اختلال الذاكرة

13 قصيدة
السبت 2021/05/01
لوحة أسامة دياب

لونٌ مُنْسَحِب

سجائرٌ تنسكبُ مثلَ ماءٍ باردٍ في الرّئاتْ

في أصابعَ تحرّكُنا خطوطًا ودوائرَ في قماشةِ الأرض

تمشي دونَ أن تعرفَ جهاتِها

حيثُ الشّكلُ الّذي يصيرُ بُقْعَةً عَلَيَّ الآن

أزرقُ

لا لونَ

له.

كوابيس الجنرال

بَعْدَ أنْ تصيرَ لي تجاعيد

ويقرّرَ الجلدُ أنَّهُ آنَ أوانُ العظام

ستبيضُ دودةٌ في إحدى عينيّ

وعندما يخرجُ أطفالُها إلى العتمةِ

ستحكي لهم قصصًا مضيئةً عن تاريخِ أعضائي

بينما يُحَسِّنُ النَّسْلُ الجديدُ من جودةِ تربتي

فتنمو كوابيسَ من النّوع الطوّيلِ

في ليالي الجِنرال.

أثر الفراشة

لو تأمّلَ العالمُ دوائرَ الأيادي على زجاجِ السيّاراتِ المنتشرةِ في العالم

خفيفةً مثلَ انتقالٍ من الأخضرِ إلى الأحمر

لكانَ اسمُ النّظريّةِ قدِ اختلف

لكنّ كسورَهُ العشريّةَ احتاجتْ إلى استعارةٍ أرقَّ

مِنَ اتّساخِنا.

كورونا

حيث روائحُ البولِ، وبقايا التعاطي، وكلابٌ تختلطُ بالإنسانِ

وإنسانٌ يبحثُ في الحاوِيات، وحاوياتٌ منتفخةٌ من بقايا الحَجْرِ،

وحَجْرٌ يُخْرِجُني باسمِ المَشْيِ كي لا أُصابَ بالاكتئاب

أرفعُ أسمى آياتِ الشُّكْرِ إلى حماقَةِ العالمِ المنسوبةِ إلى خفّاش

فقدْ جعلتْني مثلَ شارعٍ فارغٍ خفيف

لا أحدَ فيه غيرُ أهلِهِ الشرعيّينَ

الّذينَ لا يظهرونَ في فيديوهاتِ

الإنفلوينسيرز.

الذّاكرةُ الخائنة

إن لم تَخُنّي الذّاكرة

فإنَّ هذهِ العلاماتِ مِنْ أثرِ انفجارِ حربٍ قريبة

أو مِنْ أثرِ حادثٍ في ضبابِ الطّريق

أو من أثرِ اختلالِ توازنِ درّاجةٍ حلّقَ بجسمي إلى بابِ محلِّ أبو منير

أو من أثرِ أظافرَ تنهشُ في الظَّهْرِ تحتَ وطأةِ رغبتِها بالمزيد

لكنّها خانتني،

 كما تفعلُ دائمًا،

هذه العلاماتُ

سكاكينُ كان يخبّئُها لكَ كلَّ مرّةٍ فائضُ

سذاجتِك.

ثقوبٌ سوداء

تَنْفَتِحُ في طريقِكَ ثقوبٌ

لها أنْ تنتهي بِكَ إلى الأسودِ

لو لم تعرفْ أينَ خبّأتَ مفاتيحَ إغلاقِها

الغرقُ لا يحتاجُ أكثرَ مِنْ استنزافِ التيّارِ للعضلات

العضلاتُ مهما كانت قويّةً وماهرة

سترتخي.

بعدَ كلِّ هذا المشي

حفاةً مشينا كلَّ هذا الرّيف

أهدينا للطّريقِ وجوهَ أقدامِنا

وأهدَتْنا الطّريقُ خشونَةَ الأحافير

ثمَّ لم نَجِدِ النّهر:

ابتلعهُ البحرُ عن آخرِهِ

أو جَفَّ من أثرِ

احتباسِنا.

لوحة أسامة دياب
لوحة أسامة دياب

اليوم الأخيرُ من العالم

نجمَعُ التماثيلَ والجثثَ المحنّطة،

نزجّها في المتاحف،

ماذا نريدُ أن نَحْكي لأنفسِنا؟

أنّ الموتَ يلاحقُنا في كلّ زقاقاتِ التّاريخِ ولا يُمْسِكُنا؟

أم أنّا أصغرُ مِنْ رَكْضِهِ فينا؟

ستهبُّ الرّيحُ،

يعلو الموجُ،

تتجمّدُ أطرافُ الأرضِ

وتَخْرُجُ نيرانٌ مِنْ روحِ الماءِ، فنطفو

ومعنا كلُّ

شواهدِنا.

شفّاف

نارٌ في باطنِ كفّي

مِنْ وحيِ الصّحراءِ الممتدّةِ في الصّمت

أمسحُ وجهَ العالمِ بالنّور

فيفتحُ عينيهِ ويبصرُني

شفّافًا لا أبصرُ

نفسي.

أقدامٌ لمغادرةِ الأرض

جرحٌ في ملح

تنبتُ غابة

تهدي للعالمِ أقدامًا

كي تمشي الأرضُ المبتورة

وتغادر.

دون أن تبتلّ الطّريق

هيّا أيّها القاربُ الخفيف

خُذْ ضَعْفَنا في جولةٍ قصيرةٍ

ليتحسّنَ مزاجُه،

فهوَ منذُ اختلالِ موادِّ الذّاكرة

لم يعدْ يحبُّ الاختلاط

لم يعدْ يرى المتعةَ في الأشياء

يصعبُ عليهِ مغادرةَ السّريرِ

رغمَ أنّهُ مِنْ سلالةِ فلّاحينَ يسبقونَ الشّمسَ دومًا في موعدِها مع الأرض

خُذْه

اقطفْ لَهُ أصنافًا جديدةً من ضفّةِ التّجربة

اجعلهُ يُصْغي للعصافيرِ في ورشةِ الرّيح

دَعْهُ لو رغبَ

أنْ يمشي الماءُ تحتَ قدميْه

دونَ أنْ تبتلَّ

طريقُه.

الطّريقُ إلى بلغراد

كلّ الطّرقِ مغلقةٌ بأمرٍ مِنْ حكوماتِ الجائحة

طريقُ الثّلجِ إلى هذهِ المدينةِ

وحدَها كانتْ مفتوحةً أمامَ هروبيَ مِنْ حَبْسِيَ الاختياريِّ في الرّماديّ

كانت الحياةُ تصنعُ مؤامرةً مع ابتسامةٍ

تقفُ بأحمرِها البسيطِ لدى حصانِ السّاحةِ

تنتظرُ يدًا تلمحُها من بعيدٍ

فتطيرُ إلى كتفِها مثلَ خلاصٍ بطيءٍ

يحرّكُ في عينيْها خَجَلًا

مِنْ أثرِ الألمِ في

جسدي.

أرواحنا أحيانًا

في منشأةٍ تأكلُ حيطانُها نفسَها

غبارٌ مُضاءٌ بما في النّوافذِ مِنَ انكِساراتٍ

وتشقّقات،

تدورُ بالأسودِ،

غرابٌ أنيقٌ يشتهيها،

يغنّي لضعفِها الجميلِ حتّى يكبرَ على مهلِهِ،

فتنامُ

ويشمُّ

لحمَها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.