الحبر والدم

الجمعة 2016/04/01

في الماضي كان دور المثقف تنويريًا لدرجة أننا نستطيع من خلال متابعة الناتج الفكري والأدبي لكاتب ما معرفة كيف السبيل إلى الضوء في نهاية النفق، اليوم صار المثقف يصنع أنفاقًا ومتاهات أيديولوجية وطائفية لا يستطيع أن يخرج منها هو نفسه. ووقع الكثير من الكتّاب والأدباء غير مكرهين في هاويات الاستقطاب والطائفية والاصطفاف الحزبي. عززت وسائل التواصل الاجتماعي من خطاب الكراهية وزادت عبرها مفردات الشتم والتخوين وأصبحت الهوة الفكرية أكثر عمقًا وامتدادًا حتى وصلت إلى القاعدة. ثمّة إشكالية كبيرة اليوم تتمثل في انصراف الكتّاب عن التفكير في السؤال “ماذا أكتب؟” لصالح سؤال “أين أكتب؟” في هذه الصحيفة أم تلك، في هذا الموقع أم ذاك؟ وبالتالي باتت الكتابة مرهونة بالسياسة التحريرية للصحف لا بما يعتقده الكاتب. اللغة الرنانة والمفردات العنترية صارت هي الغلاف اللغوي الملائم لحالة التشظي في صراعات عربية – عربية بدأت في الماضي بتقسيم المثقفين إلى حداثي – محافظ وامتدت واتسعت لتصل إلى مسلم – مسيحي، سني – شيعي، ممانع – مطبع، يميني – يساري إلى آخر التصنيفات التي قد لا تنتهي ما دامت روح الانقسام والانصراف عن الهوية الجماعية لصالح الهويات الفرعية هي الشغل الشاغل للمثقف العربي في هذه الأيام.

قلة قليلة من الكتاب والمفكرين العرب هم من نأوا بأنفسهم عن المشهد لقناعتهم أن هذه المساحة الواسعة من الكراهية لا تكفي لقولٍ فصل. وقلة أخرى ترى أن مجرد الظهور سيجلب مزيدًا من الانقسام وتأويل الحق بما يخدم مذاهب حزبية. أكثر ما يزعج في الاستقطاب أن الحق مطّاط ويمكن تأويله وتلبيسه واستخدامه في غير موضعه. لا تنتظروا المثقف الغارق حتى أذنيه في الصراعات الطائفية والقومية والدّينية والفكرية لأنه ببساطة لن يكتب. وإن كتب فلن نجد في نصّه ما يعوّل عليه. لا تنتظروا نصًا شعريًا أو نثريًا من مثقف يلتصق بشدة بحزبه وطائفته لأن القرب الزائد حجاب. لا تنتظروا من الذاهب إلى معسكرات التخوين ولا العائد من تجمعات التكفير وطوابير المال السّياسي فكرًا، فلو فكّر فما وصل إلى هناك. لا تنتظروا من كتّاب الإمبريالية ومثقفي الفنادق شعرًا أو رواية، لا تنتظروا مسرحًا أو نثرًا، فالذي تتغمس يده في الدّم لا يكتب.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.