما في دروسٍ مخصّصة لهذه الغاية، دروس التربية القومية، أو عبر الأمثلة والشواهد التي تشرح له قواعد النحو العربيّ، أو مبادئ علم الحساب.

ورغم الأصول الفلاحية لغالبيتهم، إلاّ أن اللاجئين إلفلسطينيّين أخذوا من فور وصولهم إلى دمشق ابتداءً من عام 1948 يعملون في أيّ بابِ رزقٍ ينفتح أمام وجوههم. وهكذا فما وصلنا إلى أواسط الستينات إلاّ ونَدَرَ معملٌ أو ورشةٌ أو كارٌ إلاّ وفيه عمالٌ فلسطينيّون. وتلك هي حال الرعيل الأول، ممن وصلوا كباراً في السن، وهم مسؤولون عن أفواهٍ كثيرة. وأما الفقس الجديد، جيل المستقبل، فقد انصرف، وبالدرجة الرئيسيّة بفضل منظمة الأونروا الدولية، إلى التعليم الذي أوصل غالبيّتهم إلى الجامعات، وصاروا بسببه موظفين في دوائر الدولة السورية، أو في دول الخليج العربي، وبالأخص في سلك التعليم. ومؤكّدٌ أنّ كلّ من كان طفلاً في هاتيك الأيام، ما تزال إلى الآن ترنّ في أُذنيّه لازمةٌ كان أهلنا يرددونها على الدوام، عندما كنّا نهمّ بالخروج إلى الحارة لكي نلعب:

– لا اتطوّل هه. من شان ترجع لدروسك ووظايفك. فاهم؟”.

– “فاهم!”.

وكانت الحكومات التي تعاقبت على حكم سوريا ابتداءً من عام النكبة، قد سنّت العديد من القوانين والتشريعات، التي سوّت بموجبها، وإلى حدٍّ كبير، بين السوريين والفلسطينيين، فكان من جرّاء ذلك أن تمتّع الفلسطينيون بغالب ما تمتّع به السوريّون مِن فُرَص عيشٍ ودراسةٍ وعملٍ وتوظيفٍ أوصلت الكثيرين منهم إلى أعلى المراتب الوظيفية، إلاّ أن هناء هذا العيش الذي تمتّع به الفلسطينيّون في سوريا طوال ستة عقود على وجودهم هناك، ما كان ليُكتبَ له النجاح، بالكيفية التي رأيناه يتمّ بها، لو كانت لأهل “شام شريف” طبيعة أخرى غير الطبيعة الطيّبة والمتسامحة التي خبرناها فيهم، من خلال عيشنا المشترك معهم، إلى حدود المصاهرة.

وفي سني حياته الأولى بُني “مخيم اليرموك” على عَجَل، وعلى قَدّ الحال ..”هات إيدك والحقني!” كما يقولون بالدارجة الفلسطينية. بيوتٌ استنسخ الفلسطينيّون من خلالها بيوتهم القديمة، بيوتاً من طابق واحد. غرفتان أو ثلاث غرف، تصطف بجانب بعضها البعض، بشكلٍ طولاني، كأنك تبني مدرسة صغيرة، مع فسحة سماوية، وبئر ماء، وذلك قبل أن تُجَرّ مياه نبع الفيجة إلى “مخيم اليرموك”، أسوةً ببقية أحياء مدينة دمشق.

غير أن أهل المخيم ما لبثوا بعد سنواتٍ من استقرارهم المجيد في ذلك الجزء الذي انتُزع لهم من أرض غوطة دمشق، وبعد أن تحسّنت أوضاعهم المادية والمعيشية، وبعد أن كبر أولادهم، وصار بعضهم خَرْجَ زواج، أن راحوا يهدمون ما بنوه في الأوّل، ويبنون بدلاً منه بيوتاً أحلى، وأوسعَ، وأكثرَ تنظيماً، وأشدَّ استفادةً من كُلّ سنتيمترٍ أُعطيَ لهم، بيوتاً سوف تتسع للأحفاد، كما اتسعت التي قبلها للأبناء.

وفي “مخيم اليرموك”، كما في بقيّة المخيمات الفلسطينية، سوف يحرص أبناء القرية الواحدة على التجمع في الحارة الواحدة، ما كان ذلك ممكناً. وكان مثل ذلك الترف ممكناً يوم كان ما يزال في الأرض التي خُصّصت كي تُوزّع عليهم متّسعٌ وفراغاتٌ كافية للانتقاء أو للمبادلة. وذلك هو أحدٌ الأسباب في أن كثيراً من شوارع المخيم وحاراته جرت تسميتها لاحقاً نسبةً إلى غَلبة أهل بلدةٍ على سكناها: شارع لوبية، شارع الجاعونة، شارع صفورية، إلى آخره.

فكان أن ساهم سَكَنُهم بجوار بعضهم البعض في إعادة ما كان بينهم أيام البلاد من أواصر ومصاهرات، وساهمت السرديات المشتركة، فوق بسِطٍ مفروشةٍ في ساحات البيوت، تحت العرايش الفتيّة، وفي الليالي المقمرة والدافئة، بإعادة ربطهم بماضيهم، الذي صارت حكاياته جنباً إلى جنب، مع مفردات النكبة الراهنة مادّةً خصبة لمرويّات الحاضر.

كما وساعدت الجيرة مع أناسٍ تعرفهم ويعرفونك، وينطقون الكلام بالطريقة التي تنطقها به، على الإبقاء على اللهجات الأصلية لبلدات وقرى فلسطين. وكان استمرار السكن في أحياء مدينة دمشق، وبلدات غوطتها، قد هدّد لو طال أكثر بالاختفاء التامّ لتلك اللهجات. ففي قلب المخيم لم يعد المرء مضطّراً لإخفاء لهجته الفلسطينية، أو تحويرها كي تصبح مماثلةً للّهجة أهل الشام.

كما وشكّلت سُكنى المخيم انتصاراً لعادات القرية الفلسطينية وتقاليدها بعد أن تهدّد كثيرٌ منها في قلب المجتمعٍ الشاميّ الجديد. فقد كان للاجئين عاداتٌ وتقاليد تختلف في كثيرٍ من المفردات مع تلك التي للشاميّين، طالت اللهجات واللباس، والأطعمة، وصولاً إلى آداب المشي في الشارع، وبالأخص بالنسبة إلى البنات الفلسطينيات اللواتي صار لزاماً عليهنّ، في بعض أحياء مدينة دمشق، أن يُغطّين وجوههن بملاءات سوداء. وزوجة الفلاح وبناته، وبحكم وجودهن الدائم في البساتين والبيّارات، لا يُغطّين وجوههن. ولو غطّينها لما انزرعت الأرض ولا تعشّبت، ولما جُنيت خيراتُها!

وبعد انتقال الناس إلى المخيم عاد نسوة الفلسطينيّين إلى لِبسٍ فلاّحيٍّ يشبه لبسهن يوم كنّ في قراهنّ وبلداتهن الأصلية، وهو في غالب الأحيان ثوبٌ واحدٌ ما في غيره، للنهار كما هو للّيل. ومع ذلك فقد ظلّ المنديل الأسود، مرعيّاً لبعض الوقت، عند النزول إلى سوق الحميديّة، أو عند الذهاب إلى “معرض دمشق الدولي”، إلى أن بدأت تلك العادة المقيتة بالتلاشي من دمشق على نحوٍ شبه تام ابتداءً من أواخر الستينات.

وفي مبتدأ أمره شكّلت السكنى في اليرموك، وفي غيره من المخيمات تراجعاً حادّاً في المرتبة الاجتماعيّة. ولعب دوراً أساسيا في شيوع مثل ذلك الإحساس ما لمفردة “مخيم” من علاقة بالخِيَم، والبدو الرُحّل، وبضيق ذات اليدّ. والدلالات التي تحملها تلك المفردة، متى لُفظت، كانت كافيةً لأن يتخذ الغرباء موقفاً قَبْليّاً من المخيم كمكان، ومن ساكنيه كبشر، حتى من قبل أن يدخلوا إليه، ومن قبل أن يعاشروا أهله، ولاسيما وأنه لم يكن أيامها قد اتّضح بعدُ إلى ماذا ستُفضي مراكمة كلّ تلك البيوتٍ بجانب بعضها البعض، وإلى أين تقود الحارات المتعرّجة إن أسلمناها أقدامنا، الحارات التي كانت للناظر إليها من الخارج أشبه بمتاهة، لا يجرؤ على الدخول إلى قلبها، أو الخروج منها غير أهلها، أو هي أشبه بركام أبنيةٍ: لا راس له ولا أساس!

وذلك ما جعل أثرياء الفلسطينيّين، بل وحتى متوسّطي الحال منهم يؤثرون مواصلة السكن في أحياء مدينة دمشق، وبالأخص من كان منهم ابناً للمدن الفلسطينيّة الكبرى مثل: صفد وحيفا ويافا، وأبناء مدينة صفد على وجه الخصوص، لما يربطهم مع أهل دمشق من أواصرَ عائلية وتشابهٍ في عادات العيش، يُعيدها المؤرخون إلى الحقبة الأيّوبيّة من تاريخ بلاد الشام.

وهكذا، وبالكيفية التي حكيناها آنفاً، يمكن القول إن “مخيم اليرموك” كما بُنيَ وكما مورس العيش فيه، ساهم بشكلٍ كبير في الإبقاء على الهوية الفلسطينية، التي كادت نكبة عام 1948 تهدّد بإماتتها. ففي المخيم تخفّف الناس، بسبب وجودهم في قلب تجّمعٍ بشريّ متجانس، يخصّهم وحدهم، أو كان في سنواته الأولى، على الأقلّ، يخصّهم وحدهم، من الضغوط الوجدانية التي يخلقها اضطرار الفلاّح لتغيير بعض عاداته كي يطيق الحياة في بيئة غير التي كانت تكون في العادة له ولأفراد عائلته.

وبالعودة مجدّداً إلى برهة اللجوء نقول إنّ أمر الاهتمام بمعيشة الفلسطينيين اللاجئين وإغاثتهم وقع في تلك الأيام، في شِقِّه الرسميّ، على عاتق هيئتين: إحداهما دولية والأخرى رسمية – سورية. وأما الدولية فهي “الأونروا” التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وقد أقامت هذه المنظمة لأبناء اللاجئين مدارس، ووفّرت لهم تعليماً مجانياً كان يوصلهم إلى نهاية المرحلة الإعدادية، مع ما يلزم من قرطاسيّة، وحليب، وطعام، كما وفّرت لعموم اللاجئين الفلسطينيّين رعاية طبية في مستوصفاتٍ أُنشئت لذلك الغرض، ومن أهمّها مستوصف حمل اسم ملك المغرب “محمّد الخامس”. وكان زار المخيم عام 1960، ووضع حجر الأساس لذلك المستوصف.

وفضلاً عن توفير الطبابة للفلسطينيّين فقد وفّرت لهم الأونروا ما يُدعى بـ”الإعاشة”، وهي نصيبٌ شهريٌّ، كان، من موادّ غذائيةّ أوّليّة، ومنها الطحين والسكّر والسمن والزيت،والعدس، فضلاً عن أنها كانت من حينٍ إلى آخر توزّع عليهم بُقَجاً مُحكمة الإغلاق، ملأى بملابس أوروبيّة مستعملة، وأحذية، أنتَ وحظُّك!

وأما الجهة الأخرى التي اهتمت بشؤون اللاجئين الفلسطينيين الذين طبّوا في سوريا فهي “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا” وهي مؤسسة حكومية سورية تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وقد تخصّص فرعها القائم في المنطقة المسماة: “عين كرش” في ” شارع بغداد” بتزويد اللاجئين الفلسطينيين بما يلزمهم من وثائق ثبوتيّة، تُسهِّلُ معاملاتهم الرسمية. على أن أكبر وأهم ما قامت به تلك الهيئة الحكومية السورية أنها قامت ابتداءً من أواسط خمسينات القرن العشرين باستئجار قطعة أرض جنوبي دمشق، سُميّت في المعاملات الرسمية باسم “فضلات شاغور” وأخذت تمنحها على هيئة قطع صغيرة لعائلات اللاجئين الفلسطينيّين، كلّ عائلة بحسب عدد أفرادها، وبموجب أذون سكن، مكّنت حامليها من إشادة أبنية فوق الأرض المعطاة لهم، غير أنها لم تعطهم الحقّ في بيع ما بنوه، ولا في بيع الأرض التي بنوا فوقها. وأقصى ما كان باستطاعة اللاجئ أن يفعله بهذا الخصوص هو التنازل عن عقاره، وعن إذن السكن الممنوح له للاجئ آخر مثله، في عملية قانونية معقّدة، أمام الجهات الرسمية، وبعد الحصول على موافقتها.

ولكن، ومع مرور السنين، ومع اتّساع العائلات، وازدياد حاجتها لمزيد من البيوت، أو حاجتها لأثمان تلك البيوت، جرى غضّ النظر عن الإجراءات التشديديّة المذكورة آنفاً، فصار بيعُ البيوت المشادة فوق أرض مؤسّسة اللاجئين وشراؤها يجري بين الناس بمعاملات جانبيّة، (كتاب برّاني كما يقولون بالعامية) عند كاتب العدل.

كما وأجازت التشريعات السوريّة للفلسطينيّ – السوري أن يتملّك بيتاً آخر (طابو أخضر) سوى البيت الذي أعطته له مؤسّسة اللاجئين. وأيضاً، ورغم تلك الضوابط وُجِدَ من بين الفلسطينيّين السوريين، مَن تملّكوا العديد من البيوت في قلب “دمشق” وغيرها في المدن السورية، وبالطريقة إياها: كِتاب برّاني!

بل لقد صار بعضُ الفلسطينيين في الثمانينات والتسعينات، ومطلع الألفية الجديدة، وإلى أن كفّ “مخيم اليرموك” عن الوجود، وإلى أن كفّت سوريا التي عرفناها عن الوجود، صاروا من كبار تجّار العقارات في سوريا. وعمليات بيع وشراء البيوت والأراضي والمزارع التي اشتغل فيها هؤلاء العقاريون الفلسطينيون لم تترك مكاناً على الأرض السورية إلاّ ووصلت إليه.

وفي السنوات الأولى من عمره انحصر عمران “مخيم اليرموك” وسط ضلعين ينطلقان من نقطة تُدعى “الجسر”، على الطرف الجنوبيّ لـ”القاعة، ميدان فوقاني”، جنوبي دمشق، وبعدها يمضي ذينك الضلعان متباعدين. وفي الفسحة الحاصلة بين تباعدهما بُنِيَ “مخيم اليرموك” في صيغته الأولى. وكان أحد الضلعين يقود إلى بلدتي “البويضة” و”حجّيرة”، ودُعي لاحقاً باسم “شارع اليرموك”، وصار أبهى شوارع دمشق وأعجقها، وأغلاها فروغاً. وأما الضلع الآخر، فيقود إلى بلدات “يلدا” و”ببّيلا” و”بيت سحم”، على الطريق المؤدّي إلى “السيدة زينب”، ودُعي لاحقاً باسم “شارع فلسطين”، وكان شارعاً متجهّماً، تكثر فيه الدوائر الرسمية، فضلاً عن وجود مخفرين، واحدٌ في بداياته، وثانٍ في وسطه.

وأغلب الظنّ أن الطريقين المذكورين آنفاً، وكانا عند الشروع ببناء المخيم ما يزالان ترابيّين، كانا هناك، حيث صادفهما أهلنا، موجودين منذ أزمان لا يُدركها الوهم، تتمثّل وظيفتهما الأصلية بتصريف المحصولات الزراعية لأهالي القرى المذكورة، وتيسير وصولها إلى أسواق دمشق، وعودة أولئك الأهالي مع طنابرهم ودوابّهم إلى قراهم وبلداتهم.

ومثل ذلك يمكن أن يُقال عن سبب تسمية نقطة التقاء ذينك الضلعين باسم “الجسر”، فإنها تسمية موجودة، على الأرجح، قبل أن يقدم الفلسطينيون إلى تلك البقعة. ودعيت بالجسر لوجود جسرٍ، كان، لمرور الناس، والطنابر، وقطعان الماشية فوق نهرٍ يُدعى “نهر قليط”. ولدى الشروع في بناء مدخلٍ لمخيم اليرموك أُقيم مكان ذلك الجسر دوّارٌ واسع، ما لبث في العقود اللاحقة أن زُيّن دايره بشجيرات ورد ونخيل زينة، وقامت في قلبه بحرة ماء، وبقلبها مجسّم للكرة الأرضية، وبات يُعرف لدى الناس باسم “دوّار البطّيخة”.

وأما نهر “قليط”، الذي كان يحد اليرموك غرباً وجنوباً، فهو نهرٌ قديمٌ قِدَم مدينة دمشق، صادفه العرب الأوائل يوم فتحوا المدينة. ولدينا في كتب التراث العربي إشاراتٌ كثيره إلى وجوده منذ ما قبل تلك الأيام. وهو نهرٌ:  تتجمع فيه مخلّفات أهل دمشق من مياهٍ مالحة وقاذورات، فيحملها ذلك النهر، طوراً في باطن الأرض، وطوراً فوق سطحها، ويأخذها إلى بساتين الغوطة، تسقي، وتُسمّد، وتموت هناك (على حدّ تعبير أحد مؤرخي دمشق).

وكانت جرت على فترات متباعدة تغطية مجرى ذلك النهر، والقُنى التي تصبّ فيه، في قلب المدينة. غير أنه وعند تربة “الباب الصغير”، في منطقة “المسلخ” القديم، قريباً من ساحة “باب مصلّى” كان يعاود الظهور، مكشوفاً ومملوءاً بمياه السياقات فوق سطح الأرض، ويعبر على هيئته العارية تلك برائحته الباعثة على الغثيان، في قلب بساتين الشاغور؛ الجهة الشرقية لـ”حيّ الميدان”.

ويوم ابتدأ العمار في “مخيم اليرموك” كان جزء “نهر قليط”، الممتد من منطقة “المسلخ” القديم ومن “باب مصلّى” وصولاً إلى “القاعة”، جنوبي حي الميدان، أوّل مخيم اليرموك، قد تمّت تغطيتُه، وقام فوقه شارعٌ إسفلتيّ، ودُعِيَت المنطقة التي بُنيت على طول امتداده من “باب مصلّى” إلى أول “مخيم اليرموك” باسم “الزاهرة القديمة”. وأما تتمّة نهر قليط، ابتداءً من منطقة “القاعة” و”الجسر” وصولاً إلى البساتين التي كان يموت فيها، فقد كان مكشوفاً، وشَكّلَ الحدود الغربية لـ”مخيم اليرموك” وظلّ مكشوفاً حتى السبعينات، وفيها جرت تغطيتُه، وامتدّ فوقه شارعٌ دُعي رسمياً باسم ” شارع الشهيد فايز منصور”، وأما بين الناس فقد كان يُسمّى “شارع الثلاثين” في إشارة إلى عرضه محسوباً بالأمتار. وكان مقدّراً له أن يمتدّ حتى يصل إلى بلدتي “يلدا” و”عقربا”، وعند هذه الأخيرة يتّصل مع طريق مطار دمشق الدولي، غير أن تقدّمه اصطدم أيامها بـ”مقبرة اليرموك” على أطراف “حيّ التقدّم”، وكانت أجساد المدفونين فيها ما تزال طريّة، فضلاً عن أنه كان في ذلك الوقت قد قامت على جزءٍ من تلك المقبرة “تُربة” ضمّت جثامين شهداء الثورة الفلسطينية الأوائل، ومتحفٌ صغير يوثّق لنضالات الفلسطينيين، فكان أن وقف شارع الثلاثين عند جدار تلك المقبرة، وقام عند نقطة توقّفه هناك سوق عظيم للخضار والفواكه واللحوم بأنواعها.

 ورغم تغطية ذلك النهر، وإقامة شارع عريضٍ فوقه، إلاّ أن الرائحة النتنة المتراكمة فوق تلك البقعة التي سار فيها النهر لآلاف السنين ظلّت تُشَمُّ في تلك الأرجاء لسنوات عديدة، ويوم اختفت، بل وحتى قبل أن تختفي، راحت تقوم على الضفة الشرقية من ذلك الشارع، شارع الثلاثين، منطقة عُرِفت لاحقاً باسم “غرب اليرموك” أو “الكُتَل”، وهي عمارات من طرازٍ حديث، ما لبثت أن صارت من أغلى مناطق السكن في مخيم اليرموك. وقد غَلَبَ على سكناها أهل دمشق. فقد راح بعض هؤلاء يبيعون بيوتهم في قلب مدينتهم الأصلية، ويشترون بجزءٍ من ثمنها، بيوتاً في الكُتَل؛ غربي اليرموك، ويشغّلون الباقي في أعمال التجارة التي تخصّهم، أو مع مُشغّلي وجامعي الأموال من أمثال “بسام خربوطلي” و”باشايان”.

وفي السنوات الأخيرة من عمر شارع الثلاثين أخذت المحلات التي قامت على ضفته الشرقية تتخصّص، بشكلٍ رئيسيّ، ببيع إكسسوارات الموبايلات، وقطع غيار السيارت. وأما الرصيفُ الغربيّ منه فكان ينفتح على بساتينَ تزرع “الأرضي شوكي”، وعلى أراضٍ فارغة، وحظائر لتربية الأبقار والأغنام، وكلّها كانت حدوداً فصلت “مخيم اليرموك” عن حيّي “القدم” و”العسالي” المجاورين. وذلك الرصيف الرعويّ – النزهويّ من الشارع صار في سنوات عمره الأخيرة مكاناً للتريّض، وفيه مقاهٍ تقدّم لمرتاديها الشاي والأراكيل بتكلفة زهيدة، وكانت فيه ملاعب صغيرة مسيّجة للعب كرة القدم بأجرٍ معلوم، فضلاً عن “مدينة ألعاب” كانت قرب نقطة التقائه مع بنايات “القاعة”، وهي آخر الحدود الإدارية لمدينة دمشق، وأوّل الحدود الإدارية لـ”مخيم اليرموك”.

***

سوريا

وكان نظام الوحدة بين سوريا ومصر قد رفع منسوب الآمال القومية ليس فقط بمحض قيامه، كحالة تحشيدٍ لقوى عربية كبرى، بل لأنه عَمَدَ أيضاً، وكان ذلك لأولّ مرّة منذ خروج الفلسطينيين من بلادهم، إلى إقامة كيانٍ عسكريّ من بين رجالات الفلسطينيّين في سوريا، جرت تسميتُه رسمياً باسم “الكتيبة 68″، وشعبياً باسم “كتيبة الفدائيين”، وأشرف على قيادتها ضباطٌ سوريون ومصريون، على رأسهم الضابط السوري “أكرم الصفدي”، وجرى تدريب أفراد تلك الكتيبة على أعمال الإغارة والكمائن والإنزال خلف خطوط العدو، وعلى جمع المعلومات، وكل الأعمال التي هي في الأصل من اختصاص وحدات الكوماندوس في الجيوش النظاميّة.

وكان مشهدُ بعض رجالات المخيم يروحون، ويجيئون، من، وإلى معسكر كتيبتهم؛ ” كتيبة الفدائيين” في بلدة “القابون” على الطريق الواصل بين دمشق وحمص، ببَدْلاتهم المبرقعة، وبالبنادق التشيكيّة التي كانت تكون على أكتاف البعض منهم، مشاهد تغمر قلوب أهل المخيم بفرحٍ عظيم، وتمنحهم اندفاعة عاطفية هائلة.

على أنه قد كان لتشكيل تلك الكتيبة جانبٌ سلبيّ. فقد كانت أوّلَ إقحامٍ للفلسطينيين في الشؤون الداخلية للدول العربية المضيفة. ففضلاً عن مهامها الأصلية، جرى استخدامُ عناصرها لخدمة مصالح بعض الجهات، وجرى استخدامها تحديداً لمصلحة كمال جنبلاط، في صراعه مع بعض الأحزاب اللبنانية، زمن حكم الرئيس اللبناني كميل شمعون.

 وفي يوليو من عام 1965 شكّل أفرادٌ من تلك الكتيبة رأس حربة في المساعي الناصرية المستميتة للإطاحة بنظام حكم حزب البعث في سوريا، الذي كان قد استولى على مقاليد الحكم في أعقاب انقلاب الثامن من مارس عام 1963. فقامت مجموعة صغيرة منهم، بتحريضٍ من بعض قادتهم بالهجوم على مبنى “هيئة الأركان السورية” في ساحة الأمويين، في عزّ الظهيرة، في محاولة ناصرية طفولية يائسة لقلب نظام الحكم البعثيّ في سوريا.

وكان الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ  قد فصّل في برنامج “شاهد على العصر”، وبثّته محطة الجزيرة، القول في الحديث عن ذلك الهجوم. ويومها أشاد الحافظُ بشجاعة الشبانَ الفلسطينيين الذين اقتحموا مبنى الأركان، وقال “أشهدُ بالله إنّو الشباب الفلسطينيّة بَوَارْدِيّة”.

غير أن إعجاب أمين الحافظ بشجاعة أولئك البوارديّة، لم يمنعه، وكان أيامها رئيساً للدولة السورية، من إعدامهم على الفور، في ساحة مبنى الأركان، دون محاكمة.

 وكان يوم 18 يوليو من عام 1965، يوماً كئيباً في “مخيم اليرموك”، ومُرّ المذاق، ومِنْ بعده أُسْدِلَ الستار على تلك التجربة العسكريّة الوئيدة. وبعد إلإعدام الفوري لمن تمّ الإمساك بهم بالجرم المشهود تشتّت باقي أفرادها، وفرّ معظمهم إلى مصر. وحُلَّتْ وأُلحِقَ مَن أراد من أفرادها بالفرع العسكري في المخابرات السورية، المسمّى بالفرع الخارجيّ.

ورغم المصائر المفجعة لأولئك البوارديّة، على حدّ توصيف أمين الحافظ، إلا أنّ تجربتهم، بما خالطها من إيجابيات وسلبيات، احتلّت مكانة شاعريّة مضمّخة بالأسى في وعي أهل “مخيم اليرموك”. ولاحقاً جرى العُرفُ على تسمية أفرادها بـ”الفدائيين القُدُم”، تمييزاً لهم عن “الفدائيين الجُدد” الذين أتوا مع الثورة الفلسطينية التي انطلقت أوائل عام 1965.

على أن انخراط الفلسطينيين – السوريين في العمل العسكريّ والسياسيّ في لبنان وداخل الأراضي السورية انحصر أيامها في فئة قليلة من الناس، وأما الغالبية العظمى منهم فقد واصلوا تحصيل لقمة عيشهم المرّ، ولم يكن تحصيل لقمة العيش أيامئذٍ بالأمر الهيّن، كما قد يتوهّمها الشعر، وواصلوها بعيداً عن السياسية ومتاعبها، وما يترتب عن الاشتغال بها من مخاطر وخربان بيوت. وعام 1964، تمّ إنشاء منظمة التحرير الفلسطينيّة، وبعدها ولدت عشرات التنظيمات الفلسطينية، سياسية وعسكرية، فكان أن استقطب قيامُها فئات بشرية أوسع من أهل “مخيم اليرموك”، وتشكّل إثر ذلك الاستقطاب إيقاعٌ جديدٌ داخل حياة الفلسطينيين، وغَيَّرها بشكلٍ شبه جذري.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.