إشكاليّة هويّة وسيمياء الشّخصية العراقية

الأربعاء 2017/02/01

يسلك ‭ ‬أبطال‭ ‬الرواية‭ ‬مأساة‭ ‬من‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين،‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬تعددت‭ ‬خلالها‭ ‬أنماط‭ ‬القهر‭ ‬والمعاناة‭ ‬والصراعات‭ ‬الدموية،‭ ‬ففي‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تلوّن‭ ‬العنف‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الأمة‭ ‬العراقية‭ ‬بسبب‭ ‬الانتماء‭ ‬السياسي،‭ ‬لليسار‭ ‬أو‭ ‬للأحزاب‭ ‬القومية،‭ ‬والدينية‭ ‬خلال‭ ‬صراعها‭ ‬على‭ ‬السلطة‭. ‬وفي‭ ‬التسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عانى‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬عبثية،‭ ‬بدأت‭ ‬بحرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى،‭ ‬والثانية،‭ ‬وتضاعفت‭ ‬فيها‭ ‬التضحيات،‭ ‬وازدادت‭ ‬معاناة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬وتحول‭ ‬العنف‭ ‬إلى‭ ‬عنف‭ ‬مزدوج،‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬الحرب،‭ ‬والموت‭ ‬في‭ ‬المنافي‭ ‬المختلفة‭ ‬حسرة‭ ‬على‭ ‬الوطن،‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬حتى‭ ‬يقع‭ ‬ضحية‭ ‬لحرب‭ ‬جديدة،‮ ‬وفقدت‭ ‬البلاد‭ ‬خلالها‭ ‬خيرة‭ ‬أبنائها‭.‬

رسالة‭ ‬خاصة

يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬عواد‭ ‬علي‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬خاصة‭ ‬وصلتني‭ ‬منه‭ ‬‮«‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للعراقيين‭ ‬المسيحيين‭ ‬والمندائيين‭ ‬الصابئة‭ ‬والإيزيديين،‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأميركي‭ ‬للعراق،‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬واقتلاع‭ ‬لوجودهم،‭ ‬وانتمائهم‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجماعات‭ ‬التكفيرية‭ ‬الإرهابية،‭ ‬هو‭ ‬أشد‭ ‬هولاً‭ ‬مما‭ ‬صورّته‭ ‬الرواية،‭ ‬وأفضع‭ ‬مما‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬سردي‭ ‬أو‭ ‬فني‭ ‬مقاربته،‭ ‬فإن‭ ‬المبدع‭ ‬يجب‭ ‬ألاّ‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المأساوي،‭ ‬أو‭ ‬يبعده‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الأدبية‮»‬‭.‬

‮ ‬‭ ‬ويضيف‭ ‬علي‭ ‬‮«‬لو‭ ‬راجعنا‭ ‬التجارب‭ ‬الروائية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬كتبوا‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى‭ ‬والمآسي‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬شعوبهم،‭ ‬جماعاتٍ‭ ‬وأفراداً،‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬والثورات‭ ‬والانقلابات‭ ‬والصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬الإثنية‭ ‬والدينية‭ ‬والسياسية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نماذج‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الشخصيات،‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬والظلم‭ ‬وانتهاك‭ ‬الكرامة‭. ‬وهي‭ ‬نماذج‭ ‬تختزل‭ ‬فئات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬تعرضت‭ ‬إلى‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والقمع‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الفاشي‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬الساعة‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرون‮»‬‭ ‬لكونستنتان‭ ‬جورجيو،‭ ‬و‮»‬للحب‭ ‬وقت‭ ‬وللموت‭ ‬وقت‮»‬‭ ‬لريمارك،‭ ‬و‮»‬دكتور‭ ‬زيفاغو‮»‬‭ ‬لباسترناك،‭ ‬و‮»‬عازف‭ ‬الكمان‮»‬‭ ‬لستيفن‭ ‬غالاوي،‭ ‬و‮»‬كوخ‭ ‬العم‭ ‬توم‮»‬‭ ‬لهيريت‭ ‬ستو،‭ ‬و‮»‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬الفرات‮»‬‭ ‬ليشار‭ ‬كمال،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬خير‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‮»‬‭.‬

‮ ‬‭ ‬ويوضح‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬كيف‭ ‬ألحَّت‭ ‬عليه‭ ‬فكرة‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والمَهاجر،‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬مرتين،‭ ‬مرةً‭ ‬كَوْنها‭ ‬تحمل‭ ‬الجنسيّة‭ ‬العراقيّة،‭ ‬ومرةً‭ ‬ثانيةً‭ ‬لأنَّها‭ ‬تحمل‭ ‬عقائد‭ ‬خاصةً‭ ‬بها،‭ ‬يوضح‭ ‬قائلاً‭ ‬‮«‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬حاولت‭ ‬في‭ ‬‘أبناء‭ ‬الماء’‭ ‬أن‭ ‬أركّز‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬دينية‭ ‬وقومية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬التنوع‭ ‬أو‭ ‬الفسيفساء‭ ‬العراقي‭ ‬‭(‬مسيحية‭ ‬ومندائية‭ ‬وعربية‭ ‬وكردية‭)‬‭ ‬تعرضت‭ ‬عوائلها‭ ‬إلى‭ ‬التصفية‭ ‬الجسدية‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬أو‭ ‬الملاحقة‭ ‬أو‭ ‬الاغتصاب،‮ ‬‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬معقدة‭ ‬بعضها‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬عقب‭ ‬الاحتلال،‭ ‬حينما‭ ‬سادت‭ ‬الفوضى‭ ‬وانتعشت‭ ‬النزعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والتكفيرية‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬العراق،‭ ‬ما‭ ‬اضطرها‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬البلد‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬ملاذات‭ ‬آمنة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬اللجوء‭ ‬لتحفظ‭ ‬حيواتها‭ ‬وكرامتها‭. ‬وقد‭ ‬عمدتُ‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬تسرد‭ ‬فجائعها‭ ‬بنفسها‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬الراوي‭. ‬وهذا‭ ‬التعدد‭ ‬الصوتي‭ ‬‭(‬البوليفوني‭)‬‭ ‬يعكس‭ ‬التعدد‭ ‬والتنوع‭ ‬الديني‭ ‬والإثني‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬العراقي‮»‬‭.‬

‮ ‬‭ ‬ويمضي‭ ‬علي‭ ‬قائلاً‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الاحتلال‭ ‬أراد‭ ‬في‭ ‬مخططه‭ ‬البعيد،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬دول‭ ‬إقليمية‭ ‬تحمل‭ ‬أحقاداً‭ ‬تاريخيةً‭ ‬تجاه‭ ‬العراق،‭ ‬تمزيق‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬وتفتيته‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭.‬‭ ‬كما‭ ‬حاولتُ‭ ‬أن‭ ‬أجعل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬محمّلةً‭ ‬بحس‭ ‬وطني‭ ‬تاريخي‭ ‬وانتماء‭ ‬عميق‭ ‬لبلدها،‭ ‬رغم‭ ‬المحن‭ ‬والكوارث‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬فيه‭. ‬ولذلك‭ ‬ظلت‭ ‬مرتبطةً‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬بعلاقات‭ ‬نبيلة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لجأت‭ ‬إليه،‭ ‬وتحلم‭ ‬بالعودة‭ ‬حين‭ ‬ينقشع‭ ‬الكابوس‮»‬‭.‬

التوظيف‭ ‬المعرفي

حمّل‭ ‬الكاتب‭ ‬روايته‭ ‬إضافاتٍ‭ ‬معرفيةً،‭ ‬فيما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالعقائد‭ ‬والأديان،‭ ‬والطوائف‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬كالصابئة‭ ‬والإيزيديين‭ ‬واليهود‭ ‬والشبك‭ ‬والمسيحيين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الزرادشتية‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭. ‬وحوّل‭ ‬بمهارة‭ ‬معرفته‭ ‬بالعقائد‭ ‬والعادات‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬معرفة‭ ‬جمالية‭ ‬روائية‮»‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬الرواية‭ ‬مصدراً‭ ‬للمعرفة‭. ‬وأضاف‭ ‬إليها‭ ‬تفصيلاتٍ‭ ‬شائقةً‭ ‬لتقاليد،‭ ‬وطرائق‭ ‬عيش‭ ‬حامليها،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الرواية‭ ‬تسجيلاً‭ ‬سوسيولوجياً‭ ‬ذكياً‭ ‬لفئات‭ ‬مجتمعية‭ ‬عرقية‭ ‬مختلفة‭.‬

من‭ ‬شخصيّات‭ ‬الرواية‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬التراجيدي‭: ‬‮«‬ميران‮»‬‭ ‬المندائي،‭ ‬أخته‭ ‬‮«‬سولاف‮»‬،‭ ‬أخوه‭ ‬‮«‬سبهان‮»‬،‭ ‬وعمه‭ ‬‮«‬منادي‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬سرد‭ ‬الكاتب‭ ‬طقوسهم‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬الخليقة‭ ‬‭(‬البرونايا‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ذكرى‭ ‬الخلق‭ ‬وتكوين‭ ‬عوالم‭ ‬النور‭ ‬والأرواح‭ ‬الأثيرية‭ ‬الأولى،‭ ‬حيث‭ ‬تُفتح‭ ‬فيه‭ ‬بوابات‭ ‬النور،‭ ‬وتنزل‭ ‬الملائكة‭ ‬والأرواح‭ ‬الطاهرة‭ ‬فيعمّ‭ ‬نورها‭ ‬الأرض‭. ‬كما‭ ‬قدّم‭ ‬سرداً‭ ‬شيّقاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬الديانة‭ ‬المندائية‭ ‬وأصولها،‭ ‬يقول‭ ‬الترميذا‭ ‬‭(‬كاهن‭ ‬مندائي‭ ‬مكرّس‭)‬‭ ‬عن‭ ‬الخالق‭ ‬تعالى،‭ ‬عندما‭ ‬تسأله‭ ‬مجندة‭ ‬أميركية،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬السيطرات،‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬عقيدتهم،‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬معبودهم،‭ ‬يقول‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬ديانة‭ ‬موحِّدة‭ ‬توحيداً‭ ‬باطنيّاً‭ ‬تؤمن‭ ‬بإله‭ ‬واحد‭ ‬معبود‭ ‬مستقل‭ ‬ومبعوث‭ ‬بذاته،‭ ‬غير‭ ‬محدود‭ ‬الأسماء‭ ‬والصفات‭ ‬والقوة‭ ‬والإرادة،‭ ‬منتشر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الفضائل‭ ‬ويسكن‭ ‬الشمال‭ ‬القاصي،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬العرفان،‭ ‬وهو‭ ‬الـمندا،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬التوحيد‭ ‬ينكشف‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬مثل‭ ‬ومض‭ ‬نوراني‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬تعرّف‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬الإنساني‭ ‬إلى‭ ‬أصلها‭ ‬النوراني‭ ‬الهابط‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬النور‭. ‬وللمندائية‭ ‬لاهوت‭ ‬وأساطير‭ ‬وطقوس،‭ ‬كلّها‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬غنوصية‭ ‬ونضال‭ ‬ضد‭ ‬الشر،‭ ‬وتوجّهٌ‭ ‬إلى‭ ‬الخير‭ ‬والنور‭ ‬وخلاص‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الظلام‭ ‬قبل‭ ‬الموت‭ ‬وبعده‮»‬‭ ‬‭(‬ص‭ ‬63‭ ‬من‭ ‬الرواية‭)


لوحة: فادي يازجي

‬‭.‬

‮ ‬ويتحدّث‭ ‬ميران‭ ‬عن‭ ‬طرقهم‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬موتاهم‭ ‬للدفن،‭ ‬خلال‭ ‬دفن‭ ‬أبيه‭ ‬وأخيه،‭ ‬بعد‭ ‬اغتيالهما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬متطرفين‭ ‬إسلاميين‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬للاحتلال،‭ ‬‮«‬أجرينا‭ ‬لهما‭ ‬مراسيم‭ ‬المسخثة‭ ‬‭(‬تطهير‭ ‬الروح‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬طقوس‭ ‬تقام‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬الميت‭ ‬الذي‭ ‬يموت‭ ‬غيلةً،‭ ‬وجهّزنا‭ ‬لهما‭ ‬ملابس‭ ‬بيضاء‭ ‬‭(‬رستة‭)‬‭ ‬لبسهما‭ ‬شخصان‭ ‬يحملان‭ ‬نفس‭ ‬الاسم‭ ‬الديني،‭ ‬ثم‭ ‬ثبّتنا‭ ‬إكليلين‭ ‬من‭ ‬الآس‭ ‬على‭ ‬رأسيهما‭ ‬ووضعناهما‭ ‬في‭ ‬نعشيهما،‭ ‬وقرأنا‭ ‬الفاتحة‭ ‬على‭ ‬روحيهما‭.. ‬نطق‭ ‬الحي‭ ‬العظيم،‭ ‬وألقى‭ ‬بأفواهكم‭ ‬النور‭ ‬والضياء،‭ ‬الوقار‭ ‬لأنفسكم،‭ ‬وسبحان‭ ‬الحي‮»‬‭ ‬‭(‬ص‭ ‬60‭ ‬من‭ ‬الرواية‭)‬‭.‬

‮ ‬ويضيف‭ ‬ميران‭ ‬‮«‬في‭ ‬البدء‭ ‬تقدَّم‭ ‬أربعة‭ ‬حلاليين‭ ‬‭(‬رجال‭ ‬دين‭ ‬بمنزلة‭ ‬الشمامسة‭ ‬عند‭ ‬المسيحيّين‭)‬‭ ‬وعملوا‭ ‬‮«‬مندِلتة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬قصب‭ ‬يغرزونه‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬رزدق‭ ‬واحد،‭ ‬وقسموها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام‭ ‬وربطوا‭ ‬كل‭ ‬قسم‭ ‬بخيط‭ ‬من‭ ‬الخوص‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقطعوه‭. ‬كانت‭ ‬المندِلتة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النعشين‭ ‬بعداً‭ ‬كافياً‭ ‬يمكِّنهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يجولوا‭ ‬حولها‭. ‬ثمّ‭ ‬حملوا‭ ‬نعش‭ ‬والدي‭ ‬أولاً‭ ‬ورفعوه‭ ‬فوق‭ ‬رؤوسهم‭ ‬وعبروا‭ ‬به‭ ‬فوق‭ ‬تلك‭ ‬المندِلتة‭. ‬حين‭ ‬اجتازوها‭ ‬عاد‭ ‬الرابع‭ ‬ووقف‭ ‬وراءها‭ ‬ووضع‭ ‬عليها‭ ‬طيناً‭ ‬وقطّعه‭ ‬بسكين‭ ‬قطعاً‭ ‬مستديرةً‭ ‬وختمها‭ ‬بخاتم‭ ‬منقوش‭ ‬عليها‭ ‬صور‭ ‬أربعة‭ ‬حيوانات‭: ‬حيَّة‭ ‬وأسد‭ ‬وعقرب‭ ‬ودبور،‭ ‬وطلب‭ ‬الصفح‭ ‬والغفران‭ ‬لنفس‭ ‬والدي،‭ ‬ثم‭ ‬لحق‭ ‬بحاملي‭ ‬نعشه،‭ ‬وسار‭ ‬معهم‭ ‬حتى‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬الدفن‭ ‬وأنزلوا‭ ‬النعش‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬وتقدّم‭ ‬صاحب‭ ‬الختم‭ ‬وأخذ‭ ‬مسحاةً‭ ‬وراح‭ ‬يملأها‭ ‬بالتراب،‭ ‬وهو‭ ‬يكرر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عند‭ ‬ختمه‭ ‬المندِلتة،‭ ‬ويُلقي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬كتفه‭ ‬الأيسر،‭ ‬وبذلك‭ ‬حدّد‭ ‬مكان‭ ‬القبر‭ ‬ليقوم‭ ‬الحفّارون‭ ‬بعملهم،‭ ‬والترميذا‭ ‬يقرأُ‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬‘السدرا‭ ‬ربّا’‭ ‬وأمامه‭ ‬الدرفش‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتمّوا‭ ‬حفر‭ ‬القبر‭ ‬أنزلوا‭ ‬الجثة‭ ‬في‭ ‬الحفرة‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬الرأس‭ ‬متجهاً‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬حيث‭ ‬بيت‭ ‬الرب‭ ‬‭(‬بيت‭ ‬أواثر‭)‬،‭ ‬والرِجلان‭ ‬متَّجهتين‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‮»‬‭ ‬‭(‬ص‭ ‬64‭ ‬من‭ ‬الرواية‭)‬‭.‬

ويستطرد‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬الطقوس‭ ‬المندائية‭ ‬في‭ ‬الدفن،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيد‭ ‬لهما‭ ‬اعتبارهما‭ ‬كبشرين‭ ‬لم‭ ‬ينالا‭ ‬ما‭ ‬يستحقان‭ ‬في‭ ‬حياتهما،‭ ‬لكن‭ ‬الموت‭ ‬سيعيد‭ ‬ذلك‭ ‬الاعتبار‭ ‬المفقود‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬‮«‬ولمّا‭ ‬انتهى‭ ‬الترميذا‭ ‬من‭ ‬صلاته‭ ‬ألقى‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬التراب‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭. ‬عندئذ‭ ‬أكمل‭ ‬الحاضرون‭ ‬دفنه،‭ ‬ودنا‭ ‬صاحب‭ ‬الختم‭ ‬وختم‭ ‬تراب‭ ‬القبر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الرأس‭. ‬وتكرر‭ ‬طقس‭ ‬الدفن‭ ‬نفسه‭ ‬لأخي‭ ‬سبهان‮»‬‭. ‬‭(‬ص‭ ‬65‭ ‬من‭ ‬الرواية‭)‬‭.‬

التشظي‭ ‬الأسري

يروي‭ ‬ميران‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العيد‭ ‬الكبير‭ ‬‭(‬دهنا‭ ‬إدهنينا‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬عانوه‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2004‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وترويع‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬متطرفين‭ ‬إسلاميين،‭ ‬فاضطر‭ ‬هو‭ ‬وعائلته‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المفوضية‭ ‬العليا‭ ‬للاجئين‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬‮«‬تيريزا‭ ‬صليبا‮»‬‭ ‬المسيحية،‭ ‬وخطيبها‭ ‬‮«‬أفرام‮»‬‭ ‬وأمها‭ ‬‮«‬سارة‮»‬،‭ ‬وأخواها‭ ‬الأصغر‭ ‬منها‭ ‬‮«‬بهنام‮»‬‭ ‬و‮»‬فاديا‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬اغتيل‭ ‬أفراد‭ ‬منهم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬لإرغامهم‭ ‬على‭ ‬مغادرة‭ ‬البلد‭.‬

ويبدأ‭ ‬التشظي‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬المهجَّرين‭ ‬بأهلهم‭ ‬وتأريخهم،‭ ‬ويحاولون‭ ‬نسيان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي،‭ ‬والاندماج‭ ‬بعلاقات‭ ‬جديدة‭ ‬ترفضها‭ ‬أسرهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬أنهم‭ ‬بمغادرة‭ ‬بلدهم‭ ‬الأصلي‭ ‬عليهم‭ ‬مغادرة‭ ‬عقائدهم‭ ‬أيضاً‭.‬

‮ ‬‭ ‬ميران‭ ‬أورثته‭ ‬ولادته‭ ‬في‭ ‬المعتقل‭ ‬ببغداد‭ ‬حزناً‭ ‬دائماً،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬والده،‭ ‬صائغ‭ ‬الذهب،‭ ‬شيوعيّاً‭ ‬رفض‭ ‬تسليم‭ ‬نفسه‭ ‬للسلطات‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬فاعتقلوا‭ ‬زوجته،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حاملاً‭ ‬بميران،‭ ‬ولم‭ ‬يطلقوا‭ ‬سراحها‭ ‬ووليدها‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬عندما‭ ‬سلّم‭ ‬نفسه،‭ ‬فخرجت‭ ‬الأم‭ ‬بميران‭ ‬من‭ ‬المعتقل‭ ‬وعمره‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭. ‬ويتزوج‭ ‬ميران‭ ‬بـ‮»‬أيجون‮»‬‭ ‬الأذربيجانية‭ ‬الأصل،‭ ‬ذات‭ ‬الديانة‭ ‬الزرادشتية،‭ ‬ويخفي‭ ‬أمر‭ ‬زواجه‭ ‬عن‭ ‬أمه‭ ‬وأخته،‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬الأم‭ ‬المطلق‭ ‬أن‭ ‬يقترن‭ ‬ولدها‭ ‬بغير‭ ‬مندائية‭ ‬مثله‭.


لوحة: فادي يازجي

‮ ‬‭ ‬أما‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬البكري‮»‬،‭ ‬الصحفي‭ ‬العربي‭ ‬المسلم،‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬طفولته‭ ‬وشبابه‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬وجيبوتي‭ ‬ودمشق‭ ‬رفقة‭ ‬أبيه‭ ‬الشيوعي‭ ‬المنفي،‭ ‬فيتزوج‭ ‬‮«‬أيهان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أبوها‭ ‬يهودياً‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬ساسون‮»‬‭ ‬الدمشقية،‭ ‬فأسلم‭ ‬حين‭ ‬أحبّ‭ ‬وتزوج‭ ‬أمها‭ ‬التركمانية‭ ‬السورية‭ ‬الأصل،‭ ‬وكانت‭ ‬تعمل‭ ‬راقصة‭ ‬ستربتيز‭ ‬سابقاً‭ ‬لتعيل‭ ‬أسرتها‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬أبيها‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬‮«‬غوانتانامو‮»‬‭.‬

‮ ‬مواقف‭ ‬صعبة

وعمل‭ ‬‮«‬يوسف‮»‬‭ ‬محرراً‭ ‬ومترجماً‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬الشعب‮»‬‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬أسرته‭ ‬من‭ ‬الشام‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬وقد‭ ‬ظنّ‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعاش‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عقب‭ ‬زوال‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬لكنه‭ ‬يتعرض‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬إثر‭ ‬كتابته‭ ‬مقالاً‭ ‬حول‭ ‬استيلاء‭ ‬حزبه‭ ‬على‭ ‬أملاك‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فيقرر‭ ‬الهجرة‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬حياته‭. ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬تأييد‭ ‬مختوم‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬الجريدة‭ ‬يؤكّد‭ ‬صحة‭ ‬التهديد‭.‬

الحب‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬له

‮ ‬‭ ‬أراد‭ ‬الروائي‭ ‬عواد‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الساردين،‭ ‬وخاصةً‭ ‬‮«‬ميران‮»‬‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الحب‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬له‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬القولة‭ ‬الشهيرة‭ ‬المأخوذة‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬الصوفي‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي‭ ‬‮«‬قد‭ ‬تجد‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأديان،‭ ‬لكن‭ ‬الحبّ‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬له‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬عقد‭ ‬‮«‬ميران‮»‬‭ ‬وحبيبته‭ ‬المسلمة‭ ‬‮«‬لورين‮»‬،‭ ‬شقيقة‭ ‬‮«‬أيهان‮»‬‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬أكثر‭ ‬تبصّراً،‭ ‬ويصنعا‭ ‬سعادتهما‭ ‬باتباع‭ ‬إرادة‭ ‬الحياة،‭ ‬كما‭ ‬يريدانها،‭ ‬حياةً‭ ‬يصقلها‭ ‬الهوى‭ ‬وشغف‭ ‬أحدهما‭ ‬بالآخر،‭ ‬ولا‭ ‬تكدّر‭ ‬صفاءها‭ ‬عثرات‭ ‬المعتقدات‭ ‬وتقاطعاتها‭.‬

‮ ‬‭ ‬الرواية‭ ‬كُتبت‭ ‬بلغة‭ ‬شاعرية،‭ ‬وجرت‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬عديدة‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬وبلدان‭ ‬اللجوء،‭ ‬وضمّت‭ ‬عشرات‭ ‬الشخصيات‭ ‬غير‭ ‬الشخصيات‭ ‬السبع‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬عملية‭ ‬السرد،‭ ‬وقد‭ ‬حملت‭ ‬كل‭ ‬شخصيّة‭ ‬إشكاليّةً‭ ‬نصيّةً‭ ‬معقدةً،‭ ‬ركز‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬سيمياء‭ ‬الشخصيّة‭ ‬العراقيّة‭ ‬بعد‭ ‬تقشيرها،‭ ‬ليضع‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬موروثاتٍ‭ ‬سومريةً‭ ‬وآراميةً‭ ‬وآشوريةً‭ ‬وكلدانيةً،‭ ‬وعربيةً،‭ ‬ودياناتٍ‭ ‬وثنيةً‭ ‬قديمةً،‭ ‬وإيزيديةً‭ ‬وشبكيةً‭ ‬ومندائيةً،‭ ‬ومفرداتٍ‭ ‬لغويةً‭ ‬مختلفةً‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬والعمق‭ ‬الحضاري‭ ‬لبلاد‭ ‬الرافدين‭.‬

لقد‭ ‬وضع‭ ‬عواد‭ ‬علي‭ ‬شخصيّاته‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬مأساوية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬صعبة‭ ‬جداً‭ ‬ليصوغ‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعالهم‭ ‬وأزماتهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬ومشاعرهم‭ ‬إجاباتٍ‭ ‬لسؤال‭ ‬طالما‭ ‬أرّق‭ ‬جميع‭ ‬العراقيين،‭ ‬إنه‭ ‬سؤال‭ ‬الهوية‭ ‬والمواطنة،‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬هكذا‭ ‬ضائعين‭ ‬في‭ ‬المَهاجر‭ ‬أم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتناسى‭ ‬اختلافاتنا‭ ‬المذهبية‭ ‬والإثنية‭ ‬لكي‭ ‬يلتئم‭ ‬شملنا‭ ‬في‭ ‬وطننا،‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين؟

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.