الاستبداد ورصاص القلم

الجمعة 2016/04/01

الوطن العربي يمر بمرحلة عصيبة مخطط لها من طرف القوى الاستخباراتية الغربية المتصارعة على تقاسم النفوذ والسيطرة على الثروات، لإعادة تشكيله وفق رؤية “الشرق الأوسط الجديد”.

هذا ليس جديدًا فالغرب دائمًا يبحث عن حلّ أزماته ومشاكله الداخلية على حساب الشعوب الضعيفة المغلوبة على أمرها.

لقد ثارت الشعوب العربية في موجات ما يسمى بـ” ثورات الربيع العربي” على المستبدين المحليين والجلادين الساديين الذين عاثوا فسادًا وخرابًا ثم أرادوا توريث عروشهم لأبنائهم بكل صفاقة، باسم الوطنية والقومية وحتى باسم الدين، بعد أن فشلت كل مشاريعهم النهضوية والتحديثية والتنموية، لتتحول إلى مشاريع احتكار السلطة والدين والثروة ثم الانخراط في مشاريع الفساد المنظم والمقنن، في ظل مؤسسات تشريعية مزيفة أنجبتها صناديق الانتخابات المزورة، تسندها ديمقراطية الواجهة.

والمخجل أن الإنسان العربي كان ومازال ذلك الكائن/الرعية التابع لسيده ومولاه، الحاكم بأمره، ولم يحصل على حقوقه وحريته، لذلك بقي مضافًا إليه ومفعولًا به منذ فجر الظلم، وأصبح اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، مهددًا حتى في حق الحياة بين طاعون الاستبداد السّياسي وكوليرا الظلامية “المخبرية”، أما حق الحرية والعدالة الاجتماعية والرفاهية فهي ترف ونوافل.

إن الشعوب العربية اليوم تدفع ثمن، رفضها للأحادية، والاستبداد والعسف، وأشكال القهر والتنكيل والتعذيب، والابتزاز وتنخرط في إعادة تشكيل تصوّرات جذرية للوعي لبناء علاقة صحية وسويّة بين الحاكم والمحكوم. علاقة تحترم إنسانيّة الإنسان وكرامته، أساسها المواطنة المسؤولة، الضامنة للحقوق والواجبات بعيدًا عن الانحياز والتعصب للجنس والطائفة واللغة والإثنيات.

في خضمّ هذه الفوضى الخلاقة وهذا الحراك الشعبي المتسارع، الذي انقضّت عليه القوى المضادة الرافضة للتغيير مستعينة بالمراكز الأجنبية المشبوهة، لا يمكن لأيّ كاتب عربي حر له ضمير حي منحاز إلى الإنسان وقضاياه ومتشبع بالقيم الإنسانيّة النبيلة، أن يبقى محايدًا يتفرج على المأساة دون أن يكون له موقف حازم لفضح وإدانة ما يحدث من مؤامرات تقسيم البلدان وتفتيتها وتأليب الإثنيات والطوائف على بعضها وتأجيج نيران الحقد والغريزة، ونفخ جمر النعرات وارتكاب جرائم التصفية والتطهير العرقي، لتسوّقها الفضائيات لتضليل الرأي العام العالمي.

ومن هذا المنطلق فإن الكتابة، في مثل هذه الظروف، لن تكون ترفًا ولا “بريستيج” ولن تكون كتابة من أجل الكتابة غايتها البلاغة وزخرفها. بل من الواجب أن تصبح الكتابة موقفًا والتزامًا وسلاحًا، دفاعيًا، للتعبير عن سيرورة الواقع وتجلّياته، بملامسة أحلام الإنسان العربي (سيء الحظ) وتطلعاته المشروعة إلى الحرية والعدالة والرفاه.

هذا هو الخندق الحقيقي للكاتب العربي المتنوّر. أن يكون في الطليعة لمواجهة قوى الشر المفترسة المتربصة، ودون هذا الالتزام النبيل، فهي خيانة لبني جلدته وخيانة لقلمه وتفريط في مسؤوليته.

إن الشعوب العربية لم يوحّدها التاريخ المشترك والدّم المشترك واللغة المشتركة والجغرافيا المشتركة، كما لم توحّدها الشعارات القومية والاشتراكية وحتى الدّينية، لكن وحّدها الاستبداد والظلامية والعبودية والبربرية والخراب، آن الأوان للكاتب العربي أن يصدح بالحق، لأن الاستبداد والظلامية لن يهزمهما إلا رصاص القلم.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.