الأجسام المنزلية تتأمل المشهد من وراء النوافذ

الأربعاء 2020/07/01

1

يعيش حوالي ثمانية مليارات إنسان على سطح هذا الكوكب، وهذا بحد ذاته إنجاز اجتماعي وتكنولوجي مذهل، غير طبيعي وغير مستقر. وعلى الرغم من ذلك عندما تقع الكارثة سننتبه إلى تعقيد حضارتنا، وأن هذا النظام بأكمله هو ارتجال تقني يمنعه العلم دائماً من الانهيار. من الناحية النظرية، يعرف الجميع كل شيء، ونعلم أن تغييرنا العرضي في الغلاف الجوي قد يقودنا إلى حادث انقراض جماعي، وأننا جميعاً بحاجة إلى التحرك بسرعة لتفادي ذلك.

 لكننا لا نتصرّف بناء على ما نعرفه، ولا نريد تغيير عاداتنا. هذا جزء أساسي من البنية القديمة للشعور وتقاليد العيش. ثم كشف الفايروس عن عدم المساواة والظلم غير العاديين في العالم. والآن يأتي هذا الغامض الذي بإمكانه أن يقتل أياً كان. إنه غير مرئي، ينتشر بسبب الطريقة التي نتحرك ونتجمّع فيها، لقد تغيرنا على الفور، وليس من الواضح إلى أين تقودنا هذه الأزمة، كما أنه من المستحيل تجنب التوقعات القاتمة للعام المقبل، وكل ما قيل عن أن عملية الإغلاق ستنتهي قريباً، وملاعب كرة القدم والمطاعم والمقاهي ستمتلئ قريباً، إلا محض خيال.

الأنماط الثابتة للسلوك أثناء الأوبئة: الذعر، الخوف، الخرافة، الأنانية، البطولة المفاجئة، الملل أثناء الحجر الصحي. أعداد هائلة من العائلات ستقوم بتخزين مخصصات غذائية كبيرة لها وتغلق على نفسها.

الحاجة القوية لمعرفة ما يمكن توقعه. الحكايات والتفاصيل الدرامية، وأرقام الإصابات التي تتزايد باطّراد على شاشة التلفزيون، مع خريطة العالم التي تمنح طعماً عدمياًّ وهي تتهاوى بالتدابير والالتباسات الكثيرة، مع الأعداد الهائلة وهي تغرق كلياً في الكارثة. الحياة عما كانت عليه ستغيب إلى غير رجعة. كل السلوكيات البشرية ستتغير بشكل مفزع. فالحديث سيأخذ شكلاً إيمائياً مغلفاً بنكهة شكسبيرية وغموض رهيب.

2

طاعون أثينا دمّر المدينة في اليونان القديمة خلال السنة الثانية من حرب البيلوبونيز 430 ق.م بين أثينا وإسبرطة.. يعتقد أنه دخل المدينة عبر ميناء بيريوس. وأن الاكتظاظ الناجم عن الحرب أدى إلى تفاقم الوباء. قوة جيش إسبرطة أجبرت الأثينيين إلى اللجوء وراء سلسلة من التحصينات تسمى “الجدران الطويلة ” التي كانت تحمي مدينتهم، حتى اضطرت أثينا إلى الاستسلام.

وباء وجودي لا مجاز بإمكانكَ أن تسبغه عليه. فكرة الرمزية في شكل شراء الذعر، وارتفاع معدلات الوفيات. الأخبار الجيدة دائماً تأتي من الكتب، لذلك فنقل المعلومات أمر حيوي. كل فترة تاريخية لها هيكل إحساس خاص بها. الفايروس يعيد كتابة مخيلتنا. ما كان مستحيلاً أصبح مفهوماً، إلى تغير الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء: ندخل بسرعة هائلة إلى عالم وعصر جديدين.

الآن تتصرف الحضارة الإنسانية بسرعة غريبة لتجنب مصائر الموت الجماعي، لأننا نعيش في لحظة ذات أهمية تاريخية، وندرك تماماً ما نقوم به.

في الأوبئة سريعة الحركة يتدفق عدد كبير من الضحايا إلى المستشفيات، أو يموتون في المنزل، إلى الشاحنات المبردة الجاثمة خلف المستشفيات تخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته. نحن الآن في أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.

3

تتتتت

 

أصبح للقيود الإجرائية أهمية ضرورية خلال حالة الطوارئ الصحية العامة، لذلك تستخدم السلطات في جميع أنحاء العالم الفايروس التاجي كذريعة للقضاء على حقوق الإنسان لأغراض سياسية، على الرغم من أن بعض القيود ضرورية بلا شك لمواجهة الوباء. هناك خطر حقيقي ماثل من أن تؤدي هذه الجائحة إلى تراجع عالمي دائم في الحريات الأساسية. الوباء يخلق وضعاً مثالياً للتضليل، فالعديد من الحكومات تستخدم هذا التهديد لتبرير الرقابة الشديدة، وإخماد مصادر المعلومات المستقلة، حتى الديمقراطيات الليبرالية لم تتجنب قيوداً معينة على الحريات الأساسية خلال أزمات الصحة العامة.

فجأة يكون للوقت لون بشرة مختلف، وأكثر ما يقلقنا هو الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة. يتم تذكيرنا باستمرار أننا ضئيلون بشكل لا يصدق، كما لو كان بإمكاننا النظر من فوق إلى أنفسنا ورؤية الجزئيات الصغيرة التي ترتدّ دون معنى. من يستطيع تفسير الخوف الجديد الهائل الذي يسري فينا؟ من كان يظن أننا سنكون بلا صوت؟ ها نحن نبقى في المنزل لإنقاذ العالم.

4

من الصعب تخيل المستقبل بعد هذه الجائحة، لكننا معاً سنحاول أن نشكله. أظن أنه حان الوقت كي نتعلم من دروس الهلع هذه، ونكتشف مدى قدرتنا على التحمل والتعاطف والاهتمام. إذ تكفي المشاهد المثيرة لبعض العروض الموسيقية التي حدثت على الشرفات من قبل أشخاص يسعون إلى جلب قليل من الفرح والابتسامة لجيرانهم، ثم مخاطرة البعض بحياتهم لرعاية الآخرين، وليس بالسهولة ما تمرّ به العديد من العائلات، لكن الذي يبقى مقلقاً هو مواجهة المجهول. إذ لن يعود العالم إلى ما كان عليه في السابق، لكن الفرصة قد تكون متاحة لإعادة تشكيله وجعله حيّزاً أفضل لساكنيه، مع القدر الكبير من الثقة والجرأة والانتباه والحب.

ما فقدناه لن يعيده السحر، ثمة شيء من وداع ما، وأكثر ما نتوق إليه الآن تلك الصور القريبة لبعضنا البعض في الشوارع والمقاهي وأماكن العمل والاختلاط مع الغرباء في الحانات، لأرواحنا الهائمة، للأرصفة، وللبلاد التي حلمنا أن نزورها يوماً ما.

مجرد اتجاه صغير في معضلة الخسارة، وارتفاع معدلات الاكتئاب والانتحار، والمخاوف، والانتكاسات النفسية.

هناك شيء ما يحدث في بيوتنا الحديثة، موطن السعادة الخالصة، التي سيغرقها البطء بمتعها الخاصة أيام الإجازات، بينما الأجسام المنزلية تتأمل المشهد كله وراء النوافذ.

ماذا عن مخيمات اللاجئين السوريين، وعن فكرة المأوى والبيت. عن الدروب التي تتشقق في عيون الأطفال العرايا، عن الطين الذي أتينا منه، عن الملح والماء الذي كنا نشربه في الجحيم. لا تضاريس للبيت إلا في الحلم. اللاجئ وطنه جسده.

5

يصرخ أحدهم “إذا ساءت الأمور وانتهكت حقوقنا بما فيه الكفاية، يمكننا أن نقف بأجسادنا للدفاع عن أنفسنا، وبأي طريقة نراها مناسبة”.

واجهت القيود الشاملة التي تهدف إلى احتواء الفايروس تمرداً صريحاً في بعض الولايات الأميركية التي تواجه طفرة مقلقة.

الأميركيون السود أكثر عرضة للوباء، ويرجع ذلك جزئياً إلى التفاوتات الاجتماعية الراسخة.

أحبط مسؤولو سجن لانسينغ انتفاضة عشرات السجناء بكنساس وسط مخاوف من ارتفاع حالات الإصابات بينهم. قاموا بدورهم بنهب المكاتب وتكسير النوافذ وإشعال حرائق هنا وهناك. ثم في وقت متأخر من المساء سيستسلمون، ويعودون إلى زنازينهم.

تأتي هذه الانتفاضة مرافقة لاحتجاج النزلاء في جميع أنحاء أميركا ضد حالة تفشي الفايروس في العديد من مرافق السجون. سيرفعون لافتة مكتوبة بخط اليد، متوسلين المساعدة من نوافذ زنازينهم.

6

اندلعت المظاهرات في معظم الولايات الأميركية عقب وفاة رجل أسود في مينابوليس، الذي كان ضحية للقتل على يد الشرطة. جورج فلويد اسم هذا الأميركي أجج غضب الشارع، واشتدت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، لتتحول فيما بعد الاحتجاجات السلمية إلى مسارب العنف والفوضى، وسط حظر تجوال تام، وانتشار الحرس الوطني، حيث صعّدت الشرطة استخدامها للقوة، وتم إطلاق الغاز والرصاص المطاطي على المتظاهرين في ولايات عديدة. عمليات نهب واسعة النطاق.

سيُدين رئيس أساقفة واشنطن ويلتون غريغوري زيارة ترامب إلى ضريح العاصمة، لتكريم البابا يوحنا بولس الثاني، والتكتيكات المستخدمة لفرصة التقاط الصور في كنيسة سانت جون الأسقفية، حيث أصدر الأخير قراراً بضرورة إخلاء المتظاهرين لأحد شوارع واشنطن ليتسنى له زيارة الكنيسة.

الصحافيون يُعتقلون، وتضربهم الشرطة أثناء الإحتجاجات. صوت التاريخ يخرج ثانية من أحشاء هذه القارة الفريدة، وثمة قلق واضح من الكيفية التي ستتغير فيها أميركا.

التغيير الديمغرافي قوة هائلة ليس من السهل إيقافها، في حين يتصارع القادة وصناع السياسة مع التحديات الحقيقية لمسار البلاد.

في العام 2020، أميركا أقلّ بياضاً وأكثر تنوعاً، فالمهاجرون لديهم الكثير من الأطفال.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.